08-يونيو-2019

لا ينفك سالفيني يعبر عن عدائه للاجئين (Getty)

في إحدى لحظات نباهته الفائقة، والغريبة كما عودنا دائمًا، اقترح وزير الداخلية، وزعيم حزب رابطة الشمال الإيطالي، سن قانون يفرض رسوم على الناجين من المهاجرين السريين الذين يتم انتشالهم في عرض مياه المتوسط بين 3500 و 5500 يورو لكل مهاجر تم إنقاذه من الموت. الكلام هنا طبعًا ليس موجهًا لللاجئين ذات أنفسهم، بل هو مساومة جديدة للمنظمات الدولية التي تقوم بعمليات الإنقاذ، يبرزها أكثر تهديده لأصحاب زوارق النجدة الإيطالية بسحب رخصهم، مؤقتًا أو نهائيًا، إذا ما ضبط أحدهم ينقل على متنه لاجئين من الضفة الأخرى للبحر. في أحد التطورات الجديدة للحرب التي يشنها اليمين الإيطالي الحاكم على هذه المنظمات الإنسانية ومواردها.

في إحدى لحظات نباهته الفائقة، والغريبة كما عودنا دائمًا، اقترح وزير الداخلية، وزعيم حزب رابطة الشمال الإيطالي، سن قانون يفرض رسوم على الناجين من المهاجرين السريين الذين يتم انتشالهم في عرض مياه المتوسط

في تفاعلٍ مع اقتراح سالفيني

"الأمر أشبه بتغريم سيارة إسعاف لأنها نقلت مريضًا إلى المشفى" تقول كلوديا لوديساني، رئيسة الفرع الإيطالي لمنظمة أطباء بلا حدود، في حديث لها مع موقع الإندبندنت البريطاني. مضيفة أن المرسوم الجديد الذي لوحت به الحكومة الإيطالية، تهديد صريح للمبادئ الشرعية وواجب إنقاذ حياة الناس المهددة في عرض البحر. فيما انتقدت العديد من المنظمات الإنسانية الأخرى مقترح سالفيني، واصفين إيّاه بالـ"هجوم المتكرر على الحياة البشرية"، وبـ "التنمر" على أشخاص في وضعية صعبة، في خرق للقوانين الدولية.

اقرأ/ي أيضًا: الصفحة الأخيرة لماتيو رينزي.. تمزيق التحالف مع اليمين الشعبوي

خرق للقوانين الدولية هو ما يجعل فريدريك بينارد، مدير عمليات  SOS Mediterranee، يشك في قدرة سالفيني على سن هذا القانون. فحسب تصريحه لذات الصحيفة البريطانية، أنه: "لا يتوقع تحول هذا المقترح إلى قانون"، مضيفًا أن "المنقذين وهم يقومون بمهامهم ليسوا مخيرين، بل ملزمين بالقيام به طبقًا لاتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحر سنة 1982". الأمر الذي يوافقه فيه ريكاردو غاتي، مدير مهمات في منظمة Open Arms، والذي عبر بأنه ليس مهتمًا ولا قلقًا بشأن هذه الرسوم المقترحة.

"عودنا سالفيني على أن هدفه هو خلق جعجعة كبيرة بتصريحاته الشاذة تلك، والتي لا تلبث إلا أيامًا قليلة فتختفي" يقول غاتي، مشيرًا إلى أن ذلك التصريح في حد ذاته تهديد لمهمات البحث والإغاثة، وتحدي للقيم الأوروبية ككل. هذا التهديد الذي لن يثني منظمات الغوث الإنساني عن الاستمرار في تنظيم مهمات البحث والإنقاذ في عرض المتوسط، يقر روبن أحد المشتغلين في عمليات الإنقاذ بين ليبيا والساحل الإيطالي، مرجعًا ذلك لكون العمليات تجري بقوة القانون وفي احترام له.

سالفيني يصارع قضاء بلاده

لم تقف حملة سالفيني الأخيرة عند مقترح فرض الرسوم كضغط على منظمات الإغاثة، بل انتقلت حربه على هذه الفئة التي يبغضها إلى ساحة أخرى، أي ساحة بلاده الداخلية. هكذا صب وزير الداخلية الإيطالي غليانه الداخلي على ثلاثة من قضاة بلاده، والذين لا يبدون على توافق تام مع الحكومة.

