10-مارس-2018

عدل الدستور الصيني بما يسمح للرئيس الصيني الحالي البقاء في السلطة مدى الحياة (آلي سونج/رويترز)

 يعتقد كثير من المحللين أن الرئيس الصيني، شي جين بينغ، أصبح بالفعل أحد أقوى القادة في تاريخ بلاده، وربما في تاريخ العالم، ليس فقط لحجم القدرات الاقتصادية والبشرية والعسكرية الضخمة التي تتمتع بها الصين، وإنما أيضًا لاستحواذه دستوريًا على كافة السلطات السياسية، ما يجعله سلطة مطلقة تحت إمرتها بلدًا هائل القوة.

أجرى الحزب الشيوعي الصيني مُؤخرًا تعديلًا دستوريًا للنص الذي كان يحد الرئاسة بفترتين، ليصبح شي جين بينغ رئيسًا مدى الحياة

ومن المعلوم أن الحزب الشيوعي يستولي على الحكم في البلاد كقوة سياسية وحيدة، منذ قيام جمهورية الصين الشعبية سنة 1949، ورغم ذلك فقد ظلت سلطات الرئيس الصيني مقيدة على الأقل من الناحية الزمنية، إذ إن الدستور الصيني ينص في إحدى مواده على أن "الرئيس الصيني ونائبه الرئيسي لن يخدم أكثر من فترتين متتاليتين"، لكن الحزب الشيوعي الصيني عمد مؤخرًا إلى تغيير دستور البلاد من أجل السماح لشي جين بينغ بالبقاء في السلطة لعقود طويلة، حيث كان من المقرر أن يرحل في عام 2023، إلا أن التعديل الدستوري الأخير سيلغي الحدود الزمنية للرئاسة، ليصبح شي جين بينغ أشبه بإمبراطور صيني قديم يملك بلدًا بترسانة حديثة.

اقرأ/ي أيضًا: "الحل الصيني" يزاحم أمريكا ببطء على قيادة العالم

هذا ما سيمهد الطريق أمام "شي" كي يقود البلاد حسب رؤيته القومية الخاصة ووفق طموحاته وتطلعاته الشخصية، بعد أن صار النواة المحركة للنظام الحاكم في الصين، وهو ما يعني أن قدرات الصين العظيمة على مستوى الاقتصاد والقوة العسكرية والبشرية باتت تحت تصرف رجل واحد، دون أي رادع تقريبًا، فليس ثمة فصل بين السلطات في الصين، الأمر الذي يثير مخاوف حقوقية.

"بالتأكيد سيستمر شي جين بينغ في حكم الصين، الآن يمكنه أن يفعل ما يريد"، يقول تشانج مينغ، وهو مؤرخ سابق في جامعة رنمين في بكين، لصحيفة نيويورك تايمز. فيما تذكر مجلة نيويوركر أن "شي جين بينغ لديه هذا النوع من الرئاسة الذي يتمناه دونالد ترامب، لكن توطيد شي للسلطة هو أكثر تاريخية من ذلك"، مشبهة الأخير بـ"ماو تسي تونغ الجديد" للصين.

هنا تكمن أهمية التعرف على رؤية شي الخاصة، ما دام تحت تصرفه بلدًا هائل القوة بحجم الصين، ومن ثمة يستطيع ترجمة تطلعاته وأفكاره بسهولة إلى واقع مؤثر في بلاده بل في العالم بأكمله، بطريقة لا يحلم بها أي رئيس من الدول العظمى، الذي قد يواجه معارضة سياسية وإعلامية أو منازعة من قبل السلط الأخرى.

وربما لحسن حظ العالم، أن الرئيس الصيني شي جين بينغ، لا يبدو شخصًا عصابيًا، لكن بالتأكيد "لن تتحول الصين في عهده إلى ديمقراطية ليبرالية على النمط الغربي، ولن يكون هناك أمل في التقارب"، يقول فرانسوا غودمان، مدير برنامج "الصين آسيا" في المجلس الأوروبي، لصحيفة واشنطن بوست.

يجمع شي بين يديه سلطات تجعل منه أقوى سلطة في العالم تقريبًا
يجمع شي بين يديه سلطات تجعل منه أقوى سلطة في العالم تقريبًا

من خلال خطاباته الافتتاحية، يردد شي مرارًا أن الصين "ستغدو قوة عالمية عظمى"، ويظهر أن هذا ما يطمح إليه. وللوصول إلى هذا الهدف، تُوظف الصين السوق كسبيل لتوسيع النفوذ الاقتصادي الصيني في كل أرجاء العالم، حيث باتت قوة اقتصادية تزاحم الولايات المتحدة الأمريكية. وتستمر الاستثمارات الصينية في التغلغل بالأسواق العالمية، بآسيا وأوروبا وحتى إفريقيا، فضلًا عن الولايات المتحدة طبعًا.

ولا يخفي شي رغبته في إصلاح الشركات المملوكة للدولة، إلا أنه لا يعتزم خصخصتها، رغم خطته لجعل الصين في درب اقتصاد السوق الحر التقليدي. "إنه ملتزم بقوة بالنظام الهجين الصيني المميز في الاقتصاد، والنظام الذي يقوده الحزب في السياسة" يقول جوليان جيويرتز، محاضر السياسة الصينية بجامعة هارفرد، في حديثه إلى فوكس.

وعلى جانب آخر، تزداد قدرات الجيش الصيني تضخمًا عامًا بعد عام، وقد أصبح تأثير الصين المتنامي على المسرح العالمي، يثير الهلع لدى جيرانها من البلدان الآسيوية، خاصة بعد أن سيطرت بكين على بحر الصين الجنوبي، الذي كان سابقًا متنازعًا عليه.

لكن سياسة الرئيس الصيني الماضية في تقوية الجيش، لا تعني أن لدى الصين رغبة في توجيهها إلى الخارج، إذ يصر "شي" على أن الصين لا تتطلع إلى خوض معارك أو حروب خارجية، لكنها ستدافع عن مصالحها الوطنية، موضحًا أن بلده لا يحاول تقليد أو استبدال القوى الغربية، وإنما "يحفر دربًا جديدًا" لتتبعه الدول النامية.

وإذا كان الرئيس الصيني، الذي بات يملك سلطة شبه مطلقة في بلد هائل القدرات، ليست لديه أي نزعة تدميرية أو عدائية نحو الخارج، كما يقول، فإنه سيواصل اتخاذ الإجراءات الصارمة ضد أي علامة على المعارضة. ففي ظل حكمه، فرضت السلطات الصينية قيودًا على قدرة المواطنين على انتقاد الحكومة، وضرب المنظمات غير الحكومية بقوانين تعسفية، بالإضافة إلى فرض الرقابة على الإنترنت.

في ظل حكم شي عرفت الصين مزيدًا من القيود على حرية الرأي والتعبير، ورقابة مشددة على محتوى الإنترنت

وبخصوص الرقابة على الإنترنت، فمباشرة بعد التعديل الذي أمّد شي بدستورية الحكم مدى الحياة، أصدرت السلطات الصينية قرارات بحظر روايات الكاتب البريطاني جورج أورويل، وكذا حظر الشخصية الكارتونية "ويني الدبدوب" وحظر الحرف الإنجليزي "N"!

 

اقرأ/ي أيضًا:

ما سبب الحظر الجديد على روايات جورج أورويل في الصين؟

فهم الاستراتيجية الصينية عن طريق ثقافتها