14-نوفمبر-2019

دعم بوتين خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بالتأثير على نتائج الاستفتاء (Brigette Supernova)

أعاد تقرير استخبارتي يتحدث عن تدخل روسيا بالسياسة البريطانية لصالح خروجها من الاتحاد الأوروبي، إثارة الشكوك مجددًا حول الدور الخفي لموسكو في التأثير على نتائج الانتخابات البرلمانية في أوروبا، من خلال دعمها لأحزاب اليمين المتطرف في الانتخابات المحلية أو انتخابات البرلمان الأوروبي، والأسباب التي تدفعها للمضي بمثل هذه العمليات التي تأثر بشكل واضح على الديمقراطيات الليبرالية الأوروبية.  

يكشف تقرير برلماني بريطاني عن تدخل روسيا في نتائج استفتاء البريكست، بينما ترفض حكومة جونسون نشره حتى الآن

بريطانيا ترفض نشر تقرير استخباراتي

كشفت المرشحة الديمقراطية السابقة للرئاسة الأمريكية، هيلاري كلينتون، أن بريطانيا رفضت نشر تقرير برلماني يتهم روسيا بالتدخل في السياسة البريطانية، وسط إشارات إلى أن التقرير يتحدث عن استهداف موسكو للاستفاء الذي أجرته لندن على خروجها من عضوية الاتحاد الأوروبي في عام 2016 (البريكست) بعدما صوت 51.9% على خروج لندن من الاتحاد الأوروبي.

اقرأ/ي أيضًا: البوصلة نحو موسكو.. هكذا أصبح بوتين الزعيم الجديد للشرق الأوسط

وأبدت هيلاري كلينتون استغرابها من عدم نشر الحكومة البريطانية للتقرير الذي يتحدث عن التأثير الروسي، واصفةً عدم نشره بـ"الأمر المخجل وغير المفهوم". لكن وزير الخزانة البريطاني، ساجد جاويد، قال إن الفترة التي سيستغرقها نشر التقرير "طبيعية تماما"، بسبب ما أسماها "الطبيعة الحساسة لمحتواه".

البريكست
تدخلت روسيا للتأثير على نتائج استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي

 فيما اعتبرت وزيرة الخارجية في حكومة الظل بحزب العمال المعارض، إميلي ثورنبيري، أن قرار عدم السماح بنشر التقرير قبل تعطيل البرلمان قبيل الانتخابات العامة، كان "بدافع سياسي".

ويأتي التقرير البرلماني بالتزامن مع اقتراب موعد إجراء الانتخابات البرلمانية المزمع عقدها في 12 تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، بعد تصويت 438 مشرعًا من أصل 650 لصالح إجرائها، بسبب انقسام البرلمان البريطاني على قرار البريكست، الذي يدعمه بشدة رئيس الوزراء بوريس جونسون، زعيم حزب المحافظين.

تساؤلات عن سبب عدم نشر التقرير

التقرير الذي أعدته لجنة الأمن والاستخبارات في البرلمان البريطاني، تناول بالتمحيص الأنشطة الروسية في العملية الديمقراطية ببريطانيا، متضمنًا مزاعم بالتجسس والتخريب والتدخل في الانتخابات، فضلًا عن احتوائه على أدلة من وكالات الاستخبارات البريطانية الثلاث (MI5 وMI6 وGCHQ)، تحدثت عن محاولات روسيا الخفية التأثير في نتائج استفتاء البريكست في 2016، والانتخابات العامة في 2017.

وانتهت اللجنة من التقرير في شهر آذار/مارس، قبل إحالته إلى مكتب رئيس الوزراء في 17 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، لكن الحكومة لم توافق حتى الآن على نشره. ولا يتوقع نشره إلا بعد يوم الانتخابات البرلمانية الشهر القادم، وفتح عدم نشر التقرير باب التساؤل لدى ثورنبيري عن الصلات بين روسيا وبريكست، وقادة حزب المحافظين، وربما يؤثر هذا في حملة الحزب الانتخابية.

وكان حزب العمال الذي يعارض البريكست، قد أعلن قبل يومين، إفشال هجوم إلكتروني استهدف منصاته الرقمية، موضحًا أن الهجوم كان مصدره حواسيب من روسيا والبرازيل. 

وعلى الرغم من نفي الحزب حدوث أي اختراق للبيانات، أو حصول ثغرة أمنية في نظامه، فإنه قال بعدما أشارت صحيفة التايمز البريطانية إلى وجود ثغرة أمنية واضحة في أنظمته الإلكترونية، إنه يعتقد أن عددًا قليلًا فقط من الأسماء الكاملة للجهات المانحة قد تم الكشف عنها.

