07-يونيو-2020

كتاب أرض أكثر وعرب أقل

تُعنى هذه الزاوية باستعادة كتاب من الكتب الفلسطينية، على اختلاف أنواعها، بهدف إعادته إلى حيز التداول من جديد، ذلك لأنّ الكتب لا تتقادم، ولأنّ معرفة فلسطين ضرورية في يومنا هذا أكثر من أي وقت آخر.


 لقد ترسخت فكرة إخلاء أرض فلسطين من السكان العرب في عقل الحركة الصهيونية منذُ بروز فكرة الاستيلاء على فلسطين، معتبرة أن أرض فلسطين هي حق يهودي منذُ البداية، واعتبرت أن العرب الفلسطينين هم غرباء ووضعتهم أمامَ خيارين، إمّا القبول بالسيادة اليهودية على البلاد وإمّا الرحيل.

يُناقش نور مصالحة في كتابه "أرض أكثر وعرب أقل، سياسة الترانسفير الإسرائيلية في التطبيق 1949- 1996" الصادر عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت 1997، مشاريع الترحيل الكُبرى التي تمت مناقشتها من قبل وزراء إسرائيليين وقادة الجيش ومسؤولين رسميين منذ العام 1948، وحيث إن الرأي العام يتجه نحو الاعتقاد أن حملة التهجير الكبرى كانت قد حدثت في عام النكبة، إلا أن ممارسات "إسرائيل" لم تتوقف منذ إعلان الدولة وحتى اليوم.

استند مصالحة في كتابه على العديد من الوثائق التي رُفع عنها السرية من محفوظات دولة "إسرائيل" والمحفوظات الصهيونية المركزية في القدس، بالإضافة إلى العديد من المقالات والشهادات التي نُشرت في الصحف العبرية.

وكبداية، فإن مفهوم الترانسفير يعني الطرد الممنهج لسكان فلسطين العرب إلى الدول المجاورة أو البعيدة وقد كان أشد داعميه ومؤيده دايفيد بن غوريون أول رئيس وزراء لدولة الاحتلال، وقد عرض مصالحة العديد من الوثائق التي تُثبت الخطط التي إقترحها و/أو وافق عليها بن غوريون كونه "رجعياً بصورة مطلقة في معارضته لأي شيء عربي" ص6.

وعلى الرغم من أن مجلس الدولة الإسرائيلي المؤقت قد ضمّن ميثاق الإستقلال لدى عرضه على الأمم المتحدة وعداً بأن الدولة اليهودية "ستتمسك بالمساواة الكاملة اجتماعياً وسياسياً بين كل مواطنيها من دون تمييز في الدين أو العرق أو الجنس" إلاّ أن فرض الحكم العسكري على المواطنين العرب من قبل بن غوريون بحجة الأمن، قد كان بغرضٍ خفي آخر وهو طردهم نهائياً من كل الأراضي التي يقيمون عليها ومنع عودة اللاجئين الفلسطينين إلى قراهم التي هجروا منها.

"يوجد عرب كثيرون جداً في البلاد" هكذا عبّر اسحاق بن زيفي  (رئيس دولة إسرائيل 1952-1963) نيابة عن مشاعر الكثيرين في حزب العمل الحاكم آنذاك، فقد كان هُناك إجماع على فكرة الترحيل الكلّي للأقلية العربية الإسرائيلية وسلب أراضيها.

عرب أقل

لقد بلغ عدد العرب الذي تم طردهم على يد الجيش الإسرائيلي في الأعوام الأولى بعد تأسيس الدولة نحو العشرة آلاف مواطن عربي فلسطيني، بالإضافة إلى عدّة آلاف من اللاجئين الفلسطينين الذي استطاعوا التسلل عائدين إلى قراهم المهجرة. فمن نقلهم بشاحنات إلى الحدود الإسرائيلية – الأردنية وإطلاق النار عليهم إلى أوامر الطرد التي يلقيها الجيش في مدينةٍ بأكملها مثل المجدل العربية، كان القادة الإسرائيليون يحققون الحلم الصهيوني بتنقية الأرض من العرب.

ويذكر مصالحة أن هذه الأعمال والخطط الوحشية تجاه العرب، كان لها معارضون سواء في الحكومة أو في الكنيست، لكن هذه الأصوات المطالبة بإلغاء وعدم ترحيل العرب، كانت لا تجد دعماً أبداً كون القوة كانت بيد القادة العسكريين والغالبية المؤيدة لفكرة الترانسفير.

استعاضت حكومة الاحتلال عن سياسة الطرد بسياسة التوطين والتهجير، ففي العام 1950، دعم بن غوريون ومعظم الوزراء المهمين عملية "يوحنان"، وهي خطة وضعت لترحيل 20 عائلة عربية مسيحية من قرية في الجليل إلى الأرجنتين، وقد كان أشد المتحمسين لهذه الخطّة وتنفيذها يوسف فايتس وهو مدير دائرة استيطان الأراضي في الصندوق القومي اليهودي، وقد تم مخاطبة سفير إسرئيل لدى الأجنتين للتواصل مع السلطات هناك بشأن استقبال العائلات العربية، إلاّ أنه وفق الوثائق الأرشيفية الإسرائيلية، فإن هذه العملية قد "ذابت كما تذوب سحب الصباح في زمن الربيع" كون الفلسطينيين الذين أبدوا اهتماماً بداية الأمر في الرحيل، عبّروا عن رفضهم له عام 1953 (ص35).

