10-ديسمبر-2019

كاتدرائية مار جرجس للموارنة وجامع محمد الأمين (ويكيميديا)

أشاحت الانتفاضة اللبنانية عن المواقف السياسية للمؤسسات الدينية في البلاد، والتحالفات المستدامة التي نسجتها هذه المؤسسات مع الطبقة الحاكمة سياسيًا واقتصاديًا. 

بدت تصريحات وبيانات المؤسسات الدينية، وكأنها تحمل ازدواجية الخطاب بين تحالفها مع الطبقة الحاكمة وتأييد مطالب الشعب

وبدت تصريحات وبيانات المؤسسات الدينية، وكأنها تحمل ازدواجية الخطاب بين تحالفها مع الطبقة الحاكمة وبين تأييد مطالب الشعب.

اقرأ/ي أيضًا: الانتفاضة اللبنانية بعيون الأحزاب.. الكثير من التخوين القليل من التأييد

نستعرض هنا بعض أبرز ما ورد في بيانات وتصريحات المؤسسات الدينية في لبنان وممثليها، بما يوضح حقيقة الموقف الذي اتخذته من الانتفاضة الشعبية.

تضامن البطريركية المارونية المنقوص

أصدر البطريرك مار بشارة بطرس الراعي أول تصريح له بعد يومين من اندلاع الانتفاضة في 17 تشرين الأول/أكتوبر 2019، معربًا فيه عن "التضامن مع المطالب"، مستدركًا: "لكن لسنا متضامنين مع الخراب والاعتداء على الأشخاص والممتلكات العامة والخاصة، ولا مع من يقود التظاهرات إلى مسار سلبي لا يعبر عن حضارة شعبنا".

وبعد التضامن الأول مع "المطالب"، أظهر البطريرك معارضةً لكل شيء آخر في الانتفاضة الشعبية، واصمًا إياها بـ"الهمجية" حينًا و"الإسفاف" حينًا آخر.

البطريرك مار بشارة بطرس الراعي

لاحقًا دعت البطريركية المارونية، في بيان لها، رئيس الجمهورية ميشال عون، لـ"البدء فورًا بالمشاورات مع القادة السياسيين ورؤساء الطوائف لاتخاذ القرارات اللازمة بشأن مطالب الشعب"، مطالبةً إياها في نفس البيان بتأمين "حرية التنقل للمواطنين لتأمين حاجاتهم، لا سيما الصحية والتربوية والمعيشية والاقتصادية"، في إشارة إلى الاحتجاج بقطع الطرقات، ما قد يعبر عن مساعٍ من البطريركية لسحب أي عامل قوة وضغط في يد الانتفاضة. 

ليس ذلك فقط، بل أعربت البطريركية عن تأييدها لورقة الإصلاحات التي أصدرتها حكومة سعد الحريري المستقيل، والتي خرج الشارع اللبناني معلنًا رفضها، ما قد يدل على تماهٍ بين خطاب البطريركية الماورنية والطبقة الحاكمة، خاصة وأن البطريركية لم تدعو لتغيير النظام الطائفي الذي يشكل السبب الأساسي للانتفاض في لبنان. وبينما لم تدعو لمحاسبة الفاسدين، دعت في المقابل لـ"التشاور" من أجل إيجاد حلول للأزمة.

وفي حين أسمت البطريركية المظاهرات اللبنانية بـ"الانتفاضة الشعبية"، في ظل تمسك رموز المجموعة الحاكمة بتسميتها ما دون "الانتفاضة"، أغفلت في دعوتها لاتخاذ "مواقف وتدابير استثنائية"، مطلب الانتفاضة الرئيسي "كلن يعني كلن"، الذي يحيل إلى أن نفس رموز السلطة هي المتسببة في الأزمة. كما لم تخفي البطريركية دعمها الدائم لرئيس الجمهورية ميشال عون، بل تدعو للوقوف خلف عهده الرئاسي الأول.

"القوى المشبوهة" في خطاب المجلس الشيعي الأعلى

حذر نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في لبنان، علي الخطيب، من "اندساس بعض القوى المشبوهة لحرف الحراك الشعبي عن مطالبه المشروعة والمحقة"، داعيًا إلى "عدم السماح بتحويل الحراك المطلبي إلى منصة لتصفية حسابات سياسية ومنفعية ضيقة تطال في بعض تعابيرها المقامات والرموز الدينية والوطنية المخلصة".

المجلس الشيعي الأعلى في لبنان

واستخدم الخطيب ورقة التحذير من "المشروع الصهيو أمريكي"، الذي قال إنه "يمارس ضغوطًا اقتصادية على لبنان يستهدف من خلالها كل اللبنانيين المطالبين باتخاذ مواقف حازمة في رفض التدخلات الخارجية في الشؤون الداخلية"، فيما تبدو إشارة واضحة للعقوبات الاقتصادية المفروضة على حزب الله تحديدًا.

