05-نوفمبر-2019

استخدمت قوات الأمن اللبنانية القوة لإجبار المتظاهرين على فتح الطرقات (أ.ب)

احتدم النقاش في لبنان حول قطع الطرق وشل حركة المرور، كأداة احتجاجية للضغط على السطة. وتباينت الآراء داخل مجموعات الانتفاضة، إذ بدا واضحًا وجود تعدد في الرؤى حول الآليات الأنسب للاحتجاج، خاصة في ظل ما يراه المتظاهرون "مماطلة" من المجموعة الحاكمة في الاستماع لصوت الشارع.

تباينت الآراء داخل مجموعات الانتفاضة اللبنانية حول قطع الطرقات كوسيلة احتجاجية، ما بين موافق ومعارض على المستوى التكتيكي

تأليب الرأي العام

يظن البعض من المتظاهرين في الساحات، بأن قرارات قطع الطرق، موجهة من وراء ستار، وأن هذه الوسيلة الاحتجاجية باتت "سلبية" على الانتفاضة، بما قد تؤدي من خسارة شريحة من المتعاطفين مع الانتفاضة، من المتضررين من قطع الطرقات.

اقرأ/ي أيضًا: أحد الوحدة.. الانتفاضة اللبنانية تستعيد مشهديتها

من يُنظر إليهم كمتضررين محتملين هم العاملون باليومية على وجه التحديد، من يعيقهم قطع الطرقات من الوصول إلى أعمالهم.

إحدى المشاركات في الانتفاضة اللبنانية، فضلت عدم ذكر اسمها، قالت لـ"الترا صوت": "من البداية لم يكن هناك قيادة للانتفاضة، والناس يتصرفون من تلقاء أنفسهم"، مضيفة: "لكن، نحن الناس، فلماذا علينا اتباع قرارات دون نقاش، إذ لا ينبغي فرض هذه القرارات على الجميع، وكأننا، كمنتفضون، أصبحنا تحت رحمة سلطة أخرى".

الانتفاضة اللبنانية

تعتقد المتحدثة، وغيرها ممن يوفقونها الرأي، أن قطع الطرق كان مفيدًا في لحظة ما من عمر الانتفاضة اللبنانية، لكن الآن بات للاستمرار فيه سلبيات تفوق إيجابياته. 

"مراعاة حاجات الآخرين"، مبرر يُطلقه أصحاب هذا الموقف، من باب أن "ليس الجميع قادرين على التضحية حتى الرمق الآخير"، أي هؤلاء المتضررون بشكل مباشر من قطع الطرقات، على مستوى أكل العيش.

من جهة أخرى، تروج السلطة إلى أن قطع الطرق من بين "سلبيات الانتفاضة"، في حين تستغل الجهات الأمنية قطع الطرقات للاحتكاك بالمتظاهرين بعنف يفضي أحيانًا إلى إصابات.

الضغط على السلطة

في المقابل، يرى المؤيدون لوسيلة قطع الطرقات احتجاجًا، أن الأمر لا يحتاج لتوافق شامل، من باب أن "الأمور مفتوحة على كل الاحتمالات، والانتفاضة عفوية"، كما قال أحد المتظاهرين.

يُحاجج هذا القسم بأن قطع الطرقات وسيلة للاحتجاج تعيق قدرة السلطات على أداء دورها الوظيفي: "لو لم تغلق الطرقات لما استقالت حكومة الحريري"، كما قال أحدهم. 

"ما دام هناك أعداد كبيرة تقوم بهذا الفعل الاحتجاجي، فهذا يعني أن هناك فئات من المحتجين، أي من المواطنين، من هو مقتنع بحقه في هذه الممارسة للتعبير عن الغضب والاحتجاج"، كما يقول أحد المؤيدين لقطع الطرقات من المتظاهرين.

إذًا، فإعاقة السلطات، المنتفَض ضدها، عن أداء مهامها الوظيفية، هو الدافع بالنسبة لفريق من المتظاهرين، وراء قطع الطرقات احتجاجًا، ولتحقيق مزيد من الضغط على الجماعة الحاكمة.

وعن الانتقادات الموجهة لهذه الممارسة، يرد المؤيدون بأن "من يعارض الانتفاضة، سيظل يعارضها بغض النظر عن قطع الطرقات، ومن يؤيدها، فهو يؤيد المطالب بشكل أساسي". 

يُلمس في الشارع الاحتجاجي حالة عامة من إدراك، ما يسميه المتظاهرون "تشويهًا للانتفاضة"، تمارسه الآلة الإعلامية الموالية للسلطات، وبعض الشخصيات العامة إعلامية وفنية وغير ذلك.

الانتفاضة اللبنانية

لا يبدو إذًا أنه بعد اتهام المتظاهرين بتلقي "تمويلات أجنبية"، أن شيئًا في الانتفاضة واسعة النطاق، والموصوفة بأنها "غير مسبوقة في لبنان" كمًا وكيفًا؛ قد يُبدل خطاب المنتقدين أو "المشوهين" للمتظاهرين، بتعبيرهم.

ما البديل؟

الاعتصامات، والتمركز الاحتجاجي أمام المؤسسات الحكومية، هو بديل عن قطع الطرقات، يطرحه قطاع من المتظاهرين، على اعتبار أن لكل مرحلة في الانتفاضة وسائلها الأكثر قدرة على الضغط. وبالفعل، فإن في مدينة صيدا، استطاع المتظاهرون إيقاف العمل في العديد من المؤسسات الحكومية بالاعتصام أمامها.

لكن، مع ذلك، يعتقد فريق آخر بأن لهذه الوسيلة الاحتجاجية شرطًا يتمثل في انخراط النقابات والاتحادات العمالية في الانتفاضة اللبنانية، بإطلاق دعوات للاعتصام في أماكن العمل، ضغطًا على السلطات.

الاعتصامات، والتمركز الاحتجاجي أمام المؤسسات الحكومية، هو بديل عن قطع الطرقات، يطرحه قطاع من المتظاهرين

وهكذا، وما بين هذا وذاك، يبقى تعدد وجهات النظر احتجاجيًا مجليًا حقيقة مشاركة أكثر من مليوني مواطن لبناني، أي نحو ثلث اللبنانيين، في انتفاضة توصف بـ"غير المسبوقة" كمًا وكيفًا، في بلاد تعرف نظام حكم بالمحاصصة الطائفية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الانتفاضة اللبنانية تتوسع وخطاب السلطة يفشل مجددًا

4 سيناريوهات محتملة في لبنان بعد استقالة سعد الحريري