ولم يستسلم فايتس لفشل الخطّة الأولى، فما بين الأعوام 1953-1958 بدأ بوضع خطّة سرّية جديدة تتضمن تهجير العرب الإسرائيليين إلى ليبيا ومبادلة ممتلكاتهم بتلك التي يمتلكها يهود شمال أفريقيا الذين سَيُشجعون على الهجرة إلى إسرائيل. وقد عملت إسرائيل على استغلال علاقة الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا بالملك إدريس السنوسي مما دفع الصهيونيين إلى الاعتقاد أن هذا النفوذ الغربي غير المباشر يمكن أن يدفعه إلى الاهتمام بما سموه "العملية الليبية" في سبيل ترسيخ حكمه وتوطيده.

لقد كان لنجاح العملية الليبية أهمية استراتيجية بالنسبة لوزارة الخارجية الإسرائيلية، حيث تذكر رسالة من موشيه ساسون وهو دبلوماسي كبير في الخارجية ومستعرب كبير لاحقاً أصبح مستشاراً لرئيس الوزراء ما بين الأعوام 1967-1969 أن ليبيا ستكون مستعدة لاستقبال موارد بشرية عربية فكرية وتقنية ذات مستوى أعلى بكثير من تلك الموجودة فيها (ص 37)، كما أن هجرة 3 أو 4 من العرب من إسرائيل ستكون الخطوة الأولى في سبيل ترحيل الفلسطينين المقيمين خارج أراضي إسرائيل.

تمت المصادقة على الخطة في العام 1954، وكانت من ضمن الأهداف التي أضيفت لها تذويب مشكلة اللاجئين الفلسطينين وإزالتها من قلب الصراع العربي – الإسرائيلي. وقد قام فايتس بنفسه بالسفر إلى شمال افريقيا للبدء في تنفيذ الخطة التي تشتمل على شراء الأراضي الزراعية في ليبيا ومبادلة الممتلكات اليهودية هناك بممتلكات الفلسطينين، وقد تم تمويلها من الصندوق القومي اليهودي، إلاّ أن صحفياً  كان قد علم بأمر الخطة عام 1958 وقام بتسريب المعلومات إلى "الصنداي تايمز" في لندن و"معاريف" و"لامرحاف" في إسرائيل، الأمر الذي أدّى إلى إنهيار العملية الليبية تماماً.

كفر قاسم.. أكبر من مذبحة

في 29 تشرين أول/أكتوبر عام 1956 قتل حرس الحدود الإسرائيلي 49 مدنياً فلسطينياً في قرية كفر قاسم، وبعد حوالي 35 عاماً، كشفت صحيفة "حداشوت" العبرية عن خطة وضعت تحت اسم "عملية حفرفيرت" وهدفها طرد العرب من سكان المثلث الأصغر وعددهم أكثر من 40 ألف مواطن عربي إسرائيلي، والتي كانت السبب الأساس في هذه المذبحة.

وتتلخص العملية التي تم تنفيذها عشية بدء العدوان الثلاثي على مصر، بأن يقوم حرس الحدود الإسرائيلي بفرض حظر التجول على القرى الحدودية بموعدٍ جديد لا يعلم به سكّان هذه القرى، ومن ثم القيام بإصدار تعليمات مشددة بعدم التهاون مع أي شخص يقوم بكسر هذ الحظر، وقد تم إعلام مُختار قرية كفر قاسم بالموعد الجديد الساعة الرابعة والنصف، قبل بدء الحظر بنصف ساعة، الأمر الذي تفاجئ به سكان القرية العائدون من أعمالهم خارجها – كان الجيش يعلم مسبقاً موعد عودتهم المعتاد - وفي شهادة قائد الكتبية هيشغار شدمي لقائد الوحدة مالينكي التي قامت بالمذبحة قال: لا يكفي إلقاء القبض على أولئك الذين يخرقون الحظر، بل يجب إطلاق النار عليهم، إن رجلاً ميتاً أو آخرون قتلى أفضل من تعقيدات الاحتجاز (ص 43).

لقد وضعت خطة حفرفيرت كخطة طارئة صاغها موشيه دايان رئيس أركان الجيش لإجلاء السكان العرب عن المثلث الأصغر بالقوة في إطار الحرب المحتملة مع الأردن، ويعتبر دايان من أشد المتحمسين لطرد العرب وإقامة الدولة اليهودية من البحر الأبيض المتوسط إلى نهر الأردن، وهكذا تكشف الخطة عن نية إسرائيلية حقيقية لطرد وتهجير كافة العرب من أراضيها، حيث قال الصحافي دان هوروفيتس الذي تولى تغطية محاكمة الضباط المشاركين في مذبحة كفر قاسم بأن عملية حفرفيرت صممت لاستحداث استفزاز بين السكان العرب يجبرهم على القيام بأعمال غير قانونية ومن ثم طردهم، إرهابهم ثم إجلاؤهم (ص 44).

