10-مارس-2024
مقال أهمية القراءة لا يمكن حصرها لكن هذه منها

القراءة باب على الوعي والتعرف إلى الثقافات المختلفة والمتنوعة

"لقد بحثت عن السلام في كل مكان فوجدته في مكان واحد فقط، في زاوية مع كتاب". هذا الاقتباس للكاتب العبقري صاحب رائعة اسم الوردة "أمبرتو إيكو"، ولعل هذا القول يتناسب تمامًا  مع ما نعانيه في أيامنا الحالية من شد وتوتر عصبي في ظل كل ما يحيط بنا من مآسٍ، على صعيدنا الشخصي أو على صعيد يشمل كل من هم حولنا، لعلنا بحاجة إلى خلوة مع أنفسنا في ظل كتاب ننفصل فيه عن هذا الصخب المحيط بنا ولو قليلًا، قليلًا فقط لنستطيع المضي وخوض غمار المجهول.

فلنتفق أولًا قبل المضي قدمًا في الحديث عن أهمية القراءة على أن القراءة ضرورة لا هواية، هي ليست بالأمر الذي علينا ممارسته لأننا نستمتع به فقط -ولا ريب أن هذا صحيح على كل الأحوال- بل لأنه غذاء العقل كما الطعام للجسد وكما الهواء للرئتين، ولا أبالغ في هذا مطلقًا، والقارئ النهم سيفهم هذا بلا أي شك، هل اتفقنا؟ حسنًا، لنتعرف معًا الآن على أهمية القراءة.

أهمية القراءة

تشكل القراءة تحديًا كبيرًا في أيامنا الحالية نظرًا لما نتعرض له من ملهيات ومشتتات كثيرة، إلا أنه من الواجب الاهتمام بوجوب انتظام وقت محدد للقراءة يوميًا لما لها من فوائد وأهمية. ويمكن تلخيص هذه الفوائد بالنقاط التالية :

  1. تشكيل معارف جديدة

في كل مرة ستقرأ فيها شيئًا جديدًا ستضيف لنفسك معرفة جديدة، فمهما بلغت معرفة الإنسان واطلاعه على شتى مجالات وعلوم الحياة إلا أنه سيبقى دومًا ما يجهله في هذا العالم، والكتاب هو الوسيلة الأولى لجني هذه المعارف.

  1. إثراء المعجم اللغوي

عند القراءة سيقوم العقل بتخزين الكلمات التي تتم قراءتها حتى لو لم يقصد القارئ هذا، إلا أن العقل الباطن يخزنها وسيتفاجأ المرء باستخدامه لهذه الكلمات أثناء حواره ونقاشاته مع الآخرين.

  1. زيادة التركيز

في ظل كل الملهيات التي حولنا إلكترونية كانت أو اجتماعية، سنشعر مع مرور الوقت بزيادة الضغط والتوتر من الوسط المحيط بنا حيث يغلب على أذهاننا التشتت، إلا أن المواظبة على القراءة لعشرين دقيقة يوميًا مثلًا تساعد في زيادة التركيز وتخفيف التوتر، ذلك أن الاهتمام منصب على ما تتم قراءته، حتى لو لم نكن مندمجين بالقراءة في البداية إلا أننا بعد مرور القليل من الوقت سنجد أنفسنا منغمسين فيما نقرأ.

  1. زيادة الثقة بالنفس

ذلك أن القراءة توسع أفق وإدراك القارئ مما يعني ارتفاع مستوى التواصل مع الآخرين وكسب احترامهم الذي ينبع بكل تأكيد من احترام الذات نتيجة الإلمام بالعديد من المعارف والآداب والعلوم الناتجة عن القراءة الجادة والواعية.

  1. ولوج عوالم جديدة

تسمح لك القراءة بالسفر والتجوال داخل عقل الكاتب، ومحاكاة واقعه والاطلاع عليه، ففي الأدب مثلًا تسمح لك الرواية أو القصة بإطلاق عنان خيالك لخوض مغامراتها واستكشاف أسرارها المخبأة والكامنة بين السطور، وعند قراءة كتاب عن الحضارات والشعوب وغرائبها وطبائعها المختلفة ستتعرف إلى عالم جديد بكليته، مما يعني التعرف إلى عوالم لم تكن معرفتها يومًا بالحسبان.

وفقًا للدراسات تعد القراءة واحدة من أهم الأسباب التي تساهم في حفظ الذاكرة عند الكبر.

  1. الحصول على الاسترخاء

تحسن القراءة من الصحة النفسية للإنسان، حيث تشير بعض الأبحاث والدراسات إلى أن القراءة تساعد في تخفيف الاكتئاب والتخفيف كذلك من المشاكل المرضية والمعرفية التي قد تصاحب أمراض الخرف والذهان، كما يُنصح عادة من يعاني من الأرق باللجوء إلى القراءة ليلًا قبل النوم مباشرة ليتمكن من النوم بشكل مريح نتيجة انغماس عقله الباطن بالقراءة وتحليل مضمون الكتاب مما يساعد على تخفيف التوتر عن العقل.