اليمين المتطرف بوابة موسكو للسياسة الأوروبية

ربما ينبغي قبل الشروع بالحديث عن الأسباب التي تدفع روسيا للتدخل بالسياسة البريطانية، المرور على العلاقة المتوطدة بين موسكو واليمين الأوروبي، الذي بدأ بالصعود للساحة الأوروبية منذ عام 2015، مستفيدًا من سياسة الانتفاح التي أبدتها الأحزاب الحاكمة إزاء موجة اللاجئين القادمين من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، هربًا من الصراعات العسكرية الدائرة داخل دوله، وبحثًا في الوقت عينه عن حياة إقتصادية أفضل.

وخلال فترة وجيزة من العام 2015 صعدت إلى الساحة السياسية أحزاب: النازيين الجدد (أتاكا) في بلغاريا، الحرية النمساوي، والشعب الدنماركي، والفجر الذهبي اليوناني، وحزب استقلال المملكة المتحدة البريطاني، والحريات الهولندي، بينما كانت الجبهة الوطنية الفرنسية تسعى لرفع المزيد من شعبيتها في الساحة السياسية. 

لكن المفاجئة الأكبر بين أحزاب اليمين الأوروبي، كانت بدخول حزب البديل من أجل ألمانيا (نازيون جدد) لأول مرة البرلمان الألماني منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، بنسبة أصوات وصلت لـ13.4% (89 نائبًا) جعلته يحتل المرتبة الثالثة في عام 2017.

قادة اليمين الأوروبي
زعماء وقادة أحزاب اليمين الأوروبي

في مفهوم العلاقة التي تربط بوتين مع اليمين المتطرف الأوروبي، تشير المحللة إلينا بولياكوفا، إلى أن الرئيس الروسي يعمل على تقديم الدعم المادي والأيديولوجي للأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا، موضحًة أن موسكو "لا تتبع إستراتيجية أيديولوجية، إنما تلعب على كافة الجبهات"، نظرًا لاستغلال بوتين "كافة الأحزاب والحركات والأطياف السياسية من أجل الإخلال بالسياسات الوطنية العامة"، على حد قولها.

لكن هذا الحال لا ينطبق على جميع أحزاب اليمين الأوروبي المتطرف، المنقسم على نفسه في موقفه من موسكو. وأيضًا رغم اتفاقهم الثابت على العداء للاجئين، فإنهم يطرحون مقترحات مختلفة للتعامل مع قضية اللجوء. 

يمكن المقارنة هنا بين موقف رئيس الحكومة المجرية فكتور أوربان الرافض لاستقبال بلاده للاجئين نهائيًا، وموقف زعيم حزب رابطة الشمال ووزير الداخلية الإيطالي الأسبق ماتيو سالفيني، الذي كان يطالب بتوزيع اللاجئين القادمين إلى إيطاليا على دول الاتحاد الأوروبي، قبل أن يتخذ موقفًا متشددًا بمنعهم من الوصول إلى الموانئ الإيطالية عبر البحر.

علاقات مالية مشبوهة بين موسكو واليمين الأوروبي

برزت خلال الأشهر السابقة من العام الجاري العديد من التقارير الصحفية التي تحدثت عن وصول مبالغ مالية من جهات روسية رسمية أو شبه رسمية إلى أحزاب اليمين الأوروبي لدعمها في الانتخابات البرلمانية، وتجاوزت في بعض الدول المنح المالية بوصولها لوعود بتقديم عقود استثمار للشركات الروسية في حال فوز أحزاب اليمين بالانتخابات.

ويدور في فلك هذه التقارير ما كشفه موقع بازفيد نيوز الأمريكي في تموز/يوليو الماضي، حول اجتماع ضم ثلاثة إيطاليين مع ثلاثة روس، كان من ضمنهم جيانلوكا سافيوني، أحد المقربين من سالفيني الذي كان في زيارة إلى موسكو للقاء بوتين ضمن مأدبة عشاء رسمية، وتضمن الاجتماع حينها البحث عن قناة سرية لإيصال مبالغ بعشرات الملايين من الدولارات للحزب الإيطالي من عائدات النفط الروسي، مقابل عمل الحزب الإيطالي على تقويض الديمقراطيات الليبرالية، وإعادة تشكيل أوروبا بقومية جديدة متحالفة مع موسكو.

كما أدت فضائح علاقة اليمين الأوروبي مع روسيا، للإطاحة بالحكومة النمساوية الائتلافية التي كان حزب الحرية النمساوي، بعد تصويت البرلمان على حجب الثقة من الحكومة التي يقودها في أيار/مايو الماضي. 

