19-أكتوبر-2017

مات مجرم الحرب ولا تزال ميتته تثير التساؤلات (تويتر)

في عام 1876، أصدر الدكتور الإيطالي سيزار لمبوروزو كتابه الشهير "الإنسان المجرم" الذي وضع فيه 21 صفة لشخصية المجرم، بعدما أجرى بحوثًا على مئات المجرمين، ساعده على اكتشافها عمله كطبيب للأمراض العقلية في السجون الإيطالية، والتي يمكن تلخيصها بأنها ناجمة عن "اندفاع خلقي متأصل في تكوين كل مجرم موجود في مادته الوراثية التي يحملها".

يرجع ظهور عصام زهر الدين بشكل لافت بعد قيادته حملات عسكرية مختلفة عام 2012، تخللها ارتكابه إعدامات ميدانية بحق مقاتلي المعارضة

إذا ما أردنا أن نسقط الصفات التي حددها الطبيب الإيطالي سيزار لمبوروزو على شخص، فإنها قد تكون موازية لشخصية العميد عصام زهر الدين الذي قتل أمس الأربعاء جراء انفجار لغم كان زرعه "تنظيم الدولة الإسلامية" (داعش) من مدينة دير الزور قبيل انسحابه، فالرجل لطالما روّج له على أنه البطل الذي لا يقهر، وتمتع بشخصية سادية نادرة، كان يظهرها في صوره بين الفترة والأخرى، وهو يشبه إلى حد كبير جنرالات الحرب في دول المحور، المشاركين في مجازر الحرب العالمية الثانية، أو رؤساء الديكتاتوريات الذين كانوا يتلذذون بتعذيب معارضيهم.

اقرأ/ي أيضًا:الجيش في سوريا.. من عقائدية المؤسسة إلى مليشيا العائلة وطائفيتها

من هو عصام زهر الدين؟

ينحدر عصام زهر الدين من محافظة السويداء، التي ولد فيها عام 1961، ويُعرف عن المدينة أن النسبة الأهم من سكانها ينتمون للطائفة الدرزية، ومنذ اندلاع الاحتجاجات السلمية في سوريا عام 2011 حاول النظام السوري أن يحتوي المدينة خوفًا من مشاركتها في المظاهرات، إلا أنه رغم ذلك لم يستطع أن يثني النشطاء فيها عن التظاهر، وهي اليوم على حافة الانفجار بعد التسريبات الأخيرة التي تحدثت عن الدور الذي يلعبه رئيس فرع المخابرات وفيق ناصر في دعمه للميليشيات المحلية في عمليات الخطف التي شهدتها المدينة خلال الأعوام الفائتة.

قبل اندلاع الاحتجاجات السلمية في آذار/ مارس 2011، لم يكن اسم عصام زهر الدين ساطعًا على الساحة العسكرية السورية، لكنه مع بداية مرحلة استخدام النظام السوري للعنف المفرط ضد المتظاهرين السلميين، جرى استثماره بداية الأمر لاحتواء حالة الغليان الشعبي التي شهدتها مدينة السويداء، ومن ثم بدأ اسمه يتردد مع عمليات النظام العسكرية التي كان يحاول فيها استعادة ما سقط من مناطق بيد المعارضة السورية المسلحة.

عصام زهر الدين.. أسطورة "الضابط الذي لا يقهر"

منذ عام 2011، تسلّم عصام زهر الدين قيادة اللواء 104 في قوات الحرس الجمهوري، التي تولى قيادتها طلال مخلوف عام 2016 عوضًا عن بديع علي، وتتلقى هذه القوات منذ ما قبل اندلاع الثورة السورية تدريبات قتالية عالية في ظروف قاسية، ومهمتها الأساسية كانت حماية العاصمة السورية دمشق من دخول مقاتلي المعارضة إليها، وهي من أبرز القطع العسكرية المشاركة في المعارك التي مكّنت النظام من استعادة السيطرة على كافة مناطق ريف دمشق الغربي.

ويرجع ظهور اسم عصام زهر الدين بشكل لافت بعدما قاد حملات عسكرية مختلفة في عام 2012، وتخللها اتهامه بارتكاب إعدامات ميدانية بحق مقاتلي المعارضة في بلدة مسرابا بريف دمشق، بالإضافة لدوره البارز من خلف المقاتلين الذين يقودهم في عديد المجازر المرتكبة في منطقة الغوطة الشرقية، ومسؤوليته المباشرة عن الدمار الذي لحق بحي بابا عمرو عندما كانت تسيطر عليه مجموعات صغيرة يقودها منشقون عن قوات النظام من نفس العام.

تسلّم عصام زهر الدين عام 2013 قيادة المخابرات العسكرية في المنطقة الشرقية خلفًا لجامع جامع الذي قيل إنه قتل برصاص قناص في مدينة دير الزور، فيما تبنّت جبهة النصرة آنذاك عملية اغتياله، التي قالت إنها جاءت على خلفية تفجير موكبه، وبكل الأحوال فقد كان اللواء جامع مدرجًا على قائمة العقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي، واللائحة الأمريكية السوداء لاتهامه بدعم الإرهاب، وزعزعة استقرار لبنان.

