08-أبريل-2024
البونساي إلى ماذا ترمز؟ وطرق العناية بها

البونساي محاولة محاكاة وتمثيل الطبيعة تمثيلًا مصغرًا

البونساي كلمة يابانية الأصل، وترجمتها الحرفية (شجرة في الوعاء) والمصطلح مأخوذ من الكلمة الصينية (بون زاي) بمعنى مشهد أو منظر طبيعي، وهي تنتمي إلى فن زراعة الأشجار الصغيرة أو القزمة، فتنمية البونساي في جوهرها التأملي أقرب للعمل الفني منها إلى الزراعة. فإلى ماذا ترمز البونساي، وما هي الطرق الصحيحة للعناية بها؟

 

شجرة البونساي.. الرمزية والمعنى

الهدف من تنمية البونساي وتعهدها على مدى سنوات بالرعاية هو محاولة محاكاة وتمثيل الطبيعة تمثيلًا مصغرًا، ومن جماليات هذا الفن أن تُزرع الشجرة في أحواض مزخرفة. لأنها كانت وما زالت تمثل كونها عملًا فنياً حيًا. وفيما يأتي رمزية البونساي ودلالاتها:

رمزية البونساي عمومًا

  1. الانسجام

تنعكس رمزية الانسجام في فن البونساي من خلال إبراز التوازن بين سمات الذكورة والأنوثة، فهذا الجذع الصلب القوي الموجّه لينمو بطريقة محددة مع الأوعية المزخرفة التي تتمم المنظر كله يعملان كمرآة لأهمية الانسجام في العوالم الداخلية والخارجية معًا. فالطبيعة قائمة على التوازن المثالي، ويتبدى ذلك من خلال التعقيد في علاقة الكائنات ببعضها واعتماد كل منها على الآخر للبقاء على قيد الحياة، يبلغ هذا الانسجام درجة من الترابط إلى حد أن أي خلل في النظام مهما كان صغيرًا قد يضر شبكة كاملة في البيئة الحياتية، وكذلك أي اختلالات في حياتنا مهما بدت بسيطة فإن تأثيرها قد يدوم مدى الحياة.

  1. الصبر

لا يمكن بأي حال أن ينمو البونساي بسرعة، ليس هناك اختصارات ولا وصفات للتسريع، لذلك فإن اتخاذ أي إجراءات من باب تسريع نمو الشجرة كزيادة السماد أو المبالغة في التقليم، قد يضيع جهد أشهر -وربما سنوات- من العمل والرعاية. لذلك لا بد من التحلي بالصبر وترك الأمور تأخذ مجراها مع البونساي برويّة. فعندما يتحلى المزارع بالصبر وعدم استعجال النتائج، سيتحول الانتظار المتعب للنتائج إلى رحلة تأمل مريح، وسيغدو تقديم الرعاية ببطء وتؤدة نشاطًا محببًا؛ لثقة المزارع أن هذه الجهود المتراكمة ستؤتي أكُلها بالحصول على بونساي نامية بصحة وتوازن.

  1. البساطة

تكمن ميزة البونساي بخلقه فسحة تتيح تأمل المفارقة بين تعقيدات الحياة وزُخرفها المحيط بنا وبينها هي، هذه الشجرة الخالية من أي بهرجات جمالية سوى ما أوتيت من قدرة على الحياة والنمو بهدوء ضمن وتيرتها الخاصة، هذه البساطة الخالية من التعقيد تدفع المزارع نحو التأمل في جدوى الاهتمام وبهجة تكريس العناية لجوهر الأشياء لا مظاهرها الخارجية، الذي يمثل في هذه الحالة؛ تكريس العناية بنمو شجرة سليمة من خلال التقليم المستمر تبحث دومًا عن طريقة للتمدد والنمو، فجمال البونساي نابع من بساطتها وخلوها من المظاهر الجمالية المبالغ فيها أو المزيفة.

  1. دورة الحياة

تمثل البونساي من خلال رحلة العناية بها شهادة على دورة الحياة من الولادة وحتى الشباب والكهولة ثم الفناء، هذه المساحة المتاحة مع البونساي لاستكشاف عناصر النمو والشيخوخة تتيح للمزارع فرصة الاحتفاء بالتفاصيل الدافئة والجمال الذي تنطوي عليه كل مرحلة من مراحل الحياة.

فحتمية الموت من أقسى حقائق الوجود، لذلك قد نفضل النظر بعيدًا عن كل ما يذكرنا فيه. ومع البونساي قد يتحرر الإنسان قليلًا من هذا الخوف وتحل محله السكينة من خلال تأمل الشجرة التي تعكس نضرة الشباب واستكانة الشيخوخة بجذورها المكشوفة وأغصانها المعقودة.

