13-سبتمبر-2023
اتفاقية أوسلو، السلطة الفلسطينية والاستيطان بالضفة الغربية

الاستيطان الضفة الغربية، واقع يكشف عن فشل اتفاقية أوسلو وانعدام إمكانية تحقيق حل الدولتين (ألترا صوت)

"أريد أن أتحدث بصراحة وأن أقول أشياء من القلب أيضًا، ليس لدي ما أخفيه. ما الذي كنا نخشاه؟ الفلسطينيون سيبدأون بمسألة المستوطنات. أصدقائي الأعزاء، يهودا والسامرة [الاسم التوراتي للضفة الغربية] ليست ياميت [مستوطنة في سيناء]، و1993 ليس 1982. إن البدء بإزالة عشرات الآلاف من المستوطنين اليوم، في رأيي، سيوصلنا إلى وضع مستحيل، معنويًا وجسديًا. من الناحية التاريخية، كان هذا أحد الصراعات التي، كان لا بد من تجنبها. لدرجة أنهم وافقوا على بقاء المستوطنات في مكانها، في قطاع غزة أيضًا".

بهذه الكلمات لخص وزير الخارجية الإسرائيلي في زمن توقيع اتفاقية أوسلو، شمعون بيريز، الموقف من الاستيطان، والموافقة على تأجيل نقاش هذه القضية إلى مفاوضات الحل النهائي. جاء ذلك في محضر جلسة الحكومة الإسرائيلية برئاسة يتسحاق رابين، رئيس الوزراء الأكثر "يساريةً" في إسرائيل، والتي تمت فيها الموافقة على توقيع اتفاقية أوسلو أو اتفاقية إعلان المبادئ قبل 30 عامًا. 

تكشف الوثيقة عن واقع شائك بشكلٍ عميق، يبدو عصيًا على حله في "عملية سلام"، تمر علينا ذكراها الـ30، كاشفةً وهم حل الدولتين، وإمكانية إقامة دولة فلسطينية بالضفة الغربية وقطاع غزة، مع استيطان يتسع، وعنف مستوطنين ترعاه الدولة يسعى إلى "محو" البلدات والقرى الفلسطينية.

يوجد في الضفة الغربية اليوم، حوالي 121 مستوطنة وحوالي 100 بؤرة استيطانية تسيطر على حوالي 42% من الأراضي في الضفة الغربية

كُتب الكثير في نقد أوسلو وثغراتها وإشكالياتها من ناحية مبدئية لحظة توقيعها، في استشراف لفشل متوقع. أمّا بعد 30 عامًا عليها، لا تحتاج الاتفاقية إلى الكثير من النقد، للكشف عن مآل "سلام الشجعان"، جولة واحدة في الضفة الغربية، ومراجعة لأرقام الاستيطان، ما قبل وبعد 1993، كافية للكشف عن واقع الضفة الغربية.

في 4 آب/ أغسطس الماضي، استشهد الشاب قصي معطان، برصاص مستوطن إسرائيلي. كان قصي يخرج في نزهة مع أصدقائه، أمّا المستوطن فهو يقيم في بؤرة استيطانية تجاور قرية برقة شمال شرقي مدينة رام الله، وهي قرية فلسطينية صغيرة، محاصرة بالاستيطان بالكامل، يمكن من خلال واقعها اليوم، استكشاف "ماذا تبقى من الضفة الغربية؟" بعد 30 عامًا من اتفاقية أوسلو.

حصار بالاستيطان

في عام 2012، قررت حركة "نحالا" الاستيطانية، تنفيذ واحدة من "صعداتها" الاستيطانية، التي تستهدف السيطرة على جبال الضفة الغربية، أو "نثر البؤر الاستيطانية في الجبال"، كان الجبل المستهدف، قريبًا من قرية برقة، ومحاذيًا لبؤرة جفعات آساف الاستيطانية، من أجل إقامة بؤرة "عوز تسيون"، التي تديرها منظمة آري ييشاج، التي يرى أحد حاخاماتها أن الاستيطان يضيف "المزيد من القداسة على الأرض، فيما ترى حركة "نحالا" الاستيطانية، التي تقودها دانيلا وايس، أن مهمتها الأساس متمثلة في وضع أساس لهذه البؤر، وما يعبر عن رؤية الحركة الاستيطانية، ما نشرته مطلع العام الحالي على صفحتها في فيسبوك، مستشهدة في مقولة عنصرية لديفيد بن غوريون، قائلةً: "’ليس مهمًا ما يقوله الأغيار، المهم ما يفعله اليهود’. على خطى بن غوريون! حكومة إسرائيل، الشعب خلفك! لا تستسلموا لضغوط الأغيار (غوييم)، وأقيموا مستوطنات جديدة في يهودا والسامرة [الضفة الغربية] والنقب والجليل".

تصنف البؤر الاستيطانية، باعتبارها غير قانونية حتى بنظر الحكومة الإسرائيلية، ويعود ذلك لأمور إجرائية بالأساس، نتيجة انعدام تخطيط هيكلي لها، وعدم التخطيط لشبكات الكهرباء والطرق والماء، وتوزيع نقاط الجيش. ولكنّ الحكومة الإسرائيلية تقدم الكثير لهذه البؤر، مع حالات إخلاء محدودة لها نتيجة قرارات المحكمة الإسرائيلية العليا، بعد إجبار الفلسطيني على الخوض في مسار قانوني من أجل إثبات ملكيته للأرض، فيما كشفت تقارير إسرائيلية عدة، عن ربط هذه البؤر في شبكات الكهرباء والماء الإسرائيلية، بالإضافة إلى سعي إسرائيلي حكومي إلى "تبييضها"، أي شرعنتها وتحويلها إلى مستوطنات "قانونية"، كما تراها إسرائيل.

