04-ديسمبر-2023
المفكر العربي عزمي بشارة

المفكر العربي عزمي بشارة (يوتيوب)

أجرى "التلفزيون العربي"، مساء أمس الأحد، مقابلة مع المفكّر العربي عزمي بشارة تحدّث خلالها عن مواضيع عدة مرتبطة بتطوّرات الحرب ومساراتها وأفقها وتصاعد حدّة خطاب التهجير بعد انتهاء الهدنة الإنسانية المؤقتة.

وناقش بشارة موقف الدول العربية تجاه الحرب على غزة، إضافةً إلى موقف الولايات المتحدة والدول الأوروبية والسلطة الفلسطينية. وقدّم، في الوقت نفسه، تحليلًا استشرافيًا لجوانب عديدة لهذه الحرب، سيما لناحية سيناريوهات التهجير وأداء المقاومة الفلسطينية.

الثابت لدى الإسرائيليين تدمير غزة

استهل بشارة حديثه بالتأكيد على أن الوحشية التي تعتمدها "إسرائيل" في قطاع غزة منذ انتهاء الهدنة، والتي اعتمدتها على مدار 46 يومًا قبل سريانها، متوقعة في ظل الاعتقاد الإسرائيلي بأن الضغط على "حركة حماس" هو ما يجعلها مستعدة للتفاوض، ولذا فإنه لا بد من زيادته.

جدَّد بشارة تأكيده على أن التهجير لا يزال قائمًا كخطة، مشدَّدًا على أنه قد لا يشكّل خطرًا وجوديًا على مصر، ولكنه خطر وجودي على فلسطين

وأكّد المفكّر العربي أن "إسرائيل" تريد استغلال مهلة الأسابيع التي تحدّث عنها وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، أسوأ استغلال من حيث استكمال القصف تمهيدًا لعمليات برية إضافية داخل قطاع غزة.

وأشار صاحب "مسألة الدولة" إلى أن الثابت لدى الإسرائيليين، حتى الآن، هو تدمير غزة والانتقام من الشعب الفلسطيني بطريقة تمكّنهم من تقليل عدد السكان وتهجيرهم، معتبرًا هنا أن حديث بلينكن عن حماية المدنيين لن يجعل دولة الاحتلال أكثر تساهلًا لأن الأمر مجرد "نصيحة" دون وجود ما يجعل من حديثه ملزمًا.

وجدَّد بشارة قوله إن أهداف "إسرائيل" من حربها على غزة تتمحور، أولًا، حول استعادة توازن المجتمع الإسرائيلي وهيبة الردع من خلال الانتقام. وثانيًا، القضاء على "حماس" بحيث لا تعود قوّة مسلحة قادرة على إدارة قطاع غزة، لافتًا في هذا السياق إلى اعتماد "إسرائيل" أسلوب الانتقام من المحيط الاجتماعي للناشطين والقياديين الذي يصل أحيانًا إلى حد هدم أحياء بأكملها، وهو أسلوب أكّد بشارة أنه "بدائي قبلي".

وتطرّق مدير عام "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" إلى الفوضى والتعثّر اللذان يواجهان الاحتلال في غزة إضافةً إلى ما يواجهونه من مقاومة، مجدّدًا هنا تأكيده على ضرورة أن تكون المقاومة مستعدة لأسوأ السيناريوهات، مشيرًا كذلك إلى نية "إسرائيل" اختراق مدينة خان يونس، جنوب القطاع بريًا.

ورأى بشارة في سياق حديثه عن المقاومة وقدراتها، أنها تحظى اليوم بشرعية تكاد تكون غير مسبوقة من الناحية المعنوية، سواء داخل فلسطين أو في العالم العربي. مؤكدًا هنا وجود تطوّر نوعي لناحية قدرات المقاومة التنظيمية ورصانة وجديّة قيادتها، ناهيك عن التخطيط الذي تعمل على أساسه، والذي يرى أنه مثير للإعجاب.

واعتبر بشارة أن ما فرض خيار الهدنة المؤقتة خلال الأيام السابقة هو ضغط أُسر المحتجزين في غزة إضافةً إلى رغبة الإسرائيليين بالتخلص من ملف المحتجزين المدنيين قبل مواصلة الحرب، التي أوضح أنهم كانوا في انتظار أول فرصة لمواصلتها حتى نهايتها. وقد شدًّد بشارة هنا على ضرورة وقف إطلاق النار وإيجاد صيغة حتى وإن كانت تفاوضية للتوصل إلى ذلك وإنهاء المجزرة.

أما بخصوص عملية تبادل الأسرى بين "إسرائيل" و"حماس"، فقد قال بشارة إنها أثبتت كذب "إسرائيل" وأظهرت التعامل الإنساني "المشرّف" من قِبل "حماس"، على العكس من ادعاءات بنيامين نتنياهو وزبانيته. مشيرًا إلى أن أهالي المحتجزين لا يخشون على ذويهم من "كتائب القسّام" وإنما من القصف الإسرائيلي.

ورغم أنه يرى بأن القوة الضاغطة لعائلات المحتجزين لدى "حركة حماس" تراجعت بعد إعادة النساء والأطفال، بيد أنه أكد على أنها لا تزال موجودة في صلب المجتمع الإسرائيلي وبإمكانها، إذا ما استمرت حركة التضامن الدولية والمقاومة، التأثير على مسار الحرب.

