26-ديسمبر-2015

هاني عباس/ فلسطين

معظم الأساطير تقوم على ثلاث ركائز أساسية تتجلى في الحب والقوة والجنس، وجاء العسكري السوري وأعاد هذه الركائز الأسطورية في حكاياته، ومن النادر أنْ تجد عسكريًا سوريًا دون حكاية تتعلق بالحب أو القوة أو الجنس في خدمته العسكرية. 

جاء العسكري السوري وأعاد إحياء ركائز الأساطير الثلاث: الحب والقوة والجنس

وتأخذ الحكاية شكلها الحكائي في تلك الإجازات التي يحصل عليها بين الحين والآخر، ليترك الأهل والأصدقاء وأبناء الحي، وربما الجد والجدة، في حالة ترقب وانتظار لسماع حكايةً جديدة، أو متابعة الحكاية التي قد تستمر طيلة فترة الخدمة.

الجنس

تقول الحكاية الدائمة إنّ العسكري السوري يقيم علاقة جنسية إمّا مع ابنة الضابط، أو مع زوجته إذا كان (العسكري) يجيد سرد الحكاية جيدًا، ودائمًا تبدأ الحكاية بحالة خوف وتردد، ولا تبدأ إلّا بعد حصوله على الأمان والضغط عليه بحكم السلطة أو تقديم تهمة جاهزة ضده، وبهذا الشكل يرضخ العسكري لهذه العلاقة ويصوّر نفسه بمكانة يوسف حتى لو لم يكن وسيمًا، والشيء الثابت في الحكاية أنّ "كيلوت" ابنة الضابط، أو زوجته، أحمر اللون بحكم السرد الثابت باللاوعي عند جميع العساكر.

الحب

تقول الحكاية الدائمة إنّ العسكري على علاقة حب مع الحبيبة، وإن أحدًا ما تقدَّم لخطبة الحبيبة، وحين تخبره الحبيبة بهذا وهي تبكي بحكم أنه عسكري وأنّ أحدًا قد استغل الظرف تحت ضغط الأهل، يصاب بحالة انهيار وهنا تكون شرارة الحكاية، يذهب بقوة تأثير الحب إلى مكتب الضابط ويدخل دون استئذان فينهره الضابط على تصرفه هذا، لكن الضابط يلمح الدمع في عينيه فيسأله عن الحكاية، يقول له إن الحبيبة في خطر، يتأثر الضابط وتكاد تدمع عيناه. 

يحاول العسكري السوري أنْ يقنع نفسه أنّ الحب هو الجانب الآخر من بطش الضباط

يطلب الضابط من العسكري الجلوس ويقدم له الشاي وسيجارة، وينظر إليه نظرة الذين يدركون الحب ويسأله السؤال الوجودي "إنتو بتحبو بعض يا ابني؟"، فيخيّم الصمت على حال العسكري. وهنا يمسك الضابط القلم ليمنح العسكري إجازة لأجل الحبيبة، وفي بعض الأحيان تكون الحكاية أكثر رومانسية حين يُرفق الضابط مبلغًا صغيرًا مع الإجازة كهدية للعسكري باسم الحب. 

القوة

تقول الحكاية الدائمة إن العسكري تعرض لعقوبة تناول أفعى، أو التمرين السادس برقم كبير، أو تحمّل الماء البارد أثناء البرد القارس، أو الضرب بالكبل الرباعي، والكثير من الأشياء التي تعرض لها وصمد أمامها، لتنتهي الحكاية بنظرة فخر واعتزاز من الضابط له، أو ربما بمشهد سينمائي بحضور قائد الفرقة أو اللواء وهو يربّت على كتفه مع كلمات الفخر التي لا تخلو من كلمة "ابني".

تحليل موجز

إن العسكري السوري يلجأ لقضية الجنس التي تجمعه مع ابنة الضابط أو زوجته بهدف الانتقام باللاوعي، وهذا الانتقام يكون تحت تأثير دافعين، الأول يتعلق بعادة شتم الضبّاط للعساكر، والثاني بحكم غياب الحياة الجنسية عند العساكر، لذلك يلجأ إلى هذه الحكاية كنوع من اللذة حين يحكي ويسرد هذه الحكاية التي لا أساس لها من الصحة، فالخوف الذي يناله العسكري من ضباطه يصل حدود عدم قدرته على النظر في وجه الضابط في بعض الحالات، فالسلطة التي منحها النظام لهؤلاء الضباط جعلتهم يمارسون ساديتهم في نبرة صوتهم في أسوأ الحالات، ويصل الأمر بهم لحد الفن في طرق احتقار العسكري والنيل منه بعدة طرق، ومن هنا ساد مفهوم "عسكري دبر راسك".

وفي مسألة الحب، يحاول العسكري أنْ يقنع نفسه أنّ الحب هو الجانب الآخر من بطش الضباط، وأنّ الحب يسمو فوق كل شيء، فحين يتعلق الأمر بالحب فإن الضابط يتحول لحمل وديع تغمره الشاعرية. وحين يسرد العسكري حكايات القوة فإنه يسردها كحالة إقناع الذات بأنّ الضابط يريد منه القوة كي يبدو رجلًا في عيون الوطن، وأنّ العسكري يفعل كل هذا لأجل الوطن.

اقرأ/ي أيضًا:

سوريا.. جيش في حماية مكتب الرئيس

الصورة الطبقية للمؤسسة العسكرية في سوريا