getty

تم بناء "عوز تسيون"، بالقرب من شارع 60 الاستيطاني، في المقطع الواقع بين القدس ورام الله، وتم تأسيسها بدعم من حاخامات حزب نفتالي بينيت (حزب البيت اليهودي قبل الانتقال إلى حزب اليمين الجديد)، وكان من بينهم الحاخام دوف ليئور المستوطن المجاور لإيتمار بن غفير في مستوطنة "كريات أربع" والزعيم الروحي للصهيونية الدينية، الذي سبق له إصدار "فتوى تبيح إبادة قطاع غزة"، وحرض عدة مرات على قتل العرب، والحاخام شموئيل إلياهو، الذي منعته الولايات المتحدة من دخولها نتيجة عنصريته، واعتباره "قتل العرب فريضة دينية"، كما اعتبر الزلزال الأخير في جنوب تركيا وشمال سوريا "عدالة إلهية"، فيما يستضيفه جيش الاحتلال لإعطاء محاضرات لجنوده، في إشارة أخرى للفصل الوهمي الذي يقام في كثير من الأحيان بين المستوطنين والجيش.

تعرضت البؤرة الاستيطانية "عوز تسيون"، موقع استيطان قتلة قصي معطان، إلى عدة عمليات إخلاء على مدار الـ 13 عامًا الماضية، لكن الاستيطان الفعلي والثابت حتى الآن، يحصل منذ عام 2021.

في واحدة من عمليات الإخلاء عام 2012، حضر الحاخام إلياهو ذاته، لمنع العملية ونجح في ذلك مع مجموعة من المستوطنين، وقال: "لقد كان سبتًا جميلًا ومبهجًا للغاية. كان هناك مئات الطلاب من جميع أنحاء البلاد الذين جاءوا لتعزيز البؤرة الاستيطانية ومواصلة زخم الاستيطان الذي توقف في السنوات الأخيرة".

وأضاف الحاخام المتطرف: "قبل خمسة وثلاثين عامًا كنت أنا وزوجتي في [مستوطنة] ألون موريه في يوم سبت مثل هذا السبت، وكانت هناك مواجهة مع الحكومة، عندما كان شمعون بيريز وزيرًا للأمن. تم إجلاؤهم عدة مرات، وفي النهاية تم بناء العديد من المستوطنات، ويوجد اليوم [في 2013] 400 ألف يهودي في يوش [الاختصار للاسم التوراتي للضفة الغربية]. وأفترض أنه ستكون هنا عملية مماثلة".

كان الإخلاء الأبرز للبؤرة، في عام 2013، حيث لم يعاود المستوطنون نشاطهم فيها، وجاء ذلك نتيجة زيارة الرئيس الأمريكي في حينه باراك أوباما إلى دولة الاحتلال، حيث كان من المفترض أن يمر الرئيس الأمريكي من جوار البؤرة، في طريقه إلى رام الله.

ومنذ عام 2021، عاد الاستيطان إلى بؤرة عوز تسيون، وتحديدًا على قمة جبل مطل على برقة، يحدها من الخلف مباشرةً بؤرة جفعات آساف، وخلفهم تأتي مستوطنة بيت إيل، فيما تولى المهمة هذه المرة مجموعة من "فتية التلال"، وهي مجموعة مستوطنين، من تيار الصهيونية الدينية، نفذ أفرادها حرق عائلة الدوابشة عام 2015، ومئات الاعتداءات على الممتلكات والأرواح الفلسطينية، بالإضافة إلى الاستيطان في "تلال الضفة الغربية"، مع استخدام نمط رعوي من الاستيطان، بحيث يعمل عناصر المجموعة بعد السيطرة على الجبال، في رعي الأغنام وزراعة الأرض.

والقيمة العليا في عمل "فتية التلال" تدور حول "استيطان أرض إسرائيل"، المجموعة تتكون من مستوطنين تبدأ أعمارهم من 15 عامًا، يتجولون بالسلاح في الضفة، ويهاجمون الأهالي والسكان، و"ينفذون القانون بيدهم، ويقودون المهمة الإيديولوجية لإسرائيل.. الاستيطان"، ويسعون دائمًا إلى رعي الأغنام في مساحة شاسعة للسيطرة عليها.

ويقول المستوطن يهودا ليبر، الذي يعتبر الشخص المسؤول في بؤرة عوز تسيون، ويستوطنها من ثلاثة أعوام: "نحن هنا عن طيب خاطر لنستوطن الأرض، بنفس الحق الذي توجد فيه تل أبيب".

وخلال حدث أقيم بعد مقتل مستوطنة في الضفة الغربية، في بؤرة عوز تسيون، حضر أحد أبرز حاخامات الصهيونية الدينية شلومو أفنير، ولخص نشاط "فتية التلال"، بالقول: "كما تعلمنا في التوراة- إن إعادة الأرض هي جزء مركزي من ميراث الأرض. وحيث يعيش شعب إسرائيل، فإنهم سيحصلون أيضًا على من يرثها. لا يمكن أن ترثها من مسافة بعيدة، عليك أن تذهب إلى الميدان"، مضيفًا: "إنشاء مستوطنات جديدة وتعزيز قبضتنا على كامل مساحة البلاد، هذه هي الحنكة السياسية الحقيقية. أريد أن أقول لكم، إن العنيدين سينجحون. يجب أن يُنظر إلى عنادنا -شعب إسرائيل- على أنه شيء جيد"، بحسب تعبيره.

