02-مارس-2017

تظاهرة في طرابلس إحياء للذكرى السادسة لثورة 17 فبراير (حازم تركية/الأناضول)

على أساس مبادرة دول الجوار التي تبنّاها "إعلان تونس الوزاري" مؤخرًا، والتي عنوانها الرئيسي إطلاق حوار ليبي-ليبي، انطلقت المشاورات مع الفاعلين في ليبيا بهدف تحديد خارطة طريق من المنتظر أن يتبناها اجتماع القمة بين رؤساء تونس ومصر والجزائر المنتظر عقده قريبا في العاصمة الجزائرية.

حيث يتوقف عقد هذا الاجتماع على قدرة الليبيين على الوصول لخارطة طريق توافقية تمثل مسلكًا لحلّ الأزمة، وهو الرّهان الصّعب الذي لازالت بوادر تحقيقه غير بيّنة.

في تشخيص الأزمة الليبية بعد سقوط نظام القذافي، دائمًا ما يتم تجاهل الخلل في عنصر المسار المؤسساتي الانتقالي في المرحلة الأولى

يعود فشل اتفاق الصخيرات لفشل خريطة الطريق التي اعتمدها، وتحديدًا ما يتعلق بمصادقة مجلس نواب الشعب على حكومة الوفاق الوطني، وهو ما لم يتمّ ليظلّ الصراع المؤسساتي في البلاد نتيجة عدم انصهار هذه المؤسسات ضمن كتلة سياسية وعسكرية موحّدة.

ففي تشخيص الأزمة الليبية بعد سقوط نظام القذافي، دائمًا ما يتم حقيقة تجاهل الخلل في عنصر المسار المؤسساتي الانتقالي في المرحلة الأولى وهو ما تعاظم بعد اتفاق الصخيرات على النحو المبين بوجود 3 حكومات (الوفاق والوقتية والإنقاذ) و3 مجالس نيابية (النواب والمؤتمر ومجلس الدولة).

اقرأ/ي أيضًا: مسوّدة دستور ليبيا تحت المجهر

ليظل الرّهان الحالي هو الانتقال من التعددية المؤسساتية المتحاربة على شرعية الدولة (الوجود والإلغاء)، إلى التعددية المؤسساتية المنضوية تحت شرعية الدولة (التكامل والاحتواء). ومن المهم العودة لتبين مواطن الاخلال طيلة الفترات السابقة للاعتبار منها.

ففي 2012، تم الاتفاق بداية على انتخاب المؤتمر الوطني العام لإدارة الدولة وتكوينه للجنة لصياغة الدستور من بين أعضائه. وتم لاحقا تعديل القانون ليقوم المؤتمر بتعيين أعضاء اللجنة من غير أعضائه.

وقبل بضعة أيام من الانتخابات، وقع تعديل آخر يقضي بالانتخاب الشعبي المباشر لأعضاء اللجنة التأسيسية بقانون انتخابي يصدره المؤتمر الذي أصبح بمثابة - مجلس بلدي وطني - حيث كانت مهمته الوحيدة هي إدارة الدولة حيث تصارعت مراكز القوى السياسية والاجتماعية والعسكرية على فرض نفوذها في البلاد.

ليس المهم اليوم إجراء انتخابات في ليبيا بهدف تحيين الشرعية الانتخابية، فالأهم هو الاتفاق على خارطة طريق تنتهي بنظام ديمقراطي

فشل الليبيون في تحقيق التوافق فيما بينهم حينما تم اعتماد المغالبة السياسية من قبل القوى المسيطرة على المؤتمر الوطني العام على حساب منطق التأسيس الذي يفترض تجاوزًا للمغالبة السياسية نحو نطاق أرحب يسعى للتوافق.

ولذلك تم الاتفاق لاحقًا على انتخاب جهاز نيابي آخر ينسخ المؤتمر الوطني بهدف تركيز جهاز "محيّن" الشّرعية، وكانت نتائج هذه الانتخابات مغايرة تمامًا عن نتائج المؤتمر الذي احترزت الكتل الفاعلة فيه على اخلالات إجرائية في تركيز مجلس النواب، وبذلك ظل كل جهاز نيابي يدعي الشرعية.

فالخلل الأساسي تمثل في عدم قدرة المؤسسات المنتخبة في احتواء النزاعات السياسية والاجتماعية والميدانية التي كانت تمظهراتها وتجاذباتها تتم خارج الإطار المؤسسي الذي كان قاصرًا على أن يكون إطارًا لعملية سياسية سلمية.

اقرأ/ي أيضًا: في ليبيا.. معرض للسيارات القديمة

في هذا السياق، تم اهمال المؤسسة التأسيسية أي لجنة الستين التي تتولى صياغة دستور البلاد. حيث لم يقع انتخابها إلا سنة 2014. واستطاعت لاحقًا هذه اللجنة صياغة مشروع دستور توافقي في أبريل 2016 بعد مفاوضات حثيثة في مسقط تحت إشراف الأمم المتحدة.

وحاليًا لازال هذا المشروع مهمشا حيث يغيب الحديث عنه حتى الآن ضمن خارطة الطريق الجديدة المنتظرة التي يُخشى أن يكون مآلها الفشل على غرار ما سبقها.

فشل الليبيون في تحقيق التوافق فيما بينهم حينما تم اعتماد المغالبة السياسية

ولذلك أي خارطة طريق قادمة تتجاهل مشروع الدستور الجاهز منذ قرابة سنة ولا تعطي أولوية لإصدار قانون الاستفتاء عليه وإعادة تشكيل مفوضية الانتخاب لا يعوّل عليه. فالمشكل في ليبيا هو غياب آفاق لحل سياسي سلمي ودائم نتيجة تعدّد المؤسسات الانتقالية التي لم تحقق الحد الأدنى من مهامها مع إهمال التأسيس الدستوري.

لازالت هناك أطراف دولية ومحلية من مصلحتها استدامة مرحلة الفوضى السياسية والعسكرية في البلاد وافشال أي أرضية لتجاوزها، حيث تعمل هذه الأطراف على مزيد تكريس نفوذها في الفوضى لخشيتها من خسارة هذا النفوذ في عملية سياسية وبأدواته الديمقراطية.

بالنهاية ليس المهم اليوم إجراء انتخابات في ليبيا بهدف "تحيين" الشرعية الانتخابية، وذلك على ضوء مطالبات لتنظيم انتخابات بداية السنة القادمة، فالأهم هو الاتفاق على خارطة طريق تنتهي لتأسيس نظام ديمقراطي.

ففي مصر، تم تنظيم الانتخابات والاستفتاءات الواحدة تلو الأخرى منذ استفتاء آذار/مارس 2011، ولم تكن هذه الآليات الجذابة إلا خافية لفوضى طيلة المرحلة الانتقالية.

اقرأ/ي أيضًا:
الجيش الجزائري.. عين على ليبيا وأخرى على تونس
الإعلام العامل في ليبيا.. "من أنتم"؟