25-ديسمبر-2023
المفكّر العربي عزمي بشارة

المفكر العربي عزمي بشارة (يوتيوب)

أجرى "التلفزيون العربي"، مساء أمس الأحد، مقابلة جديدة مع المفكر العربي عزمي بشارة تحدّث خلالها عن العديد من المواضيع المرتبطة بالعدوان الإسرائيلي  على قطاع غزة، الذي دخل يومه الـ80.

وتطرّق مدير عام "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" خلال المقابلة إلى قرار مجلس الأمن الأخير أو ما تبقى منه بعد التعديلات الأمريكية، واحتمالات وقف إطلاق النار، وملامح مستقبل غزة، والوضع الميداني، وغيره. كما قدّم تحليلًا استشرافيًا لمرحلة ما بعد انتهاء الحرب.

قرار مجلس الأمن لا يغيّر واقع الحياة في غزة

استهل بشارة حديثه بالتأكيد على عدم جدوى القرار الأخير الذي اعتمده مجلس الأمن الدولي لزيادة إدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، حيث رأى أنه لا يتضمن ما يُلزم "إسرائيل" لناحية إتاحة المجال لإدخال المساعدات الإنسانية إلى القطاع وتوزيعها على سكانه بشكل لائق.

أكد بشارة أن وقف معاناة الشعب الفلسطيني يجب أن يكون أساسًا لأي هدنة أو تسوية قريبة، وأن ما أصبح ضروريًا وملحًا هو وقف هذه المعاناة

وأشار إلى أن الولايات المتحدة فاوضت مطوّلًا لتغيير كل ما أرادت تغييره في القرار حتى لا تُحرج وتضطر إلى استخدام الفيتو، الذي يرى أنها لم تكن تريد استخدامه لأنها كانت تريد أن تظهر وكأنها متعاطفة ومتفهمة للوضع الإنساني في غزة، نتيجة النقد الداخلي والخارجي الذي تتعرّض له. لكنها، مع ذلك، امتنعت عن التصويت لأن القرار لا يتضمن إدانة "حركة حماس" وعملية السابع من تشرين الأول/أكتوبر الفائت.

وأوضح أن الولايات المتحدة لم تفاوض المجموعة العربية بأكملها على تعديل القرار، وإنما ما تبقى منها بعد انسحاب قسم كبير من الدول التي تخلّت عن القرار نتيجة إفراغه من مضمونه. وأعاد بقاء الدول التي واصلت مفاوضة الولايات المتحدة واستجابت لطلبها بتعديل القرار، إلى أسباب مرتبطة بعلاقتها بها، وهي الأسباب التي يرى أنها تعيق أي فعل تضامني حقيقي مع قطاع غزة.

ووصف بشارة القرار بأنه "حركة بلا بركة" كونه لا يتضمن ما يُغيّر واقع الحياة على الأرض في قطاع غزة. وقال إن المؤشر الأفضل والأدق لحال هذا القرار هو انتقاده من قِبل الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، الذي أكد أن المشكلة لا تكمن في إدخال المساعدات وإنما في إطلاق النار الذي لا يمكن فعل أي شيء في ظل استمراره، بما في ذلك تقديم المساعدات نفسها.

هدف "إسرائيل" جعل غزة غير قابلة للحياة

وبشأن أهداف "إسرائيل" من حربها على القطاع، والحديث عن الانتقال إلى مرحلة جديدة من الحرب، قال بشارة إنه لا يوجد أهداف استُكمِلت على صعيد الأهداف المعلنة والمتمثِّلة في القضاء على المقاومة الفلسطينية. بل، وعلى العكس تمامًا، يرى أن "إسرائيل" أعطت المقاومة فرصة أن تظهر أكثر وتُقاوم أكثر، مشيرًا إلى أن قوّتها تظهر وتتجلى بشكل كبير في المناطق التي يُكمل الجيش الإسرائيلي احتلالها، فما أن تتمركز قواته في منطقة ما حتى تبدأ هجمات المقاومة، ويبدأ دفع الثمن الحقيقي للحرب.

وفي هذا السياق، جدَّد مؤلف "أن تكون عربيًا في أيامنا" تأكيده على أن تدمير قطاع غزة وجعله مكانًا غير صالح للعيش، هو أحد الأهداف غير المعلنة للحرب، لكن "صغار" المسؤولين الإسرائيليين يُعبِّرون عنه بصورة مستمرة.

