18-يناير-2024
الجيش الإسرائيلي وقطاع غزة

(Getty) تتزايد التحليلات الإسرائيلية، التي تشير إلى فشل الحل العسكري في قطاع غزة

تجمع تحليلات عدة في إسرائيل، على افتقارها للهدف الاستراتيجي خلال عدوانها على قطاع غزة، وعدم قدرتها على تحقيق أي تفوق حاسم في الحرب على قطاع غزة، بينما تتزايد الأصوات الإسرائيلية، التي تدعو إلى عقد صفقة تبادل للأسرى، وإنهاء الحرب. باعتبار أن العدوان الحالي دخل في مرحلة "جمود" ولم تتحقق فيه أي إنجازات، كما أن وعود إسرائيل السابقة، مع بداية الحرب، كانت "متعجرفة" وبعيدة عن الواقع اليوم.

ولم يتراجع رئيس الوزراء الإسرائيلي عن هذا الموقف، إذ قال يوم أمس، خلال زيارته لقاعدة جوية: "سنقاتل حتى النهاية".

وحول ذلك، افتتح الصحفي الإسرائيلي يوسي ميلمان، مقالته في صحيفة "هآرتس"، بجملة من رئيس الشاباك السابق عامي أيالون خلال مقابلة معه، قال فيها: "لقد أصبحت الحرب هي الهدف".

وأضاف ميلمان: "يبدو أن العديد من صناع القرار في إسرائيل مفتونون بالوضع الذي تستمر فيه الحرب دون نهاية في الأفق ويعتبرونها ضرورة لا مفر منها. وفي اجتماع مجلس الوزراء يوم الأحد، أكد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أن الحرب ستستمر لعدة أشهر أخرى. هذا ليس مفاجئًا". موضحًا ذلك، بالقول: "منذ الأسابيع الأولى للحرب، شعر العديد من الإسرائيليين أن الأهداف المعلنة للحرب كانت غير واقعية إلى حد كبير، وأن أهداف نتنياهو الخفية هي أهداف شخصية وسياسية، مثل التهرب من الإدلاء بشهادته في محاكمته الجنائية بالفساد، ومنع استئناف الاحتجاجات ضد حكومته، ومحاولة إجراء انتخابات مبكرة".

افتتح الصحفي الإسرائيلي يوسي ميلمان، مقالته في صحيفة "هآرتس"، بجملة من رئيس الشاباك السابق عامي أيالون خلال مقابلة معه، قال فيها: "لقد أصبحت الحرب هي الهدف"

وأضاف: "في محادثات مع وسائل الإعلام الإسرائيلية هذا الأسبوع، أعرب مسؤولون أمريكيون عن خيبة أمل كبيرة إزاء سلوك رئيس الوزراء. إذن ما هو الجديد أيضًا؟ هل كانوا يتوقعون أن يشكرهم نتنياهو على الدعم الأميركي الدبلوماسي والعسكري والمعنوي لإسرائيل؟ هل تفاجأوا بأنه يعتبر المساعدات أمرًا مسلمًا به ولا يأخذ الولايات المتحدة بعين الاعتبار؟ ألم يعلموا أنه متلاعب؟".

أوضح الصحفي المختص في الاستخارات: "لكن نتنياهو ليس وحده في جهوده لإطالة أمد الحرب. وله شركاء في القيادة السياسية والعسكرية. وزير الأمن يوآف غالانت، وزعيم حزب معسكر الدولة بيني غانتس، ورئيس أركان الجيش الإسرائيلي هرتزل هاليفي، ومدير الشاباك رونين بار وغيرهم من كبار ضباط الشاباك وجنرالات الجيش الإسرائيلي، يشتركون في الرغبة في إطالة أمد الحرب، كل لأسبابه الخاصة".

وأشار إلى أن غالانت "يأتي مباشرة خلف نتنياهو في تحمل المسؤولية عن الفشل السياسي والأمني ​​الذي حدث في 7 أكتوبر". مضيفًا: "غانتس ليس مسؤولًا عن الفشل. وقد أظهر، جنبًا إلى جنب مع زميله في الحزب وأركان الجيش الإسرائيلي الأسبق غادي آيزنكوت، المسؤولية الوطنية والحنكة السياسية. وعلى الرغم من تردد نتنياهو، الذي لم يكن يريده حقًا، فقد ابتلع غانتس كبريائه وانضم إلى حكومة الحرب دون شروط. ولكن سرعان ما أصبح واضحًا أنه لم يكن له أي تأثير، وأنه وآيزنكوت كانا هناك للاستعراض فقط".

