11-ديسمبر-2023
المفكّر العربي عزمي بشارة

المفكّر العربي عزمي بشارة (يوتيوب)

أجرى "التلفزيون العربي"، مساء أمس الأحد، مقابلة مع المفكّر العربي عزمي بشارة تحدّث وناقش خلالها جملة من القضايا والمواضيع المرتبطة بالعدوان الإسرائيلي الهمجي المتواصل على قطاع غزة منذ 66 يومًا.

ومن بين ما تحدّث عنه بشارة إفشال الولايات المتحدة الأمريكية مشروع قرار وقف إطلاق النار في قطاع غزة قبل عدة أيام، والمواقف العربية والغربية والأمريكية من الحرب المستمرة على القطاع، وأداء المقاومة الفلسطينية، ومعاناة الشعب الفلسطيني ومأساته. ناهيك عن تقديمه تحليلًا استشرافيًا لجوانب عديدة للحرب.

غزة كشفت عيوب مجلس الأمن

أعاد بشارة إفشال الولايات المتحدة الأمريكية صدور قرار عن مجلس الأمن الدولي يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار في قطاع غزة، إلى رغبتها في استمرار الحرب ومنح "إسرائيل" فرصة لتحقيق أهدافها من حربها على غزة، خاصةً القضاء على "حركة حماس"، وذلك رغم أن القرار يتضمن بنودًا قد لا تقبلها الحركة بسهولة، سيما البند المتعلّق بإطلاق سراح المحتجزين لديها دون شروط.

اعتبر بشارة أن تعطيل دولة واحدة من الدول دائمة العضوية إرادة البشرية والإنسانية عبر حق النقض أمر غير ديمقراطي وإنساني

وأكّد بشارة أن الولايات المتحدة أفشلت قرار وقف إطلاق النار رغم معرفتها بأن ما يحدث في قطاع غزة هو حرب إبادة تسعى "إسرائيل" من خلالها إلى جعل القطاع غير صالح للسكن والحياة، عبر تدمير جميع مقوماتها بهدف تهجير سكانه، مؤكدًا أن هذه خسارة أخلاقية غير مسبوقة منذ حرب العراق.

ورأى بشارة أن مسألة الدول دائمة العضوية التي تتمتع بحق النقض "الفيتو" هي مسألة "إرث استعماري"، سيما في ظل استثناء ثقافات وحضارات بأكملها مثل دول أمريكا اللاتينية والدول الإسلامية، مستهجنًا هنا قدرة دولة واحدة من الدول دائمة العضوية على تعطيل إرادة البشرية والإنسانية عبر إحباط صدور أي قرار عن مجلس الأمن، مؤكدًا أن ذلك غير ديمقراطي وإنساني، وأنه لا يمكن لمجلس الأمن الاستمرار بصيغته الحالية، مشيرًا هنا إلى أن غزة كشفت عيوبه، ومشدّدًا على ضرورة فتح معركة على بنيته مستقبلًا، وعلى أن القضية الفلسطينية امتحان للديمقراطية والإنسانية.  

وفي سياق حديثه عن الموقف الأوروبي والغربي من الحرب الإسرائيلية على غزة، استبعد مدير عام "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" وجود نيّة لدى بريطانيا للتمايز عن موقف الولايات المتحدة الأمريكية، رغم تأثير المظاهرات التضامنية التي تتصاعد في مدنها على موقفها.

واعتبر مؤلف "أن تكون عربيًا في أيامنا" أن الموقف الفرنسي، رغم تغيّره مؤخرًا إلى حد بعيد، ووجود محاولات للتمايز عن الموقف الأمريكي كما أوضح، إلا أنه لا يزال في مكانه، سيما لناحية القمع والتحريض على أي موقف داعم للشعب الفلسطيني في قطاع غزة. بيد أنه لفت إلى أنها، على الأقل، صوتت لصالح وقف إطلاق النار.

وأوضح أن التماهي الأمريكي الإسرائيلي يندرج ضمن إطار خطة الولايات المتحدة لإقامة محور إسرائيلي – عربي يتيح لها التفرغ لقضايا الشرق وآسيا، ناهيك عن صهيونية الرئيس جو بايدن، والفائض العاطفي الشعوري والأيديولوجي، وكذلك اللاعقلانية.

"إسرائيل" متفاجئة من أداء المقاومة

ونوّه بشارة خلال اللقاء بأداء المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، لافتًا إلى أن الخسائر المتزايدة في صفوف جيش الاحتلال تدل على أنها استعدت جيدًا لسيناريو الاجتياح البري للقطاع، مؤكدًا أيضًا أن "إسرائيل" لم تتفاجأ فقط من القدرات الهجومية لـ"كتائب القسام"، وإنما من قدراتها الدفاعية أيضًا.

وقال بشارة إن "إسرائيل" لا تزال متمسكة بهدفها المعلن من حربها على غزة، أي القضاء على "حماس". وأوضح، في هذا السياق، أن قصفها الهمجي غير المسبوق على القطاع مردُّه إلى ارتباك وعدم وضوح بشأن ماذا تريد ومن تقصف، لافتًا إلى أنها تتوسل الثأر والانتقام لإرضاء المجتمع الإسرائيلي واستعادة هيبة الجيش. معتبرًا هنا أن ما فاجأها في عملية 7 أكتوبر هو أن الفلسطينيين طبّقوا عقيدتهم ضدّها، أي عقيدة أنه يجب على حروب إسرائيل أن تكون صاعقة وقصيرة وعلى أراضي الآخرين أيضًا. وهو أمر أكد بشارة أن الإسرائيليين لم يتوقعوه بسبب الاستعلاء في النظرة إلى العرب والفلسطينيين.