واعتبر أن استهداف الأماكن المأهولة والدمار الهائل الذي لحق بالقطاع، ليس أضرارًا جانبية وإنما هدفًا رئيسيًا لأن ما تريده "إسرائيل"، كما يوضح، هو معاقبة الشعب الفلسطيني و"شفاء غليل" المجتمع الإسرائيلي، واستعادة هيبة الردع، إضافةً إلى جعل غزة غير قابلة للحياة. ما قد يسبب، وفقًا للمخطط الإسرائيلي، هجرة تدريجية على المدى الطويل بسبب يأس الناس من إمكانية إصلاح ما دمّرته الحرب.

ولفت بشارة هنا إلى أنه من الممكن أن تتبع الحرب مرحلة انتقالية "خطيرة للغاية" قد يُصاب الناس خلالها باليأس بشكل يدفعهم إلى الهجرة، سيما أن عملية إعادة الإعمار وتكلفتها مختلفة تمامًا عما كان الحال عليه في الحروب السابقة.

وأعاد المفكر العربي وجود أغلبية إسرائيلية مؤيدة للحرب على قطاع غزة حتى الآن، إلى عدة عوامل منها تعبئة الناس عبر الإعلام والخطاب السياسي وحتى مناهج التدريس، واستخدام لغة عنصرية تُصوّر الفلسطيني والعربي بأنه "دوني منحط" بشكل يؤدي إلى نوع من الحقد عليهم.

وصف بشارة قرار مجلس الأمن الأخير بأنه "حركة بلا بركة" كونه لا يتضمن ما يُغيّر واقع الحياة على الأرض في قطاع غزة

ورأى أن المرحلة القادمة من الحرب ليست مجرد خيار لقيادة جيش الاحتلال، بل ضرورة بعد أن أدى القصف الشامل أغراضهم المتمثّلة في تدمير وتخريب قطاع غزة لدرجة أنه لم يعد هناك أهداف حقيقية يمكن قصفها.

ولذلك، وكما يوضح بشارة، كان لا بد من الانتقال إلى المرحلة الثالثة التي قال إنهم يسمّونها زورًا وبهتانًا "عمليات جراحية" وكأنها تستأصل الورم، وهذا "كلام فارغ" بحسب تعبيره، سيما أن ذلك يتطلّب برأيه السيطرة على وسط قطاع غزة لفصل الشمال عن الجنوب، وربما حتى إنشاء غلاف عسكري يطوِّق القطاع ويكون قادرًا على القيام بمثل هذه العمليات. وجميع ما سبق "مجرد خطط على الورق" في ظل وجود المقاومة، التي لفت إلى أن جميع المراكز التي يسعى الاحتلال إلى التمركز فيها داخل قطاع غزة، ستكون أهدافًا لها.

وأشار بشارة في حديثه إلى وجود أصوات معارضة للحرب في المجتمع الإسرائيلي، خاصةً أهالي المحتجزين لدى "حماس"، الذين يُطالبون بوقف إطلاق النار وعقد صفقة تبادل شاملة. كما شدَّد على عدم صحة الاستخفاف بقدرات جيش الاحتلال، فعلى الرغم من أن ما حدث ويحدث أثبت أنه يمكن إلحاق الأذى به، لكن من الضروري أيضًا إدراك أنه جيش يمتلك خلفية اجتماعية قوية وتسليح جيد.

أما بالنسبة للاقتصاد، فرأى أن "إسرائيل" لا يمكن أن تحتفظ بـ300 ألف جندي من الاحتياط في وضعهم الحالي، خصوصًا في ظل وجود مجالات اقتصادية لا يمكن أن تنتظر، ناهيك عن الخوف من هرب المستثمرين الذين جذبت الكثير منهم بعد اتفاق أوسلو إلى جانب شيوع وهم عالمي بأن "إسرائيل" مستقرة، وهو وهم ساهم العرب في تكوينه وفق بشارة.  

استعادة التوازن عبر إشباع غريزة الانتقام

وتعليقًا على سلوك جيش الاحتلال بحق الفلسطينيين في قطاع غزة، سيما المعتقلين، وما ارتُكب في المستشفيات والإعدامات على الحواجز؛ أعاد بشارة جزءًا من هذا السلوك إلى التعبئة بالحقد والكراهية ضد الآخر إلى الحد الذي يجعل منهم "ساديين ووحوش".

وشدّد هنا على أنه، في بعض الحالات، فإن الإنسان حين يتمكّن ويُقال له إنه متفوق على الطرف الثاني، يفقد إنسانيته ويتحول إلى آلة قتل. ولفت في هذا السياق إلى أن الإسرائيليين يحاولون استعادة التوازن الذي فُقد بعد عملية 7 أكتوبر، عبر إشباع غريزة الانتقام التي أكد أن "الدولة" أتاحت بل وشجّعت على ذلك.