  1. المساعدة في حل المشكلات

تعرضنا القراءة للعديد من القصص والسيناريوهات، منها المختلقة نتيجة خيال الكاتب أو حقيقية كما في السير وأخبار الأدباء والمثقفين والأعلام في الأمم، ومن خلال مطالعاتنا لهذه القصص سنجد تشابهًا ربمًا ولو كان خفيًا مع حيواتنا، وتقاطعات كثيرة في بعض الأمور التي قد تبدو بظاهرها مختلفة إلا أن جوهرها ربما يكون واحدًا ونابعًا من دواخل البشر المتشابهة في النهاية؛ كالخوف أو القلق أو الحزن أو غيرها من المشاعر الباطنة التي نخشى مواجهتها، إلا أن القراءة في الكثير من الأحيان تضعنا أمام هذه المشكلات عندما نحللها من خلال اختبار الغير لها، وكأننا نخرج من أنفسنا لنرى الأمر بوضوح أكبر فيجعلنا هذا قادرين على مواجهة وحل المشكلات واتخاذ القرار. 

  1. تقوية الذاكرة

تساهم القراءة في تحسين الذاكرة وتقويتها بشكل كبير، وذلك نتيجة حث العقل الباطن على تذكر الشخوص والأحداث التي تتم مطالعتها. وكما ذكرت آنفًا كما أن القراءة تساهم في التخفيف من الأعراض المصاحبة لمرض الخرف والذهان، فإن القراءة المنتظمة منذ الشباب تساهم في إبطاء وتأخير هذه الأعراض كثيرًا في مرحلة الهرم، أعرف قارئًا نهمًا كان يقضي وقتًا كبيرًا في القراءة منذ أن كان شابًا، بلغ هذا الرجل ـوهو جدي في الواقعـ 87 عامًا من العمر ولم تخنه ذاكرته يومًا بأي تفصيلة صغيرة كانت أو كبيرة، بل كان يتذكر حتى ما حفظه في المدرسة منذ أن كان طالبًا في الـ 12 من العمر.

لا شك أن في الأمر منحة إلهية معينة، إلا أنه ووفقًا للدراسات الكثيرة تعد القراءة واحدة من أهم الأسباب التي تساهم في حفظ الذاكرة عند الكبر.

كيف تكون القراءة جيدة

كانت أستاذتي في الجامعة تنصحنا دائمًا بالنصيحة التالية "عندما تقرأ يجب أن لا تغفل عن حضور القلم في يدك، يجب عليك تدوين كل ما يجول بخاطرك من أفكار عند قراءتك لفكرة معينة أو فقرة معينة، لأنك عندما تعود إلى الكتاب بعد إنهائه بوقت طال أو قصر ستجد أنك تقرأ بعين أخرى وعقل آخر، وسيكون من الجيد اطلاعك على ما كنت تفكر فيه لما قرأت الكتاب للمرة الأولى".

كانت تلك من أهم النصائح التي وجهت إلي، ما عدت أقرأ كتابًا إلا وبيدي قلم، أناقش الكاتب وكأنه أمامي بأفكاري وما يجول بخلدي وأنا أقرأ كتابه، كان الأمر بالنسبة لي عاطفيًا في البداية فالرغبة في الاطلاع على أفكاري المختلفة على مر السنين كان شيئًا مثيرًا بالنسبة لي، ورويدًا رويدًا وجدت أن ما سعت له أستاذتي في ذلك الوقت كان محاولة منها في جعلنا قراءً واعين، قراءً ناقدين، وهذا هو أصل القراءة الجيدة.

كما هو من المهم أن نقرأ مهم كذلك أن نعرض ما نقرؤه على ثقافتنا ودواخلنا، ولا أعني هنا بطبيعة الحال محاكمة الكاتب وفقًا للثقافة التي أنتمي إليها وإنما ألا أنساق وراء كل ما يكتب بانبهار قد لا يكون إلا سرابًا، يأتي هنا دور القراءة النقدية التي تستحضر العقل بكل ما يحويه من إيمان بمعتقد ما أو التزام أخلاقي أو مجتمعي.

 

خلاصة الأمر، إن القراءة باب على الوعي والتعرف إلى الثقافات المختلفة والمتنوعة منذ سالف الدهر حتى يومنا الحاضر، يمكن لمن يشاء عبوره والخوض فيما وراءه من عجائب ودهشة يقود إليها الكتاب.

ولعل الشواهد التاريخية عن أهمية القراءة التي عُرفت على مر الزمان كفيلة بتأكيد الأمر، ففي الدولة العباسية مثلًا أحد أكبر الحضارات العربية في العالم وفي عصرها الذهبي كان أول ما سعى إليه الخليفة أبي جعفر المنصور عندما ترجم الكتب العلمية الطبية منها والهندسية والأدبية وغيرها من لغات الشعوب المختلفة، وحفظها في قصره لينشأ بعده الخليفة هارون الرشيد مكتبة بيت الحكمة ويزيد عليها من الكتب المختلفة ويفتح أبوابها للدارسين وطلبة العلم ليس العرب أو المسلمين فقط، وإنما كل من كان في قلبه مثقال ذرة من حب العلم، ألا يجعلنا هذا نقف مع أنفسنا وقفة حقيقية أمام ما نعانيه اليوم من ضياع بسبب العزوف عن القراءة الذي يعاني منه المعظم من البشر في شتى أصقاع دولنا العربية؟ نسأل أنفسنا دومًا ما هو سبيلنا إلى النهضة وكيف نسود العالم والإجابة بسيطة، العالم لا يعرف إلا لغة القوة، والقوة نفوذ لا يملكه إلا أصحاب العلم، وهذا هو الثابت في التاريخ، إذن كيف نحصل عليه؟ لا أبالغ عندما أجيب: القراءة أول كل شيء.