وخلال زيارة للبؤرة، قال رئيس "اتحاد حاخامات الأرض الطيبة" يوسي أرتسيل: "أنا شخصيًا أرى في فتية التلال خلفاء غوش إيمونيم اليوم". وأرتسيل نفسه، كان من بين النواة التي أسست مستوطنة ألون موريه في نابلس، ومستوطنة كدوميم، التي يعيش فيها إلى جانب بتسلئيل سموتريتش. أمّا الاتحاد، فقد أسسه تلاميذ الحاخام تسفى يهودا كوك، المنظر الأهم للتيار الصهيوني الديني.

getty

وتحولت البؤرة، إلى محج للحاخامات، وبالأخص بعد إعادة تأسيسها عام 2021، ومقاومة كافة محاولات الإخلاء من قبل جيش الاحتلال. ومحاولة الإخلاء، تأتي نتيجة ظرف دولي، مثل ضغط من الإدارة الأمريكية، أو نتيجة رأي "مهني" من قبل المؤسسة الأمنية، التي ترى أن البؤرة الاستيطانية تساهم في زيادة التوتر بالضفة الغربية، نتيجة عنف المستوطنين المنفلت.

والفكرة الأساسية، من هذه الحركات الاستيطانية، التي تأسس على تخومها مؤسسات مجتمع مدني استيطاني مثل ريغافيم أو حونينو، الأخذ بزمام المبادرة في الاستيطان، من خلال التوجه نحو الجبال، وفرض أمر واقع على الحكومة، التي تعمل حاليًا على مشروع "تبييض" للبؤر الاستيطانية، وتلتحق في عصابات الاستيطان، بعد فرض الأمر الواقع دون الحاجة رسميًا إلى الإعلان عن بناء مستوطنات جديدة، والدخول في "إحراج" دولي.

طوق حول برقة

في منشور صدر عام 2014 عن منظمة "بتسيلم"، بعنوان "جدران الاحتلال الشفافة"، أشار إلى أن القرية "لم تكن يومًا في واجهة النضال، ولم تعانِ جراء الخطوات العقابيّة الاستثنائيّة وقد اختيرت [موضوعًا للتقرير] بالذات بسبب عدم خصوصيّتها، كي تكون مثالًا على حياة سكان القرى الفلسطينيّين تحت الاحتلال"، ويقول الإصدار في وصف القرية: "إنها قرية صغيرة ورعويّة، محاطة بالحقول، وتعاني قيودًا صعبة على الحركة تعزلها عن بيئتها، وسرقة واسعة لأراضيها وتضييقًا تخطيطيًا. وقد أدّت كل هذه العوامل إلى تحويلها لقرية مهملة ومكتظة وفقيرة، يعيش نحو نصف سكانها على شفا خط الفقر أو تحته".

العزلة المضروبة على برقة، تعود إلى التفاف حوالي 11 مستوطنة وبؤرة استيطانية حول القرية، من ثلاث جهات، أمّا الجهة الرابعة فهي محاطة بشارع 60 الاستيطاني، مما يحولها إلى كانتون معزول وسط جغرافيا كاملة من الاستيطان.

إلى جانب الاستيطان الواسع، فقد أغلق جيش الاحتلال مدخل القرية الرئيسي، منذ الانتفاضة الثانية، أي قبل 23 عامًا، وما يزال مغلقًا حتى الآن، فيما تحولت الطريق إلى رام الله من رحلة قصيرة تحتاج إلى 10 دقائق، إلى سفر قد يستغرق 45 دقيقة، دون وجود حواجز أو إغلاقات للمستوطنين، وبقيت القرية بمدخل واحد، تكرر إغلاقه عدة مرات خلال الأشهر الأخيرة.

ووفق تقرير "بتسيلم"، يحيط في القرية، مستوطنات بسجوت وكوخاف يعقوب وجفعات آساف (بؤرة) ومجرون (بؤرة). فنحو 947 دونمًا من الأراضي التي بملكية سكان القرية تقع في داخل المستوطنات نفسها أو ما بعد طريق الدخول إليها، ويفتقر أصحابها لأيّ قدرة على الوصول إليها. ونحو 60% من الأراضي التي أخذت كانت أراضي مستصلحة زراعيًّا، كلها أو بعضها. إضافة الى ذلك أنّ أعمال العنف المتكرّرة من طرف المستوطنين في المنطقة، ولمجرد وجود المستوطنين في المناطق الزراعيّة ومناطق الرعي التابعة للقرية، يمنع السكان من الوصول إلى نحو 1,280 دونمًا أخرى بملكيتهم، رغم عدم فرض أيّ تقييد كهذا رسميًّا. وفي المجمل يمنع وصول سكان القرية إلى نحو 2,200 دونم، أي ما يعادل ثلث أراضي القرية.

ما ذكره التقرير السابق كان في عام 2014، أمّا حاليًا، فقد أضيف مجموعة من البؤرة الاستيطانية في مجال البلدة، مثل بؤرة متسبيه هعاي، ومجرون الجديدة، ورامات مجرون، وفي أيار/ مايو من العام الجاري، قامت مجموعة من المستوطنين بتأسيس بؤرة سديه يونتان.

الاستيطان الرعوي: نبوءة الدم والسلب

في 15 آب/ أغسطس، احتفت صفحة "فتية التلال" على فيسبوك بالإفراج عن المستوطن إليشاع يارد، أحد المشتبه بهم في قتل الشهيد قصي معطان من قرية برقة، وهو يستوطن في البؤرة الاستيطانية "رمات مغرون"، وهو متحدث سابق باسم عضوة الكنيست ليمور سون هار ميلخ، من حزب "عوتسما يهوديت"، الذي يقوده إيتمار بن غفير، وصنف ضمن قائمة "الشباب الإسرائيليين الواعدين" التي أعدتها القناة 14 الإسرائيلية الموالية لنتنياهو، والأكيد اليوم أن تيار الصهيونية الدينية لم "يعد هامشيًا في إسرائيل".

