20-نوفمبر-2023
المفكر العربي عزمي بشارة

المفكر العربي عزمي بشارة (يوتيوب)

أجرى "التلفزيون العربي" مساء أمس الأحد، مقابلة مع المفكر العربي عزمي بشارة تحدّث خلالها عن تطورات العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، والتداعيات المحتملة لانكشاف زيف روايات الاحتلال حول ما جرى في السابع من تشرين الأول/أكتوبر الفائت، وعدم وجود غرف وتحصينات وأنفاق كما ادّعى الاحتلال لـ"حركة حماس" تحت مستشفيات القطاع، وانعكاس ذلك على المواقف الأمريكية والغربية الداعمة لعدوانه المتواصل على القطاع منذ 45 يومًا.

وقد ناقش بشارة الموقف العربي عمومًا، والمصري خصوصًا، تجاه العدوان على القطاع، إلى جانب أداء المقاومة الفلسطينية في مواجهة قوات الاحتلال، ومعاناة أهالي قطاع غزة في ظل استمرار الحصار المطبق عليهم، مع تحليل استشرافي لعدد من الجوانب الأخرى لهذه الحرب، ولاسيما ما تعلق بأداء المقاومة وصفقة الأسرى وسيناريوهات التهجير.   

لا شيء يبرر قصف المستشفيات

استهل المفكر العربي حديثه بالإشارة إلى "متلازمة المستشفيات" التي تشكّلت لدى جيش الاحتلال خلال عدوانه الحالي على قطاع غزة، واستحوذت عليه لدرجة قصفه للمستشفيات بشكل متعمّد، وهو أمر أكد بشارة أنه غير مسبوق لناحية وحشيته.

يرى المفكر العربي أن قصف جيش الاحتلال للمستشفيات مرتبط بمساعيه لتدمير البنية التحتية ومقومات الحياة في قطاع غزة بهدف القضاء على قدرة الناس على الصمود

واعتبر بشارة أن الحرب الإسرائيلية على مستشفيات قطاع غزة وصلت إلى ذروتها بإخلاء جيش الاحتلال مجمع الشفاء الطبي قسريًا رغم الوعود الدولية باستمرار عمله، مشيرًا إلى أن ذلك يعني إما أن "إسرائيل" لا تنصت إلى أحد، أو أن ما قيل "كذبٌ مقصود" يؤكد أنه لا يوجد أحد يريد إلزام "إسرائيل" بأي شيء.

وأكد بشارة أن استهداف "إسرائيل" لمستشفيات غزة يشكّل فضيحة لها وللمجتمع الدولي أيضًا، مشدّدًا في هذا السياق على أن ادعاءات الاحتلال باستخدام حركة المقاومة الإسلامية "حماس" للمستشفيات كقواعد عسكرية لا يبرّر قصفها، حتى لو صحّت تلك الادعاءات، وهي غير صحيحة، كما جرى كشفه في الأيام القليلة الماضية. 

ورأى مدير عام "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" أن قصف جيش الاحتلال للمستشفيات لا ينفصل عن مساعيه التي تتقصّد تدمير البنية التحتية ومقومات الحياة الأساسية في قطاع غزة، وذلك بهدف القضاء على قدرة الناس على الصمود.

تدمير قبَلي انتقامي للمجتمع الفلسطيني

وبشأن مسارات الحرب الإسرائيلية المتواصلة على غزة منذ 45 يومًا، شدّد بشارة على ضرورة توقع المقاومة والقوى السياسية والمجتمع الفلسطيني في القطاع "أسوأ السيناريوهات" في ظل وجود الضوء الأخضر الأمريكي، والإجماع الإسرائيلي على أهداف الحرب واستراتيجيتها، والعجز العربي عن إيقافها. مؤكدًا أن أي تغيير يطرأ على هذه العوامل الثلاثة قد يؤدي إلى تغيير مسار الحرب.

واعتبر المفكر العربي أن الخلافات السياسية بين نتنياهو وغانتس وغالانت خارج مجلس الحرب، يقابلها توافق تام داخله بشأن الحرب على غزة والقضاء على "حماس"، منتقدًا "الإسراف" العربي في تحليل الشؤون الداخلية الإسرائيلية، ومعتبرًا  المقولات العربية التي تفيد بأن نتنياهو يسعى إلى إطالة أمد الحرب في غزة لكي لا يُحاكم، مبالغًا فيها. 

كما لفت بشارة إلى أن الإسرائيليين متفقون أيضًا على أن الطريقة الأمثل لتحرير الأسرى لدى "حماس" تتمثّل في زيادة الضغط العسكري عليها، بيد أن هذا الضغط يقع في الواقع على المدنيين أساسًا وفق بشارة، الذي أكد على أن ما يُسمى بـ"الضغط العسكري على حماس" هو: "تدمير قبلي انتقامي بدائي للمجتمع الفلسطيني"، وأن قتل المدنيين الفلسطينيين للضغط على "حماس" هو "إرهاب"، مشدّدًا على أن هذه هي استراتيجيتهم، وهم متفقون عليها.

