26-مايو-2019

من المحتمل أن الباخرة كانت تحمل أسلحة تستخدمها السعودية في اليمن (رويترز)

"لا نريد أن نكون شركاء في المذبحة"، هكذا احتجت نقابة مهنيي مرفأ جنوة الإيطالية على تحميل باخرة النقل "بحري ينبوع"، التابعة للشركة السعودية بحري، بشحنة مولدات كهربائية. في إشارة إلى احتمال أن الرياض ستستعمل هذه المولدات على خطوط الاقتتال في اليمن.

بلافتة وحيدة "لا للحرب" جسد عمال مرفأ جنوة رفضهم لتحميل الباخرة السعودية "بحري ينبوع". بعلَّة كون الباخرة تحمل شحنة من الأسلحة، متوجهة إلى ساحة القتال باليمن

في الوقت ذاته، نشرت المنظمة الصحفية الدولية Disclose قبل شهر تحقيقات صحفية ترصد مسارات نقل السلاح بين أوروبا والممكلة العربية، وصولًا إلى اليمن.عبر معلومات استخباراتية سرية وصور أقمار اصطناعية، أكدت التحقيقات السابقة ضلوع شركة بحري في عملية النقل هذه، كما رسمت لها مسارًا يمر بميناء جنوة. هذا ما يرجح الفرضية التي انطلق بفعلها احتجاج النقابة المهنية.

اقرأ/ي أيضًا: منظمة فرنسية تنشر تسريبات استخبارية عن سلاح باريس في حرب اليمن

عمال إيطاليا ضد الحرب في اليمن

بلافتة وحيدة "لا للحرب" جسد عمال مرفأ جنوة رفضهم لتحميل الباخرة السعودية "بحري ينبوع". بعلَّة كون الباخرة تحمل شحنة من الأسلحة، متوجهة إلى ساحة القتال باليمن، معلنين على لسان قادة النقابة "أن العمال لا يرغبون في أن يكونوا مشاركين في الجريمة!".

الشحنة التي رفض العمال تحميلها تحوي مولِّدين للكهرباء، وبالرغم من أن أوراق خروج الحمولة تشير لكونها ستستغل في أغراض مدنية، إلا أن النقابة لا تثق بصدق سلطات السعودية، كما لا تتوفر على ضمانات تثبت مزاعم الرياض في شأنها. هكذا تم رفض تحميل الباخرة، يقول مسؤول في الميناء المذكور نقلًا عن صحيفة Independent البريطانية، وتم تحميل كل الحمولات التي كانت معدة للشحن، وتركت الحمولة السعودية وحدها على رصيف المرفأ.

كما تؤكد تقارير وكالات الأنباء، على أن السفينة المذكورة انطلقت من ميناء أنتويرب البلجيكي مطلع شهر أيار/مايو الحالي، محملة بدفعة أسلحة بلجيكية، معرجة على ميناء لوهافر الفرنسي لتقلَّ حمولة أخرى من الأسلحة الفرنسية، قبل أن تمر بالميناء الإيطالي في طريقها إلى جدة.

خط الرحلة المعتمة

في وقت لاحق نشرت منظمة Disclose الصحفية الدولية، تحقيقًا عن المسارات الغامضة للسلاح الفرنسي نحو اليمن، اعتمادًا على التقارير العسكرية السرية المسربة، والتي كانت موجهة أساسًا إلى رئاسة الجمهورية الفرنسية. بالمقابل تنفي قيادات الإيليزي معرفتها بمصير الأسلحة "Made in France"، مخلية مسؤوليتها الإنسانية والقانونية، لتنتصر لمصالحها الاقتصادية، في وجه مأساة الشعوب.

هكذا تم رصد مغادرة ما لا يقل عن 129 قطعة سلاح من مصانع Nexter في صفقة تظل سارية حتى 2023. حيث تتبعت منظمة Disclose، اعتمادًا على الوثائق العسكرية السرية المسربة، وكذلك تحليل صور الأقمار الاصطناعية وصور كاميرات المراقبة بميناء جدة، المسار السري الذي تقطعه هذه الأسلحة.

تنطلق القطع عبر البر، من مدينة روان الفرنسية متجهة نحو لوهافر على الساحل الغربي، قاطعة ما يقارب 590 كيلومتر، وصولًا إلى الميناء، تحمل الشحنة في بواخر موسومة بإسم "بحري جازان"، تابعة لشركة الملاحة السعودية "بحري". في الـ 24 من أيلول/سبتمبر من السنة الماضية، انطلقت الرحلة البحرية من الميناء الفرنسي، بعدها بعشر أيام رصد وصول ذات البواخر لميناء جدة، وتنزيلها لحمولته. مرورًا بسانتاندير الإسبانية، تقف باخرة بحري جازان لتحميل 400 قنبلة ذكية، مرورًا بجنوة الإيطالية كما تثبت ذلك تحقيقات المنظمة الصحفية.