وحول استغلال "إسرائيل" الحرب للانتقام من الأسرى الفلسطينيين، قال بشارة إن الأسرى حققوا بعد منتصف السبعينيات إنجازات حقيقية على مستوى وجود تمثيل لهم داخل السجون، واستطاعوا كذلك كسب تعاطف دولي بعد إضرابات معينة عن الطعام. مع ذلك، كان هناك في "إسرائيل" من يريد مراجعة ما سبق والانتقام من إنجازات الأسرى ونضالهم.

وأكد بشارة أن بدائية "إسرائيل"، التي تتحدث عن الحضارة والمدنية الغربية، ظهرت في تعاملها مع الأسرى مقارنةً بمعاملة "حماس" للمحتجزين لديها. ولفت كذلك إلى أن إذلال الناس في السجون لا يجعل منهم "أذلاء" بل متمردين لديهم رغبة بالانتقام والثأر، مؤكدًا أن من يقوم بإذلال الآخرين دون سبب لديه عُقد نص.

وجدّد بشارة قوله إن المقاومة ترفض الهدن المؤقتة طالما أن "إسرائيل" ستعود بعدها لقصف القطاع، وأنها تصر على وقف إطلاق النار الذي ترفضه "إسرائيل"، التي يرى المفكر العربي أنها تريد أن تظهر وكأنها مهتمة بمسألة المحتجزين والتوصل إلى اتفاق بشأنهم، نتيجة الضغوط الداخلية والخارجية التي تتعرض لها، ولكن ليس بثمن التنازل عن القضايا الرئيسية، مؤكدًا في هذا السياق أن نفي المقاومة وجود مفاوضات حول هذه المسألة، يفشل مساعي "إسرائيل".

قال بشارة إن ما تريده "إسرائيل" هو معاقبة الشعب الفلسطيني، و"شفاء غليل" المجتمع الإسرائيلي، واستعادة هيبة الردع، وجعل غزة غير قابلة للحياة

واعتبر بشارة أن سماح "إسرائيل" بظهور أسيرات سابقات لدى "حماس"، وحديثهن عن معاملة عناصرها معهن، غايته تهدئة عوائل الأسرى، بمعنى تمرير رسالة غير رسمية لهم عبر المحتجزات السابقات بأن الاعتقال عند "حماس" ليس جحيمًا، وبأنهم يُعاملون هناك بشكل جيد.

وبشأن المبادرات السياسية، ميّز مؤلف "مسألة الدولة" بين المشروع الوطني الفلسطيني الذي يجب أن تتفق عليه الفصائل الفلسطينية، وبين مشروع "الدولتين" الذي يتحدث عنه الأمريكيون والأوروبيون، والذي يرى أنه أُفرغ من مضمونه، وأنه إن كان يُطرح كمشروع حقًا، فيجب أن يكون ملزمًا لـ"إسرائيل"، محذرًا من تكرار سيناريو أوسلو الذي قاد إلى مفاوضات بلا نهاية.

وقف المعاناة أصبح ملحًا وضروريًا

وأكد بشارة أن الثمن الذي دفعه الشعب الفلسطيني هو أساس النضال العالمي، وأن وقف معاناته يجب أن يكون أساسًا لأي هدنة أو تسوية قريبة، مشدّدًا على أن ما أصبح ملحًا وضروريًا هو وقف هذه المعاناة.

أما بالنسبة إلى الموقف العربي، فقد لفت بشارة إلى أنه على الدول العربية ألا تتنازل عن مبادرة السلام التي قدّمتها، والتي يرى أنها تنازل دون مقابل لـ"إسرائيل"، وأن أي تنازل عنها سيكون عبارة عن تطبيع مجاني، مشيرًا كذلك إلى ضرورة ألا يفرض العرب شيئًا على الفلسطينيين، خاصةً فيما يتعلق بالمخططات الأمريكية حول مرحلة ما بعد "القضاء على المقاومة".

ورأى بشارة أن التحول في تغطية الإعلام الغربي لما يحدث في غزة ليس "صحوة أخلاقية"، ولا يغفر له تكراره للأكاذيب الإسرائيلية في بداية الحرب، مؤكدًا أن ما يقوله اليوم بخصوص زيف البروباغندا الإسرائيلية: "قلناه منذ اليوم الأول". واختتم حديثه بالتأكيد على ضرورة البناء على حركة التضامن العالمية مع فلسطين مستقبًلا.