قبل 12 عامًا صنعت إسبانيا مجدًا كرويًا وضعها بين مصاف الكبار في عالم الساحرة المستديرة، بفوزها على هولندا وتتويجها بكأس العالم للمرة الأولى في تاريخها، أعقب ذلك حصد لقب أمم أوروبا 2012 للمرة الثانية، ومنذ ذلك الحين مر منتخب "لاروخا" بعدة نكسات جعلته يغيب عن منصات الأضواء رغم القيمة الفنية والأسماء الكبيرة التي ترتدي القميص الأحمر والأصفر.
وتبحث إسبانيا في مشاركتها السادسة عشرة عن استعادة مجدها الغائب بمنتخب عرف تحسنًا كبيرًا تحت إشراف لويس إنريكي بعد نهائيات روسيا 2018، والتي عرفت خروج "الماتادور" من دور الـ 16، والفشل في تجاوز دور المجموعات في مونديال البرازيل 2014، وبينهما إخفاق يورو 2016.
إنريكي الفائز مع نادي برشلونة بدوري أبطال أوروبا صيف 2015، أعاد بعضًا من هيبة الإسبان منذ توليه الإدارة الفنية للمنتخب الأول في 2018، واستطاع الوصول به إلى نصف نهائي يورو 2020، قبل أن يودع المنافسات بصعوبة أمام إيطاليا التي انتصرت بفضل ركلات الترجيح وأكملت طريقها نحو اللقب.
الطريق إلى المونديال
حجزت إسبانيا مقعدها في مونديال قطر 2022 بعد أن تصدرت المجموعة الثانية من التصفيات الأوروبية برصيد 19 نقطة جمعتها من 6 انتصارات وتعادل وهزيمة وحيدة، حيث سجلت 15 هدفًا واستقبلت شباكها 5 أهداف، وحلت السويد ثانيًا بـ 15 نقطة، واليونان ثالثًا بـ 10 نقاط، وجورجيا رابعًا بـ 7 نقاط، وجاءت كوسوفو أخيرًا بـ 5 نقاط.
لقب عالمي وحيد
التاريخ المونديال لإسبانيا بدأ مع النسخة الثانية في إيطاليا عام 1934، حينها بلغ "الماتادور" الدور ربع النهائي وواجه منتخب البلد المضيف، وتعادل معه بهدفٍ لمثله ليتم إعادة المباراة بحسب القوانين المتبعة في ذلك الوقت وتفوز إيطاليا بهدفٍ دون مقابل.
المشاركة الثانية كانت في مونديال البرازيل 1950 حيث ظهر المنتخب الإسباني بصورة مميزة، ونجح في تصدر مجموعته الثانية بفوزه في المباراة الافتتاحية على خصمه الأمريكي بثلاثة أهداف لواحد، ثم تجاوز تشيلي بهدفين نظيفين، قبل الانتصار على المنتخب الإنجليزي بهدف دون رد.
وفي الدور النهائي تعادلت إسبانيا مع الأوروغواي بهدفين لمثلهما، ثم خسرت من البرازيل بستة أهداف لهدف، وأمام السويد أيضًا بثلاثة لواحد وحصلت على المركز الرابع بالنهاية.
وبعد غياب عن مونديالي 1954 و 1958، بلغت إسبانيا نهائيات 1962 لكنها خرجت من الدور الأول بعد هزيمتين أمام كل من، البرازيل (1ـ2)، وتشيكوسلوفاكيا (0ـ1)، وفوز وحيد جاء على حساب المكسيك (1ـ0)، وبعد أربع سنوات في مونديال 1966 الإنجليزي ودع "لاروخا" النهائيات كذلك بخسارتين من ألمانيا الغربية والأرجنتين وانتصار أمام سويسرا (2ـ1 في جميع المواجهات).
الكرة الإسبانية استمرت في إخفاقها ولم يتمكن منتخبها من الوصول إلى نهائيات 1970 و 1974، وخرج من دور المجموعات في نسخة 1978، ورغم استضافتها مونديال 1982 لم تتمكن إسبانيا من الذهاب بعيدًا وخرجت من المنافسات بعد فوز وتعادل وهزيمة في الدور الأول وهزيمة وتعادل في الدور الثاني.
في مونديال 1986 بالمكسيك قدمت إسبانيا أداءً استعادت به بريقها الكروي، حيث صعدت إلى دور الـ 16 وهزمت الدنمارك بخمسة أهداف لهدف، غير أن مشوارها حينها توقف عند ربع النهائي عقب مباراة انتصرت فيها بلجيكا بركلات الجزاء الترجيحية بعد التعادل في الوقتين الأصلي والإضافي بهدفٍ لمثله.