حدث ذلك نتيجة ظهور فيديو مسرب لزعيم الحزب، ونائب رئيس الحكومة الأسبق هاينز كريستيان شتراخه، يتفاوض مع امرأة روسية تدعى أليونا ماكاروفا، لاستثمار 50% من صحيفة كرونين تسايتونغ الشعبوية، لتكون ناطقة باسم الحزب خلال حملته الانتخابية، وتبرعها بأموال للحزب عن طريق جمعية وهمية، مقابل حصولهم على مزايا خاصة في حال فوزهم بالانتخابات. لكن موسكو كعادتها نفت أن يكون لها أي صلة بالحادثة.

نفس الأمر تكرر مع زعيمة الجبهة الوطنية والمرشحة السابقة للرئاسة الفرنسية مارين لوبان، التي توجهت لموسكو بعد حظر مجموعة بنوك، منحها قروضًا مالية لتمويل حملتها الانتخابية عام 2014؛ لتجد السيدة الفرنسية بنك "FCR" الروسي منقذًا لها، بعد أن وافق على منحها قروضًا بقيمة 11 مليون يورو على دفعتين.

صورة العقد الموقع بين لوبان وبنك FCR الروسي
صورة العقد الموقع بين لوبان وبنك FCR الروسي

بعد حصولها على القروض الروسية أيدت لوبان ضم شبه جزيرة القرم لروسيا، فضلًا عن تواقفها مع سياسة بوتين المرتبطة بالاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي (الناتو).

أيادي موسكو الخفية لإضعاف الاتحاد الأوروبي  

خلال حملتها الانتخابية في 2017 -التي ساهمت بطريقة أو بأخرى في دخول "البديل من أجل ألمانيا" للبرلمان- واجهت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، حملة مضادة بعد انتشار صور مزيفة على المواقع الإلكترونية، كتب عليها: "صوتوا لبوتين مستشارًا لألمانيا"، تزعم أنها معلقة في شوارع برلين. 

يؤكد مراقبون أنه لا يمكن فصل الصورة التي انتشرت قبل عامين عن الدور الذي تلعبه روسيا من خلال قراصنتها الإلكترونيين للتأثير على مسار الانتخابات الأوروبية.

وربما يكون جدير بالذكر هنا ما حققته الأحزاب اليمينية المتطرفة والقومية من نتائج مفاجئة في انتخابات البرلمان الأوروبي التي أجريت في أيار/مايو الماضي، بعد حصولها، ضمن تحالفات سياسية مناهضة للاتحاد الأوروبي، على مقاعد برلمانية تصل لـ170 من أصل 751 مقعدًا بنسبة تصل لـ23%، بعد أن كانت نسبتها في الانتخابات السابقة 20%. 

وتفوقت أحزاب الجبهة الوطنية الفرنسية، ورابطة الشمال الإيطالية، وبريكست البريطاني الذي تأسس في شباط/فبراير الماضي، على باقي الأحزاب التقليدية في بلدانهم لتتصدر المشهد الأوروبي.

هذا الصعود الذي جاء مختلفًا لتحالفات أحزاب اليمين في البرلمان الأوروبي، كان موقع NBC نيوز الأمريكي قد استبقه بتقرير نشره قبل شهرين من موعد انتخابات البرلمان الأوروبي، ينقل تحذيرات عن جهاز الاستخبارات الخارجية الإستونية، يقول إن روسيا استستهدف الانتخابات البرلمانية الأوروبية، مرجحًا أن ينصب تركيزها على دول ألمانيا، إيطاليا، وفرنسا، متأملًة أن يكون لها تأثير أكبر على تكوين الاتحاد الأوروبي.

وفي منتصف حزيران/يونيو الماضي نشرت المفوضية الأوروبية تقريرًا أشار إلى جمع الاتحاد الأوروبي أدلة تفيد "مواصلة روسيا أنشطة التضليل"، بهدف "الحد مشاركة الناخبين في الانتخابات الأوروبية والتأثير على توجهاتهم". 

وأضاف تقرير المفوضية الأوروبية، بأن هذه الأنشطة تنوعت بين "تحدي شرعية الديمقراطية الأوروبية واستغلال المناظرات المسببة للانقسام بشأن قضايا مثل الهجرة"، موضحًا أن الروس استخدموا "جهات خبيثة" بعد حادثة حريق كاتدرائية نوتردام "لإظهار تدهور القيم الغربية والمسيحية في الاتحاد الأوروبي".