وقد تمت محاكمة المسؤولين عن المذبحة وفق ما يذكر مصالحة، منهم قائد الوحدة الحدودية الميجور صموئيل مالينكي، وقائد كتيبة حرس الحدود التي قامت بتنفيذ المجزرة الكولونيل هيشغار شدمي وقائد الفصيل غابريل داهان، وكون القاضي والمتهم كلاهما ظالم، وبتواطؤ من بن غوريون ودايان، فقد صدرت أحكام تتراوح ما بين 15 عاماً على قائد الفصيل، خرج بعفو بعد 3 أعوام وتقلد منصباً رفيعاً بعدها، و17 عاماً على قائد الوحدة مالينكي خرج بعدها بفترة قصيرة وعين مسؤولاً عن برنامج مفاعل ديمونا في النقب، أمّا شدمي فقد وجد مُذنباً بارتكاب خطأ تقني يتمثل بعدم إبلاغ أمر حظر التجول في الوقت المناسب وحُكم عليه بغرامة رمزية مقدارها قرش واحد، أصبح يعرف فيما بعد سخريةً ب"قرش شدمي".

ويشير مصالحة أيضاً إلى أنه في العام 1964 طلب الكولونيل أريئيل شارون من هيئة الأركان أن يعرفو عدد الباصات والشاحنات التي تلزم في حال وقوع الحرب "لنقل" نحو 300 ألف مواطن عربي إسرائيلي خارج البلاد، ولكن هذه الخطة التي لم يُعرف عنها الكثير تؤكد أن عملية الطرد للسكان العرب كانت لا تزال مستمرة.

حرب الـ 1967 وتعزيز فكرة الترحيل

لقد حققت إسرائيل هدفها الأكبر منذُ إعلان الدولة بأن سيطرت على أرض فلسطين كاملة، الأمر الذي أحيا مفهوم الترحيل مجدداً، وقد وجد صدىً واسعاً ليسَ فقط لدى معسكر حيروت التصحيحي المتطرف (عُرف فيما بعد بحزب الليكود) بل أيضاً لدى قادة وأعضاء حزب العمل البراغماتي الحاكم.

ولم تتوقف فكرة ترحيل العرب عند السياسيون فقط، فقد شهدت الفترة اللاحقة لحرب الـ 67 مناقشات عامة وبروز أغاني شعبية ومقالات وقصص حول أهمية هذه المسألة لدى اليهود، ويذكر مصالحة أيضاً، أن العديد من الأدباء والفنانين والشعراء الإسرائيلين شاركوا بكثافة في ترسيخ فكرة الترحيل لدى الشعب الإسرائيلي (ص 80).

في صيف العام 1967، تقدم أليعيزر ليفنه الذي شغل منصب رئيس الدائرة التربوية والسياسية في الهاغاناه خلال فترة الانتداب بمخطط لترحيل 600 ألف لاجئ فلسطيني من الضفة الغربية وقطاع غزة إلى أي بلد عربي يختارونه طوعاً أو الهجرة إلى بلاد بعيدة عبر البحار، ويذكر ضمن مخططه صراحةً أن تعمل إسرائيل على إعادة توطينهم في بلدان مجاورة يستطيعون التوصل إلى تسوية معهم، كالأردن الذي من المحتمل أن يكون المنتفع الأكبر كي يتمكن من إعمار أراضيه الواسعة (ص88).

فايتس مُجدداً

"يجب أن يكون واضحاً لنا أنه لا مكان لكلا الشعبين في هذا البلد، بترحيل العرب يصبح هذا البلد مفتوحاً على مصراعيه أمامنا. ببقاء العرب يكون هذا البلد ضيقاً ومحدوداً. الطريقة الوحيدة هي ترحيل العرب من هنا إلى البلدان المجاورة، كلهم، ربّما بإستثناء بيت لحم والناصرة والقدس القديمة. يجب ألا تترك قرية واحدة أو قبيلة واحدة، يجب أن يتم الترحيل باستيعابهم في العراق وسوريا وحتى في شرق الأردن [...] عندئذ فقط يمكن للبلاد أن تستوعب ملايين اليهود، لا يوجد أي حل آخر". هذا ما نشره يوسف فايتس بتاريخ 29/06/1967 في جريدة "دافار"، وهي مقالة تستند على مذكرة قدمها للحكومة الإسرائيلية آنذاك، يعيد فيها طرح الحل الذي بتصوره أصبح ممكناً.

ويورد مصالحة في تعليقه على مقترح فايتس، بأنها تختلف نوعاً ما قياساً بما كان يدعو له في عام 1940، حيث تحول فايتس من مؤيدٍ ومخططٍ كبير لترحيل "كل العرب" من كل فلسطين إلى الإبقاء على بعضهم في العام 1967، ولعل مرد هذا التحول هو ما واجهه فايتس من فشل في مخططاته السابقة التي أتت نتيجة معارضة الفلسطينين للرحيل ورفض الدول العربية هذه المقترحات وحساسية الرأي العام الغربي، وهذا ما أخذته الحكومة الإسرائيلية بعين الاعتبار عند تنفيذها لمخططات أخرى خلال الأعوام الثلاث القادمة.

