25-نوفمبر-2015

مقاتلون تابعون للجيش الموالي للأسد (Getty)

حمل التسجيل المصور المسرب أخيرًا، لرئيس فرع الأمن العسكري في السويداء بسوريا "وفيق الناصر" ومشايخ العقل لطائفة الموحدين الدروز، أجوبة على أسئلة كثيرة أثارها اغتيال الشيخ "وحيد البلعوس"، قائد ما يعرف بحركة "مشايخ الكرامة"، ويبدو أن الاغتيال الذي هز محافظة السويداء مطلع أيلول الماضي، بدأ يؤتي ثماره بالنسبة لقوات النظام السوري وأعوانه.

استغل النظام اللغط وحالة الجدال بالسعي لترميم قواته المتهالكة، عبر حملة تهدف لاعتقال الشباب المطلوبين للخدمة في السويداء، وإلحاقهم بقواته

يتضمن التسجيل المذكور تفويضًا من مشايخ العقل لقوات الأمن التابعة لقوات النظام، باستخدام القوة في قمع الأصوات المناوئة لها، وإسقاط أهم إنجاز لحركة مشايخ الكرامة، المتمثل بمنع النظام من سحب نحو عشرين ألف شاب من أبناء المحافظة، المطلوبين للخدمة الإلزامية والاحتياطية في صفوف جيش الأخير، التفويض الذي بدأت نتائجه تصبح ملموسة، على شكل حواجز طيارة لقوات النظام اعتقلت عشرات خلال أقل من عشرة أيام.

قبل أشهر وجد النظام السوري نفسه في موقف محرج بمواجهة مشايخ الكرامة، وعلى رأسهم الشيخ وحيد البلعوس، إذ تعهدت الحركة بمنع النظام من استغلال أبناء السويداء وإرسالهم إلى الموت دفاعًا عنه في وجه إخوتهم السوريين، وتلقى النظام في هذا السياق صفعات أفقدته ماء وجهه أمام مواليه في السويداء وغيرها، حيث تمكن مشايخ الكرامة من استرجاع كل من اعتقله النظام بهدف إلزامه بالخدمة في صفوف جيشه، واستطاعوا في أكثر من مناسبة اقتحام أفرعه الأمنية لإطلاق سراح المعتقلين.

النظام الذي حرص على ألَّا يتورط بإطلاق رصاصة واحدة بشكل علني في السويداء، حفاظًا على مزاعمه بحماية الأقليات، وجد في حركة مشايخ الكرامة عائقًا لا بد من التخلص منه، إذا أراد إعادة احتلال الفضاء العام في المحافظة ذات الغالبية الدرزية، الأمر الذي دفعه لتدبير حادثة اغتيال الشيخ "البلعوس" بتفجيرين خلفا عشرات القتلى والجرحى، ملحقًا العملية باعتقال مقاتل سابق في الجيش الحر من أبناء المحافظة "وافد أبو ترابة"، وبثّ اعتراف مصور للأخير يتحمل فيه جريمة الاغتيال مع ذكر أسماء محددة يهم النظام التخلص منها تباعًا، على أنها لمتورطين.

بالتأكيد لم تكن العملية وحدها كافية لتمهيد الأجواء لإعادة فرض سيطرة قوات النظام على المحافظة، التي بدت لأيام وكأنها أفلتت من القبضة الأمنية وانتفضت، بعد أن أسقط أبناؤها تمثال الرئيس السابق حافظ الأسد، وأخرجوا قوات النظام وعناصر الأمن من مقراتهم داخل مدينة السويداء، حتى خلت تمامًا من أي تواجد لهم، وفي هذه الأثناء تولى أبناء المحافظة ومشايخ الكرامة مهمات حفظ الأمن فيها.

أعقب تلك السلسلة المتواصلة من الأحداث هدوء، فرضه جو الحزن والحداد على الضحايا، وحالة إعادة الهيكلة وترتيب الصفوف داخل الحركة التي فقدت قائدها، وعددًا من أبرز الوجوه فيها، إضافة إلى إصابة شقيق "البلعوس" المرشح ليحل محله إصابة خطيرة، وبالطبع استغل النظام هذا الوقت ليتابع حياكة المصيدة، بهدف التضييق على الحركة وإطباق الخناق عليها.

كانت الخطوة التالية اختطاف رئيس فرع حزب البعث العربي الاشتراكي في السويداء، وعضو اللجنة الأمنية فيها "شبلي جنود"، وترك مصيره مجهولًا ومفتوحًا على احتمالات عدة، مع بث إشاعات توحي بتورط مشايخ الكرامة في عمليه اختطافه، خاصة أن اسمه ذكر أكثر من مرة على لسان الشيخ "البلعوس" قبيل مقتله، على أنه واحد من المتورطين في الممارسات الأمنية القبيحة، أو من الصامتين عنها على الأقل.

