21-نوفمبر-2016

المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل (Getty)

أعلنت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، التي تواجه أوقاتًا عصيبة في الداخل لكنها تعتبر على نطاقٍ واسع أحد أعمدة الليبرالية الغربية، أمس الأحد، أنها سوف تسعى إلى شغل ولايةٍ رابعة العام القادم، حسبما أوردت صحيفة نيويورك تايمز.

رفضت ميركل فكرة أنه عقب انتخاب ترامب، سيقع على عاتقها وحدها مهمة الحفاظ على الليبرالية الغربية، واصفة ذلك بأنه أمر سخيف

بصوتٍ أجش قليلًا لكنه واضح العزم قالت ميركل، بعد استشارة قادة حزبها المسيحي الديمقراطي المحافظ، إن قرار السعي إلى ولايةٍ رابعة "ليس بسيطًا على أي نحو" بالنسبة إلى بلادها وحزبها وشخصها. ورفضت ميركل، عالمة الكيمياء ذات الأسلوب الهادئ، فكرة أنه عقب انتخاب دونالد ترامب كرئيسٍ للولايات المتحدة فإنه يقع على عاتقها وحدها مهمة الحفاظ على حياة الليبرالية الغربية، واصفةً ذلك بـ"الغريب، بل أنه يكاد يكون سخيفًا".

اقرأ/ي أيضًا: ميركل..ورقة الليبرالية الغربية الأخيرة في أوروبا

وأضافت أيضًا أن الحملة المقبلة عشية الانتخابات الألمانية في خريف 2017 سوف تكون مختلفة عن أي انتخاباتٍ خاضتها من قبل في بلدٍ يزداد فيها الانقسام. تواجه ميركل تحدياتٍ أقوى من قِبل اليمين واليسار، بينما تمزق ألمانيا أزمة الحرب في سوريا ووصول مجموعاتٍ كبيرة من اللاجئين واستمرار أزمة اليورو، وتفرض على شعبها متطلباتٍ جديدة.

ومنذ الانتخابات في الولايات المتحدة، تصاعدت التكهنات بأن ميركل سوف تخضع للضغوط المطالبة باستمرارها والحفاظ على القيم الليبرالية في عالمٍ يشهد تحولًا كبيرًا تحت تأثير فوز ترامب وتصويت بريطانيا الصيف الماضي بالخروج من الاتحاد الأوروبي.

خدمت ميركل، البالغة من العمر 62 عامًا، 11 عامًا كمستشارةٍ لألمانيا. كانت ميركل أول امرأة وأول شخص نشأ في ألمانيا الشرقية الشيوعية يشغل هذا المنصب. ومنذ أن شغلت المنصب عام 2005، شغلت ميركل بالتدريج مكانةً سياسية تتناسب مع قوة بلادها، التي تعد أكبر اقتصادٍ في أوروبا وأكثر دولها سكانًا، حيث يبلغ عدد سكانها 81 مليون نسمة. لكن صورتها كراعيةٍ حريصة على مصالح بلادها قد تضررت داخليًا، العام الماضي، بعد أن فتحت أبواب ألمانيا لمئات الآلاف من طالبي اللجوء، أغلبهم لاجئين مسلمين فارين من الحروب في الشرق الأوسط وأفريقيا.

أضعفت احتمالية إدماج حوالي مليون قادمٍ جديد في ألمانيا وضع ميركل في الداخل، رغم حصولها على بعض الإشادة خاصةً من الرئيس الأمريكي باراك أوباما. في زيارةٍ لألمانيا الأسبوع الماضي، أغدق أوباما بالمديح على أقدم حليفٍ له خلال سنواته الثمانية في منصبه، قائلًا إنه لو كان ألمانيًا كان ليصوت لصالحها. واستجابت ميركل لانتخاب ترامب بمناشدةٍ قوية له باتباع القيم الغربية واحترام الكرامة الإنسانية. هذا، كما قالت ميركل، هو أساس التعاون الوثيق. حتى مع سعي المعلقين والزعماء من خارج ألمانيا إلى إبراز مكانتها، كانت ميركل حريصة على عدم سلب الأضواء.

