19-مارس-2018

ملصق دعائي للشبكة الروسية في لندن (ليستر ميركوري)

"الحرب العالمية الثالثة هي حرب معلومات حرب العصابات بدون انقسام بين المشاركة العسكرية والمدنية".

مارشال ماكلوهان

شهد الإسبوع الماضي تصعيدًا خطيرًا في العلاقات السياسية بين المملكة المتحدة وموسكو على خلفية اغتيال العميل الروسي المزدوج سيرغي سكريبال. و في أحد التصريحات التي أطلقتها رئيسة الوزراء البريطاينة تيريزا ماي قالت "إنه محتمل للغاية" أن يكون السم المستخدم في عملية الاغتيال روسي الصنع. وكانت ماي قد أشارت إلى أن "نوفيتشوك"، وهو غاز أعصاب سام من الدرجة العسكرية تم تطويره في الاتحاد السوفياتي في السبعينيات.

تحصل  شبكة RT على تمويل مباشر من الكرملين، بينما يتم الإشراف على نسختها العربية من معهد الاستشراق الشهير في موسكو التابع للكرملين أيضًا

أر تي لندن: بوق روسيا نحو الأطلسي؟

قد تفقد شبكة RT الروسية رخصتها للبث في لندن بسبب اتهام الحكومة البريطانية لنظيرتها الروسية أنها كانت وراء محاولة اغتيال العميل الروسي المزدوج سيرغي سكريبال. أما وكالة الأنباء الرسمية الروسية فقد نقلت عن المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا قولها بأنه "لن يُسمح بعمل منصة إعلامية بريطانية واحدة في روسيا إذا تم إغلاق أر تي في لندن".

اقرأ/ي أيضًا: حرب التشريعات بين روسيا والولايات المتحدة.. ووسائل الإعلام هي الضحية

من المهم الإشارة بالقول إلى أن النظم الغربية اعتمدت الصحافة ووسائل الإعلام كجزء من قوتها الناعمة في السعي وراء توطيد نفوذها الخارج. لكن روسيا في السنوات الأخيرة باتت تلعب لعبة تأثير شديدة الخطورة استطاعت من خلالها تنفيذ بعض خططها في الخارج، ويبدو أن التلاعب في نتائج الانتخابات  وتوجيه الرأي العام إعلاميًا ومعلوماتيًا هو إحدى استراتيجياتها في هذا الصدد.

تفرض هيئة أوفكوم قانون البث في بريطانيا وترعى مراعاته، كما  تقوم بتجديد رخص أصحاب المنصات الإعلامية الأجنبية داخل البلاد من خلال تقييمهم بأنهم"لائقون ومناسبون"، سوف يُلقى على عاتقها في الأيام القادمة التحقق من طبيعة تورط آر تي لندن في عدم المهنية تجاه التحيز لصالح موسكو في تغطيتها.

اللافت أن آر تي في  لندن، وهي شبكة إخبارية تعمل على مدار الساعة، تحصل على تمويل مباشر من الكرملين، بينما يتم الإشراف على نسختها العربية من معهد الاستشراق الشهير في موسكو التابع للكرملين أيضًا، وأن هناك دعوات متزايدة من المشرعين البريطانيين بسحب رخصتها بعد عملية التسميم.

ووفقا لمنتقديها فهناك اتهامات موجهة لآر تي لندن الناطقة باللغة الإنجليزية والتي تبث في لندن ويدعمها الكرملين، بأنها بوق روسيا الإعلامي التضليلي. ولتبيان ما إذا كانت هذه الحجج صحيحة أو لا، فإن هناك تقارير صحفية تحدثت عن طبيعة المحتوى الإعلامي الذي تبثه آر تي لندن تفصيليًا، ما سيشكل رديفًا لرقابة أوفكوم.

قد تفقد شبكة RT الروسية رخصتها للبث في لندن على خلفية الصراع المتصاعد حول قضية تسميم سيرغي سكريبال

في العام 2005، أطلقت روسيا قناة آر تي، حينئذ قالت سفيتلانا ميرونيوك، مدير وكالة الأخبار الرسمية الروسية الحكومية "أن التصورات الغربية لروسيا تراجعت إلى ثلاث كلمات: الشيوعية والثلج والفقر". وأضافت: "نرغب في تقديم صورة أكثر اكتمالاً للحياة في بلدنا".

يقول الصحفي توم داولينج عن تغطيات الآر تي "إن قصصها الأساسية في التغطية كانت دومًا تدور حول أزمات الشرق الأوسط، و تراجع الغرب إلى الوراء، ويستضيفون من يسرد القصة من وجهة النظر الروسية". ويستطرد بقوله " تتمثل المهمة المعلنة لشركة RT في تقديم "وجهة نظر بديلة حول الأحداث العالمية الكبرى"، ولكن العالم وفقًا لـ RT غالباً له قصة أخرى ، يتم  فيها دعم التقارير بشكل روتيني بشهادة من خبراء لم تسمعوا بهم من قبل".