ماذا ستجني روسيا من البريكست؟

وبالعودة إلى القضية الرئيسية المتعلقة بتدخل روسيا في السياسة البريطانية، يمكن ملاحظة أن المستفيد الأكبر من البريكست في حال نفذ ستكون موسكو، بطموحها لإضعاف الاتحاد الأوروبي. وعلى الأرجح أن خروج بريطانيا سيضعف نفوذ الاتحاد، ليس فقط على الخارطة الأوروبية، وإنما خارجها أيضًا، في حين سيزيد من نفوذ موسكو أوروبيًا. وقد تزايد بالفعل نفوذها في العالم، على إثر سياسات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

وبمراجعة للتاريخ العسكري الأوروبي، يمكن قراءة التحالفات العسكرية التي جمع بريطانيا بروسيا، والتي بدأت ضد الحروب التوسعية للإمبراطور الفرنسي نابليون بونابرت في أوروبا، وامتدت لتحالفين متتالين في الحرب العالمية الأولى والثانية.

لكن هذا لا يخفي أنهما عند انتهاء كل تحالف يعودان إلى خصومتهما الدبلوماسية، كونهما يعتبران نفسيهما أكبر قوة في القارة الأوروبية، وكلاهما من ضمن الدول الخمس التي تملك حق النقض الفيتو في مجلس الأمن. لكن هذا لا يمنع من مشاطرة ثورنبيري سؤالها عن صلات قادة المحافظين الذين يدعمون بريكست مع روسيا!

القوات الروسية في القرم
بالإضافة لتوسيع النفوذ، أرادت روسيا بضم القرم منع أوكرانيا من دخول الاتحاد الأوروبي

يلخص تصريح سابق لوزير الخزانة الأسبق فيليب هاموند، مكاسب موسكو من بريكست، إذ يقول الدبلوماسي البريطاني، إنه "على أرض الواقع الدولة التي تريدنا أن نغادر الاتحاد الأوروبي هي روسيا، وهذا يخبرنا بكل ما نحتاج معرفته". 

يرجع ذلك، كما يوضح هاموند، إلى أن الاتحاد الأوروبي في حال خرجت بريطانيا منه فإنه سيفقد دولة تصنف من ضمن الأكبر والأقوى في القطاعات الاقتصادية والعسكرية المنضوية ضمنه، رغم أن لندن تمر في الوقت الراهن بحالة عدم استقرار اقتصادي، إلا أن هذا من المتوقع تلاشيه عند اتخاذ قرارها النهائي بشأن البريكست.

وتفكيك الاتحاد الأوروبي أبرز فوائد البريكست بالنسبة لموسكو، التي ترى أن الدول التي أسست الاتحاد، كانت السبب الرئيسي وراء انهيار الاتحاد السوفييتي واستقلال دول الكتلة الشرقية عنه. 

لذا، يتضح كيف أن ضم شبه جزيرة القرم لم يكن يقتصر فقط على تنامي النفوذ الروسي، إنما منع أوكرانيا من الانضمام للاتحاد الأوروبي بعد أن جعلها مفككة، ما دفع بالاتحاد الأوروبي لتعليق عضوية انضمامها، لذلك فإن خروج بريطانيا قد يصحابه تأجيج لفكرة الانفصال لدى إسكتلندا وويلز، ومن الممكن أن يدفع بالدول التي تملك خلافًا حول قضية الهجرة للتلويح بورقة الخروج.

وإذا ما قررت بريطانيا المضي قدمًا في إجراءات الخروج من الاتحاد الأوروبي، فإن هذا يعني إضافة قوة جديدة للخارطة العالمية، ذات استقلال سياسي، ما يعني تحالفات دولية جديدة، في ظل تنامي الدور الإيراني والتركي، إلى جانب الصين وروسيا.

تفكيك الاتحاد الأوروبي من أبرز فوائد البريكست بالنسبة لموسكو التي كان من بين أهدافها بضم القرم، منع أوكرانيا من الانضمام للاتحاد، وهو ما حدث

هذه التحالفات الجديدة غير متوقعة حتى الآن، فعلى الرغم من أن بريطانيا لا تزال تحتفظ بقيم الديمقراطية الليبرالية التي تربطها بالدول الأوروبية الكبرى، إلا أنه ليس مستبعدًا أن تعمل على إنشاء تحالفات جديدة لإحراز مكاسب سياسية واقتصادية جديدة تعوضها عن التي فقدتها في أوروبا في حال خروجها، خاصة مع تنامي دور اليمين في إدارة سياساتها.

 

اقرأ/ي أيضًا:

حرب "روسيا اليوم" في لندن.. ورطة إعلام الكرملين في الأطلسي!

بعد أمريكا.. روسيا تخوض حربًا معلوماتية ضد السويد