الهدم والترحيل

بعد يومين من استيلاء جيش الاحتلال على القدس، أصدر شلومو لاهط قائد القدس أمراً بهدم حي المغاربة كاملاً، مُعطياً سكّانه دقائق قليلة كإنذارٍ قبل البدء بعمليات الهدم، نتج عن هذه العملية التي تمّت بموافقة صريحة من عوزي ناركيس القائد العام للقيادة الوسطى ترحيل نحو 135 عائلة وتوجهو نحو قرى قريبة مثل شعفاط وبيت حنينا وسلوان، ويورد مصالحة أن هذه العمليات يمكن اعتبارها بمثابة طرد داخلي وليسَ ترحيل من المناطق المحتلة، لكنّها من الأهمية بمكان أن نتذكر أنها ساعدت في عمليات خروج الفلسطينين من الضفة الغربية إلى الأردن في تلك الفترة، خصوصاً في الأسابيع الأولى التي تلت الحرب (ص 101).

ومثل حي المغاربة شهد حي اليهود في القدس طرد نحو 4 آلاف فلسطيني ليتم إخلاؤه بالكامل من مكونه العربي وإقامة حي جديد يهودياً بأكمله. كما يذكر مصالحة تفاصيل ترحيل عشرة آلاف ساكن من قرى بيت نوبا وعمواس ويالو في منطقة اللطرون شمال غربي القدس، وقد تمت العملية باستخدام الدبابات لإغلاق مداخل هذه القرى ومنع سكّانها من الرجوع إليها وهدم البيوت بما فيها من ممتلكات وآثار وتاريخ.

هيرتسوغ، لاهط وناركيس

لا يُخفي حاييم هيرتسوغ، أول حاكم عسكري للضفة الغربية بعد احتلالها رغبته بطرد مليون عربي من المناطق التي تم احتلالها معتبراً ذلك أمرٌ أفضل، وبفخرٍ كبير أيضاً، يعلن أنّه نظّم ونفّذ بفاعلية وكفاءة وبالتعاون مع شلومو لاهط عملية ترحيل 200 ألف فلسطيني من الضفة الغربية عقب الحرب مباشرة إلى الأردن، حيث أنّه كان يحلم أنه بخروج هؤلاء الفلسطينين سيخرج الكثير من رجال منظمة التحرير الفلسطينية وتتسهل الأمور على الإدارة العسكرية.

على مدى أسابيع متعاقبة، تم تنظيم عملية الترحيل هذه من خلال باصات تحمل الفلسطينين من بوابة نابلس – باب العامود في القدس – إلى جسر اللنبي ليكملو طريقهم إلى الأردن. وبشهادة عدد كبير من الجنود والقادة الإسرائيلين فيما بعد، فإن هذه العملية اتسمت بالعنف والإجبار لمن يرفض الأوامر، فكان هناك عساكر مهمتهم ضرب الرجال والشباب وإرغامهم على التبصيم على ورقّة تدعي قبولهم الطوعي بالهجرة.

وفي تفاصيل أخرى عن هذه العملية صرّح عوزي ناركيس عام 1988 أنه أشرف بنفسه على هذه العملية التي أفضت إلى تهجير أكثر من 200 ألف فلسطيني في باصات كُتب عليها "إلى عمّان – مجَاناً"، بالإضافة إلى أن القوات الإسرائيلية المتواجدة على نهر الأردن بعد حرب عام 1967 كانت تقتل كل مدني يحاول أن يتسلل عائداً إلى الضفة الغربية.

مشروع دايان السري

يعُتبر  موشيه دايان الذي استلم وزارة الدفاع عشية حرب 1967 وبقي في منصبه لسنواتٍ سبع بعدها من أشد المتحمسين للسياسية التوسعية الإسرائيلية، فلم يتوان عن مؤيدة أريئيل شارون في لقاء صحفي معه عام 1981 في الرأي القائل بجعل الأردن دولة فلسطينية، غير أنه توقع أن ذلك سيتسبب بالمزيد من المقاومة.

ويروي مصالحة أن دايان كان هو مُبتكر سياسة "الضم الزاحف"، وهي عملية كان يتم بها فرض الإدارة والتشريع والقانون الإسرائيليين بالتدريج، وبصورة متزايدة، وبقسوة على الضفة الغربية وقطاع غزّة في مساحات تتسع شيئاً فشيئاً، من دون إجراء شامل لضم قانوني (ص 112).

وعملت الموساد مع وزارة الدفاع والحكومة الإسرائيلية عقب الحرب على تخطيط وتنفيذ نشاطات ترحيل للعرب بشكل سرّي ومتحفظ، وما لبثت هذه الخطط أن وصلت إلى مسامع بعض الصحافيين الذين قاموا بنشر مقالات عنها في الصحف العالمية ما بين الأعوام 1987 و1988.

ومن ضمن ما يكشفه مصالحة من الأرشيف الإسرائيلي مناداة العديد من الوزراء من الحكومة الإسرائيلية إلى توطين اللاجئين الفلسطينين في صحراء سيناء أو نسف المخيمات الفلسطينية وترحيل المقيمين فيها إلى العريش التي انتزعت من مصر.

