18-ديسمبر-2023
المفكر العربي عزمي بشارة

المفكر العربي عزمي بشارة (يوتيوب)

في إطار تغطيته المفتوحة للحرب الإسرائيلية المتواصلة على قطاع غزة، أجرى "التلفزيون العربي" مساء أمس الأحد، مقابلة مع المفكر العربي عزمي بشارة تحدّث خلالها عن عدة مواضيع مرتبطة بالعدوان الإسرائيلي الهمجي الذي دخل يومه الـ73.

وتطرّق بشارة خلال المقابلة إلى موقف الولايات المتحدة الأمريكية من الحرب، والخلافات بين إدارة بايدن ونتنياهو بشأن اليوم التالي للحرب وإقامة الدولة الفلسطينية، ناهيك عن أداء المقاومة في غزة، وتصعيد الحوثيين في البحر الأحمر، وجبهة جنوب لبنان. كما قدّم تحليلًا استشرافيًا لبعض جوانب هذه الحرب.

الموقف الأمريكي من الحرب لم يتغيّر

أكد بشارة في بداية حديثه أن الموقف الأمريكي من الحرب على غزة لم يتغيّر وإن تغيّرت النبرة، ذلك أنه لا يزال في الجوهر كما هو. ولكن بايدن كان مضطرًا لتغيير نبرته رغبةً في كسب "السمعة الحسنة عالميًا"، لأنه لا يريد أن تُربط الولايات المتحدة بالأساليب التي تستخدمها "إسرائيل". بيد أنها، مع ذلك، لا تنتقدها ولا تعترف بأن ما يحدث في غزة هو حرب إبادة.

أكد عزمي بشارة وجود فشل إسرائيلي عسكري في قطاع غزة رغم الدمار والخراب الذي خلّفه القصف الانتقامي الدموي الذي ينطوي على نوع من الثأر القبلي

وأعاد بشارة هذه الرغبة إلى تصاعد الغضب الدولي الشعبي على حرب الإبادة التي تشنّها "إسرائيل" على قطاع غزة، هو ما دفع بالرئيس الأمريكي إلى التحدث بنوع من الحرص لناحية أن "إسرائيل" قد تخسر الدعم العالمي إذا استمرت بأسلوبها الحالي ولم تغيّره. ولذلك، وكما أوضح بشارة، فإن ما عدّه البعض "تصريحات غير مسبوقة" ليس سوى مجرد نصائح، لا سيما أن الهدف من الحرب، أي القضاء على حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، متفق عليه ولا يزال قائمًا بين الطرفين، بل ويتجلّى في النصائح الأمريكية الأخيرة بوقف مرحلة القصف الهمجي التعسفي الشامل، والانتقال إلى عمليات "نوعية" تستهدف قادة "حماس".

ورأى أن خلاف بايدن ونتنياهو بشأن "اليوم التالي" للحرب في غزة، هو الخلاف القديم نفسه بينهما، بل بينه وبين مختلف الإدارات الأمريكية الديمقراطية. ومع تأكيده على أن ما جرى في السابع من أكتوبر "أعاد نتنياهو إلى حضن بايدن" وأكّد كذلك أن "إسرائيل" لا يمكن أن تخوض حروبها دون الولايات المتحدة، إلا أنه اعتبر أن ذلك لا ينفي حقيقة وجود خلافات بينهما بشأن استراتيجيات واشنطن في المنطقة، سيما في ظل إصرار نتنياهو على إخضاع كل شيء في الإقليم لصراعاته السياسية الداخلية.

ولفت بشارة إلى أن إدراك الولايات المتحدة بأنه لا يمكن تهميش القضية الفلسطينية، الذي كان شرطًا أساسيًا لتأسيس المحور العربي الإسرائيلي الذي تعوّل عليه واشنطن لشغل الفراغ الذي سيخلّفه تفرّغها لآسيا والشرق الأقصى؛ يقابله إصرار نتنياهو على أنه يمكن تهميشها، مشيرًا إلى أنه يروّج لنفسه داخليًا على أنه الوحيد القادر على إفشال إقامة دولة فلسطينية.