أمّا المشتبه به الأساسي، في قتل الشاب معطان، فهو المستوطن يحيئيل إيندور، الذي أفرجت عنه الشرطة الإسرائيلية أيضًا، مع إسقاط تهمة "القتل بدوافع عنصرية"، ما نعرفه أيضًا أن الشرطة الإسرائيلية لم تأخذ التحقيق على محمل الجد على الأقل في يومه الأول، فيما احتاج الجيش الإسرائيلي عدة ساعات للوصول للمنطقة.

كان استشهاد الشاب معطان، فرصة لبن غفير، لتكرار تصريحاته الدعاية للقتل، بقوله: "سياستي واضحة. كل من يدافع عن نفسه من رشق الحجارة، يجب أن يحصل على وسام". أمّا عضو حزب بن غفير والنائب في الكنيست ألموغ كوهين، فقال:"لو كنت في الميدان، كنتُ سأطلق النار بالطبع، ليس هناك شكّ في ذلك على الإطلاق".

وعلى مدار أيام، تحولت بؤرة عوز تسيون، إلى محج لقادة الاستيطان، وأعضاء الكنيست والحاخامات من تيار الصهيونية الدينية من أجل التعبير، "عن دعمهم لقتل الشاب معطان".

وقعت حادثة استشهاد معطان، خلال خروجه في نزهة مع أصدقائه، في قرية محصورة. في الوقت نفسه، تواجد أحد المستوطنين لـ"رعي الأغنام" في الأراضي التابعة لقرية برقة والمحيطة في بؤرة عوز تسيون، وبحسب مصادر محلية، فإن المستوطن يبتعد عن البؤرة ويضع خيمة كل عدة أيام في نقطة قريبة من القرية، على ما يبدو في مخطط منه للسيطرة على "تلة جديدة"، مما أدى إلى اندلاع مواجهات في المكان، وبالطبع مع بداية المواجهات، طلب المستوطن تعزيزات من "فتية التلال" في البؤر القريبة من برقة.

يقر المستوطنون في هذه البداية، لكن يزعمون أن إطلاق النار، من سلاح مرخص، جاء في "حالة دفاع عن النفس"، ورغم الأدلة التي تشير إلى نقيض ذلك، بما فيها تلك الأولية التي قدمت من قبل الشاباك وشرطة الاحتلال، إلّا أنه تم الإفراج عن المستوطنين، وإسقاط تهمة "القتل بدافع عنصري أو قومي"، عن المستوطن. 

getty

وفي تعليقه على جريمة برقة، يقول الصحفي الإسرائيلي عاموس هارئيل، عن عموم نشاط فتية التلال: "أسلوبهم معروف جيدًا: خلق استفزازات عن طريق إرسال دوريات، مسلحة غالبًا، إلى أطراف القرى العربية. ولهذه الأنشطة غرض مزدوج يتمثل في ردع الفلسطينيين وإقامة مطالبات مستقبلية (لا أساس لها عادة) بالأرض".

أمّا عن إطلاق النار على الشاب معطان، يضيف: "يقول الجيش الإسرائيلي إن الحادث وقع على بعد 250 مترًا من القرية الفلسطينية وما لا يقل عن كيلومتر واحد من البؤرة الاستيطانية. إن إخراج الأغنام للرعي في وقت متأخر من المساء أمر غير معتاد، وبالتأكيد في بداية يوم السبت، في موقع استيطاني سكانه متدينون. القدوم إلى مناطق القرية يبدو وكأنه استفزاز. كما زُعم أن المستوطنين أشعلوا النار في سيارتين تابعتين للقرويين. وبحسب ما ورد تم العثور على قفازات يمكن التخلص منها في مكان الحرق المتعمد، وهي قطعة منطقية من المعدات إذا كنت تخطط لارتكاب جريمة، ولكن ليس إذا كنت ترعى الأغنام".

إرهاب منظم

الهجوم في برقة، ليس حدثًا منعزلًا، مثله مثل الطوق الاستيطاني المضروب حول القرية الصغيرة، بل هو عمل منظم، لديه أذرعه في الحكومة الإسرائيلية، وتطلعاته المستقبلية في المنطقة، ما قبل اقتحام اليمين للحكم وما بعد.

منذ عام 2008، قام إسرائيليون ليسوا حراس أمن أو في الجيش بقتل 38 فلسطينيًا، أغلقت معظم هذه الملفات بدعوى "إحباط عمليات"، أمّا تلك المشابهة لاستشهاد معطان، فقد أغلق معظمها بدون إدانة، أو كما تصفها صحيفة "هآرتس"، بالقول: "المستوطنون يقتلون الفلسطينيين: تاريخ من الإفلات من العقاب". بالطبع، وكي لا نذهب بعيدًا، فإن هذه الأدوار لا تنفصل عن الجيش الإسرائيلي، قبل حوالي شهرين، هاجم المئات من المستوطنين بلدة ترمسعيا شمال رام الله، في محاولة لتنفيذ هجوم يشابه ذاك الذي حصل في حوارة، محاولة "محو" جديدة، ومع مقاومة أهالي القرية للمستوطنين، حضر جيش الاحتلال، مما أدى إلى استشهاد الشاب عمر أبو القطين، برصاص جندي إسرائيلي، يكشف هذا الكثير عن التكامل بين عنف المستوطنين وعنف الجيش، والذي تصفه المنظمة الحقوقية بتسيلم بالإشارة إلى أن "عنف المستوطنين= عنف الدولة".

