19-أبريل-2024
ما أقوى دولة في العالم؟

(freepik) أقوى دولة في العالم، هل هي أمريكا فعلًا؟

يروى عن الدكتور محمد مهاتير رئيس وزراء ماليزيا سابقًا ووزير تعليمها أنه في إحدى زياراته التفقدية للمدارس طلب من المدرسين ربط بالون في أرجلهم وأخبرهم بأن من يستطيع الحفاظ على البالون سليمًا لمدة دقيقة هو الفائز، في تلك الدقيقة حاول كل واحد منهم إحداث ضرر في بالون الآخر ليتمكن هو من الفوز، الأمر الذي أثار استغراب مهاتير لأن الطلب كان "الحفاظ على سلامة البالون لا إحداث ضرر ببالونات الآخرين"، هذه التجربة الحية التي قام بها هذا القائد تشير إلى وعي جمعي بعدم القدرة على الفوز دون إحداث ضرر للآخر، بينما تشير كذلك إلى عقلية فذة في الإدارة، هذه العقلية الإدارية التي استطاعت تحويل ماليزيا خلال فترة وجيزة من دولة نامية إلى واحدة من أقوى الدول الصناعية في العالم.

ما هي أقوى دولة في العالم؟ هذا سؤال مطاطي ومتعدد الإجابات، فلا شك أن للأمر حيثيات معينة ينظر من خلالها لتصنيف الدولة كأقوى أو أضعف من سواها، على أن الثابت في التاريخ أن أقوى دولة في العالم هي الدولة التي تُحكم بعقلية متفردة تعي احتياجات البلاد وتتمثل قيمًا أخلاقية نبيلة ومبادئ لا تتجزأ.

وكالة ناسا الفضائية التابعة للولايات المتحدة الأميركية إحدى أقوى الشواهد على التطور العلمي والتكنولوجي الذي تميزت به أمريكا

أقوى دولة في العالم 

على ما يبدو أن الإجابة أسهل كثيرًا من أن نوجه لها سؤالًا، فأي بحث بسيط سيدلي لنا بأن الدولة الأقوى في العالم هي الولايات المتحدة الأميركية.

الجانب العسكري 

  • أثبتت العديد من الحروب التي دارت منذ تأسيس الولايات المتحدة الأمريكية إلى القوة العسكرية الكبيرة التي تتمتع بها، ابتداءً من الحرب الثورية الأمريكية عام 1775 م مرورًا بالحرب البربرية الأولى والثانية عام 1815م وصولًا إلى الحرب الأهلية الأميركية عام 1861م ومنها إلى الحرب العالمية الثانية عام 1939م وبعدها غزو العراق عام 2003م وغيرها كذلك إضافة إلى الكثير من المشاركات المتمثلة بالدعم العسكري المستمر لإسرائيل في الحرب على فلسطين عامة وعلى غزة خاصة وآخرها الدعم الحثيث الذي كان بعد أحداث 7 أكتوبر 2023م.
  • تحظى القوات المسلحة الأميركية بحظ وافر من الدعم المادي المستمر لتحسين نوعية الأسلحة وتطويرها، كما تحظى كذلك بخطط علمية منظمة لضمان جودة ذلك التحسين، كما تمتلك ما يقارب الـ 800 قاعدة عسكرية خارج الدولة، وبعيدًا عن التطور العلمي الذي تتمتع به فهي أيضًا تعتبر من أكبر الجيوش العالمية من حيث عدد الأفراد، وتتألف من القوات البرية، ومشاة البحرية، والقوات البحرية، والقوات الجوية، والقوات الفضائية، وخفر السواحل.
  • يعتبر رئيس الولايات المتحدة هو القائد الأعلى للقوات المسلحة وهو من يقوم بصياغة السياسة العسكرية بالتعاون مع وزارة الدفاع (DOD) ووزارة الأمن الداخلي (DHS)، وكلاهما يعتبر من الوزارات التنفيذية الفيدرالية للولايات المتحدة، ويعملان كأجهزة رئيسية يتم من خلالهما تنفيذ السياسة العسكرية.
  • بلغت الميزانية العسكرية للولايات المتحدة 693 مليار دولار في عام 2019، وهي الأعلى في العالم، حيث شكل هذا الرقم ما يعادل 36% من الإنفاق العسكري في العالم في عام 2018، كما  تمتلك القوات المسلحة الأمريكية قدرات كبيرة في مجالي الدفاع وفرض القوة نظرًا لميزانيتها الكبيرة، ما أدى إلى تقنيات متقدمة وقوية تتيح لها نشر القوة على نطاق واسع في جميع أنحاء العالم.