وعن عدم رغبة غانتس في نهاية الحرب، قال: "إذا حكمنا من خلال سلوك غانتس، فإنه ليس لديه أي نية لإعطاء نتنياهو إنذارًا، حتى بعد 100 يوم من الحرب. قبل بضعة أسابيع، كان ينبغي عليه أن يقول ما يلي: إذا لم تبادر الحكومة إلى التوصل إلى اتفاق شامل ينهي الحرب، بما في ذلك صفقة تبادل، فسوف نستقيل من الحكومة. لكن يبدو أن غانتس مستمتع بنجاحه في استطلاعات الرأي، خشية أن يفقد شعبيته العالية في استطلاعات الرأي إذا استقال من الحكومة. ومن هذا المنظور، لا يوجد فرق يذكر بينه وبين نتنياهو. وفي إدارتهما للحرب، فإن قراراتهما تكون مدفوعة أيضًا باعتبارات شخصية وسياسية".

وعاد ميلمان إلى نتنياهو، قائلًا: "نتنياهو، الذي عانى في بداية الحرب من القلق والذعر، تعافى من الصدمة خلال أيام قليلة وسيطر على إدارة الحرب وصنع القرار والأجندة العامة. يظهر في مؤتمرات صحفية، ويتم تصويره مع جنود، ويصدر عدة تصريحات يوميًا. كما أنه يتلاعب بعائلات الرهائن، وينسب لنفسه الفضل في إنجازات مجتمع الاستخبارات والدفاع بأكمله ويقلل من أهمية غانتس وآيزنكوت".

أمّا على صعيد مسؤولية الجيش وعدم الرغبة في إيقاف الحرب، فقد قال: "من الواضح أيضًا مسؤولية رئيس الأركان هليفي، ورئيس شعبة الاستخبارات في الجيش أهارون حاليفا، ورئيس قسم أبحاث الاستخبارات العسكرية عاميت سار، وقائد القيادة الجنوبية للجيش الإسرائيلي يارون فينكلمان وغيرهم من كبار الضباط، بالإضافة إلى رونين بار وموظفيه. وقد اعترف جميعهم، بما في ذلك غالانت، بالمسؤولية عن إخفاقات السابع من أكتوبر، ولكن لم يعلن أي منهم علنًا عن استقالته".

الحرب لأجل الحرب

وفي مقالته، قال ميلمان: "ما الذي يثير القلق من أن غالانت وهليفي وبار وكبار مرؤوسيهم لديهم مصلحة في استمرار القتال؟ بعيدًا عن الحاجة إلى إراحة ضمائرهم، هناك افتراض غير معلن مفاده أنه كلما طال أمد الحملة العسكرية، كلما زادت الإنجازات العسكرية، الأمر الذي من شأنه أن يخفف من نطاق إخفاقاتهم ويسمح لهم بالظهور في نجاحات جزئية".

ويعلق على ذلك، بالقول: "في الواقع، يمكن للجيش الإسرائيلي والشاباك أن يدعيا بعض النجاحات. من ناحية أخرى، باءت جهود الجيش الإسرائيلي لإنقاذ الرهائن بالفشل. النظرية التي يتبناها هاليفي وبار وجالانت بأن الضغط العسكري وحده هو الذي يمكن أن يؤدي إلى إطلاق سراح الرهائن لم تثبت صحتها. كما تبين أن الوعد بالقضاء على قيادة حماس في غزة وفي الخارج كان متعجرفًا".