في هذه الأثناء، شهدت السويداء حوادث اعتقال غابت عن أجوائها مشايخ الكرامة بقيادة وحيد البلعوس، فطالت الاعتقالات الصيدلاني "سعيد العك" ورئيس قسم الجراحة في مستشفى السويداء الطبيب "عاطف ملاك"، المعروفين بمواقفهما المعارضة للنظام السوري، إضافة لما عرف عن "ملاك" من نشاطات إغاثية ومساعدة للمرضى المحتاجين دون مقابل، ما حرك جو الهدوء السائد في أعقاب الاغتيال، ودفع بعض الناشطين لتوجيه دعوات للاعتصام والمطالبة بإطلاق سراح "ملاك".

عند هذا الحد لم يجد النظام بدًا من استعمال ورقة "شبلي جنود"، فأعلن عن العثور على جثته بعد نحو شهر على اختفائه، بالتزامن مع الإعلان عن اعترافات مزعومة للطبيب "عاطف ملاك" مفادها أن "جنود" كان مختطفًا لدى مشايخ الكرامة، وأنه قضى بنوبة قلبية خلال فترة اختطافه نتيجة سوء الرعاية الصحية، وذلك بعد معاينته مرتين من قبل "ملاك"، ليضرب بذلك عصفورين بحجر واحد، حيث يورط الطبيب المعارض في جريمة جنائية بمحاولة لإفقاده التعاطف، ويواجه التململ مجددًا بالخوف من الفلتان الأمني.

وكان عزاء أمين فرع الحزب أخيرًا، الفرصة الذهبية للنظام ممثلًا برئيس فرع الأمن العسكري "وفيق ناصر"، لتوجيه ضربة موجعة لحركة مشايخ الكرامة، وذلك بتسريب متعمد لتسجيل مصور خلال العزاء، وجه "ناصر" فيه تهمة خطف وقتل شبلي جنود بشكل واضح لمشايخ الكرامة، معبرًا عن رغبته بإنهاء الحركة ولو بالقوة، لكن بتفويض من مشايخ الكرامة، إذ يعرف "ناصر" جيدًا كما يدرك النظام، أن مواجهة رجال دين في السويداء لن يكون أمرًا يمر مرور الكرام، لذا لا بد له من حلفاء رجال دين بدورهم، ليلعب مجددًا ألعابه الخبيثة بوضع الأهالي وجهًا لوجه في مواجهة بعضهم البعض، بينما يتنحى عن الواجهة ليدير الصراع من الكواليس، بما يخدم مصالحه وعلى حساب الطرفين المتواجهين.

واجهت حركة مشايخ الكرامة التي عينت الشيخ "رأفت البلعوس" قائدًا جديدًا لها، اتهامات "ناصر" بإصدار بيان اعتبرت فيه أن النظام يعلن الحرب عليها، وجاء في البيان ذاته أن الحركة غابت عن الساحة مؤخرًا "حقنًا للدماء" وفق تعبيرها، إلا أنها مستعدة للمواجهة، وتوعدت بالتصدي و"قلب الموازين على الجبناء الساعين لإشعال نار الفتنة في البيت الواحد".

اليوم تعيش السويداء أجواء مشحونة منذرة بصدامات قادمة، يدفع ثمنها شباب المحافظة دمًا على جبهات معارك النظام

وطالبت الحركة في بيان آخر بفتح تحقيق في قضيتي الطبيب "عاطف ملاك" والمقاتل في الجيش الحر "وافد أبو ترابة"، بحضور ممثلين عن أهالي السويداء، "للوقوف على الحقيقة بكامل تفاصيلها"، على حد تعبير البيان.

استغل النظام اللغط وحالة الجدال بالسعي لترميم قواته المتهالكة، عبر حملة تهدف لاعتقال الشباب المطلوبين للخدمة الإلزامية والاحتياطية في السويداء، وإلحاقهم بقواته رغمًا عنهم، مستغلًا كذلك تراجع حضور مشايخ الكرامة وتأثيرهم على الأرض، مقابل العودة الشرسة لسيطرة مليشياته وعلى رأسها "درع الوطن"، وتمكن خلال الأسبوع الأخير من سحب عشرات من المتخلفين بالفعل، مواصلًا الحملة بالتزامن مع حملات مشابهة في دمشق وريفها.

بالمقابل، رد أهالي السويداء من قرى وبلدات عدة ببيانات، تعبر عن رفضهم الالتحاق بالخدمة في صفوف جيش النظام، واصفين الحواجز التي أقامها لاعتقال الشباب بـ"حواجز الموت"، ومتوعدين باستخدام القوة ردًا على هذه الممارسات.

اليوم تعيش السويداء أجواء مشحونة منذرة بصدامات قادمة، يدفع ثمنها شباب المحافظة دمًا على جبهات معارك النظام، فيما تواصل قواته مدعومة بـ"حلفائه الدوليين" سفك دماء باقي السوريين في المناطق الخارجة عن سيطرته.

اقرأ/ي أيضًا: 

تحالف الأشرار..من الأسد إلى بيغيدا

سوريا التي ليست لنا