ويتكشف هذا التطابق -ولو بشكلٍ متوتر وغير مؤسسي ولكنه أكثر عمقًا-، من خلال التحقيق مع جندي إسرائيلي قدم معلومات لـ"فتية التلال"، عن عملية محتملة لإخلاء بؤرة استيطانية، مما أدى إلى إحباطها. ومن بين 5 مستوطنين، اعتقلهم جيش الاحتلال خلال هجوم على قرية أم صفا، كشفت صحفية "هآرتس" عن وجود جندي بينهم، فيما تعاني أم صفا من بؤرة رعوية على أرضها، يقودها مستوطن مسلح بـ"M16".

getty
مستوطنة نفيه تسوف/ حلميش، حيث يسكن قائد فرقة الضفة الغربية في جيش الاحتلال آفي بلوت (Getty)

ليس بعيدًا، يقود فرقة "يهودا والسامرة" في جيش الاحتلال آفي بلوت، وتقع تحت مسؤوليته كافة "الأنشطة العسكرية" بالضفة الغربية المحتلة، وبلوت هو مستوطن نشأ في مستوطنة نفيه تسوف (حلميش)، ودرس في مدرسة إيلي الدينية، يرتدي الكيبا ويعيش في مجتمع ديني، أمّا تفكيره وسلوكه فهو يعكس "اندماجًا كاملًا بين عقليته الاستيطانية الدينية ونهجه العسكري".

وبحسب تقرير في صحيفة "هآرتس"، فإن العميد في جيش الاحتلال، ربط في مقالاته القضايا العسكرية والاستراتيجية مع قصص الكتاب المقدس، وبين الحين والآخر يقتحم قبر يوسف مع المستوطنين ويصلي فيه. ويضيف المقال: "الغارات الليلية الوثنية على قبر يوسف، في قلب نابلس، كانت منذ فترة طويلة عملية عسكرية بكل المقاصد والأغراض، تنتهي دائمًا بالمواجهة وأحيانًا مع قتلى فلسطينيين أيضًا. ومن المفترض أن يكون للقائد العسكري مصلحة استراتيجية في منع مثل هذه الأحداث. لكن بالنسبة لبلوت فهي ضرورة أيديولوجية".

يترافق مع ما سبق، غطاء سياسي وتواصل يومي، بين "فتية التلال" وعناصر في حكومة الاحتلال، مثل إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش وعناصر حزبهم. إلى جانب تواطؤ بنيوي في داخل مفاصل الدولة، يتمثل في عدم استكمال العديد من التحقيقات في اعتداءات المستوطنين، وعدم تقديم لوائح اتهام. من ناحية أخرى، يظهر التفضيل من خلال أرقام الوصول إلى الأرض، 98% من الأراضي المصادرة من قبل سلطات الاحتلال بالضفة الغربية لـ"الاستخدام العام"، تكون لصالح المستوطنين.

في تعليقه على جريمة برقة، يقول الصحفي الإسرائيلي ناحوم برنيع: "من الآن فصاعدًا، النشاط في التلال له أب، هو بتسلئيل سموتريتش، وأم، هي الحكومة. لا يستطيع نتنياهو أن يقول "لم ألاحظ" عندما أعطى السيطرة على الشرطة لمجرم والسيطرة على اليهود في الضفة الغربية إلى خلاصي"، مشيرًا إلى أنه كان من المفترض إخلاء بؤرة عوز تسيون، لكنّ مع حصول سموتريتش على منصب وزير في وزارة الأمن، بقي أمر الإخلاء معلقًا وتوسعت البؤرة.

وأضاف برنيع: "تعيين سموتريش أدى إلى تغيير جذري في دور البؤر الاستيطانية غير القانونية والعمليات الإرهابية اليهودية. لقد انتهى عصر الأذى، والانحراف المغفور عن القاعدة، والأولاد الذين يشعرون بالملل من التلال بحثًا عن شيء. لم يعودوا أتباعًا أخطأوا، بل أصبحوا جنودًا نظاميين في جيش الله. ومن الآن فصاعدًا، أصبح لنشاطهم أب، هو بتسلئيل، وأم، هي الحكومة؛ هناك رؤية وهناك أداة التنفيذ. كل حدث هو مرحلة في تحقيق خطة الحسم لسموتريش".

بالعودة إلى المستوطن يحيئيل إيندور، فإن سيرته الذاتية، تكشف عن الاستيطان الرعوي، والتقاطع مع الصهيونية الدينية، والسعي المحموم للحصول على المزيد من الأرض، من خلال تصورات توراتية وطموح استيطاني.

عاش المستوطن إيندور، في مستوطنة عوفرا شمال رام الله، وهو ابن لأحد مؤسسي المستوطنة، درس في المدرسة الدينية لمستوطنة كريات أربع بالخليل، وخدم في جيش الاحتلال، ومع دراسته في كريات أربع، بدأ ينخرط في الاستيطان الرعوي، حيث تنقل بين عدة بؤر رعوية.

ووفق أصدقاء المستوطن إيندور، فهو "يستمتع بالعمل الزراعي واليدوي ورعي الأغنام في التلال"، ويضيف شخص آخر عنه: "هناك جانب من يحيئيل مرتبط بالتاريخ اليهودي في يهودا والسامرة [الاسم التوراتي للضفة الغربية]، وهو يؤمن بشدة بحقنا".

أمّا موقف وزارة الأمن الإسرائيلية -الحاكم الميداني للضفة الغربية- من البؤر الرعوية، فهو يقوم على سياسية أن تكون هذه البؤر على أراضي دولة، وألّا تكون قريبةً بشكلٍ كبير من القرى الفلسطينية، لكن الواقع يختلف بالطبع. ويظهر التشابك السابق رعاية المؤسسة الإسرائيلية لهذه البؤر، التي لا تتحرك ضدها، إلّا في حالة "التوتر أو التصعيد"، باعتبارها تساهم في "اتساع دائرة العنف"، وفق التعبير الإسرائيلي.