تصرّف ثأري فيه تعطّش للدماء

وفي سياق الحديث عن الأسرى الإسرائيليين لدى المقاومة في قطاع غزة، أوضح بشارة أنهم ليسوا أولوية بالنسبة لقادة دولة الاحتلال في الوقت الحالي رغم ما يدعونه أمام عوائلهم، لافتًا إلى أن أولويات الإسرائيليين تتمثل في تحقيق انتصار عسكري في القطاع.

أكد بشارة أن تقبّل الدول العربية لتصرفات "إسرائيل" وصمتها على ما يجري في غزة، سيدفع الأخيرة إلى التعامل معها بهوان واستهانة في المستقبل

ويرى بشارة أن أهداف "إسرائيل" من حربها على غزة تتمثّل، أولًا، في استعادة توازن المجتمع الإسرائيلي وهيبة الردع بعد الضربة التي تلقتها في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الفائت، والتي أفقدتها توازنها وأوجدت لديها مخاوف وجودية وفق قوله. أما الهدف الثاني، فهو القضاء على "حماس" بوصفها قوة قادرة على إدارة قطاع غزة سياسيًا أو عسكريًا.

وأكد المفكر العربي أن قطع "إسرائيل" الغذاء والماء عن سكان قطاع غزة هو جزء من سياستهم الحربية ضد القطاع. كما أوضح بشارة في هذا السياق كيف أن الإسرائيليين يتصرفون عند الأزمات بوصفهم "قبيلة"، مؤكدًا أن سلوكهم الحالي تجاه الشعب الفلسطيني ينمّ عن اندفاع ثأري فيه تعطش للدماء ورغبة في إرواء هذا العطش.

أمّا في حال تقبّلت الدول العربية هذا التصرف، واستمرت في صمتها على ما يجري في قطاع غزة، فإن بشارة يحذّر من أن "إسرائيل" ستتعامل معها مستقبلًا بهوان واستهانة، مشدّدًا هنا على ضرورة تصرف العرب ككيانات مهمة لكي لا تجري الاستهانة بهم.

العرب قادرون على وقف الحرب

أوضح عزمي بشارة أن لدى العرب القدرة على وقف الحرب على قطاع غزة في حال اتخاذهم خطوات تأخذها "إسرائيل" بجدية، سواء تعلق الأمر بقطع العلاقات أو أمور أخرى استراتيجية لم يجر اتخاذ أيًا منها بعد.

وتطرق بشارة في هذا السياق إلى مسألة عدم إدخال المساعدات المتكدسة في رفح المصرية إلى قطاع غزة، مستغربًا انتظار دولة كبيرة مثل مصر إذنًا من "إسرائيل" لإدخال المزيد من المساعدات إلى غزة، معتبرًا أنها لا تستغل كل ما لديها من نفوذ في وقت تتفاقم فيه معاناة سكان القطاع، الذين شدد على ضرورة عدم التقليل من معاناتهم حتى ولو استطاعوا الصمود.

ولفت بشارة إلى أنه يُنتظر من مصر أن تلعب دورًا مؤثرًا في كسر الحصار عن غزة باعتبارها دولة كبيرة ذات سيادة يصنّفها العرب على أنها الأكبر والأهم، مؤكدًا عدم وجود ما يبرر عدم استجابتها لطلبات الفلسطينيين في غزة، سيما أن "إسرائيل" والولايات المتحدة لن تفتحا حربًا ضدها لأنهما بحاجة إليها.

وأشار بشارة إلى أن الأمر لم يخل من سبل لإدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، حتى وإن عبر طرف ثالث، مؤكدًا أنه من غير المعقول أن تفتقد مصر إلى الحيلة لتنفيذ ذلك، خاصةً في ظل الدعم العربي والإسلامي.

أما عن التداعيات السياسية والدولية لعدم كسر الحصار عن غزة، رأى بشارة أنه سيكون هناك في البداية شعور غربي بالرضا على اعتبار أن الدول العربية تعاونت معهم، ولم تخضع لضغوط الرأي العام. لكن ذلك يعني، على المدى البعيد، استضعاف هذه الدول التي تساءل عن موقف "إسرائيل" منها وهي لم تستطع فرض إرادتها على حدودها فيما يتعلق بشاحنات دواء وغذاء، وبالتالي استهانة أكثر وابتزاز أكثر من قِبل الغرب وإسرائيل، مؤكدًا أن العرب بغنى عن ذلك. 