تتضمن الشحنة مدفع Cesar الشهير، والذي يعد أحد أيقونات صناعة التسليح الفرنسي، بمدى طويل يصل أهدافًا على بعد 42 كيلو متر، وحركة سلسة إذ يحمل على شاحنات خاصة معدة لعبور كل تضاريس الأرض الوعرة، وسرعة رشق بستة طلقات في الدقيقة، ما يجعله أحد الأسلحة الأكثر فتكًا في أرض كاليمن وبيد جيش كالسعودية.

على الحدود الشمالية الغربية تتمركز 48 قطعة من هذا النوع، تقول الوثائق الاستخباراتية الفرنسية، محددة هدف عملياته في: "دعم قوات الشرعية والقوات السعودية في تقدمها على الأرض". بشكل أوضح تتلخص في دك كل المعيقات، كشح الطريق أمام تقدم قوات التحالف السعودي. كما يوضح نص التسريبات أيضًا "أن الساكنة المستهدفة بضربات هذا السلاح: 437 ألف شخص".

ملابسات صفقة السلاح السرية

ARTIS أو الصفقة التي لا تلفظ إلا همسًا وسط دوائر القرار الفرنسية، وأروقة شركة Nexter لصناعة الأسلحة. خمسة أحرف مرعبة، تشير إلى أحد أكثر أسرار الدولة الفرنسية إثارة في الأيام الأخيرة. عقد التصدير هذا، والذي يعود توقيعه لكانون الأول/ديسمبر 2018، يضع الدولة الفرنسية مجددًا أمام تناقضها الصارخ؛ من جهة تنفي إجراء هذه الصفقات، ومن جهة أخرى تبين الوثائق السرية نهمها للتوقيع.

اقرأ/ي أيضًا: ماكرون في القاهرة.. حقوق الإنسان غائبة أمام صفقات التسليح

قبل توقيع هذه الصفقة بشهرين، يوم 30 تشرين الأول/أكتوبر 2018، في مقابلة لها على قناة BFM TV، تصرح وزيرة الدفاع الفرنسية فلورانس بارلي: "ليس لنا أي مفاوضات جارية مع السعودية فيما يخص صفقات السلاح". في هذا التاريخ بالضبط، كانت وزارة بارلي تناقش آخر لمسات صفقة ARTIS، والتي يمتد سريانها إلى غاية 2023. بينما تقول توصيات إدارة كل من الشركة المصنعة Nexter والسلطات الفرنسية بمنع تسريب أي معلومة عن الصفقة، وبالتأكيد التعتيم على اسم البلد الزبون، لأي وسيلة إعلام خارجية كانت أو داخلية، كما تقول وثائق اجتماعات سرية توصلت بها منظمة Disclose.

توصلت ذات المنظمة أيضًا بوثيقة سرية أخرى، معنونة بـ"جدول التسليم". تبين عدد القطع العسكرية، وتواريخ التسليم الملتزم بها من طرف المصنع المذكور وزبونه المملكة العربية.

  

"نجاح صفقة ARTIS معطى حساس من الناحية السياسية" يصرح مصدر مسؤول في شركة Nexter، لـ Disclose. كما يصرح لذات المصدر نائب برلماني عن الحزب الحاكم، قائلًا إن تقارير تجارة السلاح الفرنسية المناقشة في البرلمان، لا تحدد نوعية السلاح، ولا الكمية المنتجة". وفي حين تلتزم دول أخرى، ألمانيا على سبيل المثال، بإلغاء كل صفقاتها مع السعودية، تبقى فرنسا توقع صفقات جديدة في الخفاء مع المملكة المتهمة دوليًا بجرائم الحرب في اليمن.

ARTIS أو الصفقة التي لا تلفظ إلا همسًا وسط دوائر القرار الفرنسية، وأروقة شركة Nexter لصناعة الأسلحة. خمسة أحرف مرعبة، تشير إلى أحد أكثر أسرار الدولة الفرنسية إثارة في الأيام الأخيرة

قبل توقيع صفقة ARTIS، لم تكن Nexter لتجري أي عملية تسليم دون حصولها على تصريحات من الإدارة العامة للجيش الفرنسي DGA، هذه التصريحات التي من الضروري أن تأخذ بعين الاعتبار الحالة الداخلية للطرف الآخر من الصفقة، ومدى احترامه لحقوق الإنسان ارتباطًا بمعاهدة TTA. كما يعود التوقيع الأخير لرئيس الوزراء الفرنسي، والذي دونه لا يتم تسليم أي قطعة. وهو الشيء الذي يثبت بجلاء التعتيم الممنهج الذي تتعامل به فرنسا مع صفقات التسليح السعودية، ومشاركتها مع سبق إصرار وترصد في تذبيح المدنيين باليمن.

 

اقرأ/ي أيضًا:

 شراء الوهم.. السعودية تتصدر قائمة مستوردي السلاح في العالم