14-أبريل-2021

جنازة عبد القادر الحسيني (المتحف الفلسطيني)

أثناء دفاعنا عن عدالة قضيتنا في أي مناسبة، نستحضر ما كُتب عنها من قَصصٍ وشعرٍ ورواية، نستندُ إلى قصّة الرجال في الشمس، وأم سعد، والطنطورية، وما سجّله قلمُ مُريد حين رأى رام الله، نذهبُ بعيدًا في رواية كل ما حفظناه من موروثٍ شعبي لنثبت أنّ لنا الحق في كل شبرٍ من الأرض، وأنهم، برغم كل مزاعمهم، محتلّون سرقوا الأرض وطردوا أصحابها منها.

أرشف وليد الخالدي بالصور فِلسطين قبل النكبة، ومؤلفه "قبل الشتات" يُعدُّ الأهم في إثبات أن بلادنا لم تكن مهجورة ولم يسكنها رعاع حسب الرواية الصهيونية

في خطابنا مع الآخر، غير العربي في هذه الحالة، علينا أن نُلقي بعواطفنا جانبًا وأن نتكلم متكئين على حقائق تاريخية وعلمية ثابتة، وفي هذا الصدد، لا بد لنا من البحث عن أرضية صلبة لننطلق منها، فأغنية تعلمناها في صغرنا تقول كلماتها "فلسطين بلادنا واليهود كلابنا دقّوا على بوابنا متل الشحادين" لن تغير شيئًا عند جمهورٍ أشبعه الإعلام بأخبارٍ زائفة عن الحقيقة.

اقرأ/ي أيضًا: كتاب "داخل السور القديم".. كتابات حيّة من زمن الجهاد المقدس

يعكس الأدب الفلسطيني الحقيقة بمختلف أدواته لجمهورٍ يصفّقُ لمبدعه ويتعاطف معه، تعاطفٌ تُحدثه طاقة المكان واللحظة، واستمراريته لا تضمنها ساعات قليلة بعد انتهاء الأمسية وختام المهرجان.

ما الذي نحتاجه لنجعل خطابنا أكثر صلابة؟

من تجاربٍ شخصية تعرضنا لها هُنا، في شمال القارّة الأمريكية، أستطيع القول إن الدلائل التاريخية والوقائع المُثبتة هي السلاح الوحيد لمواجهة طوفان التعصّب الأعمى للاحتلال، واكتشافنا لهذه الحاجة جعلنا أكثر اهتمامًا بما كتب من قبل المؤرخين والأكاديميين والمختصين السياسيين من الذي كُتب في الشعر والمسرح والرواية والقصص.

ولعلّ الأساس القوي في هذا الصدد هو أعمال وليد الخالدي التي أرشفت بالصور فِلسطين قبل النكبة، ومؤلفه "قبل الشتات" يُعدُّ الأهم في إثبات أن بلادنا لم تكن مهجورة ولم يسكنها رعاع حسب الرواية الصهيونية، كما هو عمل عارف العارف "نكبة فلسطين والفردوس المفقود"، ومصطفى مراد الدبّاغ "بلادنا فلسطين"، وسلمان أبو ستّة في مؤلفه "سجل النكبة".

كما تُعد مؤلفات إدوارد سعيد كنزًا ثمينًا لمن يرغب بمعرفة الأسئلة التي وُجهت إليه أثناء إقامته في الولايات المتحدة الأمريكية، وكتابه "مسألة فلسطين" الذي يُعد مرجعًا للعديد من الأكاديميين الغربيين كما أنّه يُعتبر أساسيًا في الحوار مع العقلية الغربية.

ولأن الحوارات قد تتشعب كأذرع الأخطبوط، فمن المهم أن يعي الفلسطيني بتفاصيل ما حدث في سنواتِ ما قبل النكبة، وخلالها وما بعدها، وأن لا يرضى فقط بما يسمعه، ولأن هكذا حوارات وجدالات قد تحدثُ مرّة واحدة مع هذا الآخر فإمّا أن نكسبه أو نخسره، وليعذرني الأدباء جميعهم هُنا ولهم كل الاحترام والتقدير، فلن تُجدِ قصيدة "سجّل أنا عربي" ولا "أناديكم" ولا "باب الشمس" عن حقيقة أن يوسف فايتس، رئيس لجنة الاستيطان في الصندوق القومي اليهودي، قد وضع خطةً شاملة لمسح قُرى وبلدات فلسطينية للاستيلاء عليها وطرد أهلها إلى ما بعد حدود "إسرائيل" التي حددها قرار التقسيم الشهير، وقد ذكر إيلان بابيه في بحثه "التطهير العرقي في فلسطين" العديد من الحقائق التي حاولت "إسرائيل" إنكارها ومحوها من التاريخ.

ولقد قام نور الدين مصالحة بجهد عظيم في سبيل فضح سياسات الاحتلال منذ بداية الهجرة اليهودية إلى فِلسطين، وكشف في مؤلفاته العديدة مثل "طرد الفلسطينين: مفهوم الترانسفير في الفكر والتخطيط الصهيوني" و"أرض أكثر.. عرب أقل" عن تفاصيل لم تُعرف من قبل قامت بها دولة الاحتلال لإفراغ الأرض من سكّانها الأصليين، وعلينا نحن، كقرّاء لا زلنا أحياء أن نعرفها، ونتسلّح بها، كما أنّ له مؤلفاتٌ بالتعاون مع نهلة عبده في توثيق التاريخ الشفوي للنكبة، وهو الأمر الذي تعوّل عليه "إسرائيل" أنه سيزول مع الأيام.