كل ذلك بدأ بعد أن شهَّر وزير الداخلية الإيطالي بثلاث قاضيات، بعد أن رفضت اثنتان منهن، يعملن في كل من محكمة بولونيا وفلورانسا، مسطرة طلب اللجوء، والثالثة رئيسة محكمة توسكانا، اعترضت على إنشاء "منطقة حمراء" لاحتجاز المهاجرين غير لشرعيين. حسب ما نقلت صحيفة الغارديان البريطانية، كتب سالفيني على فيسبوك قائلًا: "إن هذه النسوة كن دائمًا متعاطفات مع المهاجرين غير الشرعيين، ومع من يدافعون عنهم"، في محاولة للتشكيك في حيادهن. مستهدفًا بسخطه السيدات الثلاث، وبنبرة أقرب إلى التحدي مخيرًا إياهن بأنه "من كان يريد تغيير القوانين فليدخل السباق الانتخابي ويحكم!". فيما تلقى المنشور ما يفوق الـ 4500 تعليق، أغلبها يوافق صاحبه الرأي، ومنها من ذهب حد التوعد بقتل هؤلاء "القضاة المارقين".

"ادعاءات وزير الداخلية محرجة، وتقوض ليس فقط سير القانون، بل القيم الأساسية للدستور الإيطالي" تصرح سيلفيا ألبانو، عضو الجمعية الوطنية للقضاة الإيطالية، مضيفة: "كما تهدد (تلك الادعاءات) حرية القضاء وعدالته، والسلامة الشخصية لرجال القانون، والتي قد تتعرض للخطر بسبب خرجات كتلك". كما في وقت سابق، اجتمع أكثر من 60 قاضٍ ينتمون للجمعية الديمقراطية لقطاع العدل للتوقيع على عريضة احتجاجية ضد سياسات سالفيني في قضية المهاجرين، بما في ذلك إغلاق الموانئ في وجه بواخر الإنقاذ، وطردهم من مراكز الاستقبال باستعمال العنف.

أبعاد أخرى للقضية

هذه الرسوم المقترحة من زعيم رابطة الشمال اليميني المتطرف لها أبعاد أخرى، غير ذريعة الخوف الأيديولوجي من موجة اللاجئين، والذين ينحدرون غالبًا من بلدان إسلامية، كما عبر عنها في أكثر من مرة، آخرها في بودابست حين قال: "إيطاليا صمام أمان أوروبا في وجه الاجتياح الإسلامي".

فعلى المستوى السياسي الداخلي، سيمنح هذا المقترح إذا ما سن في القوانين قوة أكثر لحزب رابطة الشمال داخل الكتلة  الحكومية، مقابل حليفه، وغريمه في آن واحد، حزب الخمس نجوم الذي يرأسه لويجي دي مايو. كما سيمنح كذلك سلطة أكثر لرجال وزارة سالفيني، موظفي وضباط الشرطة، وحصانة أكبر في تنفيذ تلك القرارات.

اقرأ/ي أيضًا: الفاشية الإيطالية المتجددة.. باقية وتتمدد!

كما يمكننا قراءة هذه المقترحات في إطارها الأوروبي، ووضع إيطاليا الجديد داخل الاتحاد. فمن جهة، بعد الاكتساح الذي حققه في الانتخابات الأوروبية الأخيرة، يميل سالفيني بكل ثقل أغلبيته داخل البرلمان الأوروبي، هنا يبدو لنا التلويح بفرض الرسوم المذكورة محاولة ابتزاز لقوى الاتحاد. ومن جهة أخرى، يؤكد هذه الفرضية الضغط الأوروبي الذي تتعرض له إيطاليا في مسألة ميزانيتها العامة، والتي لا توافق الشروط الضريبية المفروضة من بروكسل، التي راسلت الحكومة الإيطالية الأسبوع الماضي، مستفسرة عن سبب ارتفاع الدين الداخلي العام، في حين كان من المفترض له أن ينخفض لو أن روما طبقت توصيات الاتحاد.

انتقدت العديد من المنظمات الإنسانية الأخرى مقترح سالفيني بفرض رسوم على إنقاذ المهاجرين، واصفين إيّاه بالـ"هجوم المتكرر على الحياة البشرية"، وبـ "التنمر" على أشخاص في وضعية صعبة

في المقابل لم يبد وزير الداخلية الإيطالي اتجاه هذه الأزمة الأخيرة أي مرونة، هكذا أعلنها ماتيو سالفيني لمناصريه: "سأقول لبروكسل: دعونا نفعل ما يرديه منا الشعب الإيطالي أن نفعله؛ ضرائب أقل ووظائف أكثر. إن رفضوا ذلك، سنرى حينها من منا أكثر عنادًا أنا أم هم!". على عكس عناد سالفيني الذي قد يعرض بلاده لعقوبات اقتصادية أوروبية مؤلمة، يأمل وزير الاقتصاد، جيوفاني تريا، أن تصل بلاده والاتحاد الأوروبي إلى تسوية تجنب روما أي عقوبات محتملة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

 اليمين الإيطالي وسيسيل كينغ.. ضربني واشتكى!