23-يناير-2018

الفريق الفائز بكأس العالم لكرة القدم سنة 1934 (Getty)

حظيت إيطاليا بشرف استضافة كأس العالم بنسختها الثانية عام 1934 بعد أن اختارها الاتحاد الدولي لكرة القدم إثر جلسات مطولة عُقدت في العاصمة السويدية ستوكهولم في 8 تشرين الأول/ أكتوبر 1932، وتم الاتفاق على إقامة نظام للتصفيات بحيث يكون عدد المنتخبات المشاركة 16 فريقاً، وشارك بالتصفيات للمرة الأولى والأخيرة الفريق المستضيف للبطولة.

حشد الزعيم الإيطالي بينيتو موسيليني طاقات بلاده للاستفادة من كأس العالم 1934 كدعاية لحكمه الفاشي وحرص أن تفوز إيطاليا بالكاس مهما كانت الوسائل

الغاية تبرر الوسيلة

حشد الزعيم الإيطالي بينيتو موسيليني طاقات بلاده للاستفادة من كأس العالم 1934 كدعاية لحكمه الفاشي، فخصص كافّة الإمكانيات من أجل ظهور البطولة بثوب جميل ينسي العالم ديكتاتوريته التي اشتهر بها،  إذ عيّن أحد أبرز ضبّاطه الجنرال فاكارو مشرفاً على تنظيم كأس العالم، وطالبه باستغلال كافّة الإمكانيات واتخاذ كلّ السبل كي تظفر إيطاليا ببطولة كأس العالم 1934، فالويل ثم الويل له إن لم ينل الآزوري هذه الكأس، عندها آثر فاكارو اتباع ثلاث طرق، كان أولها تجنيس اللاعبين الذي طال 4 من لاعبي الأرجنتين، اثنان منهم شاركوا مع بلادهم في مونديال الأوروغواي، وكان الطريق الثاني يتلخّص في ترغيب وترهيب اللاعبين، أما أكثر الطرق غرابة فهو الرشاوى التي تم منحها للحكّام في هذا المونديال والتي لا يزال الكثيرون يتحدّثون عنها حتى الآن، كيف لا وإيطاليا هي البلد الأم لمكيافيلي الذي نصح قبل قرون في كتابه "الأمير" باتباع أسلوب "الغاية تبررّ الوسيلة".

انسحبت تركيا من تصفيات كأس العالم 1934 إضافة إلى تشيلي والبيرو، فيما عزفت إنكلترا عن المشاركة للبطولة الثانية على التوالي بسبب تكبّرها على خصومها إذ اعتقدت أنها في طابق وفرق العالم في طابق آخر، وشعرت بالإهانة عندما طُلب منها خوض التصفيات، كما رفضت الأوروغواي المشاركة والدفاع عن لقبها، ردّا على عزوف العديد من الدول الأوروبية عن المشاركة في النسخة الأولى من المونديال التي استضافتها في 1930، فيما انسحبت اليونان بعد خوض مباراة الذهاب أمام إيطاليا وخسارتها 0-4، ويُقال إن إيطاليا دفعت رشاوى مقابل توقف اليونانيين عن الشكوى بحق اللاعبين الأرجنتينيين  في المنتخب الإيطالي الذين لم تكتمل أوراق تجنيسهم بعد، كما شيّد الاتحاد الايطالي على نفقته الخاصة مبنى للاتحاد اليوناني في أثينا،  حسب ذات الأقاويل.

بداية مربكة

اكتمل عقد الفرق الستة عشر المتأهلة لنهائيات كأس العالم 1934 وقبل إجراء القرعة بأيام فوجئت اللجنة المنظمة بوصول بعثة المنتخب الأمريكي غير المشارك في التصفيات، قاطعاً آلاف الأميال للمشاركة في كأس العالم، وللخروج من هذه الأزمة وافقت المكسيك على إقامة مباراة فاصلة معها من أجل تحديد الفريق السادس عشر المتأهل للنهائيات، وانتهى اللقاء بفوز الأميركيين 4-2، وخروج المكسيك التي تأهلت قبل ذلك بتخطيها هايتي وكوبا.

سحقت إيطاليا في الدور الأول من نهائيات كأس العالم 1934 أمريكا 7-1، وطردت تشيكوسلوفاكيا فريق رومانيا من البطولة بتغلبها عليه 2-1، كما تخطّت ألمانيا بلجيكا 5-2، وغلبت السويد الأرجنتين 3-2، فيما هزمت إسبانيا البرازيل 3-1 حيث أهدر بريتو ركلة جزاء أمام الحارس الإسباني العملاق زامورا، وتأهلت سويسرا بفوزها على هولندا 3-2، وفازت النمسا على فرنسا بالنتيجة ذاتها ولكن بعد التمديد، وهو التمديد الأول بتاريخ كأس العالم، فيما خرجت مصر مرفوعة الرأس من الدور الأول بخسارتها أمام المجر القوية آنذاك 4-2.

لم تكن مصر صيداً سهلاً للمنتخبات التي كانت تلاقيها قبيل كأس العالم 1934، فكان لها فريق قوي ومنظّم مطلع القرن الماضي، إذ شارك الفراعنة بنسختي أولمبياد 1924 و1928، وحققوا فيها نتائج تاريخية عندما تخطّوا المجر 3-0، والبرتغال 2-1، وتركيا 7-1.