كما نوّه بشارة إلى أنه في حال استمرار ما أسماه "اللاموقف العربي" إزاء ما يحصل، فإن إسرائيل ستشعر بعد انتهاء الحرب بأنها غير ملزمة بتقديم أي شيء نهائياً للعرب"، بما في ذلك السلطة الفلسطينية، والتي يظهرها سلوكها بحسب بشارة كأنّها "عدوة نفسها" لأنها تعرف حجم المؤامرة الإسرائيلية "وأن الدور آتٍ عليها" بحسب تعبيره. وقد تساءل بشارة في هذا السياق: "هل يعقل أن أول اتصال تجريه السلطة بحركة حماس يحصل بعد 40 يوماً من بدء العدوان؟". وسرد بشارة أمثلة على ما يسميها رداءة مواقف السلطة منها أن ممثليها ومؤسساتها لم يتوجهوا حتى اليوم إلى معبر رفح في إطار الضغط  من أجل فتحه وتمرير المساعدات العاجلة للفلسطينيين من خلاله. 

10% من المقاومة فقط تُقاتل

وفي حديثه عن أداء المقاومة الفلسطينية، أشار بشارة في البداية إلى أن "إسرائيل" لا تستطيع مواصلة الحرب بهذه الوتيرة نظرًا لعدة عوامل، من أبرزها ارتفاع أعداد القتلى وهو الأمر الذي يُعتبر موضوعًا حساسًا داخل المجتمع الإسرائيل.

ورأى بشارة أن جزءًا صغيرًا فقط من المقاومة، لا يتجاوز 10 بالمئة، يشارك في الاشتباكات مع القوات الإسرائيلية، لافتًا هنا إلى أن إفراغ الاحتلال للمدن من سكانها يجعل من قتال المقاومة لجنوده أسهل، معتبرًا أن هذه هي بداية الحرب الحقيقية بالنسبة إلى جيش الاحتلال بعد انتهاء مهمته الأولى والسهلة المتمثلة في قتل المدنيين الفلسطينيين.

قال بشارة إن التصرف الإسرائيلي الحالي تجاه الشعب الفلسطيني تصرفٌ ثأري فيه تعطش للدماء وإرواء لهذا العطش

وحول المقاومة أيضًا، قال بشارة إن الناس أصبحوا الآن أكثر استعدادًا لتصديق سرديتها حول ما جرى في عملية "طوفان الأقصى" في ظل فضح الأكاذيب الإسرائيلية. مؤكدًا على ضرورة تقديمها لسرديتها، بكامل تفاصيلها، في إطار الدحض المستند إلى التحقيقات الإسرائيلية نفسها.

المواقف الدولية

أما بشأن المواقف الدولية من الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، فقد نفى المفكر العربي وجود أي خلافات جدية بين واشنطن وتل أبيب، رغم شعور الإدارة الأمريكية بالإحراج أمام الأكاذيب الإسرائيلية. مؤكدًا عدم تغيّر الحسابات الأمريكية تجاه الحرب في الوقت الحالي، لكنه لم يستبعد حصولها لاحقًا.

وحول حديث الرئيس الأمريكي جو بايدن عن حل الدولتين، قال بشارة إن ذلك رأي شخصي لا برنامج يستطيع إلزام "إسرائيل" به، موضّحًا في هذا السياق أن "إسرائيل" لا تريد أن يكون هناك كيان فلسطيني واحد.

ولفت المفكر العربي إلى وجود تمايز في مواقف بعض الدول الأوروبية تجاه الحرب على غزة، لكنه أكّد بأن فرنسا وألمانيا هما من يقودا أوروبا في الوقت الحالي، مشيرًا إلى أن عقد الذنب التاريخية التي تحرّك الموقف الألماني أصبحت اليوم أكثر تطرفًا من السابق.

التهجير مستبعد  

وقد تطرق بشارة في حديثه مع التلفزيون العربي من مدينة لوسيل في قطر إلى الحديث حول سيناريوهات التهجير، سواء في قطاع غزة أو الضفة الغربية، وقد اعتبر بشارة هذا الاحتمال صعبًا، لأن ذلك "لن يحصل من دون سماح الإقليم بذلك، مصر ولاحقاً الأردن بشكل أساسي". في الوقت ذاته، لم يقلل بشارة من خطورة المخططات التي يعبر عنها "بعض المهووسين الإسرائيليين" بشأن تقليل عدد سكان غزة، لكنه رجح أن يكون الهدف الحقيقي من هذه الوحشيّة في الحرب الدائرة على قطاع غزّة هو استعادة هيبة الردع التي تداعت في السابع من تشرين الأول/أكتوبر والقضاء على حركة حماس، مشيرًا إلى أنّ بمقدور الدولة العربية إفشال مخططات التهجير.