 تُعد مؤلفات إدوارد سعيد كنزًا ثمينًا لمن يرغب بمعرفة الأسئلة التي وُجهت إليه حول فلسطين في الولايات المتحدة الأمريكية

وبما أننا على بُعد ثلاثٌ وسبعون عامًا من عام النكبة، فإنني أدعو من هُنا، من خلال هذه الكلمات البسيطة، كلّ فلسطيني له جدُّ أو عمُّ أو أي قريبٍ عاصر تلك الأيام أن يُسجّل شهادته وما يتذكره عنها بأي طريقةٍ كانت، وكلّي أملٌ بأن هذا التوثيق سيكونُ عامًلا إضافيًا لاستعادة الأرض التي سُرقت منا، يومًا ما.

اقرأ/ي أيضًا: القصص التي ترويها فلسطين

ويستحق الذكر أيضًا هُنا رشيد الخالدي، وهو المؤرخ الفلسطيني الذي يحتل مكانةّ مرموقة في أحد أهم الجامعات الأمريكية، ويعمل مديرًا لقسم الشؤون الدولية والمحلية التابعة لمعهد الشرق الأوسط في جامعة كولومبيا في نيويورك، وله العديد من المؤلفات التي تؤسس لرواية فلسطينية أحق بأن يسمعها العالم أجمع، وآخر مؤلفاته كتاب "حرب المئة عام على فلسطين 1917- 2017" والذي نُشر عام 2020.

إن تزييف تاريخ كامل أسهل بكثير من تنقية تاريخ ما من الخرافات، وهذا ما يقوم به الباحث أحمد الدبش مثلًا لا حصرًا في سبيل تعرية ادعاءات الصهيونية أنها عادت لتحيي مملكة داوود وسليمان القديمة في بحثه المنشور مؤخرًا بعنوان "القُدس التاريخ الحقيقي"، وكذلك عمل نور الدين مصالحة في كتابه الموسوعي "فِلَسطين أربعة آلاف عام في التاريخ".

ويُذكر أيَضًا هُنا الباحث في مجال المقاومة الفلسطينية والمقيم في رام الله، بلال شلش حيث نشر أبحاثًا عديدة مختصّة بالمقاومين الفلسطينين أثناء الانتداب، والنكبة وما بعدها.

تخاف "إسرائيل" من الكلمة أكثر مما تخاف من الرصاص، ولنا في اغتيالها لغسّان وناجي وعز الدين ومحاولات الاعتداء على إدوارد وغيره، كما كان تدميرها لمركز الأبحاث في بيروت مثالًا، ولمن قرأ التاريخ فإنه سيعلم تمامًا أنّ هذا الكيان يحارب الأجيال التي لم تولد بعد من خلال قتل الجيل الحالي سواء كان هذا القتل بمعناه الحَرفي أو بتدجينه ومحو ذاكرته واهتمامته.

في السادس من آذار/مارس عام 2017، أرسل جيش الاحتلال عددًا من جنوده المدربين على أعلى مستوى إلى مدينة البيرة، هؤلاء الجنود، جميعهم، كانوا أقل ثقافةً ودراية بالتاريخ من الشخص الذي جاؤوا لأجله.

لم يكن الخطر الذي شعرت به "إسرائيل" آتيًا من جسد باسل الأعرج، بل من عقله وفكره، كان باسل يمثل ما يخشاه العدو من جيلٍ مثقف واعٍ يعرف ما لا يريدون لنا أن نعرف، فقتلوه.

لم يكن الخطر الذي شعرت به "إسرائيل" آتيًا من جسد باسل الأعرج، بل من عقله وفكره

إن أردنا أن نُصبح أندادًا لهم فعلينا الإعداد لجيلٍ مختلفٍ تمامًا، يملك من الحجج والاثباتات ما يكفي لكشف الحقيقة للغرب، وهنا، علينا أن نعمل على التوعية بالمُنجز الفلسطيني الأكاديمي والعلمي، بالإضافة إلى ما كُتب من قبل الآخرين في سبيل تحقيق العدالة لقضيتنا، وأن نعي أيضًا أن هناك العديد من هذه المنجزات التي لم يتسع المجال لذكرها هُنا تعتبر مهمّة جدًا في هذا الصراع الطويل بيننا وبين المحتلين.

اقرأ/ي أيضًا: المعنى الحي لفلسطين

نحتاجُ اليوم أن نراجع قراءات الجيل الفلسطيني الحالي والقادم لتشتمل على مجالات متعددة، وألا تكون محصورة بالأدب فقط، على أهميته طبعًا، ولهذا الهدف يجب علينا أن نعمل جميًعا – كلُّ من مكانه – بهدف المساعدة على نشره والتوعية به.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الفوتوغرافيا الصهيونية ومقولة أرض بلا شعب.. قصة تزوير

تأملات في مرايا النكبة المتقابلة