بونساي شجرة الجنكة؛ ترمز للقدرة على التحمل والصمود وطول العمر، خاصة لأنها نجت من الموت المحقق بفعل سقوط القنبلة النووية على هيروشيما

  1. تعدد الرمزية حسب نوع البونساي

رغم وجود رمزية عامة تنعكس من خلال مختلف أنواع البونساي، إلا أن لبعض الأشجار دلالات حصرية إضافية أكثر تخصيصًا، ومنها:

  1. رمزية بونساي شجرة اليشم: تعكس الوفرة والانسجام والنجاح، ويعرف اليشم باسم شجرة المال، ويمكن اعتمادها كهدية في مناسبات افتتاح الأعمال والشركات أو الانتقال إلى بيت جديد.
  2. رمزية بونساي شجرة الكرز: يعكس الكرز التجلي الإلهي، ففي فصل الربيع تتفتح زهور الكرز (الساكورا) وتضفي بهجة ودلالًا على المشهد طوال الربيع حتى تتساقط الأزهار بحلول الصيف، هذا الإزهار الذي يعقبه التلاشي يذكر بأن دورة الحياة دائمة ومستمرة، وبذلك ترمز بونساي الكرز إلى الوفرة وطبيعة الوجود القائم على التبادل والتغير المستمر وتدفق الحياة والقوة الأنثوية.
  3. رمزية بونساي شجرة اللبخ: من مميزات هذه الشجرة سرعة نموها وعدم حاجتها إلى كثير من العناية، وهي من الأشجار التي توصف بالبهجة والإيجابية، لذلك ترمز بونساي اللبخ إلى البدايات الجديدة والبساطة والاتحاد.
  4. رمزية بونساي شجرة الجنكة: ترمز للقدرة على التحمل والصمود وطول العمر، خاصة لأنها نجت من الموت المحقق بفعل سقوط القنبلة النووية على هيروشيما، لذلك فالشجرة تعد تذكيرًا ورمزًا للقوة والمثابرة والتشبث بالحياة.

بونساي كرز داخلية
ترمز بونساي الكرز إلى الوفرة وطبيعة الوجود القائم على التبادل والتغير المستمر

طرق العناية بشجرة البونساي

ليس من السهل على المبتدئين العناية بشجرة البونساي، لما تتطلبه من رعاية حثيثة مستمرة وصبر على النتائج، ولكن ليس الأمر مستحيلًا لمن يمتلك الرغبة الحقيقية والعزيمة لهذا الغرض، كما يمكن الانضمام إلى مجموعات البستنة المتخصصة في فن البونساي، وحتى الانتساب إلى دورات عبر الإنترنت تتعلق بالموضوع، ولا بد من الإشارة إلى أنه لا توجد شجرة محددة تسمى بونساي، فلا يمكن شراء "بذور البونساي" بل هي تسمية لفن زراعة الأشجار، فأي شجرة تخضع لتقنية التشذيب هذه تسمى بونساي. وفيما يأتي طرق العناية بها:

  1. شراء البونساي أو زراعتها

يعتمد اختيار نوع البونساي على مكان وضعها، فللبونساي الداخلية (شبه الاستوائية)  يوصى باختيار اللبخ أو اليشم، وللبونساي الخارجية تعد الخيارات واسعة ومن أبرز الأمثلة عليها شجرة العرعر والصنوبر والقيقب الياباني. ولتنمية البونساي:

شراء البونساي

يمكن شراء البونساي من أي مشاتل كبيرة، مع الانتباه إلى شراء شجرة بحالة جيدة، ويمكن شراء البونساي عبر المتاجر المخصصة على الإنترنت، ولكن سعرها سيكون أعلى بطبيعة الحال.

زراعة البونساي

يمكن زراعة البونساي من الصفر بغرس البذور، أو من خلال شراء شتلة نامية لتعهدها بالرعاية.

  • زراعة البذور: يمكن الحصول على البذور بجمعها خلال الخريف من الأشجار الموجودة في الجوار كبذور الصنوبر أو والكستناء، أو يمكن شراؤها من المشاتل أو عبر الإنترنت، وأفضل وقت لزراعتها هو فصل الخريف ليتماشى نموها مع دورة الطبيعة، فبذلك تحظى البذور بفرصة النمو براحة خلال الصيف لأنها تكون قد بدأت مرحلة الإنبات أساسًا في الربيع، وتعد زراعة البونساي من الجذور اختبارًا لصبر المرزاع، لأن تكوّن الشتلة بحيث يمكن تشكيلها يتطلب وقتًا طويلًا. ولكن ذلك يعني أن يحظى المزارع بالحرية المطلقة في تشكيل البونساي وتصميمها حسب ما يريد.
  • زراعة الشتلات: يمكن تأمين الشتلات بأكثر من طريقة؛ من المشتل بشراء شتلة صغيرة، أو من الطبيعة بقطع عقلة من شجرة كبيرة كالصنوبريات مثلاً، أو شراء ريبونساي (وهي بونساي نامية ومشكلة مسبقًا). أو استخراج اليامادوري بونساي (شجرة قزمة نامية في الطبيعة) واتخاذها كبونساي.

