06-ديسمبر-2019

خرج المحتجون في لبنان ضد الآليات التي سيتم من خلالها تشكيل الحكومة الجديدة (Getty)

خلال الأيام الماضية، بدا رئيس الحكومة اللبنانية المقبل معروفًا. ليس معروفًا بقدر اسمه، وليس اسمه معروفًا بقدر ارتباطه بشركته. نتحدث عن سمير الخطيب طبعًا. كما بات معلومًا أن الرجل ليس شخصًا من خارج النظام، بقدر ما أنه من داعمي النظام الأساسيين. للرجل صفة واضحة: المدير العام لشركة خطيب وعلمي، ونائب رئيسها التنفيذي.

هناك شعور بأن اسم الخطيب نزل بالباراشوت، وكذلك اسم المخزومي، بعد قلق الأول. لكن الوجوه التي ستتضمّنها حكومته لن تخرج من قبعة الساحر

من الصعب جدًا رسم صورة "سياسية" واضحة له خارج شركته، ورغم المحاولات البائسة يصعب كذلك تخيّل أعمال شركته نفسها خارج السياسة. ليس لأن كل شيء في لبنان "سياسي"، إنما لأن السياسة نفسها هي ملعب لرجال الأعمال والمصرفيين، ومحطة للكسب بالحضور المباشر أو بغيره.

اقرأ/ي أيضًا: إعلان تشكيل الحكومة في لبنان.. اغتراب السلطة عن الشارع

على الأقل هذا ما انتفض اللبنانيون ضدّه. حدث أن السُلطة فعلت ما تفعله السُلطات عادةً: التجاهل. سمير الخطيب الذي نفذت شركته مشاريع مشتركة مع "مجلس الإنماء والإعمار" الشهير، ليس بحد ذاته اسمًا مستفزًا للبنانيين الذين انتفضوا، ولكن ما يستفزهم هو "الإخراج"، الذي بموجبه ظهر حارس جديد لمصالح الفئة الحاكمة برأس المال.

وفي ساعة مبكرة من نهار الجمعة، تفاقم التخبط، وطرح اسم الثري الآخر، فؤاد مخزومي، كمرشح السلطة عن نفسها ولنفسها لرئاسة الحكومة، بعد معلومات عن تراجع الخطيب.

وإن كان عرض الاحتمالات المطروحة لشكل الحكومة ومحاولة تحليلها ضروريًا، لا بد من الإشارة قبل كل شيء، إلى أن اختيار الخطيب، أو حتى المخزومي، من موقعهما كرجلي أعمال، بعد احتراق اسمي الملياردير محمد الصفدي، ووزير العدل السابق بهيج طبارة، يعكس مسألتين أساسيتين.

أولًا، بالنسبة للسُلطة الطائفية المرتبطة بصفقات ومصالح مادية مع بعضها البعض، وتتعرض لهزات بسيطة أحيانًا بسبب التجاذبات الخارجية، لم يوجد شيء اسمه انتفاضة. والحياة حسب هذه السُلطة غير الواعية لعمق الأزمة الاقتصادية وأبعادها المتوقعة، قابلة للعودة إلى ما كانت عليه.

ثانيًا، استكمال تخلي الدولة اللبنانية التاريخي عن احتمالات استعادة سيادتها، مقابل تعزيز الوجوه التي تدعم "السوق" على حساب القطاع العام، ولا سيما أن الرئيس المقترح هو رجل أعمال استفادت شركته من مشاريع كثيرة على حساب الدولة، إن كان الاسم هو سمير الخطيب، أو فؤاد المخزومي.

هناك شعور بأن اسم الخطيب نزل بالباراشوت، وكذلك اسم المخزومي، بعد قلق الأول. لكن الوجوه التي ستتضمّنها حكومته لن تخرج من قبعة الساحر. ستكون أسماء مختارة بعناية، ووفق حسابات فريق الحكومة السابقة. اسم الرئيس بحد ذاته تفصيل.

بالنسبة لحزب الله، الخطيب ليس خيارًا مثاليًا. حتى ساعة الصفر، سيبقى الحزب يفضّل سعد الحريري تحديدًا لرئاسة الحكومة. وهناك أسباب لهذا الإصرار، لا تتعلق باحترام توازنات سياسية أو طائفية، ولا لشيء من هذا النوع. أول هذه الأسباب هو أن عودة الحريري ستعني إخبار العالم، أن شيئًا لم يتغيّر في لبنان، وأنه ليس هناك أي داعٍ لمقاطعة الحكومة اللبنانية، أو فرض المزيد من العقوبات عليه، لأن الذي يقودها هو "خصم" الحزب. والحزب يتفادى الحديث بوضوح عن هذه المعادلة، لكن تمسكه بالحريري فاض عن الحد الذي يمكن تحمله، حتى بالنسبة إلى جمهور الحزب نفسه، خاصةً وأن هذا الجمهور اعتاد "شيطنة" الحريري والحريرية لوقت طويل.