المشاركة الثامنة لمنتخب إسبانيا كانت في نهائيات كأس العالم كانت في إيطاليا عام 1990، واستطاع التأهل إلى دور الـ 16 كأول مجموعته بعد الفوز على خصمه البلجيكي بهدفين لهدف، وعلى كوريا الجنوبية بثلاثة أهداف لواحد، ثم التعادل مع الأوروغواي بدون أهداف، لكنه خسر أمام منتخب يوغوسلافيا بهدفين لواحد في الوقت الإضافي.
وعندما استضافات الولايات المتحدة الأمريكية مونديال 1994 كانت إسبانيا تُشارك بمنتخب ضم أسماء بارزة في مقدمتهم، بيب غوارديولا، فرناندو هييرو، جوليان لوبيتيغي، لويس إنريكي، والحارس أندوني زوبيزاريتا، حينها تعادل "لاروخا" أمام كوريا الجنوبية (2ـ2)، ومع ألمانيا (1ـ1)، ثم انتصر على بوليفيا (3ـ1)، ليتأهل إلى دور الـ 16 كثاني المجموعة بـ 5 نقاط.
وأمام سويسرا حقق منتخب إسبانيا فوزًا كبيرا بثلاثية نظيفة، ليأتي الموعد في دور الربع نهائي مع إيطاليا بقيادة النجم الكبير روبرتو باجيو الذي سجل هدف الفوز على الإسبان في الدقيقة 88 بعد أن كانت النتيجة تُشير إلى التعادل بهدفٍ لمثله.
في حضورها العالمي العاشر خيبت إسبانيا الآمال وخرجت من الدور الأول في مونديال فرنسا 1998، لتعود في 2002 إلى تألقها وتتجاوز دور المجموعات بالعلامة الكاملة بفوزها على سلوفينيا بثلاثة أهداف لواحد، ثم باراغواي بنفس النتيجة، وجنوب إفريقيا بثلاثة أهداف لاثنين.
وصلت إسبانيا إلى دور الـ 16 لتواجه إيرلندا وتنتصر عليها بركلات الترجيح بعد أن حسم التعادل الإيجابي بهدفٍ لمثله نتيجة الوقت الأصلي والإضافي، لتلاقي بعدها المستضيفة كوريا الجنوبية التي كانت منتشية بفوزها على إيطاليا بهدف ذهبي جاء برأسية آن جونغ هوان.
الترشيحات قبل تلك المواجهة صبت جميعها لصالح المنتخب الإسباني، لكن "الشمشون" بقيادة الهولندي غوس هيدينك فجرة مفاجأة أخرى وأقصى "الماتادور" من البطولة بفوزه بركلات الجزاء الترجيحية التي حسمت التعادل السلبي الذي سيطر على الدقائق الأصلية والإضافية للمباراة.
وفي مونديال 2006 بألمانيا شاركت إسبانيا بتطلعات كبيرة من جانب أنصارها في ظل النجوم التي كانت تُزين تشكيلة الراحل لويس أراغونيس كحارس المرمى إيكر كاسياس، كارلوس بويول، تشافي هيرنانديز، سيرجيو راموس، أندرياس إنيستا، فرناندو توريس، ديفيد فيا، والكبير راؤول غونزاليس.
بلغت إسبانيا دور الـ 16 بدون مشاكل وثلاث انتصارات جاءت على، أوكرانيا (4ـ0)، وتونس (3ـ1)، والسعودية (1ـ0)، لكنها اصطدمت بفرنسا وصيفة البطل في تلك النسخة وخسرت بثلاثية فرانك ريبيري وباتريك فييرا وزين الدين زيدان بعدما كانت متقدمة بهدف سجله ديفيد فيا.
بعد عامين توجت إسبانيا بلقب أمم أوروبا ودخلت مونديال جنوب إفريقيا 2010 كأبرز المرشحين للظفر بالكأس الذهبية وهذا ما تحقق بالفعل رغم البداية بهزيمة من سويسرا (0ـ1)، تبعها فوز على هندوراس بهدفين نظيفين وتشيلي بهدفين لواحد، لتنتصر بعدها بصعوبة على البرتغالي بهدفٍ دون رد في دور الـ 16.