وأكد أن إفشال إقامة دولة فلسطينية لا يندرج ضمن خطط نتنياهو واليمين المتطرف فقط، بل حتى في خطط معارضيه أيضًا، أي بيني غانتس ويائير لابيد اللذان يتحدثان عن "كيانين" في الضفة الغربية وقطاع غزة بدلًا من "دولتين". وهنا أبدى بشارة استغرابه من أنه، وبعد 30 عامًا على توقيع اتفاقية أوسلو، لا يلفظ الإسرائيليون كلمة "دولة". لكنهما، مع ذلك، يختلفان مع نتنياهو، وفق بشارة، في أمر وحيد هو استعدادهما لقبول السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وغزة.

وأوضح المفكّر العربي أن غانتس، الذي يتصدّر استطلاعات الرأي كبديل لنتنياهو، يريد ضم غور الأردن لكي لا تكون هناك حدود فلسطينية – أردنية، وبالتالي منع وجود تواصل عربي – عربي. وهو توجّه يختلف مع توجهات نتنياهو الذي يريد سيطرة إسرائيلية كاملة، وتوريط العرب قدر الإمكان في إدارة قطاع غزة، ناهيك عن مخططاته لضم المنطقة "ج" في الضفة.

"إسرائيل" متفاجئة من قدرة المقاومة على الصمود

وفي سياق الحديث عن الواقع الميداني، أكّد بشارة وجود فشل إسرائيلي عسكري في غزة رغم الدمار والخراب، وما يمر به الشعب الفلسطيني من معاناة لا توصف، مؤكدًا بأن القصف الإسرائيلي الشامل كان حتى الآن انتقاميًا دمويًا فيه نوع من الثأر القبلي. وبأنهم كما تفاجأوا في السابع من أكتوبر نتيجة الغطرسة والشعور بالتفوّق على الآخر والاسترخاء الناجم عنهما أيضًا؛ يتفاجؤون اليوم بنقص معلوماتهم حول قدرة المقاومة على الصمود.

قال عزمي بشارة إن موقف الولايات المتحدة من الحرب على غزة لم يتغيّر، ولكن بايدن كان مضطرًا لتغيير نبرته رغبةً في كسب "السمعة الحسنة عالميًا"

وأشار صاحب "مسألة الدولة" إلى وجود "ذهول إسرائيلي" من حجم البنية التحتية التي تمتلكها المقاومة تحت الأرض بسبب الفكرة العنصرية الموجود لدى الإسرائيليين عن قدرات الفلسطينيين والعرب. ونوّه، في هذا السياق، بقدرة المقاومة على بناء هذه البنية رغم الحصار المستمر منذ أكثر من 17 عامًا.

ورغم حديثه عن تورط "إسرائيل" في غزة، لكنه نبّه أيضًا إلى أنه لا يمكن الاستخفاف بقوتها العسكرية، خاصةً في ظل وقوف الولايات المتحدة الأمريكية خلفها. كما لا يمكن، حسب رؤيته، حسم ما إذا كانت "إسرائيل" ستخسر في هذه الحرب أم لا في ظل فارق القوة. وشدَّد هنا على أنه، ورغم فشل المخططات العدوانية الإسرائيلية بشكل يومي، لا يجب تعليق مصير فلسطين على أكتاف الشباب الذين يُقامون "إسرائيل" في قطاع غزة.

وبشأن الحديث عن مفاوضات حول صفقة تبادل جديدة، قال بشارة إن موقف "حماس"، والمقاومة عمومًا، هو أنه لا مصلحة في هدن يُفرج خلالها عن سجناء ثم يعود القصف في اليوم التالي، لافتًا إلى وجود قناعة لدى القيادتين السياسية والعسكرية للمقاومة، ولدى الوسطاء أيضًا، بأن استمرار هذه الهدن اليومية قد يجعل منها وضعًا قائمًا يعتاد عليه العالم. ولذلك، فإنه لا معنى للتفاوض ما لم يكن شرطه وقف إطلاق النار بشكل دائم.

