05-ديسمبر-2016

تظاهرة ضد مرشح اليمين المتطرف نوربرت هوفر (عمر ماركيز/الأناضول)

هكذا إذًا أعلن النمساويّون رفضهم لاحتماليّة أن يكون على رأس الدولة اليمينيّ المتطرّف نوبرت هوفر، وذهبت أصوات الناخبين إلى الزعيم السابق لحزب الخضر والذي قال عن نفسه إنّه سيحرص على قيم "الانفتاح والليبراليّة" وإنّه سيحرص كلّ الحرص على أن تبقى النمسا جزءًا من الاتّحاد الأوروبيّ.

أعلن النمساويّون رفضهم لاحتماليّة أن يكون على رأس الدولة اليمينيّ المتطرّف نوبرت هوفر، وذهبت أصوات الناخبين إلى منافسه الليبرالي

وقد نافس أليكساندر فان دير بيلين في هذه الانتخابات كمرشّح مستقلّ وأحرز تقدّمًا بفارق كبير على مرشّح حزب الحريّة اليمينيّ المتطرّف، نوربرت هوفر، مقارنة بنتائج الانتخابات التي أجريت في أيار/مايو المنصرم والتي قضت المحكمة الدستوريّة بإعادتها بسبب بعض المخالفات التي أثّرت على عدد كبير من أصوات الناخبين.

اقرأ/ي أيضًا: هل يتكرر سيناريو ترامب في النمسا؟

وقد أقرّ هوفر بهزيمته بعد أقلّ من نصف ساعة على إعلان النتائج الأوليّة للانتخابات يوم الأحد، وكتب على حسابه الشخصيّ في فيسبوك: "أهنّئ أليكساندر فان دير بيلين على نجاحه وأطلب من جميع النمساويين التعاون والعمل بروح واحدة". وأكّد هوفر أنّه عازم على الترشّح للانتخابات الرئاسيّة مجدّدًا بعد ستّة أعوام.

وفي حديث لفان دير بيلين أمام وسائل الإعلام العالميّة عقب انتهاء التصويت قال إنّ هذه الانتخابات ليست مجرّد إعادة، ولكنّها "انتخابات جديدة كليًّا بعد التغيّرات التي شهدها العالم حولنا"، مشيرًا بطبيعة الحال إلى نتيجة تصويت البريطانيين للخروج من الاتّحاد الأوروبيّ وفوز دونالد ترامب في الانتخابات الأمريكيّة. وقد وصف فان دير بيلين نتيجة الانتخابات بأنّها مؤشّر على "الأمل والتغيير في كافّة عواصم أوروبا".

أمّا فيرنر كوغلر أحد السياسيين في حزب الخضر فقد وصف فوز بيلين بأنّه "مواجهة ضد موجة عالميّة عارمة في هذه الأوقات المقلقة، إن لم أقل الهستيرية أو حتّى الغبيّة".

وكان فان دير بيلين في الانتخابات التي جرت في أيار/مايو الماضي قد حاز على 30،863 صوتًا فقط وكان معظم المراقبين قد توقّعوا نتيجة مشابهة في انتخابات الإعادة في الأمس، حتّى أنّ البعض قد قالوا إن النتيجة لن تحسم إلا في منتصف الأسبوع على الأقلّ. ولكنّ ما جرى في واقع الأمر هو أنّ نتيجة هذه الانتخابات التي امتدّت حملاتها طوال سنة بأكملها تقريبًا قد اتّضحت للجميع خلال عشر دقائق ومنذ إعلان النتائج الأولّية، وذلك بعد أن حصل فان دير بيلين على 53% من الأصوات وذلك بعد فرز الأصوات في أكثر من 60% من الدوائر الانتخابيّة، ممّا كان مؤشّرًا قاطعًا على أنّ النتيجة قد حسمت تمامًا لصالح فان دير بيلين.

وبعد الانتهاء من فرز الأصوات بحدود السابعة مساء بتوقيت النمسا كان بيلين قد حاز على 53.3% من الأصوات، محقّقًا زيادة بلغت 3% على نتائج الانتخابات التي جرت في أيّار/مايو الماضي، حين حاز على 50.35% من الأصوات مقابل 49.65% لهوفر. أمّا في العاصمة فيينّا فقد حاز فان دير بيلين هذه المرّة على 65% من الأصوات مقابل 35% لهوفر.