إلى جانب ما سبق، وفي خدمة للاستيطان بالضفة، أقرت الحكومة الإسرائيلية ألف وحدة استيطانية بعد عملية عيلي، في حزيران/ يونيو الماضي، والبيان الصادر عن نتنياهو وغالانت وسموتريتش، قيل فيه: "ردنا على الإرهاب هو ضربه بقوة وبناء بلدنا"، وفق لغة البيان، التي جاءت كرد صهيوني على المقاومة الفلسطينية. في الوقت نفسه، أقام مستوطنون 7 بؤر استيطانية، في قمة تكامل الأدوار والتناغم بين الحكومة والمستوطنين.

لم تكن اتفاقية أوسلو، إلّا نجاحًا إسرائيليًا، فقد ارتفع عدد الدول التي اعترفت بإسرائيل من 110 دولة عام 1993 إلى 166 دولة اليوم

10 دقائق عن المقاطعة أو "من لا بر له لا بحر له"

تبعد برقة 10 دقائق عن مدينة رام الله، تحتاج للوصول إليها حوالي 30-45 دقيقة، هذا في حالة عدم التعثر في أحد الحواجز، وهي كثيرة في الضفة هذه الأيام، لكن أثناء العمل على هذه المادة أغلق جيش الاحتلال قرية برقة بشكلٍ كامل لمدة ثلاثة أيام.

وتحدثنا مع نائب رئيس المجلس القروي في برقة زكي بركات، عبر الهاتف، الذي أشار إلى أن الإغلاقات الحالية، تأتي بزعم قوات الاحتلال، رشق سيارات المستوطنين بالحجارة على شارع 60 الاستيطاني، لكن بركات يقول إن ذلك يأتي ضمن سياق التضييق على البلد وإغلاقها، إذ ينشر جيش الاحتلال حواجزه باستمرار على مدخل القرية الوحيد، ويعرقل المرور لساعات.

نقلنا الحديث عن الحاجز، إلى مدخل القرية، الذي تحول إلى نفق، يمر من فوقه شارع 60 الاستيطاني، موضحًا أن مدخل القرية الأساسي مغلق منذ عام 2000، إذ يقع بالقرب من البؤرة الاستيطانية جفعات آساف، ومنذ الانتفاضة الثانية، يغلقه جيش الاحتلال دون وجود قرار رسمي بذلك، وفق ما أشار بركات، الذي قال لـ"الترا صوت": "احنا بلد محاصرة من جميع الجهات بالمستوطنات، وشارع 60 للمستوطنين".

قرية برقة
قرية برقة، النقاط باللون الأحمر مستوطنات أو بؤر استيطانية (الخريطة في الأصل لمنظمة السلام الآن)

"تحول الطريق البديل والمؤقت إلى دائم"، كما يقول بركات، الذي يشير إلى أن أهالي القرية، عملوا على شق الطريق الحالي، ومن بعدها أصبح الطريق المستخدم، أمّا الطريق الأساسي، فيتم حاليًا العمل على مسار قانوني، للمطالبة بإعادة فتحه، مع وجود طريق واحد للقرية، وآخر ترابي لا تستطيع كافة المركبات عبوره، كما منع أهالي القرية من إصلاحه وصادر جيش الاحتلال كافة المعدات التي حاولت تمهيده.

تعاني برقة من حصار فعلي أو "جدارن شفافة"، كما سبق وأشرنا، أما انعكاسه في حياة الناس، فهو يتمظهر في كافة مفاصلها، حيث يُعدّ إغلاق طريق البلد "شللًا" لها، مع اعتمادها على محيطها بالعمل والخدمات. كما يمنع الاحتلال فرصة نمو البلد حضريًا، إذ أن البناء فيها يدور فوق حوالي 10% من مجمل مساحتها مما حولها إلى "منطقة عشوائية"، كما يصفها أهالي البلدة.

في هذه العملية يتعاون الجيش مع المستوطنين، ويشير السكان باستمرار إلى الطائرة المُسيّرة الصغيرة (درون)، التي تنطلق من داخل المستوطنات، وتراقب أي تغيير داخل القرية، وفي حال وجود معدات بناء، أو محاولة تعبيد لطريق، أو تنظيف لمكب النفايات، يحضر الجيش مباشرةً، ويصادر المعدات لأشهر، ويمنع أي عمل تنموي أو إصلاحي في القرية، ويصف ذلك أحد أهالي القرية، بالقول: "المستوطن عين على البلد، ومرات بعملوا جولات على أطراف البلد وببلغوا الجيش".

getty

وفي هذا السياق، يقول أحد أهالي القرية: "المستوطنات تتمدد وتكبر على أراضي القرية"، فيما يحيطها طوق من الاستيطان الزاحف تجاه القرية، إذ أصبحت مناطق الزراعة والرعي، خارجةً عن تصور أهالي القرية خوفًا على حياتهم، وذلك بعد استشهاد الشاب قصي معطان على أطراف القرية، في نقطة لا تبعد كثيرًا عن القرية، لكن "فتية التلال" يحاولون الوصول إليها ونصب مجموعة من الخيام فيها.

وفي ظل معركة المحكمة العليا داخل إسرائيل وحماية "ديمقراطيتها"، قال بركات لـ"الترا صوت"، إنهم "حصلوا على قرار من المحكمة العليا، بإخلاء بؤرة رامات مغرون، وتم تنفيذ القرار. وفي والواقع، اكتشفوا نقل البؤرة، إلى مسافة تبعد حوالي كيلو متر عن مكانها، قبل أن تعود إلى نفس المكان، عن طريق الاستيطان الرعوي". 

ويعيق الاستيطان نمط الحياة في القرية، إذ تُمنع الزراعة وحراثة الأرض وقطف ثمار الزيتون من المناطق المحيطة في البؤرة الاستيطانية، التي تتسع باستمرار، من خلال مستوطن واحد مثلًا، يقرر نقل "كرافان" مئات الأمتار إلى الأمام، وأصبح أهالي القرية يحتاجون إلى موافقة من الجيش الإسرائيلي، للوصول إلى أرضهم لفترة محدودة، لا تستمر طويلًا مع محاولة المستوطنين منعهم من استكمال عملهم.