أمّا فيما يخص خطّة دايان الرئيسية، فقد كانت تتضمن تشجيع الهجرة العربية من الضفة الغربية إلى أمريكا الجنوبية، وبناءً عليها، قام الخبراء في إسرائيل بتطوير هذه الخطّة من حيث تتلقى العائلات الموافقة على الهجرة مبلغاً مالياً يتراوح ما بين 3 و 5 آلاف دولار. وقد تم تأليف وحدة سرّية من ممثلين لمكتب رئيس الحكومة و وزارة الدفاع والجيش مهمتها تشجيع رحيل الفلسطينيين، وكان مقرّها في شارع عمر المختار في مدينة غزّة.

وفرّت هذه الوحدة السرية تذاكر مجّانية ذهاب بدون عودة إلى باراغواي في أمريكا الجنوبية من خلال وكالة سفر في تل أبيب بالإضافة إلى وعود بمساعدات أكبر فور وصولهم إلى هناك. وقد كان هدف هذه الوحدة العثور على أفراد من العرب المستائين والمستعدين للرحيل، بهدف تفريغ قطاع غزّة من سكانه العرب، وعملاً على هذه الأهداف، قامت بعمليات شراء لأراضي من خلال وسطاء في كل من باراغواي والبرازيل وليبيا ما قبل القذافي.

لقد نجحت خطّة دايان السرية في تهجير نحو ألف فلسطيني خلال ثلاثة أعوام، وكانت نهايتها على يد أحد هؤلاء الفلسطينيين الذين قبلوا بالترحيل، حيث أنه ذهب يوماً إلى مقر السفارة الإسرائيلية في الباراغواي في محاولة لمقابلة السفير والمطالبة بالمعونة المالية التي وُعِدَ بها، وعندما رُفضَ طلبه أخرج مسدسه وقتل سكرتيرة السفير (ص117).

الإبعاد الفردي بدلاً من الترحيل الجماعي

يكشف مصالحة في الفصل الرابع عن التغير الذي طرأ على السياسات الإسرائيلية في تحقيق هدف عرب أقل في الضفة الغربية وقطاع غزّة من خلال إنتهاج سياسة مغايرة في ظاهرها لما كانت عليه قبل ذلك، لكنها في الجوهر تتوافق مع فكرة الصهيونية القائمة على التخلص من العرب.

وقد طبقت سياسة الإبعاد من قبل سلطات الاحتلال على الناشطيين السياسيين من الجماعات السياسية كافّة في الضفة الغربية وغزّة، من ضمنهم الموالين للأردن والزعماء الشيوعيين والراديكاليين، وناشطي فتح وأنصار مختلف الجبهات والفئات الفلسطينية والمناضليين الإسلاميين.

واستخدمت دولة الاحتلال حجّة الأمن لتبرير موقفها أمام الرأي العام العالمي حين تصدر أصوات تطالبها بالكف عن إبعاد الفلسطينيين أو السماح لهم بالرجوع إلى بلدهم، وقد قسّمت إسرائيل المبعدون إلى أربع فئات وفق الأوامر العسكرية المختلفة الصادرة بعد العام 1969؛ الأولى هم الذين اتهموا بالتحريض أو المنتمين إلى منظمات "غير شرعية"، المجموعة الثانية هم الذين وصفوا بأنهم "متسللون" بغض النظر عن كونهم ولدوا أو أمضوا معظم حياتهم في الضفة الغربية وغزّة، أمّا الفئة الثالثة فكانت تشمل الفلسطينيين الذين يفترض أنهم في الوقت الذي يكونون فيه محتجزين لارتكابهم "جرائم أمنية"، أبرموا صفقة مع السلطات الإسرائيلية تخفض بموجبها فترة سجنهم في مقابل مغادرة الأراضي المحتلة. الفئة الرابعة وهي الأكثر شيوعاً وفق مصالحة هي التي تتألف من الذين تم نفيهم الفعلي بناءً على خلفيات تقنية وقانونية متنوعة مثل عدم تجديد بطاقة الهوية أو عدم تسجيلهم في إحصاء عام 1967.

ويوضح مصالحة أن أكبر مؤيد لعمليات الإبعاد كان إسحاق رابين، وزير الدفاع ورئيس الوزراء فيما بعد، والذي كان تفاخر ذات يوم في الكنيست بأنه حطّم عظاماً فلسطينية ودمر بيوتاً في الضفة الغربية وقطاع غزّة وطرد محرضين فلسطينيين أكثر مما فعله الذين ينتقدونه من حزب الليكود ص144. كما أن أغلب عمليات الإبعاد كانت تتم في فترات حُكم حزب العمل، حيث أن حزب الليكود كان يواجه بانتقادات شديدة من الداخل والخارج الأمر الذي لم يمكّنه من تنفيذ هذه العمليات بالشكل الكبير.