إسبانيا وجدت صعوبة كبيرة أيضًا لتتمكن من الفوز على باراغواي في ربع النهائي إذ احتاجت لـ 83 دقيقة للوصول إلى مرمى أنتوني سيلفا عبر ديفيد فيا الذي ارتطمت كرته القائم الأيسر ثم الأيمن قبل أن تدخل وتهز الشباك هدفا قاتلا صعب على الخصم تعويضه.
وضرب المنتخب الإسباني موعدا مع نظيره الألماني في مواجهة نصف نهائي جمعت بين أقوى تشكيلتين على الساحة الكروية، ونجح الإسبان في حسم التأهل إلى النهائي بفضل هدف أحرزه المدافع كارلوس بويول برأسية قوية إثر كرة مرفوعة من ركلة زاوية نفذها تشافي هيرنانديز.
اللقاء الختامي في المونديال الإفريقي وضع إسبانيا أمام هولندا التي تمتلكها رغبة جامحة للفوز باللقب وكسر النحس الذي لازمها في نهائيين سابقين، المباراة النهائية عرفت الكثير من الأحداث المثيرة وتبادل للفرص من الجانبين، غير أن الغلبة والفرحة الكبرى كانت من نصيب "لاروخا" بهدف من إمضاء الرسام أندريس إنيستا جاء قبل ثلاث دقائق فقط من نهاية الشوط الإضافي الثاني.
وكعادة بعض الأبطال، حظرت إسبانيا إلى مونديال 2014 بالبرازيل بصورة لم تتوقعها منها جماهيرها وودعت البطولة من الدور الأول بعد أن تلقت واحدة من أكبر هزائمها عبر التاريخ أمام هولندا التي انتقمت شر انتقام من فقدانها اللقب في 2010 وضربت شباك إيكر كاسياس بخمسة أهداف مقابل هدف وحيد، ثم سقطت أمام تشيلي بهدفين دون رد، في حين أن الفوز على أستراليا بثلاثة أهداف نظيفة لم يكن كافيا ليواصل المنتخب الإسباني طريقه نحو الدفاع عن لقبه.
في المونديال الأخير روسيا 2018، لاحقت المشاكل الإدارية منتخب إسبانيا الذي تأثر بإقالة المدرب جوليان لوبيتيغي بعد خلاف تسبب به إعلان نادي ريال مدريد التعاقد معه قبل بدء النهائيات بيومين فقط، ليحل محله فرناندو هييرو بشكل مؤقت ويقوده إلى دور الـ 16 حيث كان الخروج على يد منتخب البلد المضيف بركلات الترجيح بعد التعادل بهدفٍ لمثله في الزمن الرسمي والأشواط الإضافية.
مجموعة صعبة
أسفرت قرعة مونديال قطر 2022 عن وقوع إسبانيا مع ألمانيا في المجموعة الخامسة إلى جانب اليابان وكوستاريكا، ومن المنتظر أن تذهب بطاقتي التأهل إلى دور الـ 16 لصالح "الماتادور" ومنتخب "المانشافت" حيث ستُحدد المواجهة بينهما هوية المتصدر على الأغلب.
وتعتمد حظوظ إسبانيا في الذهاب بعيدا خلال نهائيات القادمة على مدى تطور أسلوب اللعب الجماعي الذي يعتمد عليه المدرب مؤخرُا، وحالة الانسجام التي خلقها وجود عدد كبير من لاعبي نادي برشلونة في تشكيلة لويس إنريكي هم، بيدري، كافي، أنسو فاتي، سيرجيو بوسكيتس، جوردي ألبا، ماركوس ألونسو، وجيرارد بيكيه الذي قد يجد نفسه خارج المونديال في حال بقي خيرا أخيرا لا يُعتمد عليه بشكل أساسي حاليا مع الفريق الكاتلوني.
إنريكي ومنذ توليه مهمة تدريب المنتخب الإسباني عمل على تطبيق أسلوب "التيكي تاكا" الذي سبق ولعب به مع برشلونة وحصد به نتائج مميزة، الهجمات السريعة والاستحواذ على الكرة لفترة طويلة والبراعة في التحرك بدون كرة وتنفيذ التمريرات القصيرة بين خطوط الخصم، جمعها نقاط قوة لدى إنريكي وكتيبته التي يُعيبها نقطة وحيدة فقط هي الافتقار رأس حربة حاسم أمام مرمى المنافسين.
وتواجه إسبانيا في مباراتها الأولى نظيرتها كوستاريكا في 23 تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، ثم تلعب أمام ألمانيا في 27 من نفس الشهر، وبنهاية دور المجموعات تلتقي مع اليابان يوم 1 كانون الأول/ ديسمبر.