أكّد بشارة أن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة كشفت عيوب مجلس الأمن الذي يرى أنه لا يمكنه الاستمرار بصيغته الحالية

ورأى أن إذلال جيش الاحتلال للفلسطينيين الذين اعتقلهم شمال قطاع غزة، عبر تعريتهم وتصويرهم، لم يكن مهينًا للمعتقلين وإنما للإسرائيليين أنفسهم. مؤكدًا أن هؤلاء عُوقبوا لأنهم بقوا في بيوتهم فقط. لافتًا إلى أن تعامل بعض وسائل الإعلام التقليدية في الغرب مع مشهد إذلالهم، قابله رفض في وسائل التواصل بيَّن أن ما حدث لم يكن مقبولًا بالنسبة للرأي العام، معتبرًا أن وسائل التواصل خلقت عالمًا جديدًا قد يساعد في تحرير الحقيقة.

الموقف العربي لا يزال موقف المتفرج

واستهل صاحب "الطائفة، الطائفية، الطوائف المتخيلة" حديثه عن الموقف العربي من الحرب على غزة بتأكيده على أنه لا توجد أي إرادة مشتركة كافية لاتخاذ أي خطوات جدية لناحية وقف الحرب. كما اعتبر أن بعض الدول العربية والإسلامية التي كان لها موقف مغاير من ذلك الذي تُظهره لشعوبها، بدأت تشعر مؤخرًا بأن ما تقوم به "إسرائيل" مغامرة غير محسوبة، وخطر حقيقي على استقرار المنطقة يجب وقفه.

ورأى أن خروج الشعوب إلى الشوارع يقنع الغرب بأن ما تقوم به "إسرائيل" يهدِّد استقرار المنطقة فعلًا، مشدِّدًا على أهمية خروج الناس إلى الشوارع، وعلى أن الموقف العربي بالمجمل لا يزال موقف المتفرج، مؤكدًا أنه لم نقم حتى الآن بما يجب القيام به.

واعتبر بشارة أن ما يقوم به "الحوثيون" في اليمن تضامنًا مع الشعب الفلسطيني في غزة "مؤثر" بصرف النظر عما إذا كنا نختلف أو نتفق معهم، مشيرًا إلى أن خطواتهم قد لا تكون كافية ولكنها "تؤثر"، لا سيما لناحية احتجاز السفن وقطع الطرق البحرية إلى "إسرائيل".

أما بشأن المنزعجين من دور الحوثيين، فرأى بشارة أن الحل يكمن، ببساطة، في تحرك عربي رسمي يمكن أن يكون له دور مؤثر أكثر من دور الحوثيين. كما تساءل، في السياق نفسه، عن أسباب عدم تنفيذ الدول العربية، وخاصةً مصر، قرار كسر الحصار عن قطاع غزة الذي اتخذته في قمة الرياض.

رأى المفكّر العربي أن "إسرائيل" لم تتفاجأ فقط من القدرات الهجومية لـ"كتائب القسام"، وإنما من قدراتها الدفاعية أيضًا

وفيما بشارة العربي هنا بأن المطلوب ليس فتح جبهات وإعلان حرب، فإنه شدَّد أيضًا على أن الدول التي لم تتحرك لوقف حرب الإبادة ومخططات التهجير ستفقد هيبتها واحترامها دوليًا. ولفت أيضًا إلى أن السلوك العربي الحالي مضر للأمن الوطني لكل دولة عربية على حدة.

المطلوب هو الخروج إلى الشارع

وبخصوص معاداة السامية وما يرتبط بها من نقاشات، قال صاحب "مسألة الدولة" إن الحركة الصهيونية استفادت من العداء للسامية، لافتًا  إلى أن معظم يهود أوروبا كانوا معادين للصهيونية عشية الهولوكوست، مؤكدًا بذلك أن العداء للصهيونية ظاهرة يهودية في الأصل، وأن يهود أوروبا لم يقتنعوا بالهجرة إلى فلسطين إلا بعد المحرقة.

وشدَّد المفكّر العربي ختام حديثه على رفض المقولات التي تفيد بأن الشعب الفلسطيني يعشق الموت، وهي مقولات تبتعد عن إظهار معاناته ومأساته. كما اعتبر أنه ليس من الصحيح التركيز فقط على بطولات المقاومة لأن في ذلك استهانة واستخفافًا بمعاناة الفلسطينيين. مؤكدًا في الوقت نفسه أن الأداء البطولي للمقاومة يرفع رأس أي عربي، ويُحرج خصوم الشعب الفلسطيني في المقابل.

ورأى بشارة أن المقاومة تُبلي حتى الآن بلاءً عظيمًا في هذه المعركة. لكنه، مع ذلك، حذّر من حرب استنزاف طويلة قد تمتد لأشهر عدة، مجدًّدا هنا تأكيده على أن المطلوب هو الخروج إلى الشارع تضامنًا مع الشعب الفلسطيني وليس التغني ببطولات المقاومة على مواقع التواصل.