10-سبتمبر-2015

الحراك في تصاعد (راتب الصفدي/الأناضول/Getty)

لم تمنع العاصفة الرملية التي حلت على لبنان اللبنانيين من النزول إلى الشارع مجددًا: الحراك المطلبي مستمر. استمرت الدعوة والحشد للحراك، بعد محاولة السياسيين الالتفاف على الناس، وإقامة "طاولة حوار" تجمع حولها القادة والساسة من "الصف الأول". جرّبها اللبنانيون. جرّبها حتى مناصرو الأحزاب.

هكذا، خرج اللبنانيون للاعتصام منذ ساعات الصباح الأولى. وفيما كان التحضير للاعتصام جاريًا. كانت الدولة اللبنانية تستعد من جهتها. أغلقت طرقات وسط بيروت، وُمنع اللبنانيون من الدخول إلى مراكز  عملهم. فتحوّل الوسط التجاري إلى ثكنة عسكرية يتجوّل فيها إما العسكر أو المدعوون إلى طاولة الحوار. وفيما كانت سيارات الأخيرة تصل، كان المعتصمون بانتظارهم. رشقوا سياراتهم بالبيض، وحاولوا قطع الطريق عليهم مطلقين هتافاتهم المطالبة بالتنحي عند الدخول والخروج. أغلقت القيادات الأبواب على نفسها فيما اللبنانيون يصرخون. يهتفون بالحلول من الانتخابات (وفق قانون جديد لا طائفي على أساس النسبية والدائرة الواحدة) إلى حل أزمة النفايات وانتخاب الرئيس. كان السياسيون وجميع "الشباب الطيبة"، في عالم آخر. الطاولة نفسها، لكن من دون الرئيس ميشال سليمان، الوجوه نفسها، وأصحابها يحاولون الاتفاق على إيجاد آلية للاتفاق. لم تستطع السلطة أن تتفق مع نفسها، فأجلّت الحوار. متى يتفق الشعب مع بعضه؟ هذا هو السؤال.

كان هناك ثمة تخوف من عدم التظاهر بسبب العاصفة الرملية لكن الناس ملأت الساحة مجددًا

إذًا، الزعماء جلسوا إلى الطاولة. هذا الحوار الذي انطوى على تجميع القيادات هو محاولة للالتفاف على الحراك الشعبي هذه المرة. "حوار" يتعامل مع الناس كأنهم غير موجودين.  بين المعتصمين، وراشقي البيض، متفائلون يقولون إن السلطة ترتجف خوفًا، وإن خوفها نابع من تراكم حراكات السنوات اللأخيرة التي ستؤدي يومًا ما إلى انتفاضة معيشية ومطلبية تهدد المراكز السياسية. قد تقتلع الطاولة، أو تقلبها رأسًا على عقب. لكن الحوار مستمر، بين مجموعة "مستمعين جيدين" إلى بعضهم البعض، لا إلى الناس.
إنه الحراك نفسه، ومن ألف الساحات طوال هذه المدة قادرعلى تمييز وجوه منظمي الحملات، الأشخاص الذين ينادون بالهتافات، المعتصمون وأصحاب الكوفيات، المندسون والمخبرون. حتى الشبان الذين خرجوا من أحيائهم العشوائية لم يملوا التظاهر كلما تمت الدعوة له، حتى وإن كان سلميًا، في مقابل طاولة الحوار التي اجتمع حولها زعماء لبنان لمحاولة ايجاد حلول كما زعموا. 

في الساحة، عجوز جاء باكرًا. يحمل تعبه على كتفه. وعلى الكتف الأخرى آمال بالتغيير حتى لو اقترب موعد رحيله. إلى جانبه، يصرخ رجل كبير في السن داعيًا المشنوق (وزير الداخلية اللبناني) إلى الرحيل. منذ أكثر من اسبوع، ومع استمرار الحراك. ومع كل ما يواجهه اللبنانيون من إهمال واجحاف. الرجل لم يغادر، بينما تغادره السنين بسرعة، لقد تقدم في السن.

على عكس رهان الطبقة السياسية في لبنان، فإن الناس لم يملوا التظاهر كلما تمت الدعوة له، حتى أنه قابل للتطور. لا أحد يعرف إلى متى تبقى ثقة الأحزاب بجماهيرها قائمة، وإلى متى ستبقى هذه الجماهير "جماهير"، فقد صار هناك تجمع جديد للمهمشين في بيروت، وهو يتسع. كل شيء، في بيروت، قابل للاشتعال، رغم "النكتة" التي اسمها... "طاولة الحوار".