ورأى بشارة أن قتل جيش الاحتلال لثلاثة من الأسرى الإسرائيليين في غزة، قد كشف طريقة تفكير العقلية الإسرائيلية التي ترى أنه من المسموح قتل أي شخص ما لم يكن إسرائيليًا، ولذلك برَّر جيش الاحتلال قتلهم بقوله إن جنوده لم يتمكنوا من التعرف عليهم، وهو بحسب بشارة "تبرير أقبح من ذنب" يبيّن أن الاستراتيجية العسكرية الإسرائيلية لا تميّز بين مدني وعسكري.   

وجدَّد مدير عام "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" انتقاده للموقف العربي الرسمي من الحرب على غزة. وأشار، في هذا السياق، إلى تغيّر طفيف طرأ على الموقف الذي كان متواطئًا ينتظر قضاء "إسرائيل" على المقاومة بوصفها العقبة التي تُعيق دمج "إسرائيل" في المنطقة، بسبب إدراك أصحابه لخطورة سلوكها من الناحية السياسية.

وجزم بأن الشارع العربي متضامن مع القضية الفلسطينية بشكل تام، وأن ما يمنع خروج المظاهرات في بعض الدول العربية هو الخوف من القمع. كما شدَّد، مجددًا، على ضرورة تكثيف التظاهر باعتباره ما يمكن أن يجعل الولايات المتحدة تدرك الخطر الكامن في السلوك الإسرائيلي على المنطقة.

صمود المقاومة الفلسطينية سيكون طويلًا

واعتبر أن ما يقوم به "الحوثيون" تضامنًا مع الشعب الفلسطيني جريء ومهم ومؤثر، بغض النظر عن موقفه من وضعهم في اليمن، لأن حراكهم لا يؤثر على الطرق البحرية إلى "إسرائيل" فقط، بل على الاقتصاد العالمي. وهو ما يشكِّل حسب قوله نوعًا من العقوبات كان يُنتظر أقل منها بكثير من الدول العربية، التي أكّد أن ما يفعله "الحوثيون" يثبت أنها قادرة على التأثير إن تحركت وتخلّت عن دور "المتفرج". مؤكدًا هنا أن الدولة التي تتخذ موقفًا من ممارسات "إسرائيل" هي التي تكسب من ناحية أمنها القومي.  

واستبعد بشارة نشوب حرب بين "إسرائيل" و"حزب الله" طالما أنهما لا يريدان ذلك رغم رفعهما سقف قواعد الاشتباك. كما أكّد أن تصعيد "حزب الله" حقيقي ويساند قطاع غزة، ولكن دون أن تتدهور الأمور إلى الحرب. واعتبر، في السياق نفسه، أن الحديث عن حرب إقليمية شاملة ليس واقعيًا، وأن الحرب على غزة أوقفت التطبيق العربي مؤقتًا.

أكّد المفكر العربي أن الشارع العربي متضامن مع القضية الفلسطينية بشكل تام، وأن ما يمنع خروج المظاهرات في بعض الدول العربية هو الخوف من القمع

ولفت كذلك إلى أن "التآمر على المقاومة" بدأ مع بداية الحديث عن اليوم التالي للحرب، مؤكدًا أن التصدي لذلك يتطلب حكمة ومسؤولية إلى جانب الصمود وفهم معاناة الناس قدر الإمكان، ومشدّدًا أيضًا على أهمية التركيز على كل ما يمكن أن يشكّل أساسًا للوحدة الوطنية في الصراع مع دولة الاحتلال الإسرائيلي.

واختتم عزمي بشارة حديثه بالتأكيد على أن صمود المقاومة سيكون طويلًا لعدة أسباب، أهمها ما أظهرته من قدرات وطاقات وجرأة وشجاعة، وهو ما يعني أن "إسرائيل" لن تنجح في تنفيذ مخططاتها خلال شهر أو حتى 3 أشهر. واعتبر كذلك بأن القدرة الإسرائيلية على حسم المعركة ليست حتمية ويمكن التصدي لها.