وقد بدا غريبًا لمراقبين مطالبة المجلس "عدم تحويل الحراك من مطلبي لسياسي"، وربط ذلك بتخوفه من "تقطيع أوصال البلاد". كما شدد على رفضه "الفراغ في السلطة".

وفي حين دعى المجلس إلى إلغاء الطائفية السياسية وإقرار قانون انتخابي خارج القيد الطائفي، لم يحمل أحزاب السلطة، وعلى رأسها الثنائي الشيعي حزب الله وحركة أمل؛ أي مسؤولية مباشرة لما وصل إليه الوضع في البلاد.

عراقيل دار الفتوى

في الـ23 من تشرين الأول/أكتوبر 2019، قال مفتي الجمهورية، عبداللطيف دريان، إن "المقررات الأخيرة لمجلس الوزراء تعتبر بداية للإصلاح المنشود، وتعبير عن النية الصادقة بالالتزام بهذه الإصلاحات وتنفيذها، مما يعيد الثقة بين الشعب والمجتمع السياسي".

مفتي لبنان عبداللطيف دريان

وفي تصريح آخر، دعا دريان إلى "تشكيل حكومة إنقاذ وطني من أصحاب الكفاءة، وتنفيذ الورقة الإصلاحية التي أعدها الرئيس الحريري"، واعتبر دريان أن الشعب يريد حكومة من خارج الطقم السياسي، قائلًا "فلتتنح السياسة من الميدان تاركة المجال لأصحاب الاختصاص".

وفي تصريحاته يتقاطع دريان ومن وراءه دار الفتوى، مع سعد الحريري في المطالبة بتأليف حكومة تكنوقراط، والإصرار على دعم الحريري باعتباره "الزعيم السني الأول"، في الوقت الذي يشترط الفريق الآخر بتشكيل حكومة سياسية أو تكنوسياسية.

إذًا، وقفت دار الفتوى خلف الحريري ودافعت عنه وعما قالت إنها "صلاحيات رئيس الحكومة السني"، وقد بدا ذلك واضحًا في عرقلة تكليف كل من محمد الصفدي وسمير الخطيب، وفي استقبال النائب فؤاد مخزومي المرشح لرئاسة الحكومة. وبذلك تكون دار الفتوى المحطة التي على أي مرشح سني محتمل المرور عبرها، وبالتالي المرور عبر سعد الحريري وموافقته على تسمية شخصية غيره لرئاسة الحكومة.

هيمنة جنبلاط على الخطاب السياسي للمجلس الدرزي

أهاب المجلس المذهبي لطائفة الموحدين (الدروز) بالمسؤولين المعنيين التوقف عن هدر الوقت والاستماع إلى مطالب الناس. وأكد المجلس على "الضرورة القصوى لاحترام أحكام الدستور بدءًا بتحديد فوري لموعد الاستشارات الملزمة لتسمية رئيس للحكومة كخطوة أولى على طريق تأليف الحكومة واستعادة عمل المؤسسات الدستورية ووقف النزف على كل المستويات".

وطالب "مؤسسات الدولة القيام بواجباتها تجاه القضايا الملحّة، وفي طليعتها الملف النقدي والاقتصادي والحفاظ على مدخرات المواطنين، وتأمين المواد الأساسية والغذائية والطبية، وضبط فوضى الأسعار وحماية حقوق المستهلك وملاحقة الفاسدين".

الدروز في لبنان

وفي كلمة وجهها شيخ عقل الطائفة الدرزية، نعيم حسن، دعا فيها كل القوى السياسية إلى "الإسراع في تكليف رئيس لتأليف حكومة جديدة تباشر فورًا ورشة عمل على كل المستويات لوقف التدهور ومواجهة التحديات الكبيرة".

ويقول مقربون من الطائفة الدرزية، إن الحزب التقدمي الاشتراكي يضع يده كاملة على كل قرارات المجلس المذهبي، وأن الكلمة الأخير سياسيًا لوليد جنبلاط، وكل المواقف تأتي لتصب في خدمة الحزب التقدمي الاشتراكي وزعيمه.

 تمثل دار الفتوى المحطة التي على أي مرشح سني المرور عبرها، وبالتالي المرور عبر الحريري وموافقته على تسمية غيره لرئاسة الحكومة

ووبحسب مصادر درزية، أجريت في الآونة الأخيرة، العديد من الاتصالات من قبل زعماء الطائفة مع بعض الدروز الممتعضين والمشاركين في الانتفاضة، كما أجريت اتصالات على صعيد شخصي بين نواب الحزب وبعض شخصيات القاعدة الشعبية، بالتنسيق مع المشايخ، للحد من حالة الانتفاض في المناطق الدرزية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الحكومة اللبنانية العتيدة.. رئيس بالباراشوت!

أسماء الساحات والشوارع.. استدعاء للحرب الأهلية في الذاكرة اللبنانية