لم تكن مصر صيداً سهلاً للمنتخبات التي كانت تلاقيها في كأس العالم في دوراته الأولى ومن ذلك مشاركتها المشرفة في كأس العالم بإيطاليا 1934

مصر تدخل التاريخ

وصلت مصر لنهائيات كأس العالم 1934 كأول فريق من أفريقيا والعرب يشارك بكأس العالم، وذلك بفوزها على منتخب فلسطين في الذهاب والإياب 4-1 و7-1، فالفريقان العربيان هما أول العرب المشاركين بتصفيات كأس العالم، وتذكر الصحافة المصرية أن سبب إقصاء مصر المبكر من كأس العالم هو الاتحاد المصري لكرة القدم، حيث عانى اللاعبون المصريون من الإجهاد بسبب الإصرار على روزنامة الموسم المحلية التي لم تنته حتى 12 أيار/ مايو عندما أقيم نهائي كأس الملك فاروق، وذلك قبل لقاء المجر بـ15 يوماً فقط، ناهيك عن السفر المجهد بالباخرة الذي استغرق 10 أيام، ومع ذلك دخل لاعبو مصر لقاء المجر بقوة واستطاعوا إنهاء الشوط الأول بالتعادل 2-2 حيث سجّل عبد الرحمن فوزي هدفين كتب بهما اسمه بحروف من ذهب عندما أضحى أول لاعب مصري وعربي يسجل في كأس العالم، ولكن في الشوط الثاني استطاعت المجر بنجومها ولياقة لاعبيها وتحضيرهم الجيد تسجيل هدفين أنهت بهما أحلام مصر والعرب.

وفي الدور ربع النهائي انتهى لقاء إيطاليا وإسبانيا بالتعادل 1-1 رغم التمديد ليلجأ الفريقين لمباراة معادة فاز بها أصحاب الأرض بهدف وحيد لجوسيبي مياتزا، وتخطّت النمسا جارتها المجر بهدفين لواحد، كما تغلبت ألمانيا على السويد بالنتيجة ذاتها، فيما تعذّبت تشيكوسلوفاكيا كثيرًا قبل أن تفوز على سويسرا 3-2.

وفي الدور نصف النهائي لبطولة كأس العالم 1934 استطاعت تشيكوسلوفاكيا أن تبلغ المباراة النهائية بفوزها على ألمانيا 3-1، وستلعب في النهائي أمام أصحاب الأرض الذين تخطّوا النمسا بهدف وحيد، تاركين للجارتين فرصة اللعب على المركز الثالث الذي أقيمت مباراة تحديده في هذه النسخة للمرة الأولى بتاريخ البطولة، وظفر بهذا المركز الفريق الألماني بفوزه 3-2، في مباراة سجل بها الألماني ليهنر الهدف الأول بالثانية 24.

شهدت النسخة الثانية من كأس العالم 1934 العديد من حالات التحكيم المثيرة للجدل، فاشتهر مونديال إيطاليا 1934 بمونديال المهازل التحكيمية، والتي كانت بالطبع لصالح أصحاب الأرض، وعُرفت مباراة إسبانيا وإيطاليا في دور ربع النهائي بمعركة بيرتا، إذ تحدّت إسبانيا عوامل الأرض والجمهور والتحكيم في مباراتهم مع الطليان، وأتى هدف إيطاليا الوحيد في المباراة الأولى من خطأ واضح على حارس إسبانيا زامورا، كذلك ألغى الحكم السويسري هدفين لإسبانيا في مباراة الإعادة، ليسارع بعد ذلك الاتحاد السويسري ويوقف الحكم عن قيادة المباريات في بلاده فور عودته من المونديال.

وتكرر المشهد الهزلي للتحكيم في مباراة إيطاليا والنمسا بالدور نصف النهائي، فجاء هدف أصحاب الأرض الوحيد من خطأ واضح مثير للجدل، ومن أبرز دلائل استسلام التحكيم لرشاوى الجنرال فاكارو تعيين حكم مساعد من تشيسلوفاكيا في كافة مباريات إيطاليا الأربع التي لعبتها أمام تشيكوسلوفاكيا، وكذلك تغييب الحكم البلجيكي لانجينوس المشهود بكفائته آنذاك، وتعيينه لقيادة مباراة رومانيا وتشيكوسلوفاكيا فقط، علماً أن بلجيكا خرجت من الدور الأول.

شهدت النسخة الثانية من كأس العالم العديد من حالات التحكيم المثيرة للجدل، فاشتهر مونديال إيطاليا 1934 بمونديال المهازل التحكيمية

موسوليني ينتصر

في العاشر من حزيران/ يونيو 1934 على ملعب ناسيونالي بروما احتشد أكثر من 50 ألف متفرّج تحت أنظار بينيتو موسوليني، أدى الحكم السويدي ومساعديه التحية الفاشية للزعيم قبل صافرة اللقاء الذي جمع أصحاب الأرض مع تشيكوسلوفاكيا، حيث تقدّمت الأخيرة بهدف في الدقيقة 76، وكادوا أن يهدموا كل ما بناه الجنرال فاكارو بتسجيل هدف ثان، لكن القائم حرمهم من ذلك، وسرعان ما عدّل النتيجة اللاعب أورسي الذي تم تجنيسه قادماً من الأرجنتين لينتهي الوقت الأصلي بالتعادل الإيجابي 1-1، سارت المباراة لوقتين إضافيين استطاع بهما شيافو أن يعطي الأفضلية للطليان بهدف سجله في الدقيقة الخامسة من الشوط الإضافي الأول، لتعلن صافرة الحكم السويدي إيكلند نهاية النسخة الثانية من كأس العالم، حيث قدّم موسوليني الكأس للاعبيه بسعادة وزهوّ تامّين.