03-مارس-2024
مقال أصعب لغة في العالم

أصعب لغات العالم

عند الحديث عن أصعب لغة في العالم، أتخيل شكل كوكب الأرض، السابح في مداره بين مليارات الكواكب والأجرام السماوية، تضج الحياة فيه وحده، تسكنه مئات الكائنات، منها كائن واحد ناطق -الإنسان- ينجو هذا النوع من كوارث عديدة، ويستمر بالتكاثر وتطوير نظام لغوي، فيصل تعداد سكانه إلى أكثر من 8 مليارات نسمة، يتحدثون 7000 لغة مسجلة على الأقل، في 195 دولة معترف بها. مدهش!

لو تخيلنا كائنًا فضائيًا يراقبنا من بعيد ويمتلك أجهزة تمكّنه من الاستماع إلى الأصوات الصادرة من الكوكب. لتناهى إليه صخب وهرج ومرج غير مفهوم. كل هذا الصخب لن يكون مزعجًا للسيد الفضائي وحده. ولعله لن يدرك أن سكان الكوكب أنفسهم لا يفهم بعضهم ما يرطن به بعضهم الآخر، ليس لاختلاف اللغات وحده، وصعوبة إتاحة الفرصة لتعلمها أو سهولته فقط. بل لأنه بطريقة ما وجد البشري طريقته ليجعل نفسه غير مفهوم للآخرين، بتعنته وجبروته، وصمّ أذنيه وقلبه عن أخيه الإنسان. 

ما هي أصعب لغة في العالم

ما يهمنا الآن هو أن الحاجة إلى التفاهم والتواصل مطلب أساسي لجنسنا البشري، وبالتالي فاللغة اختراع مذهل، وهي الطريقة التي نعتمدها للتواصل. غير أن الأمر لا يكون بهذه السهولة؛ فهناك مئات اللغات المتحدث بها في العالم. ليس مطلوبًا تعلمها جميعها بطبيعة الحال، ليس وكأن عمرًا واحد سيفي بالغرض.. لكننا سنضيّق الواسع، لأن حياتنا تفرض علينا تعلم بعض اللغات الأكثر تحدثًا أو انتشارًا، فلن يتجاوز عدد اللغات المنشود تعلمها للضرورة لسفر أو لعمل أو دراسة أو لجوء واغتراب، أو ربما لرغبة في تعلم شيء جديد وتحقيق هدف التواصل. 

واللغات بطبيعتها متنوعة وشائقة، ونظمها متعددة على مستويات عديدة، قد نحتاج إلى التروي عند اختيار لغة نتعلمها، بين أسهل وأصعب لغة، ولكن هنا سيكون الحكم غير دقيق لأن المعيار الحكم على لغة سهولة وصعوبة مختلف من شعب لآخر ومن شخص لآخر أيضًا. 

معيار تحديد أصعب لغة في العالم

عند تصنيف اللغات من ناحية السهولة والصعوبة، فإننا نأخذ بعين الاعتبار أكثر من عامل. 