لقد قامت إسرائيل بإبعاد آلاف من الفلسطينيين منذ حرب حزيران ولغاية عام  1993، ولعلّ مبعدو مرج الزهور في لبنان أشهرهم في عملية ممنهجة لإفراغ الأرض من الرجال المؤثرين والفاعلين في المجتمع، بعد توقيع إتفاق السلام علم 1993 أعلنت إسرائيل بتردد استعدادها لدراسة 2000 طلب سنوياً لـ "لم شمل" هؤلاء المبعدين مع عائلاتهم في فلسطين، وكما تفعل دائماً، بحجّة الأمن، كان أغلب هذه الطلبات يُرفض، أو تتوقف عملية دراسة هذه الطلبات بحجج أخرى تصرح بها.

أرض أكثر

لم تكتفي إسرائيل بطرد الفلسطينين الجماعي أو الفردي، بل سخّرت كل قواها لسلب الأراضي التي قامت باحتلالها في حربي 1948 و 1967 وأراضي مختلفة بزعم أنها مهمّة للأمن القومي لدولة إسرائيل. كما يوضح مصالحة السياسات التي إتبعتها الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة في اضطهاد الفلسطينيين الذين لم يرحلو عن مدنهم وقراهم خلال النكبة.

وقد سنّت إسرائيل نحو 30 تشريعاً مختلفاً بعد عام 1948 نقلت بواسطتها الأرض من ملكية العرب الخاصة إلى مُلكية الدولة فيما يُعرف بأنها سرقة بالجُملة تحت غطاء قانوني حسب وصف أحد الصحفيين الإسرائيلين عام 1955 (ص 152).

  ولقد كان عرب النقب ضحية لخطط إسرائيلية وضعت عام 1964 وإستمرت لفترة طويلة بعدها تهدف إلى إخلاء المنطقة بالكامل من سكانها العرب بحجة توفير مساحة جيّدة للمستوطنات اليهودية ومشروعات تطوير الأراضي لإستقبال اليهود من كافّة أنحاء العالم. وبالإضافة إلى النقب، برز مشروع "تهويد الجليل" أو إسكان الجليل كما كانَ يُعرف بدايةً والذي كانَ متوافقاً عليه من جميع الأحزاب اليمينية واليسارية والوسط، بهدف نهائي هو تحقيق أغلبية يهودية في هاتين المنطقتين.

يذكر مصالحة أيضاً أنه في العام 1976 أزالت السلطات الإسرائيلية 31 قرية (مستوطنة) للعرب، بدو النقب، وكانت تخطط لإجلاء 54 مستوطنة أخرى. كما أن أريئيل شارون، وزير الزراعة في ذلك الوقت أصدر مرسوماً يعلن فيه أن كامل منطقة النقب للجنوب من خط العرض 50 هي محمية طبيعية يُحظر على العرب البدو أن يرعوا ماشيتهم فيها.

وعلى إثر هذا المرسوم، قامت إسرائيل بتشكيل قوّة مسلحة خاصّة عُرفت بإسم الدورية الخضراء لتحديد مكان الذين يُعتقد أنهم يعتدون على أراضي الدولة، أي خارج المناطق التي يُسمح لبدو النقب بدخولها ولإجلائهم عنها بسرعة.

وقد وصف دوف كولّر، عضو رابطة الحقوق المدنية في إسرائيل نشاطات الدورية الخضراء بأنها عمليات إبعاد عائلات البدو من أرض النقب، وأنها تصادر الحيوانات وتضرب الأطفال والنساء وتدمر البيوت (ص157).

الديموغرافيا.. عدو إسرائيل الثاني

لطالما عبّر القادة الإسرائيليون عن قلقهم من التواجد العربي داخل إسرائيل، وعلى الرغم من أنه قد تم منحهم الجنسية الإسرائيلية بعد عام 48، إلاّ أنهم بنظر إسرائيل لم يعدوا عن كونهم أغراب وأجانب ويجب التخلص منهم.

وقد حاول بن غوريون تشجيع العائلات اليهودية على الإنجاب في بداية سنوات الدولة بتخصيص جائزة لكل أم تلد طفلها العاشر، لكنّه ألغى هذه الجائزة حين علم أنه قد فاز بهذه الجائزة نساء عربيات كثيرات. وللتغلب على هذه المشكلة، قام ليفي أشكول في العام 1968 بالمصادقة على توصيات لجنة مخصصة لحل مشكلات معدل الولادة، وقد تم إنشاء وحدة رسمية في وزارة الشؤون الاجتماعية بهدف زيادة الوعي بالنسبة إلى المشكلات الديموغرافية، الجنس والتربية العائلية وسبل زيادتها.

ويُشير المؤلف أيضاً إلى أن مذكرة داخلية أُعدت من قبل يسرائيل كينيج وهو مفوض وزارة الداخلية في المنطقة الشمالية آنذاك، وعُرفت فيما بعد بتقرير كينيج وقد تم تسليمها لمكتب رئيس الحكومة إسحق رابين، احتوت على قسمٍ كامل يتحدث حول التهديد الديموغرافي للعرب على دولة إسرائيل، مُعطياً إقتراحات عدّة تتمحور حول تبني سياسة أكثر عدوانية تهدف إلى تشجيع العرب الإسرائيليين على الهجرة، وتخفيض عدد الموظفين العرب في المؤسسات اليهودية وزيادة التحكم بالأنشطة السياسية التي يقوم بها العرب وزيادة الرقابة على العرب الإسرائيليين.