وعلى مدار سنوات، منع جيش الاحتلال من إصلاح خط الكهرباء المغذي لقرية برقة، الذي أحرقته مجموعة من المستوطنين في محيط بؤرة عوز تسيون، كما تمنع صيانة الخط الرئيسي للمياه، والذي يمر من المنطقة نفسها، وتسرق البؤرة الاستيطانية المياه منه.

واعتداءات "فتية التلال" من المستوطنين متنوعة، إذا تشمل الهجمات على المنازل، وإغلاق الطرق بالمكعبات، وردم آبار المياه، أو سرقتها.

getty
خريطة لقرية برقة تظهر فيها بؤرة عوز تسيون وموقع استشهاد الشاب قصي معطان (الأصل من صحيفة هآرتس)

إلى جانب ما سبق، يُمنع رعاة الأغنام من الوصول إلى آبار المياه أو مناطق الرعي في القرية، التي تعتمد عدة عائلات على الرعي، كمصدر دخل وحيد، ويقول أحد الأهالي: "كثير من الناس بلش يفكروا بالتخلي عن قطعانهم من الأغنام، الناس بدها تعيش، بس كمان حياتهم صارت مهددة والقطيع".

أمّا عن العلاقة بين جيش الاحتلال والمستوطنين، والتي صدر عنها الكثير من التقارير، قال أحد أهالي القرية: "مهو مبين وواضح، الجيش حامي الهم، المستوطنين لحالهم ما بقدروا يحموا هاي المنطقة ويسيطروا ويتصرفوا زي ما بدهم، مباشرة يا الجيش بكون معهم، يا بتجمعوا وبلحقهم مباشرة، وهو داعمهم".

تبعد برقة، حوالي 10 دقائق عن المقاطعة، مقر السلطة الفلسطينية التي تأسست بناءً على اتفاقية أوسلو، والتي تحل ذكراها الـ30،  كل ما سبق يجري تحت عينها، في قرية تصنف باعتبارها "هادئةً"، فيما تواصل السلطة الحديث عن حل ميت، شهادة وفاته موجودة على بعد أمتار منها.

كان الاستيطان هدفًا إيديولوجيًا وقوميًا، لكن اعتباراته تنوعت ما بين هذه الجوانب والجانب الأمني، على مدار سنوات طويلة، ضمن عملية ممأسسة صهيونيًا، فيما تحول ما بعد أوسلو إلى عملية يقودها "نشطاء استيطان"، تتبعهم الحكومة، وأصبح رد اليمين على أوسلو تكثيف الاستيطان في الضفة، مع صعود تيارات اليمين في إسرائيل، مما انعكس على الحياة اليومية الفلسطينية، وفي مقارنة بين ما قبل أوسلو وما بعدها، قال أحد أهالي القرية الذي عايش هذه الفترات الزمنية: "قبل أوسلو كانت الناس تروح وتزرع وتفلح أرضها وتعزّب في الغنم، بعد أوسلو الأمور زادت سوء بشكل كبير وملاحظ، المستوطنين بطلوا يحسبوا حساب لحدا، وشعروا بالأمن وماخذين راحتهم".

وتحولت السلطة الفلسطينية، إلى فرقة "نجدة" في أحسن الأحوال، إذ توفر بديلًا للمنشآت التي يهدمها الاحتلال. ويلخص شخص آخر تحدثنا معه، سلوك السلطة، قائلًا: "وقت يصير هجوم للمستوطنين على البلد، بنحكي مع الارتباط، بحكولنا حكينا معهم [أي مع الجيش الإسرائيلي]، بس القرار مش الهم [السلطة]"، ويضيف: "المستوطن اللي حاميه الجيش والدولة تبعتهم، إلهم ظهر وسند، احنا بنشعر السند مفقود والظهر غير موجود، احنا بنتمنى مساندة أقوى، ونشعر في ورانا حدا".

المستوطنون يحكمون

هجمات المستوطنين في الضفة الغربية، رعيهم للأغنام، ونصب بؤرة استيطانية تتكون من مستوطن أو اثنين، وتأتي تحت طموح بالسيطرة الكاملة على مناطق "ج"، وفق تقسيمات اتفاقيات أوسلو.

أمّا الهجمات على قرى الفلسطينية، ليست هجمات استيطانية كلاسيكية، بل تحولت إلى صراع يومي، تستهدف في كل مرة منطقة جديدة وتخلق احتكاكًا وصراعًا مستمرًا، بما في ذلك مع القرى التي يصنفها الجيش الإسرائيلي بـ"الوادعة أو الهادئة"، من أجل السيطرة على المنطقة، بحكم "الأمر الواقع".

getty

لا تبدو صَيحات المستوطنين المهددة بـ"نكبة ثانية"، مجازًا عنصريًا يطلق في الهواء، خلال مظاهرة بالقدس أو بالضفة الغربية، بل صيرورة يومية وواقع يُعاش في الضفة الغربية، يكفي أن نعرف أنه على مدار الثلاثة أشهر الماضية، نجحت هجمات المستوطنين في إخلاء التجمع البدوي في عين سامية والقبون، مع وجود ثلاث تجمعات مهددة بالترحيل في المنطقة نفسها.

ويقول الناشط المناهض للاحتلال أفيشاي موهار: "الاستيلاء على الأراضي من قبل سكان المستوطنات والبؤر الاستيطانية غير القانونية، وإخلاء القرى نتيجة لذلك، يتم بطريقة متكررة وفعالة للغاية، وبدعم أمني، ويحدث تحت رادار الجمهور". ويعدد موهار عدة طرق لذلك، من بينها استخدام العنف والاحتكاك بالفلسطينيين من خلال تكتيكات تبدأ بمستوطنة تحصل على دعم العشرات، وتسميم آبار المياه، وترهيب مستمر.