  • نحتاج إلى الاطلاع على نظام اللغة النحوي والصرفي والدلالي، وكذلك إلى تركيب الجمل الاسمية والفعلية وتطابق الصفة والموصوف والتأنيث والتذكير والضمائر. كما يؤخذ بعين الاعتبار النظام الكتابي من حيث رموز الكتابة وعدد حروف الهجاء مثلا، وجانب آخر مهم جدًا هو النظام الصوتي من ناحية اللفظ ووجود أصوات صعبة النطق من عدمه، أو نظام النبر والتنغيم وغيرها.
  • الهدف من تعلم اللغة يساهم في تحديد صعوبة اللغة أيضًا، وكذلك مدى جدّية الدارس وانضباطه في التعلم، ولغته الأم؛ لأنها القاعدة اللغوية التي سينطلق منها في تعلم لغة ثانية، وهل يجيد الدارس لغة أخرى مع لغته الأم أم لا.
  • عند الاطلاع على تصنيف معهد الخدمة الخارجية الأمريكي للغات من حيث السهولة والصعوبة، وتقسيمه إلى مجموعات؛ فمن ضمن مجموعة اللغات السهلة التي تحتاج إلى 750 ساعة دراسة تقريبًا (اللغة الفرنسية والإيطالية والسويدية والإسبانية)، والأصعب قليلًا تحتاج إلى 900 ساعة تقريبًا (الألمانية والإندونيسية) والأصعب أكثر (الروسية والأوكرانية والتركية والفييتنامية) وتعلمها يستغرق 1100 ساعة تقريبًا. بينما الأشد صعوبة تضم اللغات الشرق آسيوية واللغة العربية كذلك. ويحتاج تعلمها إلى ضعف الوقت الذي تتطلبه المجموعة السابقة، أي 2200 ساعة، يعني حوالي 88 أسبوعًا.
  • ورغم أن هذا التصنيف يمثل مؤشرًا جيدًا لتصنيف اللغات، لكنه يعد غير دقيق لعدة أسباب، فهو يعتمد أساسًا منظور الناطق بالإنجليزية، كما صنّفت اللغات في مراتب من السهولة إلى الصعوبة حسب عدد ساعات الدراسة المطلوبة لإتقانها، بناء على أداء الطلاب الأكثر تفوقًا واجتهادًا وهذا غير واقعي؛ فمستويات الطلاب مختلفة. كما أن التصنيف لا يفصّل في المعايير اللغوية ويعتمد عدد الساعات المطلوب للتعلم فقط.

بالنسبة إلى الدارسين من الأجانب، لن يكون تعلم الفصحى وحد كافيًا، لأنهم سيحتاجون إلى تعلم إحدى اللهجات المحلية

أصعب لغة في العالم لناطق العربية

لا بد من القول نظرًا للمعايير اللغوية البحتة التي أشرنا إليها سابقًا أن اللغة العربية بذاتها تعد من أصعب اللغات تعلمًا على غير الناطقين بها وأبنائها الناطقين بها على حد سواء.

تمتاز اللغة العربية بتعقيدها بالنسبة إلى العديد من اللغات الأخرى، وهذا التعقيد يشمل مستويات عديدة. فمن ناحية النظام الكتابي هناك رموز الأحرف الهجائية، والحركات الموضوعة عليها. ومن الناحية النحوية والصرفية فهي متشعبة واشتقاقية، وفيها ضمائر كثيرة للمفرد والجمع والمثنى، والتأنيث والتذكير للأسماء والأفعال، إضافة إلى أن نظامها الدلالي بمستويات، فهناك المعاني المباشرة للعبارة وهناك معانٍ بمستويات أعمق بلاغيًا، وهذا ما جعلها لغة البيان والتنزيل.

ليس هذا فحسب فبالنسبة إلى الدارسين من الأجانب، لن يكون تعلم الفصحى وحد كافيًا، سيحقق تعلمها معرفة أكاديمية طبعًا، وقدرة على التواصل مع العرب جميعًا، لكن الدارس سيحتاج إلى تعلم إحدى اللهجات المحلية ليتمكن من التواصل مع الناس.

وهذا يضعنا عند سؤال: ما هي أصعب لغة بالنسبة إلى الناطق بواحدة من أصعب اللغات؟ الإجابة ستتضمن اللغات الآتية:

اللغات الشرق آسيوية

  • اللغة الصينية (الماندرين): في اللغة الصينية 8000 رمز لكتابته، يكفي تعلم نصفها لامتلاك القدرة على قراءة صحيفة مثلًا، وتكمن صعوبتها أيضًا بنظام النطق الصعب فأي نغمة غير منضبطة أثناء النطق تغير المعنى. تتيح اللغة نظامًا يسهّل دراستها على الدارسين المبتدئين يسمى pinyin، تُكتب فيه الكلمات الصينية بالحروف اللاتينية لتسهيل قراءتها.
  • اللغة اليابانية: تمتاز اللغة اليابانية أيضًا بنظام كتابة معقد يضم 3 أنظمة: الهيراغانا (46 حرفًا/مقطعًا صوتيًا) وكاتاكانا (46 حرفًا/مقطعًا صوتيًا) وكانجي (2000 رمز على الأقل) إضافة إلى رسم الحروف المعقد فإنها تكتب من الأعلى إلى الأسفل، ومن اليسار إلى اليمين، ورغم صعوبة نظام الكتابة إلا أنها سهلة من ناحية نظام النطق، كما أن قواعدها وتركيب جملها يعاكس تركيب الجمل بالعربية فتبدأ الجملة بالفاعل وتختم بالفعل. 
  • اللغة الكورية: من اللغات الصعبة لتعلمها أيضًا لكنها ربما أسهل من اليابانية والصينية من ناحية نظام الكتابة على الأقل، رغم أنها في تصنيف معهد الخدمة الخارجية تحتاج إلى الوقت نفسه الذي تحتاج إليه اللغة الصينية. للغة الكورية نظام كتابة يتكون من 14 حرفًا ثابتًا و10 أحرف متحركة ويسمى الهانغول، رغم ذلك قد يكون نظام النطق فيها صعبًا على ناطق العربية. وربما ساهمت العولمة في تقريب اللغة الكورية من الجمهور العربي؛ إذ تشهد هذه اللغة إقبالًا شديدًا من الشباب العرب بسبب انتشار المسلسلات وأغاني فرق البوب الكورية.

إن دراسة أي لغة سيكون سهلًا جزئيًا حين تكون اللغة الأم للدارس لغة صعبة أساسًا

اللغات الغربية

  • الفرنسية: تعد اللغة الفرنسية (رغم كونها لغة ثانية لكثير من الدول العربية خاصة في الشمال الإفريقي) لغة صعبة على ناطق العربية، وذلك من مستويات عديدة، فمن ناحية الكتابة هناك الكثير من الأحرف المكتوبة غير المنطوقة في الكلمات، ومن ناحية النطق، فإن نظام الصوائت والفوارق في نطقها قد يكون صعب الإتقان. كما أن نظامها النحوي صعب ومتشعب.
  • الألمانية: قد يكون تعلم الألمانية أقل أهمية من تعلم الفرنسية (في حال عدم وجود ضرورة تجعله الأهم)، لكنها أكثر صعوبة من الفرنسية فهناك الكثير من الصعوبة في نظامها الصوتي، والدلالي والنحوي أيضًا.
  • الإنجليزية: لعل من غير المألوف تصنيف اللغة الإنجليزية كلغة صعبة على دارس العربية لأن العديد من الدول العربية تعتمدها كلغة ثانية داخل المنهاج الدراسي، ولكونها لغة العصر لكن من ناحية أخرى ليست الإنجليزية أسهل لغة يمن تعلمها، فنظام كتابتها يخالف اللغة العربية وتركيب الجملة وموضع الضمير والفعل والفاعل والنعت، قد تكون قواعد اللغة الإنجليزية أبسط من العربية، ولكنها بالمجمل رغم ذلك صعبة مقارنة بلغات أخرى.
  • الروسية: بالنسبة لناطق العربية، فاللغة الروسية تعد لغة صعبة بدرجة ما، فالحروف الهجائية رسمًا ونطقًا غير مألوفة، والعديد من الكلمات تتطلب نطق أكثر من حرف ساكن معًا في الكلمة الواحدة.

 

يمكن أن نضيف للقائمة السابقة لغات أخرى صعبة كاللغة البولندية، واللغة الهنغارية على سبيل المثال. لكن بطبيعة الحال فإن دراسة أي لغة سيكون سهلًا جزئيًا حين تكون اللغة الأم للدارس لغة صعبة أساسًا. تدخل الكثير من العوامل عند تصنيف اللغات حسب صعوبتها، وكل ذلك لا يعني أن ما ورد في المقال حكم قاطع، بل إن التجربة الذاتية لكل دارس تؤثر في الحكم على صعوبة اللغة أو سهولتها. وفي النهاية تظل المثابرة وعدم الانقطاع عن الدراسة، ومتابعة تعلمها بالرجوع إلى أكثر من مصدر، كتعلمها عبر التطبيقات أو الدورات وممارستها مع الناطقين الأصليين بها -تظل أمورًا مهمة تجعل أي لغة مهما بلغت صعوبتها سهلة وقريبة.