30-مارس-2024
حرص الغنوشي على بناء تحالف واسع للمشاركة في الحكم قبل وقوع الانقلاب (GETTY)

حرص الغنوشي على بناء تحالف واسع للمشاركة في الحكم قبل وقوع الانقلاب (GETTY)

نشر الرئيس التركي الأسبق عبد الله غل، مقالًا على موقع المنظمة الصحفية الدولية "بروجيكت سينديكيت" سلط فيه الضوء على رئيس حركة النهضة التونسية راشد الغنوشي، المعتقل منذ 17 نيسان/أبريل 2023.

واعتبر غل أنّ الواجب باعتباره "رئيسًا سابقًا تحدث منذ فترة طويلة عن الاضطهاد السياسي، يلزمه إلى لفت الانتباه إلى محنة راشد الغنوشي، الذي يفترض أنّ تنتهي فترة اعتقاله هذا الصيف، لكن يبدو أنه سيتم التمديد له". معبرًا عن أنّ هذا الاحتمال يؤلمه، كما يؤلم كل مؤمن حقيقي بالديمقراطية. مشيرًا إلى أنّ "الغنوشي خدم بلده وشعبه بكل احترام، ولا يستحق أن ينسى خلف القضبان".

ولفت الرئيس التركي الأسبق إلى أنه بعد ثورة الياسمين كان أول رئيس أجنبي يخاطب الجمعية التأسيسية في تونس في آذار/مارس 2012، معبرًا عن ارتياحه وإعجابه بالإجماع الوطني الناشئ بين العلمانيين والمحافظين، وأنه إنجاز كبير وعلامة على النضج الديمقراطي.

قال الرئيس التركي الأسبق: الغنوشي جازف واختار المسار الذي نادرًا ما يتم اختياره في المنطقة، لقد حرص على التوصّل إلى تسوية مع الآخرين وبناء تحالفات واسعة ومشاركة الحكم

وذكر فيه خطابه حينها، الذي أكد فيه على أن "العالم كله، وخاصة العالم العربي والإسلامي، المناضلين من أجل الحرية والعدالة والحقوق والكرامة، قد وجّهوا عقولهم وقلوبهم نحو تونس". مشيرًا إلى أنه بعد 25 عامًا من حكم الرجل الواحد، كانت تونس "تبعث رسالة واضحة إلى العالم، بأن الديمقراطية ليست شكلًا من أشكال الحكم الذي يقتصر على الغرب، وكان وراء هذه الرسالة رجل حكيم وقدوة للجميع بإخلاصه للمبادئ الديمقراطية والتسامح، ألا وهو الغنوشي".

وأضاف غول أنّ "الغنوشي، مؤسس وزعيم حركة النهضة، الحركة الديمقراطية الإسلامية في تونس. مثقف يؤمن بإمكانية التعايش حتى بين الأشخاص والجماعات المختلفة بشكل عميق، وهو أيضًا عالم دين شجاع سعى إلى تقديم تفسير معاصر للفهم الإسلامي يتميز بالتزام واضح بقيم الحرية والديمقراطية، وكان منذ فترة طويلة مدافعًا شجاعًا عن حقوق المرأة في المجتمع والاقتصاد والمؤسسات الدينية".

وبحسبه "جعلت هذه المبادئ الغنوشي زعيمًا سياسيًا مثاليًا في تونس وفي العالم. لكنها لم يجعل حياته سهلة. فقد كان سجينًا سياسيًا في الثمانينيات قبل أن يقضي 22 عامًا في المنفى بأوروبا. وعندما أطيح بالرئيس التونسي زين العابدين بن علي في عام 2011، عاد إلى وطنه وتم الترحيب به على الفور باعتباره السياسي الأكثر شعبية في تونس. وفي تلك المرحلة، كان بإمكانه اتخاذ الطريق السهل، كما فعل العديد من معاصريه، من خلال القيام بحملة شعبوية تأمن مكانة للنهضة كحزب مهيمن، ومتابعة أجندته السياسية المفضلة دون تقديم تنازلات".