تهجير سكان غزة خطة قائمة

أما لناحية التهجير، فجدَّد بشارة تأكيده على أنه لا يزال قائمًا كخطة، مذكِّرًا بخطابات نتنياهو ومسؤولين إسرائيليين آخرين تمحورت حول ترك أهل غزة لأرضهم. وفي ظل الظروف الحالية، حيث شمال غزة معزول عن العالم، دون دواء وماء وغذاء وكهرباء، إضافةً إلى تكدّس الناس في الجنوب؛ يرى بشارة أن فتح معبر رفح سيجعل الناس يخرجون انطلاقًا من غريزة البقاء بالدرجة الأولى.

يرى بشارة أن فقدان الثقة فيما بين الدول العربية، وتنافسها على تحالف الولايات المتحدة، حال دون تحرك عربي فاعل تجاه الحرب على غزة

وأكّد المفكّر العربي أن مصر قادرة على إيقاف التهجير، مشدَّدًا هنا على أن التهجير قد لا يشكّل خطرًا وجوديًا على مصر، ولكنه خطر وجودي على فلسطين، معتبرًا أنه على مصر مواجهته من باب التضامن.

وقال بشارة إن كلام القادة العرب لم يتجاوز الاستنكار والإدانة، في حين أن المطلوب هو التحذير والإنذار، لافتًا إلى أن فقدان الثقة فيما بين الدول العربية، والتنافس على تحالف الولايات المتحدة، هو أحد أهم العوامل التي حالت دون تحرك عربي فاعل. وجدَّد هنا تأكيده على أن العرب قادرون على تحجيم "إسرائيل" إن اتخذوا خطوات فعلية. واعتبر أن المظاهرات في الشوارع الأوروبية أكثر تأثيرًا من القمم العربية، رغم أنها حالات مدنية.

وأشار مؤلف "الطائفة، الطائفية، الطوائف المتخيلة" إلى أن المتوقع على مستوى الشارع العربي كان أكثر مما حدث، مشدَّدًا على ضرورة وجود تحرك تضامني أكثر فاعلية.

وحول الخلافات بين المسؤولين الإسرائيليين، أكّد بشارة أنها لا تتعلق بكيفية التعامل مع غزة، بل بواقعهم السياسي وتنافسهم حول استثمار الحرب على مستوى مستقبلهم السياسي، ذلك أن الاعتقاد السائد في "إسرائيل"، وفق بشارة، هو أنه لا أحد يريد أن يكون الرجل الثاني في هذه المرحلة.

بايدن أصبح أسير دعم نتنياهو

أما بالنسبة للموقف الأمريكي والحديث عن وجود خلافات مع "إسرائيل"، فأكد بشارة أن الجانين لم يصلا بعد إلى درجة الاختلاف على الأهداف، وأن الاستياء الأمريكي من الوحشية الإسرائيلية غير مقترن بأي خطوات عملية، ما يجعل من كلامهم مجرد نصائح فقط. وأوضح بشارة أن جو بايدن أصبح أسير دعم نتنياهو، بمعنى أنه سيخسر بعض الأصوات إذا استمر بدعمه، وسيخسر إذا تراجع.

ورأى بشارة أن الأساس في أي تغيير في الموقف الأوروبي هو التأثير على موقف الولايات المتحدة، مؤكدًّا هنا أن فرنسا قادرة على لعب دور مهم لفرض وقف إطلاق النار، إذا أرادت أن تلعب دورًا إيجابيًا.

قال بشارة إن المقاومة تحظى بشرعية تكاد تكون غير مسبوقة من الناحية المعنوية سواء داخل فلسطين أو في العالم العربي

وأشاد بشارة بالحراك في بعض العواصم والدول الغربية تضامنًا مع فلسطين، واعتبر أنه من الضروري عدم التفريط بالحراك والتفكير بكيفية البناء عليه مستقبلًا. كما نوّه بمقاطعة داعمي "إسرائيل" بوصفها سلاحًا مهمًا معنويًا. ومع أنها لن تؤذي "إسرائيل" اقتصاديًا، لكنها قادرة على فعل ذلك سياسيًا ومعنويًا وفق بشارة، الذي أوضح أن جزءًا كبيرًا من الدلال الذي تحظى به مردّه إلى عدم تصويرها كدولة "أبارتايد" (فصل عنصري).

أما بشأن الدعوات لمحاكمة "إسرائيل"، فرأى بشارة أنها مهمة لكونها تضعها في فئة "مجرمي الحرب" رغم أن محاكمتها مستبعدة قبل أن تُهزم سياسيًا أو عسكريًا. ومع ذلك، شدَّد بشارة على أهمية فتح التحقيق والتعامل مع المسؤولين الإسرائيليين بوصفهم "مجرمي حرب".

واختتم المفكر العربي عزمي بشارة حديثه بالتأكيد على أن ما يحدث في الضفة الغربية غير كافٍ وغير مرضٍ، منتقدًا في هذا السياق سلوك السلطة الفلسطينية في متابعة الحرب الإسرائيلية على غزة، واستمرار التنسيق الأمني بينها وبين "إسرائيل" وإن بالحد الأدنى.