وخلال فترة تواجد عصام زهر الدين في مدينة دير الزور التي فرض تنظيم داعش حصارًا على بضعة أحياء منها إلى جانب مطارها العسكري عام 2014، بدأ اسمه يتردد على وسائل إعلام النظام السوري بكثرة، ولُقب بـ"نافذ أسد الله"، وشرع الموالون للنظام السوري بالترويج لفيديوهات تُصوره على أنه الرجل الذي لا يقهر، وظهر في مقاطع كثيرة أمام جثث قام بتشويهها، وحرقها بعد قتلها، وفي واحد من المقاطع ظهر يحمل رأسًا مقطوعًا لأحد مقاتلي داعش خلال تصديه لمحاولة اقتحام نفذها التنظيم.

رُوج لعصام زهر الدين على أنه لا يقهر، وظهر في مقاطع أمام جثث قام بتشويهها وحرقها بعد قتلها

وإبان فترة تواجد عصام زهر الدين في دير الزور، ظهرت تقارير صحفية متفرقة تحدثت عن ممارسته لعمليات ابتزاز تجاه المدنيين المقيمين في مناطق سيطرة النظام، كما أن اسمه ارتبط بعدة عمليات اغتصاب، لكن الأهم أنه جنى ثروة مالية مقابل سماحه للمدنيين بالخروج من مدينة دير الزور في الأشهر الأولى لحصارها، أو بيعه للمساعدات الغذائية التي كانت تلقيها مروحيات النظام بأسعار باهظة.

وعندما تمكن النظام السوري، مدعومًا بالميليشيات الأجنبية، من فك الحصار عن مدينة دير الزور، خرج عصام زهر الدين في مقطع مصور محذرًا اللاجئين، الذين هجّرهم النظام من البلاد من العودة إليها، لكنه تراجع عن تصريحاته في وقت لاحق، وهو ما اعتبره مراقبون أنها جاءت بناءً على أوامر تلقاها من ضباط أعلى منه رتبة عسكرية، وهنا يجب التنويه أن معلومات متضاربة تتحدث عن ترفيع عصام زهر الدين لرتبة لواء لكنها غير دقيقة كون وسائل إعلام النظام السوري عندما أعلنت مقتله حددت أن رتبته عميد ركن.

ارتبط اسم عصام زهر الدين بعمليات اغتصاب وابتزاز كما جنى ثروة مقابل سماحه للمدنيين بالخروج من دير الزور في الأشهر الأولى لحصارها

اقرأ/ي أيضًا: ماذا لو بقي بشار الأسد في السلطة؟

إذًا.. لماذا قتل "نافذ أسد الله"؟

خبر مقتل عصام زهر الدين جراء انفجار لغم أرضي في منطقة حويجة صكر في دير الزور لم يلق تصديقًا عند غالبية المعارضة التي أرجعت أن النظام السوري هو من قام بتصفيته، والذي أكده موقع "فرات بوست" المعني بنقل أخبار المنطقة الشرقية، ويملك مصادر خاصة يعتمد عليها في أخباره من داخل دير الزور.

إذ أورد الموقع أن عصام زهر الدين قتل أمس الأربعاء في الساعة الثامنة صباحاً جراء إصابته بطلقة قناص في رقبته، وفارق الحياة قبل وصوله إلى المستشفى، مشيرًا أن مصدر الرصاصة كان مناطق يتمركز فيها مقاتلون لحزب الله اللبناني، ومجموعة العقيد سهيل الحسن المعروف بـ"النمر"، مرجحًا مسؤولية الأخير عن مقتله بسبب خلاف نشب بينهما سابقًا.

ومن الممكن أن تكون مصادر الموقع صحيحة بعدما كشف تحقيق لوكالة رويترز قبل أسبوع عن قيام عضو مجلس الشعب ورجل الأعمال حسام قاطرجي بشراء القمح من المزارعين في المناطق الخاضعة لنفوذ تنظيم داعش، وأن الأخير كان يحصل على حصة منها مقابل السماح بمرورها لمناطق سيطرة النظام، ويمكن إدراج مضمون التحقيق بين الأسباب التي تفسر امتناع داعش عن قتال النظام في مناطق معينة.

أي أن النظام أراد بمقتل عصام زهر الدين أن يدفن وثائق تدينه دوليًا، وقد تضعه في مأزق مع حليفه الروسي في حال تم تسريبها، وزهر الدين واحد من بين 16 اسمًا فرض عليهم الاتحاد الأوروبي عقوبات في تموز/ يوليو الماضي بناءً على اتهامه بتطوير الأسلحة الكيميائية لاستخدامها ضد السكان المدنيين.

بمقتل عصام زهر الدين تخلّص النظام من أحد أهم جنرالاته الذين يملكون وثائق تدينه دوليًا، كما فعل سابقًا مع "خلية الأزمة"

وفي جميع الأحوال فإن النظام بمقتل عصام زهر الدين تخلّص من أحد أهم جنرالاته الذين يملكون وثائق تدينه دوليًا، كما فعل سابقًا عندما اغتال ما كان يعرف بـ"خلية الأزمة" عام 2012، والتي كان أعضاؤها من أهم الأشخاص المقربين من رئيس النظام السوري بشار الأسد. هو اليوم بموت عصام زهر الدين سواء كان عن طريق لغم أو عملية قنص مخطط لها، تمكن من طمس أسرار دقيقة، كان من الواضح أنها قد تضع النظام السوري والجهات الدولية الداعمة له في مأزق لا يمكن تفاديه.

 

 

اقرأ/ي أيضًا:

أعتى 11 كذبة للنظام السوري

أساطير العسكري السوري.. جنس وحب وقوة