يوتوبيا إسرائيل بالضفة.. ما الذي جلبته أوسلو؟

في تقرير نشرته صحيفة "يسرائيل هيوم" اليمينية، بعنوان "زهور أوسلو: هكذا ساهمت الاتفاقيات في الاستيطان في يهودا والسامرة"، تحاول من خلاله استكشاف "الوجه الآخر" عن اتفاقيات أوسلو، أو عرض سردية مغايرة للسائدة لدى اليمين الصهيوني، وتحاول البحث عن إسهام هذه الاتفاقية في الاستيطان بالضفة الغربية. 

الطرح الأساسي في التقرير، هو أن الطرق الالتفافية التي ظهرت في "زمن السلام"، والتي وافق عليها "رجل السلام" إسحاق رابين، ساهمت في تمدد الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية، ويشير التقرير إلى أن رابين تحدث في كانون الأول/ ديسمبر 1993، عن ضرورة الاتفاق السياسي، "لكنه أوضح في الوقت نفسه أنه سيفعل كل شيء لحماية المستوطنين في الضفة". وتشير الصحيفة إلى أن قادة الاستيطان، قاموا بمراجعة خرائط الاتفاق قبل عرضها على الجانب الفلسطيني، وقاموا بإدخال "التعديلات المرغوبة من أجل استمرار وجود المستوطنات".

لم تكن اتفاقية أوسلو، إلّا نجاحًا إسرائيليًا، فقد ارتفع عدد الدول التي اعترفت بإسرائيل من 110 دولة عام 1993 إلى 166 دولة اليوم، إذ تعترف 88% من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بإسرائيل، مقارنة بـ60% فقط قبل أوسلو. كما ارتفع عدد المستوطنين بالضفة الغربية من 115 ألفًا إلى 506 آلاف (يضاف إليهم ربع مليون مستوطن يقيمون في شرق القدس في 12 مستوطنة)، أي 4.2 أضعاف، وارتفعت نسبة المستوطنين من مجموع الكتلة الاستيطانية في دولة الاحتلال من 2% إلى 5%.

ويوجد في الضفة الغربية اليوم، حوالي 121 مستوطنة وحوالي 100 بؤرة استيطانية تسيطر على حوالي 42% من الأراضي في الضفة الغربية، والسيطرة على المساحة الكبيرة للمستوطنين، مقابل الفلسطينيين تظهر في داخل مناطق 48 أيضًا.

وفي تعبير عن جوهر الاتفاق الأمني، فقد انخفضت النفقات الدفاعية لإسرائيل من 11% من الناتج المحلي إلى 5% من الناتج هذا العام.

بعد 30 عامًا على أوسلو، فإن شعار المستوطنين، وهم في الحكم في إسرائيل "السامرة [الضفة] إلى مليون"، أي استيطانها من قبل مليون مستوطن، وهذه الخطة كانت قبل عدة سنوات مجرد شعارات، ترفع من قبل تيار الصهيونية الدينية، أو التيار الاستيطاني في الليكود، لكنها الآن، وبحضور سموتريتش وبن غفير في الحكومة، تتحول إلى واقع ملموس.

شهية التيار الكاهاني في الحكومة الإسرائيلية، لم تتوقف عند "حسم الصراع في مناطق ج"، بل يتطلع سموتريتش، في ظل عجز الرسمية الفلسطينية، إلى محاربة ما يتم وصفه إسرائيليًا بـ"البناء السياسي"، وليس فقط البناء الواقع على تخوم المناطق "ج"، بل ذاك الذي يجري في مناطق "ب" أو "أ"، مركز "سيادة السلطة في رام الله".

لا تبدو صَيحات المستوطنين المهددة بـ"نكبة ثانية"، مجازًا عنصريًا يطلق في الهواء، خلال مظاهرة بالقدس أو بالضفة الغربية، بل صيرورة يومية وواقع يُعاش في الضفة الغربية

في خطته للحسم، يفضل سموتريتش، خيار طرد الفلسطينيين من الضفة الغربية، أمّا أحد بنود تصوره عن "الحل السياسي"، هو الحسم بالاستيطان. الاستيطان بالضفة الغربية، مهمة سموتريتش، السياسية والإيديولوجية، أمام ذلك فإن السلطة الفلسطينية، تقف على جانب السياسة، تتمسك في أوسلو، أمّا من يتجول في الضفة الغربية، فهو يدرك موت أوسلو، والحل المفضل غربيًا، حل الدولتين. 

خلال 6 أشهر من العام الحالي، أقرت الحكومة الإسرائيلية 13 ألف وحدة استيطانية، وهو معدل سنوي يبلغ ضعف عدد الموافقات مقارنة بالعام الأخير من ولاية دونالد ترامب، ماذا تبقى لأبو مازن كي يبقى رئيسًا عليه؟

بالعودة إلى الوثيقة التي تكشف عن جلسة نقاش الحكومة الإسرائيلية لاتفاق أوسلو قبل أيام من توقيعه، يظهر التوافق على وجود تفاصيل غامضة في الاتفاق، وأخرى ستفرض على أرض الواقع، وقضايا غير قابلة للنقاش، كما حجب الجزء الخاص بالحديث عن أراضي الدولة في الضفة الغربية التي تشكل المخزون الأساسي للاستيطان، لمدة 20 عامًا قادمة. في حينها، مع هيمنة اليمين المتطرف في إسرائيل، ستكون خطة "الحسم" لسموتريتش ربما على طاولة رئيس الوزراء الإسرائيلي، وسيكون الهدف تأسيس "دولة واحدة مع تفوّق يهودي".