23-يوليو-2016

آعسكري أجنبي في ليبيا، ولكن حول دوره وطبيعته (Getty)

"ينعي وزير الدفاع جون ايف لودريان فقدان ثلاث جنود فرنسيين قُتلوا تحت الخدمة في ليبيا"، بهذه الجملة من بلاغ صحفي لوزارة الدفاع الفرنسية، تأكّد ما كان مخفيًا، وانكشف ما حرصت فرنسا وقوات حفتر على إخفاءه طيلة الأشهر الماضية.

لم يعد السؤال اليوم حول وجود دور عسكري أجنبي في ليبيا، فلم يعد ذلك محل شك، إلا إنه ظلّ السؤال استتباعًا حول طبيعة هذا الدور وإطاره

اعترفت فرنسا لأوّل مرة بصفة علنية بمشاركة قوات لها في عمليات عسكرية في ليبيا، وإن لم تكشف بعد طبيعة هذه المشاركة وحجمها. وقد بيّن هذا الاعتراف ازدواجية الموقف الفرنسي في الساحة الليبية، بين دعمها السياسي المعلن لحكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليًا من جهة ودعمها العسكري غير المعلن لقوات حفتر شرق البلاد التي ترفض الانضواء تحت راية هذه الحكومة من جهة أخرى.

اقرأ/ي أيضًا: أمريكا والانقلاب الأخير في تركيا

ولم يكن مفاجئًا بشكل كامل إعلان وجود قوات فرنسية تقاتل على الأرض إلى جانب قوات حفتر، فقبل أسابيع كشفت تسجيلات صوتية سرّبها موقع بريطاني محادثات لاسلكية بين طيارين ومراقبين جويين يتحدثون بالعربية والإنجليزية بلكنات بريطانية وفرنسية وإيطالية وأميركية. ومثّلت هذه التسجيلات دليلًا على وجود قوات أجنبية في شرق البلاد، التي لم تكن بخفية على الجميع.

ففي بداية آذار/مارس المنقضي، كشف مراسل صحيفة "لوموند" الفرنسية في تونس، "فريديريك بوبان" في مقال بعنوان "الغربيون في فخ ليبيا الجهنمي" عمّا أسماها "الحرب الخفية" التي يقودها الغرب في ليبيا دون وجود تفويض شرعي. ولا تقتصر المشاركة على الفرنسيين فقط، فقد تحدث رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس العموم البريطاني منذ أكثر من أربعة أشهر عن وجود قوات خاصة بريطانية في ليبيا وهو ما نفته حينها وزارة خارجية بلاده.

لم يعد السؤال اليوم حول وجود دور عسكري أجنبي في ليبيا، فلم يعد ذلك محل شك، إلا إنه ظلّ السؤال استتباعًا حول طبيعة هذا الدور وإطاره. هل يتعلق الأمر بدعم استخباراتي معلوماتي أم دعم عسكري عملياتي؟

حادثة مقتل الفرنسيين تؤكد أن الدور الفرنسي على الأقل يتجاوز مستوى المستشارين العسكريين للمشاركة العملية إلى جانب قوات حفتر. في الأثناء، تؤكد الدبلوماسية الفرنسية وقوفها إلى جانب حكومة الوفاق الوطني، التي يناصبها حفتر العداء بصفة صريحة. ولم تتأخر حكومة السراج لتعلن رفضها لوجود عسكري فرنسي دون موافقتها، ما جعل الفرنسيين في موقف محرج، زاده خروج آلاف الليبيين للشارع في طرابلس حرجًا، خاصة لما حُرق العلم الفرنسي.