ثاني الأسباب، يتعلق بهذا الجمهور نفسه. يريد الحزب من عودة الحريري، أن يثبت لجماهيره، أن لا شيء يمكن أن يحدث خارج إرادة وإشراف الحزب، وأنهم لا يمكنهم المشاركة في أي عمل تغييري عكس إرادته السياسية. وهذا أيضًا لم يعد مجديًا، لأن هذا الجمهور "تسرّب" من الحزب وشارك في إسقاط الحكومة، قبل أن تتم محاصرة الانتفاضة.

حسب المعلومات، سيعود الوزير "الدائم" محمد فنيش إلى الحكومة، كما درجت العادة في جميع الحكومات التي شارك فيها الحزب بعد 2005. فالحزب لا يجد نفسه مضطرًا أمام جماهيره لتفسير حضور وزير واحد بحقائب مختلفة على مدى أعوام، بل تنحصر أولويته الآن في إقناع الحريري بالموافقة، أو الموافقة على الخطيب أو أي أحد آخر، وإنقاذ "العهد"، الذي يقصد به في الإعلام اللبناني عهد الرئيس الحالي ميشال عون.

حسابات "العهد" مختلفة قليلًا، وهي حسابات "عائلية" وفقًا للمراقبين. معظم الاحتمالات التي عرضت على الحريري، تضمنت اسم الوزير السابق جبران باسيل، الذي يعد اسمًا مستفزًا فوق العادة للبنانيين المنتفضين. من الناحية النظرية، وبين المزاح والجد، عند قراءة السلوك "العوني" في جميع مراحل تشكيل الحكومات بعد اغتيال الحريري الأب، يمكن فهم هذا السلوك فقط بالعودة إلى فكرة بودان الشهيرة التي تعيد أصول الدولة إلى العائلة بوصفها الحلقة السياسية الأم. اعتبر بودان أن الانتقال إلى الجمهورية كان انتقالًا من حكم الأسرة الملكية الواحدة، إلى مجموعة أسر حاكمة، وبالنظر إلى الحريرية والعونية وبقية العائلات، تغدو الفكرة البودانية تطبيقية في لبنان أكثر من أي مكان آخر، حتى على أبواب حكومة "بزنس" معلنة.

الحديث عن السيادة وشروط الجمهورية الأخرى مجرد شعارات في الحالة اللبنانية، في ظل إصرار "عوني" على أن يكون باسيل، أو "الروح الباسيلية" حاضرة في الحكومة المقبلة. في المقابل، افترض الحريري أن ممثليه سيكونون "تكنوقراطيين"، وإن كان هذا لا ينطلي على اللبنانيين. فؤاد السنيورة، الذي ينسب إليه اللبنانيون تهمًا كبيرة، كان تكنوقراطيًا. وللمناسبة، سجّل الأخير اعتراضه على ترشيح الخطيب، متذرعًا بعدم خبرته، بينما يعرف المتابع أنه ومن باب المزايدة، كان يسجّل اعتراضه على سلوك سعد الحريري الذي يساير الحزب.

اقرأ/ي أيضًا: لبنان يشهد تصعيدًا جديدًا.. تسريبات التشكيلة الحكومية تحيي الغضب

في ضوء ميل الحريري لتسمية بهيج طبارة، وميل حزب الله لتسمية الحريري نفسه، يرجح الجميع أن يتم الإعلان عن سمير الخطيب رئيسًا للحكومة بعد الانتهاء من الاستشارات النيابية، إلا في حال تراجع الخطيب نفسه، وظهور المخزومي المعروف بتبرعاته و"مكرماته" وصفقاته التجارية، كمرشح من ذات الطينة. وليست مصادفة أن يكون الخطيب في أزمة مادية هو الآخر، تشبه أزمة الرئيس المستقيل سعد الحريري. وأن يكون حلّ بشركته قبل شهور، ما حلّ بالمؤسسات الإعلامية التي يملكها الحريري، حيث يُحكى عن صرف موظفين تعسفًا، لم تدفع مستحقاتهم القانونية بعد، وإن كان التأكد من ذلك صعبًا بالمقارنة مع حالة المؤسسات الحريرية.

ما يجمع الرجلين المرشحين في النهاية مع الحريري، وما يجمعهم معًا مع البقية، ليس بعيدًا عما يجمع الأوليغارشية كطبقة مهيمنة، بالحكومة كأداة لإدارة مصالحها

ما يجمع الرجلين المرشحين في النهاية مع الحريري، وما يجمعهم معًا مع البقية، ليس بعيدًا عما يجمع الأوليغارشية كطبقة مهيمنة، بالحكومة كأداة لإدارة مصالحها. صحيح أن عمر الحكومة المستقيلة لم يبلغ العام، لكن حكومةً تحمي المصالح ذاتها، في حال تشكّلها، قد لا تصمد طويلًا هي الأخرى.

 

اقرأ/ي أيضًا:

لماذا لا توجد قيادة للانتفاضة في لبنان؟

خطاب حسن نصر الله.. محاولات متناقضة لركوب موجة الانتفاضة!