يقول بيتر بومرانتسيف، مؤلف كتاب "لا شيء صواب وكل شيء ممكن"، حول روسيا بوتين  وبوقه أر تي لندن، "في البداية كانت الأمور جيدة وكان العاملون يتلقون أجورًا جيدة، ولكن سرعان ما وجدوا أنفسهم مطالبين بتغيير نسختهم من القصة الإعلامية أو يتلقون تعليمات عن كيفية تغطية قصص معينة لتنعكس بشكل جيد على الكرملين" ثم يشير بالقول " كانت الحرب الجورجية لحظة تنوير بالنسبة للكثيرين لذا استقالت أعداد كبيرة منهم". إحدى تلك الاستقالات الشهيرة كانت استقال المراسلة البريطانية سارة فيرث احتجاجًا على سيطرة بوتين المباشرة على القناة قائلة "نحن نعمل لدى بوتين، ويطلب منا بشكل يومي إما أن نتجاهل الحقائق تمامًا، أو أن نخفيها عن الناس".

الجدير بالذكر أنه تم تسجيل RT و Sputnik TV كعملاء أجانب لدى وزارة العدل الأمريكية، بموجب قانون تسجيل الوكلاء الأجانب المثير للجدل. وهو التشريع الذي تم تقديمه في عام 1938 لاستهداف الدعاية النازية، ولكن تم تضييقه لاحقًا للتركيز بشكل أساسي على جماعات الضغط الأجنبية. كما أعلنت تويتر أنها ستحظر Sputnik و RT من الإعلانات.

مراسلة RT السابقة سارة فيرث: نحن نعمل لدى بوتين، ويطلب منا بشكل يومي إما أن نتجاهل الحقائق تمامًا، أو أن نخفيها عن الناس

وقد دعمت أر تي بوتين في رسالته الانتخابية الأخيرة، حيث تذكر تقارير صحفية أن مارغريتا سيمونيان، رئيسة تحرير شبكة RT كتبت تقول "إن بوتين تحول من الرئيس إلى زعيمنا أو vozhd، وهي كلمة ذات جذور تعود إلى العصور الوسطى استخدمها السوفييت في السابق لوصف جوزيف ستالين.

حظر وسائل الإعلام البريطانية  في روسيا.. تحقيق أمنيات بوتين بالمجان!

بدأ البرلمان البريطاني مناقشة الردود المحتملة على موسكو عقب واقعة سيرغي سكريبال. وكان أحد المقترحات الأولى هو وقف قناة تلفزيون روسيا اليوم/أر تي لندن، التي تمولها الحكومة الروسية وتشارك علنًا ​​في الدعاية، من البث في المملكة المتحدة. وهنا من المهم أن نفهم أن النواب البريطانيين أثاروا موضوعًا مهمًا ليس فقط بالنسبة إلى الكرملين، ولكن أيضًا للمجتمع الروسي كله، بما في ذلك المعارضة. أي أن كل الصحفيين المستقلين العاملين لدى المنصات البريطانية في روسيا سيكونون محل استهداف، هذا من جانب، أما الجانب الثاني، فهو أن المعارضة الإعلامية من الداخل سوف يتم قمعها كليةً إذا اقتضى الأمر، والأمور هنا تحيل بما فعله الكرملين إبان احتجاجات 2011 و 2012 حين قام بقمع الاحتجاجات أولاً ثم قام بتفصيل القوانين لمنعها تماما، وهو ما يذكر بالحالة المصرية الحالية مثلًا.

اقرأ/ي أيضًا: "روسيا اليوم".. صناعة الوهم البوتيني

بالمجمل لا وجود لمؤشرات على أن بوتين سيغير تكتيكاته التقليدية بعد إعادة انتخابه. وستظل السلطات الروسية تراقب المعارضة الداخلية والإعلام وأفعال الغرب "وسترد عليها". كما أنه ينظر إلى جميع الإجراءات المتعلقة بـ RT على أنها "نفاق الغرب في مجال حرية التعبير" حسب تعبيره.

قد تنتهز السلطات الروسية أي إجراء بحق RT من قبل أوفكوم للتخلص من تراخيص الإعلام البريطاني على أراضيها

الجدير بالذكر أن روسيا لديها سجل حافل فيما يتعلق بقمع الصحفيين وحرية الإعلام بشكل عام، إذ تحتل المرتبة الـ148 من بين 180 دولة على مؤشر حرية الصحافة لمنظمة مراسلون بلا حدود.

اللهجة التصعيدية التي يتبناها الطرفان في هذه الأزمة لا تبدو أنها تشير إلى ثبات متوقع في الأوضاع، بل إلى مزيد من التحرك في اتجاه التصعيد، فمن ناحية تستنفر ماي أوروبا، وتستدعي بزخمٍ "تشرشليّ" الدفاع عن قيم الحرية الغربية، بينما ترى روسيا بقيادة زعيمها المعاد انتخابه أن كل ما يقوم به الغرب ما هو إلا ادعاء ونفاق، وترى نفسها ذات سجل نظيف كما قال سفيرها في بريطانيا "ليس لدينا ما نخافه سجلنا نظيف فنحن لم نغزُ العراق"، على أساس أن ما تقوم به روسيا في سوريا منذ 2015، هو نزهة صيفية!

 

اقرأ/ي أيضًا:

بين روسيا وبريطانيا: من يروج للحرب ومن يخوضها؟

"روسيا اليوم" أسوأ منها في الأمس