اقرأ/ي أيضًا: الجدول الزمني لصعود وهبوط الانقلاب في تركيا

يبرر المسؤولون الفرنسيون، تدخلهم في ليبيا، أمام الرأي العام الداخلي بأن فرنسا تقوم بمواجهة إرهاب الدولة الإسلامية في كل مكان

ففي 2011 حرق أنصار القذافي علم فرنسا في طرابلس لأنها تتصدّر المشاركين في الغطاء الجوي للناتو، وفي 2016 يحرق الليبيون في طرابلس، سواء من مؤيدي حكومة السراج وكذلك رافضيها وتحديدًا مجموعات الثوار الموالية للمؤتمر، علم فرنسا كذلك. بذلك، يخسر الفرنسيون على واجهات متعدّدة، سواء على المستوى الشعبي أو السياسي، إذ مثّل بلاغ حكومة الوفاق ضربة مُحرجة للفرنسيين الذين باتوا يُسألون عن الأساس القانوني لتدخلهم العسكري. إذ لا يوجد تفويض أممي، ولا توجد دعوة من الحكومة الشرعية المعترف بها دوليًا. وإن كان قد يُهرع للقول بأن الدعوة متأتية من حكومة الشرق، فذلك يؤكد ازدواجية الفرنسيين، بدعم سياسي لهذا وعون عسكري لذاك.

يبرر المسؤولون الفرنسيون، تدخلهم في ليبيا، أمام الرأي العام الداخلي بأن فرنسا تقوم بمواجهة إرهاب الدولة الإسلامية في كل مكان، وربما مثل هجوم نيس الأخير دفعة لإقناع الفرنسيين بضرورة توسيع دائرة مواجهتهم للخطر الذي بات يضرب بقوّة عقر دارهم. بيد أن السؤال الذي يُراد إغفاله يجيء، هل حقًا الفرنسيون في ليبيا يواجهون الدولة الإسلامية؟

في الواقع وعلى الأقل لم تكن الطائرة الفرنسية تضرب معاقل لداعش، ولم يُقتل الطيّارون الثلاثة بصاروخ حمله مقاتلو هذا التنظيم على أكتافهم، بل إن الفرنسيون كانوا يقدمون غطاًء جويًا لقوات حفتر في مواجهة "سرايا الدفاع عن بنغازي"، التي تبنّت إسقاط المقاتلة الفرنسية. 

وقد تشكل هذا التنظيم قبل أسابيع قليلة، ووفق قول قياداته أنه تمّ انشاءه للدفاع عن مدينة بنغازي ومؤازرة مجلس شورى ثوار المدينة في مواجهة قوات خليفة حفتر. حيث يمثّل هذا الفصيل خصمًا جديدًا لحفتر في شرق البلاد، في تناحر انطلق قبل سنتين بعد إعلان عملية الكرامة، ولم يعرف بعد هدنة أو حلّ. بذلك يتبيّن أن التدخل الفرنسي هو في الحقيقة في صف فصيل، يشدّد على أنه يمثّل الدّولة الليبية، في مواجهة فصيل آخر، في حرب أهلية داخلية، لا يمثل تنظيم الدولة طرفًا فيها في هذا الجانب.

أكدت ازدواجية فرنسا في التعامل مع الفاعليين الليبيين أنهم يريدون ألا يضعوا بيضهم كله في سلة واحدة، وهذا ما يسعى في الواقع أغلب الفاعلين الإقليميين والدوليين على تحقيقه، وذلك في ظلّ بركان لا يُعرف بعد مآل حممه التي تزداد توهّجا كلما ذهب الظنّ لقرب خمادها. بيد أن ليبيا مستنقع ميداني، وفي المستنقعات دائما ما يُخشى التورّط الذي يجعل الخروج مُكلفًا، وحماسة الفرنسيين بضرورة أن يفعلوا أي شيء أو كل شيء في ليبيا، جعلتهم بموضع المتناقض جهرًا والحرج علنًا أمام الجميع.

بين التحرّك لمكافحة تنظيم الدولة في ساحل المتوسط، وضرورة تسوية الصراع الليبي، والتنافس غير الخفي مع حلفائها الأوروبيين والأمريكيين في معركة النفوذ في ليبيا، يتحرّك الفرنسيون في كلّ الاتجاهات وبينما يظنّون أنهم يوزّعون بيضهم على الكلّ، فإن سياستها تبدو متخبّطة تبحث عن آفق لها وربما تسأل عن استراتيجية مفقودة قبل كل شيء.

اقرأ/ي أيضًا: 

الإثارة الانقلابية التركية