ويوضح الكاتب أيضاً أن التفرقة ضد المواطنين العرب تنشأ أساساً من الإيديولوجية الصهيونية ومن التعريف الذاتي الرسمي للدولة التي تُعرّفُ عن نفسها بأنها دولة الشعب اليهودي وذلك يشمل اليهود الذين لا يقيمون على أراضيها أيضاً وهي ليست دولة لجميع مواطنيها بطبيعة الحال، وبالأخص المواطنين العرب.

ويذكر أيضاً أنه في العام 1985 تم طرح مشروع لتعديل تعريف الدولة لتصبح "دولة يهودية ودولة لجميع مواطنيها" إلاّ أنه تم رفض هذا التعديل بأغلبية كبيرة جداً.

ويختم الكاتب الفصل الرابع من الكتاب بأنه على الرغم من محاولات حكومة إسرائيل الائتلافية عام 1992 والمشكلة من حزبي العمل وميرتس بتعزيز الدمج التام للفلسطينين في إسرائيل والذين يتم وصفهم من قبل المسؤولين الإسرائيلين بـ"عرب إسرائيل" وذلك لنزع الصفة الفلسطينية عنهم، إلاّ أن هذه الشعارات لم تعدو عن كونها كلاماً فقط، ولا يزال الفلسطينيون المقيمون داخل دولة إسرائيل يعانون من شتّى أنواع الإضطهاد وأساليب التهجير والترحيل حتى يومنا هذا.

عمل.. ليكود: الترحيل سياسة واحدة

يُناقش مصالحة في الفصل الأخير من كتابه مقترحات حزبي العمل والليكود لترحيل العرب من أرض فلسطين، بالإضافة إلى تأثير مستوطني "غوش إيمونيم" على هذه السياسات.

 لقد كان لبقاء الفلسطينين في بيوتهم وأراضيهم خلال حرب عام 1967 أثرٌ كبير على سياسات حزب العمل في الفترة ما بعد الحرب، إذ أن صمودهم جعل القادة الإسرائيلين في صدمة من النتيجة الديموغرافية للحرب التي لم تأتي كما حدث خلال الإحتلال عام 1948. وحتى العام 1977، ظلّت جميع الحكومات العمالية تسترشد فيما يُعرف بخطّة ألون الرامية إلى ضم 40% من الضفة الغربية وقطاع غزة وذلك من خلال إنشاء مستعمرات يهودية بكثرة في الضفة الغربية.

وقد بقيت سياسات حزب العمل تهدف إلى التهجير / الترحيل الطوعي للفلسطينيين بناءً على الفكرة القائلة أن دولة يهودية متكاملة من دون العرب كانت ولا تزال الهدف الأساسي للصهيونية. وعلى الرغم من إعلان المبادئ الذي تم توقيعه بين حكومة رابين ومنظمة التحرير الفلسطينية إلا أن أعمال إنشاء المستعمرات اليهودية إستمرت بعدها، فإتخذ رابين في العام 1995 قراراً ببناء 8000 وحدة سكنية جديدة في مستعمرة معاليه أدوميم في منتصف الطريق بين القدس وأريحا. وقد كان لهذا القرار صلة بإستراتيجية حزب العمل لضم القدس الكبرى إلى إسرائيل واقتسام الضفة الغربية بين إسرائيل و الأردن – فلسطين.

ويُذكّر مصالحة أيضاً أنه في العام 1993 نشأ ما يُشبه الخلاف بين حزبي الليكود والعمل بسبب أن الأخير قد إعترف بمنظمة التحرير كممثل وحيد للشعب الفلسطيني والتفاوض معها، غير أن هذا الاعتراف المنقوص – اعتراف بتمثيل الشعب فقط دونَ أهدافها – لم يُثنِ الحزبين الرئيسيين في إسرائيل على رفض إقامة دولة فلسطينية مستقلة في الضفة الغربية وقطاع غزّة رفضاً كاملاً، حيث أن سياسيتهما تتلاقى بأن الحل الوحيد هو إجلاء الفلسطينين من هذه الأراضي إلى الأردن.

ولم يتوقف حزب العمل عن إقرار إقامة مستعمرات يهودية جديدة في الأعوام التي تلت برغم كل الإتفاقات الموقعة بهدف ضم أكثر من 35% من الأراضي وإخضاعها تحت سيطرتها الكاملة.

وإن كانت سياسات حزب العمل تتصف بالبراغماتية والليونة، فإن فترة حُكم الليكود ما بين الأعوام 1977 و 1992 كانت أكثر شراسة وتطرفاً، وقد ذكر شامير في الكنيست عام 1991 أنه يهودا والسامرة وغزة جزء لا يتجزأ من دولة إسرائيل، وسوف نقاتل لكي نحقق هذا الفكر عَمليا (ص 199).

لم يتوانَ حزب الليكود في توسيع عمليات إنشاء المستعمرات في الضفة الغربية وقطاع غزّة، بالإضافة إلى تبني سياسة إبعاد القادة والتضييق اليومي على الفلسطينيين وحصرهم في بقاعٍ صغيرة بهدف أن يطلبو الرحيل أو الهجرة. ولم يُخفِ القادة والسياسيون طموحاتهم بشأن ذلك لا سيما أريئيل شارون وبنيامين نتنياهو فيما بعد.