وأشار إلى أن الجيش الإسرائيلي واجه "صعوبة استخبارية بالعثور على قيادة القسّام، وتم اغتيال القيادي صالح العاروري فقط، كما أن تدمير الأنفاق في غزة لم يكن سوى نجاح جزئي. مثل هذه الإنجازات المحدودة تعتبر تكتيكية على أية حال. ومن الناحية الاستراتيجية، تخسر إسرائيل الحرب. فهي لم تنجح، كما وعد نتنياهو وغالانت، في إسقاط حماس، وهي الآن تواجه حرب استنزاف. لقد ثبت أن التصريحات التي تم الإدلاء بها قبل وأثناء الحرب بأن إسرائيل قادرة على القتال في وقت واحد على جبهات متعددة هي مجرد تبجح عقيم".

وتابع الصحفي الإسرائيلي، قائلًا: "إن الحديث عن الوحدة وشعار ’معًا سننتصر’ مجرد كلام فارغ. تظل إسرائيل دولة منقسمة وتديرها حكومة متهورة لم تتغير ولا تنوي تغيير الاتجاه، ولا ترغب في تعلم أي دروس حقيقية. ويمكن رؤية الدليل على ذلك في تخصيص التمويل على أساس اتفاقيات الائتلاف الحكومي وتعيينات المحسوبية، فضلًا عن الميزانية التي لا تبشر بالخير في المستقبل".

وأضاف: "ما يبرز في المقام الأول هو الافتقار إلى الشجاعة السياسية التي من شأنها أن تؤدي إلى استنتاج مفاده أنه من الأفضل أن نعلن الآن عن إنجازات محدودة وتقليص الخسائر. وبدلًا من ذلك، تفضل الحكومة والجيش التهرب من اتخاذ قرارات صعبة أو حاسمة لإنهاء الحرب، وإعادة الهدوء إلى الحدود مع غزة ولبنان، وإطلاق سراح الرهائن، حتى لو كان الثمن مؤلمًا هو إطلاق سراح جميع الأسرى الفلسطينيين في سجون إسرائيل".

وختم ميلمان مقالته، بالقول: "يدرك نتنياهو وغالانت والائتلاف الحكومي، أنهم إذا تصرفوا كما هو متوقع من دولة تواجه واحدة من أصعب الأوقات في تاريخها، فإن حكومتهم سوف تسقط. وهذا هو آخر شيء يريدونه".

أكد رونين برغمان، معلق الشؤون العسكرية في صحيفة "يديعوت أحرنوت"، أن "الضغط العسكري لا يؤدي إلى إطلاق سراح المختطفين في غزة (..) والقيادة الإسرائيلية تعلم ذلك جيدًا، ولكنها تستخدمه كمبرر لاستمرار الحرب البرية"

إسرائيل تقامر وتخسر

وفي تحليل آخر، أكد رونين برغمان، معلق الشؤون العسكرية في صحيفة "يديعوت أحرنوت"، أن "الضغط العسكري لا يؤدي إلى إطلاق سراح المختطفين في غزة (..) والقيادة الإسرائيلية تعلم ذلك جيدًا، ولكنها تستخدمه كمبرر لاستمرار الحرب البرية".

وقال برغمان، إن "إسرائيل وأجهزتها الأمنية وجيشها وجهاز الموساد وجهاز الشاباك وحاشية رئيس الوزراء مثل تلك العذراء الساذجة في الكازينو، أو مثل شخص مفرط الثقة بنفسه، يدخل قاعة القمار ويبدأ في قذف العملات المعدنية في آلة القمار دون التفات للعواقب، وكل جهة من هؤلاء تدعي أنها تعرف  جيدًا المعلومات الحساسة، والخطط العملياتية للقوات، ومخابئ قيادات حماس، وتفاصيل العملية في عمق غزة، على أمل أن تسفر الحرب عن تحقيق هدف واحد على الأقل من أهداف الحرب، مثل رأس يحيى السنوار أو استعادة المختطفين".

ورأى برغمان، أن إسرائيل في وقوفها أمام "ماكينة القمار" تخسر مرارًا وتكرارًا ولا تربح إلا عددًا قليلًا من العملات المعدنية، ورغم ذلك تواصل لعب القمار، على أمل أن يكون هناك لحظة حظ قادمة، "وهكذا تنقضي الأيام وهي لا تلاحظ أنها تخسر كل أموالها، ولا تدرك حقيقة أن الكازينو يفوز دائمًا في النهاية"، حسب قوله.