الجانب العلمي 

  • احتلت الولايات المتحدة الأميركية مركزًا أولًا منذ أواخر القرن 19، حيث حصل 353 أمريكي على جائزة نوبل من مختلف المجالات، و317 جائزة في المجالات العلميّة والطبيّة. في عام 1876، منح ألكسندر غراهام بيل أول براءة اختراع للهاتف. كما اخترع توماس إديسون الفونوغراف وأول مصباح كهربائي طويل الأمد وأول كاميرا فيديو عملية. ويعتبر نيكولا تسلا رائداً في التيار المتناوب و محرك التيار المتناوب والراديو. في أوائل القرن العشرين، طورت شركات السيارات مثل Ransom E. Olds و Henry Ford خط التجميع. وفي عام 1903م، قامت شركة الأخوان رايت بالقيام بأول رحلة طيران أثقل من الهواء.
  • تعتبر وكالة ناسا الفضائية التابعة للولايات المتحدة الأميركية إحدى أقوى الشواهد على التطور العلمي والتكنولوجي الذي تميزت به الولايات المتحدة الأميركية، على أن التنافس في وقت لاحق بينها وبين العديد من الدول أهمها روسيا والصين لاعتبارات سياسية واقتصادية عديدة أدى لاهتزاز العرش الأميركي قليلًا في الآونة الأخيرة، ويعتبر إطلاق بعض الرحلات الفضائية غير التابعة لوكالة ناسا شاهدًا على هذا. كل ما سبق يجعل الولايات المتحدة الأميركية واحدة من أقوى الدول علميًا في العالم.

في تاريخها وامتثالًا للحرية وتمثالها في نيويورك و باعتبارها متفوقة بكل ما ذكرناه آنفًا، نادت الولايات المتحدة الأميركية بالديمقراطية وخاضت في سبيلها العديد من الحروب الدموية وعلى مر سنوات عديدة، على أن اللافت في الأمر أن العالم أصبح أكثر افتقارًا إليها!!

  حققت المقاومة الفلسطينية من داخل القطاع "المحاصر" أكبر هزيمة بحق الصهاينة باعتراف الصهاينة أنفسهم في معركة طوفان الأقصى

أقوى دولة في العالم..موازين أخرى

في مقدمة المقال استشهدت برواية عن الدكتور محمد مهاتير رئيس وزراء ماليزيا سابقًا والذي حولها من دولة مستهلكة إلى دولة منتجة بل ومن أقوى الدول اقتصاديًا في العالم، ما أريد قوله أن القوة الحقيقة هي صنع النجاح من العدم، والقدرة على البناء داخل الدولة بما يتناسب مع احتياجاتها في ظل وجود فوضى يجب احتوائها وجهل يجب محوه وتعليم يجب إصلاحه.

في عام 1945م و بقرار تنفيذي مباشر من الرئيس الأمريكي هاري ترومان تم إلقاء قنبلة ذرية على هيروشيما وناكازاكي في اليابان، قنبلة أنهت أي مظهر من مظاهر الحياة بل وكل ما "يهدد" بوجود حياة، عام 1973م حقق الاقتصاد الياباني نمو خارقًا بمعدل 9% سنويًا، عام 2024 تعتبر اليابان أول منتج للحديد والصلب في العالم وثالث قوة في تكرير البترول، و أول منتج للسيارات وتساهم بـ 40 بالمئة من الإنتاج العالمي للسفن، وتعتبر ثالث قوة تجارية في العالم كما يسجل الميزان التجاري الياباني ربحًا سنويًا من خلال تصدير المواد المصنعة ووضع قيود جمركية على المواد المصنعة الأجنبية. 

وفي بقعة أخرى؛ عام 2007م، فرضت قوات الاحتلال الصهيونية حصارًا خانقًا على قطاع غزة، حصارًا على حركة الأفراد والبضائع وكل ما يمكن أن يهدد أمنها الواهي، عام 2008م تمت صناعة وتطوير أسلحة عديدة محلية الصنع داخل القطاع منها "الياسين 105" وتم استخدامها في الحرب الأولى ضد الصهاينة على غزة، عام 2021م دوت صفارات الإنذار في تل أبيب بعد رشقات صاروخية محلية الصنع" داخل القطاع" عليها، وفي 7 أكتوبر 2023 حققت المقاومة الفلسطينية من داخل القطاع "المحاصر" أكبر هزيمة بحق الصهاينة باعتراف الصهاينة أنفسهم في معركة طوفان الأقصى عبر نظام علمي متقن في تطوير وتصنيع أسلحة عالية الجودة، ومن إمكانيات بسيطة جدًا ووفق نظام أمني عسكري محكم.

 

ما هي القوة؟ 

قد يختلط الأمر علينا قليلًا، فإن كان معنى القوة هو القدرة العسكرية المتنفذة للسيطرة على هيكلة العالم وإعادة تشكيله وفقًا لمصلحة الدولة المعنية بهذه القوة، فهذا المعنى يتطلب منا الوقوف عليه قليلًا؛ ذلك أن هذه تسمى قوة استيطانية أو استعمارية، قوة تم الاستحواذ عليها حتى ولو كان الأمر تحت تهديد السلاح وليس باستخدامه المباشر.

وإن كان معنى القوة هو القدرة على النمو في تربة مالحة مع توفر كل سبل الموت فهذا المعنى يتطلب منا كذلك الوقوف عليه قليلًا؛ ذلك أن هذه القوة تنبع من الداخل، قوة لا تفنى حتى لو فني كل ما حولها، هي قوة ستصنع لها نفقًا مضيئًا تكسر به حصار الظروف المهلكة، والاختيار بين المعنيين مطروح.