وبناءً على الفقرة السابقة، أضاف: "الغنوشي جازف واختار المسار الذي نادرًا ما يتم اختياره في المنطقة، لقد حرص على التوصّل إلى تسوية مع الآخرين وبناء تحالفات واسعة ومشاركة الحكم مع العلمانيين والديمقراطيين الاشتراكيين ومجموعات أخرى، بدلًا من الترشح للمنصب، كما أراده الكثيرون أن يفعل، ومهد الطريق للأجيال الشابة، مع تخفيف الأصوات الأكثر راديكالية داخل حزبه. وعندما حان الوقت، لم يحاول احتكار السلطة تحت حكم الحزب الواحد، بل دعم ترشيح الناشط العلماني البارز في مجال حقوق الإنسان منصف المرزوقي للرئاسة".

ولفت غل، إلى أنه كلما اندلعت أزمة سياسية أو اجتماعية جديدة، كان الغنوشي يتحدث باستمرار عن دولة تكون فيها السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية منفصلة، ويكون فيها حكم القانون هو الأسمى، وتضمن حريات الضمير والتعبير وتكوين الجمعيات. وكان يعلم أن تكرار أخطاء الماضي المتمثلة في حكم الحزب الواحد لن يوفر السلام والاستقرار المستدامين للتونسيين.

وقال الرئيس التركي الأسبق: "بسبب النهج الحكيم والشامل الذي رعاه الغنوشي، حصلت اللجنة الرباعية للحوار الوطني التونسي (مجموعة من منظمات المجتمع المدني التي ساعدت في تأمين دستور ديمقراطي جديد) على جائزة نوبل للسلام في عام 2015. واعتمدت تونس دستورًا يمكن أن يكون نموذجًا لبقية المنطقة. حققت الركائز الرئيسية للمجتمع التونسي، العلمانيون والليبراليون والإسلاميون واليساريون، حلًا وسطًا صعبًا، لكنه واسع لصالح التعددية والحرية. وكانت لحظة استثنائية للشرق الأوسط وشمال أفريقيا والعالم الإسلامي الأوسع".

لكن المقال أشار إلى أنّ القصة التونسية لم تنته كما بدأت. موضحًا: "قبل ثلاث سنوات، تم تعليق عمل البرلمان التونسي المنتخب ديمقراطيًا، وكان الغنوشي رئيسًا له، ثم ما لبث أنّ حُلّ، وأقيلت الحكومة. وبعد أنّ ألقي القبض على الغنوشي في نيسان/أبريل الماضي، حكم عليه بالسجن لمدة عام في أيار/مايو. وفي الآونة الأخيرة، حكمت محكمة تونسية على الغنوشي بالسجن لمدة ثلاث سنوات إضافية، فيما يبدو أنه محاولة لإطالة أمد سجنه بشكل تعسفي".

وبحسب الرئيس التركي الأسبق، فإن "السجن المطول للغنوشي، البالغ من العمر 82 عامًا، يدمر الرسالة الملهمة التي أرسلتها تونس إلى المنطقة والعالم قبل 12 عامًا. لذا يحتاج التونسيون إلى تعزيز الانتقال الديمقراطي الذي فعل الغنوشي الكثير لتحقيقه، وليس عكسه. وتحتاج تونس إلى المزيد من المشاركة، وليس المزيد من ضيق الأفق".

واعتبر غل محاكمة مثل هذه الشخصية السياسية المعتدلة في مجتمع مسلم ينذر بالسيء بالنسبة للجهات الفاعلة السياسية الأخرى التي تدافع عن قيم مماثلة للتعايش والتسامح.

وفي ختام مقاله أعرب الرئيس التركي السابق عن آمل شخصيًا بإنهاء احتجاز الغنوشي قريبًا، قائلًا: "ستكون لفتة قوية من تونس، وهي بلد جَسد تقليديًا روح الحرية والتسامح والإرث الثمين لابن خلدون".