مكان الزراعة

لا بد من وضع البونساي الخارجي في مكان مشرق لأنها تحتاج إلى الضوء الشديد، وفي حال كان الجو حارًا في الصيف فإن وضعها في الظل بعيدًا عن الشمس المباشرة خاصة وقت الظهيرة أمر ضروري. أما البونساي الداخلية فهي عادة ما تكون من الأشجار الاستوائية التي تحتاج إلى جو رطب، يمكن وضع حوض البونساي فوق صينية رطبة على سبيل المثال لتأمين الرطوبة اللازمة، ومن الضروري وضعها في مكان حراراته ثابتة خلال اليوم قدر الإمكان.

نوع التربة يؤثر أيضًا في عدد المرات التي تحتاج فيها البونساي إلى السقي

  1. السقي

الاهتمام بالسقي الصحيح للبونساي من أهم عوامل العناية بها، وتختلف تعليمات الري حسب نوع الشجرة وحجم الوعاء واختلاف الفصول ونوع التربة، ومناخ المنطقة بشكل عام. ورغم تعدد هذه العوامل إلا أن هناك بعض الإرشادات العامة التي يمكن أن تساعد في معرفة حاجة البونساي إلى الماء:

  • في حال كانت التربة رطبة فإنه من الضروري عدم ريها، مع ضرورة عدم ترك التربة تجف أيضًا، ويمكن فحص حالة التربة بغرس الأصبع في التربة بعمق 1 سم واستشعار رطوبتها أو جفافها، ومع الوقت والخبرة سيكون النظر كافيًا لتحديد حاجة التربة إلى الماء من عدمه عوضًا عن الفحص اليدوي. ومن الضروري عدم ري البونساي بشكل روتيني دون التأكد من حاجتها إلى الماء.
  • نوع التربة يؤثر أيضًا في عدد المرات التي تحتاج فيها البونساي إلى السقي، لذلك يمكن استخدام خليط تربة يحتفظ بالماء  أكثر من غيره من المخاليط.
  • من النصائح المتداولة بخصوص سقي البونساي ضرورة تجنب السقي بالماء البارد عندما تكون التربة دافئة بفعل الشمس، حتى لا يبرّد الماء الشجرة. مع مراعاة سقي الشجرة في حال جفاف تربتها بغض النظر عن التوقيت.
  •  عند التأكد من جفاف التربة وحاجتها إلى الماء، يجب سقيها بغمر الجذور بالكامل والري حتى يتسرب الماء من فتحات التصريف أسفل الحوض. مع مراعاة استخدام إبريق بفوهة ضيقة حتى لا ينهمر الماء ويسبب انجرافًا للتربة. وفي حال كانت البونساي داخلية من الممكن سقيها في حوض المطبخ وإعادتها إلى مكانها مرة أخرى.
  • ماء المطر بطبيعة الحال هو أكثر ماء مناسب لسقي البونساي لأنه نقي تمامًا. ولكن لا مشكلة في استخدام ماء الصنبور، أو الماء المعبأ في حال توفره.

 

بونساي صنوبر خارجية
شكل بونساي الصنوبر الخارجية

  1. السماد

يتكون أي سماد من 3 عناصر أساسية: النيتروجين لنمو الأوراق والسيقان، والفسفور لنمو الجذور والثمار والزهور، والبوتاسيوم لتعزيز نمو النبات نموًا صحيًا بشكل عام. ومن الضروري استخدام نفس نسب السماد طوال فترة نمو البونساي. ومن العناصر الأخرى التي يحتوي عليها السماد الحديد والمنغنيز والزنك والنحاس، وفيما يلي بعض الإرشادات المتعلقة بتسميد البونساي:

  • يعتمد تسميد البونساي على عمر الشجرة وصحتها ومراحل نموها، فكلما زاد عمرها قل التسميد، وعمومًا فالوقت المناسب لتسميد البونساي يمتد من ابتداء الربيع حتى أواخر الخريف، وفي حال كانت البونساي داخلية فيمكن تسميدها خلال السنة كلها.
  • ينبغي اختيار السماد المناسب للبونساي وخلط الكميات المناسبة، للبونساي الخارجية يوصى باستخدام سماد عالي النيتروجين في الربيع، وفي الصيف استخدام سماد معتدل النيتروجين، وفي الخريف سماد منخفض النيتروجين، وللبونساي الداخلية يوصى باستخدام سماد سائل متوازن النسب، نظرًا لأنها لا تتعرض إلى تغييرات موسمية وتنمو على مدار السنة وتحتاج إلى السماد باستمرار.
  • تختلف الكميات المستخدمة في التسميد حسب نوع السماد، لذا من الضروري قراءة التعليمات على العبوة، كما أن مرحلة نمو الشجرة تلعب دورًا في كمية السماد المستخدمة، فالبونساي في مرحلة النمو المبكر تحتاج إلى سماد قوي نسبيًا، أما البونساي الأكبر عمرًا فتحتاج إلى سماد متوازن. ويوصى بعدم المبالغة في التسميد حتى لا يعطي نتائج عكسية.
  • يجب وضع عبوة السماد في مكان مناسب وتغطيتها بأحكام خاصة للأسمدة الصلبة. مع ضرورة الاعتناء بزراعة البونساي في تربة جيدة التصريف حتى لا تتراكم الأملاح فيها.

 وجد أول دليل على البونساي المشكلة يدويًا في صورة صغيرة في قبر أحد الأمراء الصينيين عام 709م

  1. التشذيب

الطريقة الأكثر أهمية لتشذيب البونساي هي بتقليمه بانتظام، والتقليم يكون لغرضين، إما بهدف الحفاظ على هيئة البونساي وتحسينه، أو التقليم الشديد بهدف إعطاء الشجرة شكلها وهيكلها الذي ستنمو على أساسه.

  1. الآفات والأمراض

البونساي معرضة للإصابة بالأمراض والحشرات في حال لم تتوفر لها العناية المناسبة، خاصة البونساي الداخلية، ومن المشاكل التي قد تتعرض لها البونساي تعفن الجذور الذي يؤدي إلى موتها، وهو بسبب المبالغة في الري دون وجود تصريف للماء الزائد، وقد تصاب البونساي بالفطريات التي تعيق التمثيل الضوئي في الأوراق، ويرجح أن يكون سببه السماد الجاف جدًا. أما اصفرار الأوراق فبسبب نقص العناصر الغذائية. بينما يدل نمو الفروع بشكل عشوائي على أن البونساي لا تحصل على كفايتها من الضوء.

 

لعل البونساي ظهر بفضل الصينيين القدماء، الذين كانوا يجوبون أعالي الجبال فوجدوا أشجارًا صغيرة نمت بشكل متقزم بفعل المناخ الصعب، فحاولوا محاكاتها بتطوير تقنيات التقليم والربط التي أعطت هذه النباتات شكلها الملتوي والعتيق. وقد وجد أول دليل على البونساي المشكلة يدويًا في صورة صغيرة في قبر أحد الأمراء الصينيين عام 709م، كما اكتشفت جداريات تصور خادمات يحملن أحواض البونساي المحتوية على أشجار صغيرة وصخور. وكانت البونساي قديمًا رمزًا للمكانة الرفيعة والشرف وكانت ثمينة جدًا. 

انتقلت ثقافة البونساي إلى اليابان عبر الرهبان الصينيين الذين علموا الرهبان البوذيين اليابانيين التقنيات الضرورية لتنمية البونساي، الذين بدورهم طوروا أساليبهم الخاصة المختلفة عن البونزاي الصيني. ومما يميز البونساي اليابانية أن طولها يتراوح بين (1-2 قدم) وبالرعاية المستمرة عبر سنوات تمكن الخبراء اليابانيون من تطعيمها بفروع جديدة، وقد تحمل بعض الأنواع ثمارًا، والأنواع الأخرى قد تزهر أوراقها في الربيع. وبحلول القرن الـ14 صارت البونساي فنًا مكتملاً وصارت رمزًا للمكانة والشرف الرفيع.

في بداية القرن الـ17 طور اليابانيون تقنيات التقليم لإزالة جميع أجزاء النبات عدا الرئيسية منها، وهذا انعكس على المظهر البسيط للبونساي المستمد من الفلسفة اليابانية الداعية إلى أن (ما هو أقل فهو أكثر) "less is more"، وظلت الشجرة تتشكل وتأخذ من حياة الناس وجهدهم حتى شاعت وراجت وصار متاحًا للجميع تنميتها، حتى يكاد لا يخلو منها بيت ياباني تقريبًا.