22-نوفمبر-2016

فرانسوا فيون، رئيس الوزراء الفرنسي السابق (Getty)

لم تكن نتيجة الانتخابات التمهيدية لليمين والوسط الفرنسي، التي انتظمت الأحد الفائت، بخلاف التوقعات، فآخر استطلاعات الرأي استشرفت نتيجة ترتيب المراكز رغم عنصر المفاجأة المسجل في نسب التصويت. بيد أن الصعود الصاروخي لفيون وتصدره للدور الأول بأكثر من 44% وحصول المرشح الذي كان ينظر إليه أنه الأكثر حظًا قبل أسابيع قليلة، وهو جوبيه على المرتبة الثانية بـ28.5% وهزيمة ساركوزي بحلوله ثالثًا وعدم ترشحه للدور الثاني، تكشف عن مدى تغير اتجاه التصويت لدى الناخب الفرنسي اليميني خلال الفترة الأخيرة.

أثرت فضيحة تمويل القذافي لحملة ساركوزي عام 2007، في صورة الأخير أمام تيار اليمين خصوصًا، ما تسبب في خسارته للانتخابات التمهيدية

بعد خروجه من قصر الإيليزي في آيار/مايو 2012، لم يعتزل ساركوزي النشاط السياسي ولم تغب من حينها مؤشرات رغبته في العودة إلى القصر الجمهوري والثأر من الاشتراكيين، الذين يعانون حاليًا من انحدار في الدعم الشعبي، إلى درجة أن عديد الاستطلاعات رجحت انسحاب الرئيس فرانسوا أولاند من الدور الأول أمام مرشحي اليمين واليمين المتطرف. هذه العودة التي استعد إليها ساركوزي جيدًا، حينما قدم كتابًا الصيف الفارط كمرجعية فكرية وسياسية لمشروعه، لاحقتها عديد الفضائح السياسية أمام القضاء الفرنسي، خاصة ما يتعلق بتمويل حملته الانتخابية السابقة من الرئيس الليبي السابق معمر القذافي.

اقرأ/ي أيضًا: الطريق نحو الإليزيه..فضائح وانشقاقات وشعبوية

أثرت هذه الفضائح في صورة ساركوزي أمام الرأي العام الفرنسي عمومًا وأنصار التيار اليمين خصوصًا، وبات يُنظر إليه كشخص غير محل ثقة. إضافة لذلك، فإن فكرة عودة رئيس سابق للقصر الجمهوري من جديد هي فكرة غير محبذة لدى قطاعات واسعة، فساركوزي يحمل تركة خمس سنوات فكان يجب عليه الدفاع عن خياراته خلال تلك الفترة أمام الناخبين. وتمثل مسألة التدخل في ليبيا إحدى النقاط المحرجة له خاصة وأن عديد الفرنسيين يعتقدون بأن تدخل بلادهم سنة 2011 هو سبب الفوضى وانتشار الإرهاب في ليبيا وما سببه لاحقًا من موجات هجرة نحو سواحل جنوب أوروبا.

لذلك يرى عديد الفرنسيين الذين يريدون التخلص من هولاند في الربيع القادم، أن عودة ساركوزي كمرشح لليمين قد يصعب من إزاحة الاشتراكيين، وذلك مقابل مرشحين آخرين ظهر بالنهاية أنهما الأكثر شعبية داخل أنصار اليمين، وهما فيون وجوبيه.

ظهر فيون بحصوله على أكثر من 44% من الأصوات كحصان أسود في سباق الانتخابات التمهيدية، فالرجل الذي كان وزيرًا أولاً لساركوزي لم يترك بصمة عميقة ولم تظهر عليه كاريزما القيادة ولذلك يصفه العديدون بالهادئ. ظل فيون طيلة الأشهر الماضية في المرتبة الثالثة في سبر الآراء غير أنه ظل يتقدم مكتسبًا ثقة الناخبين إلى أن حقق فوزًا لافتًا.

وقد استفاد فيون من ارتفاع نسبة التصويت ما يعني عدم اقتصار المصوتين على اليمينيين المتحزبين وهو ما كان على حساب ساركوزي، الذي ثبت منذ مؤشرات ارتفاع هذه النسبة قبل إغلاق صناديق الاقتراع، أنه سيكون أول ضحاياه. بيد أن الفروق بين ساركوزي وفيون هي أقل جوهرية من الفروق بين ساركوزي وجوبي، ولذلك سارع الرئيس السابق إلى الاعتراف بهزيمته وإعلان دعمه لوزيره الأول السابق فيون.

يرجح أن من سيفوز بورقة ترشيح اليمين الفرنسي قد يصبح الرئيس القادم، فشعبية هولاند قد لا تؤهله حتى للمرور إلى الدورة الثانية

اقرأ/ي أيضًا: هل تحكم الشعبوية المجتمع الغربي؟

فجوبيه الذي كان يراه العديدون المرشح الأكثر حظًا لدخول الإيليزيه، ورغم مروره إلى الدور الثاني، فإن فرصة حصوله على ترشيح اليمين تضاءلت مع التقدم الكبير لفيون وإعلان ساركوزي دعمه له. فجوبيه يُنظر إليه كالمرشح الأكثر وسطية خاصة في المسألة الاجتماعية ومن ذلك أنه ضد منع لباس البوركيني عكس خصمه في الدور الثاني، ولذلك يظهر بأنه المرشح الأكثر قدرة على كسب الأصوات من خارج المعسكر اليميني، غير أن حصوله على المرتبة الثانية وبفارق كبير عن المتصدر، تجعل مهمته في الدور الثاني عسيرة جدًا.

جوبيه الذي يكبر فيون بنحو عشر سنوات، لا يكترث كثيرًا لفارق الـ 15 نقطة، وقد صرح بعد إعلان النتائج بأن مفاجأة فوز فيون بفارق كبير في الدور الأول يمكن أن تتكرر بفوزه، جوبيه، في الدور الثاني.

عمومًا يرجح أن من سيفوز بورقة ترشيح اليمين الفرنسي سيكون هو الرئيس القادم للبلاد، فشعبية هولاند الحالية قد لا تؤهله حتى للمرور إلى الدورة الثانية، وتقدم لوبان مرشحة اليمين المتطرف وإمكانية مرورها للدور الثاني، قد يؤدي لتحالف بين اليمينيين والاشتراكيين ما يعيد سيناريو انتخابات 2002 حينما تم قطع الطريق على والدها لما أحدث وقتها المفاجأة وترشح للدور الثاني في مواجهة شيراك. ولعله لذلك من سيفوز يوم الأحد القادم في الدور الثاني قد يوصف مبكرًا بفخامة الرئيس القادم.

اقرأ/ي أيضًا:

 هل فازت مارين لوبان بالانتخابات الأمريكية؟

هل حان دور فرنسا للخروج من الاتحاد الأوروبي