ويورد مصالحة أحد المقترحات التي قُدمت لحزب الليكود أثناء فترة حُكمه بعنوان "إستراتيجيا لإسرائيل في الثمانيات كتبها عوديد يِنون – صحافي ومحلل لشؤون الشرق الأوسط وموظف كبير سابق في وزارة الخارجية – ونُشرت في دورية "كيفونيم" التي تصدر عن قسم الإعلام في المنظمة الصهيونية العالمية، وجاء في مقترحه: "على إسرائيل أن تعمل على تحقيق تفسّخ الأردن وأن تُفكك النظام الأردني القائم حيث لم يعد بالإمكان أن يُعاش في هذا البلد في الوضع الراهن من دون الفصل بين الشعبين، فيتجه العرب بمن فيهم عرب إٍسرائيل إلى الأراضي الواقعة غربي نهر الأردن، ولا يمكن أن يتمتع العرب الفلسطينيون بالأمن والوجود إلاّ في الأردن" (ص 215).

غوش إيمونيم .. سلاح، تطرّف وإرهاب

لقد كان لتأسيس "كتلة المؤمنين" في عام 1974 دورٌ كبير في تغذية تطرف سياسات الحكومات الإسرائيلية تجاه الفلسطينين، وتحديداً الضغط من إجل طردهم وسلب أراضيهم. وقد تكونت هذه الكتلة من المستوطنين المتدينين من الحزب الديني القومي في إسرائيل وتمثلت في الحكومات المتتالية من خلال وزير أو إثنين.

لقد جذبت هذه الكتلة العديد من الحاخامات والقادة العسكريين الذين كانَ لهم أثرٌ واضح في تعزيز مفهومي طرد وترحيل العرب من كامل أرض فلسطين. وقد لاقت دعماً كبيراً من كل من بيغين وشارون وتتلقى الأموال من الحكومة الإسرائيلة والوكالة اليهودية.

قامت هذه الحركة بتحدي حكومة حزب العمل في أواخر السبعينات من خلال إقامة ثلاث مستعمرات في مناطق كثيفة السكان في الضفة الغربية دون موافقة رابين، وقد قدم العديد من الوزراء من حزب العمل المعونة المادية لإقامتها، وقد مثّلت هذه المستعمرات لجماعة غوش أيمونيم قاعدة إقليمية يستطيعون منها أن يتناموا وأن يعملوا على تجنيد المزيد من الأتباع لتحقيق هدفهم. ولم تكتف الحركة بإقامة المستعمرات والضغط على الحكومة، بل تعدّت ذلك إلى قيامها بالهجوم على رئيسي بلديتي نابلس (بسام الشكعة) ورام الله عام 1980 وألحقا بهما ضرراً كبيراً، بالإضافة إلى الهجوم على الكلية الإسلامية في الخليل في تموز 1983 الذي أسفر عنه استشهاد ثلاثة طلاب، ومؤامرة أخرى لنسف قبّة الصخرة في العام 1984.

خاتمة

على الرغم من مرور ثلاثة عشرً عاماً على صدور الكتاب، إلاّ أنه لا يزال يُعدُّ مرجعاً أساسياً لفهم العقلية الصهيونية تجاه الفلسطينين، وما الحكومات التي تتوالى في دولة الاحتلال إلاّ انعكاسٌ لإرث الأفكار الصهيوينة القديمة التي تدعو فيما تدعو إليه إلى التخلص من العرب وإحتلال المزيد من الأراضي.

ولعلّنا في هذا الوقت بحاجة مرّة أخرى لقراءة هذا الكتاب لا سيّما وأن نتنياهو يسعى إلى ضم أجزاء من الضفة الغربية إلى دولة إسرائيل مما يدل وبشكل واضح على أن الهدف لايزال كما هو، وأن تطبيق سياسة الأمر الواقع في حال تم ضمّ هذه الأراضي رسمياً، سيعودُ بنا إلى الأفكار والمقترحات القديمة لحزب الليكود بأن الفلسطينيين مكانهم الأردن.

نور مصالحة مؤرخ فلسطيني مواليد الجليل عام 1957، له العديد من المؤلفات المشهورة منها "طرد الفلسطينيين – مفهوم الترانسفير في الفكر والتخطيط الصهيونيين" الصادر عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية عام 1992، وبالإنجليزية صدر له نكبة فلسطين (2012) و فلسطين : تاريخ أربعة آلاف عام (2018)، الكتاب المقدس والصهيونية (2007) وسياسات الإنكار (2003).

يعمل حالياً كبروفيسور وعضو مركز الدراسات الفلسطينية في لندن، وعضو مركز فلسفة التاريخ في جامعة سانت ماري كما يعمل كرئيس تحرير دورية الأرض المقدسة والدراسات الفلسطينية التي تصدر عن جامعة ادنبرة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

مكتبة فلسطين: الأغنية الشعبية الفلسطينية

مكتبة فلسطين: الحكايا الشعبية الفلسطينية