خدمت ميركل 11 عامًا كمستشارةٍ لألمانيا وكانت أول امرأة وأول شخص نشأ في ألمانيا الشرقية الشيوعية يشغل هذا المنصب

اقرأ/ي أيضًا: هل فازت مارين لوبان بالانتخابات الأمريكية؟

"لا يمكن على الإطلاق لشخصٍ بمفرده أن يحل كل شيء"، قالت ميركل يوم الجمعة في مؤتمرٍ صحفي مع رئيس الوزراء الأسباني ماريانو راجوي، مضيفةً: "إننا أقوياء معًا فقط. في إطار ذلك، أرغب في القيام بواجبي كمستشارةٍ لألمانيا".

في الأيام التي سبقت اجتماع قادة حزبها يوم الأحد، قال العديدون من الحزب المسيحي الديمقراطي إنه سوف يكون من الصعب الفوز بالانتخابات البرلمانية القادمة مع ميركل، لكنه سيكون من المستحيل الفوز دونها. بينما ذكرت ميركل عدة مرات أن قدرتها على الاستمرار تتوقف على الصحة الجيدة، فإنها لم تظهر الكثير من القلق وتدريجيًا بدت متحمسة بينما كانت تشرح التحديات التي تواجه الصناعة والمواطنين الألمان في القرن الحادي والعشرين. لكنها اعترفت بأنه حتى في بلادها المحافظة والغنية نسبيًا، ضربت الاضطرابات المجال السياسي تحت تأثير صعود حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني الشعبوي.

يشغل الحزب الآن مقاعدًا في المجالس التشريعية لعشر ولايات من بين الولايات الست عشرة، التي تتكون منها ألمانيا، ويبدو من المؤكد أنه سوف يفوز بمقاعد في الانتخابات البرلمانية العامة المقبلة. سوف يشوش ذلك بناء التحالفات التقليدي، حيث أنه لا يوجد حزب رئيسي مستعد للتحالف مع "الشعبويين".

قد يكون دور ميركل كمشعلٍ للقيم الليبرالية قد تضرر أيضًا بقوة الشعبوية في أماكن أخرى من أوروبا، والتي أصبح اتحادها موضع شك منذ أن صوتت بريطانيا، القوة العسكرية الأكبر في القارة، في يونيو بالخروج من الاتحاد الأوروبي.

وفي الشهر المقبل، تصوت إيطاليا على تعديلاتٍ دستورية يعتبرها رئيس الوزراء ماتيو رينزي ضرورية لتحديث البلاد، كما سوف تختار النمسا رئيسًا في انتخاباتٍ شهدت الكثير من التأجيلات، وربما تشهد انتخاب أول سياسي من اليمين المتطرف كرئيسٍ في أوروبا الحديثة.

وتعقد هولندا وفرنسا وألمانيا جميعها انتخاباتٍ محورية العام المقبل، حيث تعتبر الانتخابات في فرنسا تحديدًا مؤشرًا على قوة الشعبوية التي يمثلها حزب الجبهة الوطنية بزعامة مارين لوبان.

متحدثًا في برلين الأسبوع الماضي، توقع رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس أن "أوروبا قد تموت" كنتيجةٍ للموجة الشعبوية والتنافر الاقتصادي والسياسي بين دول الاتحاد الثماني والعشرين.

يذكر أن البرلمان الألماني، البوندستاج، يتكون من 630 مقعدًا، وتبلغ نسبة العتبة الانتخابية التي يجب على الأحزاب تجاوزها لدخول البرلمان 5% من مجموع الأصوات على مستوى البلاد أو فوز ثلاثة نواب، يشكل بعدها الحزب الفائز بأغلبية المقاعد (أو تحالفٍ لأحزابٍ تشكل الأغلبية كما هو حادث حاليًا) الحكومة ويشغل ممثله منصب مستشار ألمانيا وهو أعلى منصبٍ تنفيذي في البلاد.

اقرأ/ي أيضًا:

هل يتكرر سيناريو ترامب في النمسا