المرشح اليميني المتطرف نوبرت هوفر، الذي خسر الانتخابات، كان قد تعهد بإجراء استفتاء على عضوية النمسا في الاتحاد الأوروبي

اقرأ/ي أيضًا: فرانسوا فيون في الإليزيه..من يدري

وكانت المحكمة الدستوريّة العليا في النمسا في تمّوز/يوليو من العام الجاري قد أبطلت نتيجة الانتخابات التي جرت في أيار/مايو، وذلك عقب تحقيق كشف عن بعض المشاكل في فرز الأصوات في بعض الدوائر الانتخابيّة. ومع أنّ المحكمة أكّدت أنّه لم يتمّ العثور على أيّ دليل يثبت أي تلاعب مقصود في الانتخابات، إلا أنّها أشارت إلى أنّ الخلل قد أثّر على 77.926 من الأصوات التي كان يمكن أن تكون من نصيب هوفر أو فان دير بيلين، وأنّ هذا الخلل كافٍ، من ناحية نظريّة، إلى قلب نتائج الانتخابات.

وقد خالف النمساويّون التوقّعات، فمع البرودة القارسة والضجر المتوقّع من الحملات الانتخابية خلال السّنة، لم يكن من المتوقّع أن يكون الناس متحمّسين كثيرًا للمشاركة في الانتخابات، ولكنّ ما حصل هو العكس تمامًا، إذ وصلت نسبة الاقتراع إلى 73.8% في حين بلغت في أيّار الماضي 72.65%. وقد أشار العديد من السياسيّين في النمسا عند تعليقهم على نتائج الانتخابات وارتفاع نسبة التصويت أنّ قرار بريطانيا الخروج من الاتّحاد الأوروبي، قد ساعد فان دير بيلين على تحقيق التقدّم على منافسه هوفر في انتخابات الإعادة في الأمس.

وكان هوفر قد تعهّد بإجراء استفتاء على عضويّة النمسا في الاتحاد الأوروبيّ، أمّا فان دير بيلين فقد ركّز في حملته الانتخابيّة الثانية على أهمّية البقاء تحت مظلّة الاتّحاد الأوروبيّ، وأنّ التصويت له يعني "لا للخروج من الاتّحاد الأوروبيّ".

وقد توالت ردود الفعل أوروبيًّا على نتائج الانتخابات في النمسا، إذ عبّر سيغمار غابرييل، نائب المستشارة الألمانيّة أنجيلا ميركل وزعيم الحزب الديمقراطي الاجتماعي عن سعادته لما آلت إليه الانتخابات وأنّ انتصار فان دير بيلين هو "انتصار لصوت العقل على شعبويّة اليمين" و"أمر يبعث على الارتياح في كلّ أوروبا".

أمّا وزير خارجيّة لوكمسبورغ جين أسلبورن فقد قال: "بعد فوز ترامب في أمريكا واستفتاء بريطانيا للخروج من الاتحاد الأوروبيّ فإنّ نتيجة الانتخابات في النمسا قد أظهرت أنّ صوت العقل والتسامح والإنسانيّة ليس غريبًا عنّا في الانتخابات التي تجري في دول الاتّحاد الأوروبي. إنّ نتيجة الانتخابات أمر إيجابيّ لسمعة النمسا وقيم الاتحاد الأوروبيّ."

وحريّ بالتذكير هنا أنّ منصب الرئاسة في النمسا ليس تنفيذيّا بحتًا كما هي الحال في الولايات المتحدة، ولا تمثيليًّا بحتًا كما هي الحال في ألمانيا. فلن يكون من صلاحيات فان دير بيلين مثلًا اقتراح قوانين أو التدخّل في الشؤون الوزاريّة أو إقالة وزراء أو إعلان حالة الحرب. ومع أنّ منصب الرئيس في النمسا يظهر على أنّه اعتباريّ وحسب، ولكنّ هذا يعود إلى أنّ الرؤساء السابقين فضّلوا تفسيره على هذا النحو، مع أنّ الدستور النمساويّ قد خضع لتعديل عام 1929 لتوسيع صلاحيّات الرئيس، وذلك تماشيًا مع التوجّهات السلطويّة التي سادت في تلك الفترة، ولم يتمّ العودة رسميًّا عن هذه التعديلات بعد العام 1945.

اقرأ/ي أيضًا: 

اليمين الفرنسي ينادي فيون من بعيد: فخامة الرئيس!

ألمانيا..ميركل تسعى نحو ولايتها الرابعة