12-مايو-2018

بجرائمه حول العالم يمكن القول إن ترامب ليس إلا نسخة نظامية عن أبي بكر البغدادي (سبنسر بلات/Getty)

عادة ما ترمي الولايات المتحدة الآخرين بالتطرف، تنظيمات مسلحة أو حكومات دول عدوة أو غير صديقة على الأقل. لكن لماذا لا يُشار إلى جملة ما تقوم به الولايات المتحدة من أعمال عسكرية وحشية، بـ"التطرف"؟! صحيفة لوموند ديبلوماتيك، تأخذنا في جولة مع عالم التطرف الأمريكي، في مقال كتبه الصحفي والكاتب الأمريكي توم إنغلهاردت، ننقله لكم مترجمًا بتصرف في السطور التالية.


إنهم المتطرفون. إذا كنت تحتاج إلى دليل، فلن تجد أفضل من العاصمة الأفغانية كابول، حيث أثبتت الموجة الأخيرة من التفجيرات الانتحارية أنهم مخربون. وفي الآونة الأخيرة، على سبيل المثال، قام متطرف بتفجير عبواته المتفجرة بين مجموعة من المواطنين كانوا يصطفون خارج مكتب حكومي لتسجيل أنفسهم للتصويت في الانتخابات المقبلة.

في هذا القرن، ومن كابول إلى بغداد، ومن بارس إلى سان برناردينو، تضاعفت الأعمال المتطرفة من المذابح العشوائية للمدنيين

وقد مات في ذلك الحادث ما لا يقل عن 57 شخصًا، بينهم 22 امرأة وثمانية أطفال. وتحمل فرع تنظيم الدولة الإسلامية - داعش في أفغانستان، وبفخر، مسؤولية هذا العمل الإجرامي. لكن هذا الأخير ربما لم يكن بقسوة انتحاري داعش الذي قام في آب/أغسطس 2016، بتفجير زفاف كردي في تركيا، أخطأ في إصابة العروسين، ولكنه قتل 54 شخصًا على الأقل وجرح 66 آخرين. من بين القتلى والجرحي كان هناك 22 طفلًا، وربما كان الانتحاري نفسه طفلًا.

اقرأ/ي أيضًا: ليس داعش وحده داعش

هذه الأعمال متطرفة، وبطبيعة الحال يكون مرتكبوها متطرفون. وينطبق الأمر ذاته على أبو بكر البغدادي، "خليفة" دولة الخلافة المزعومة، والتي هُزمت الآن، والذي يأمر أو يشجع أو يوفر الإطار الأيديولوجي لمثل هذه الأعمال القاسية. وهذا حُكم لن يختلف عليه كثيرون في الولايات المتحدة، أو أي مكان آخر على الكوكب.

في هذا القرن، من كابول إلى بغداد ومن باريس إلى سان برناردينو، تضاعفت الأعمال المتطرفة من المذابح العشوائية للمدنيين. ورغم كونها شائعة نسبيًا، إلا أنه في كل مرة تحدث فيها مثل هذه المجازر، تظل حدثًا مروعًا ويتم التعامل معه على هذا النحو في وسائل الإعلام، وإذا ارتكبها الجهاديون المتطرفون ضد الأمريكيين أو الأوروبيين، فيتم تغطيتها على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع، غالبًا لعدة أيام في كل مرة.

وضع في اعتبارك أن مثل هذه الأعمال المتطرفة لا تقتصر على الجماعات الإرهابية، أو الذئاب المنفردة من تابعيهم، أو حتى القوميين البيض أو غيرهم من الرجال المجانين، المدججين بالأسلحة، في الولايات المتحدة، والموجودين في المدارس وأماكن العمل والمطاعم أو أي أماكن أخرى، يبيدون بانتظام مجموعات من الأبرياء.

خذ في اعتبارك الاتهامات الأخيرة بأن نظام بشار الأسد استخدم أسلحة كيميائية محظورة في إحدى ضواحي دمشق التي كانت تسيطر عليها فصائل معارضة، دوما في الغوطة الشرقية، ما أسفر عن مقتل العديد من الأسر وتسبب في الفوضى.

وبغض النظر عن أي ادعاء أو زعم، فليس هناك شك في أن نظام الأسد يذبح مواطنيه بشكل منتظم بالأسلحة الكيميائية والبراميل المتفجرة وقنابل المدفعية، والغارات الجوية، الروسية أيضًا، ويدمر الأحياء والمستشفيات والمدارس والأسواق، وغيرذلك.

كل هذا يُضاف إلى مجموعة من الأعمال المتطرفة الأكثر سوادًا، والتي من الممكن تضاعفها في أنحاء هامة من الكوكب، بدءًا من حملة التطهير العرقي الوحشية التي شنتها قوات ميانمار ضد أقلية الروهينغا، إلى الأعمال المرعبة التي ترتكبها الحكومات في أماكن مثل جنوب السودان والكونغو. من هذا المنطلق. بكل تأكيد عالمنا لا ينقصه التفكير المتطرف أو إلى الأعمال المتطرفة التي تصاحبه.

نحن في الولايات المتحدة، بالطبع، نشعر بصدمة شديدة من تطرفهم، واستعدادهم لقتل الأبرياء بدون تأنيب ضمير، خاصة في حالة الجماعات الجهادية المتطرفة، بدايةً من هجمات 11 أيلول/سبتمبر إلى مجازر داعش الأكثر حداثة. لكن هناك شيئًا واحدًا يكاد يكون شديد الوضوح: الأمريكيون ليسوا أمة تنتسب إلى الأعمال المتطرفة أو القتلة المتطرفين، بل على العكس تمامًا. صحيح أننا نرتكب الأخطاء، ونقتل في بعض الأحيان، نقتل الأبرياء أيضًا، لكن عادة عن طريق الخطأ!

نعم، الأمريكيون استثنائيون. نحن لا غنى عنا، نحن عظماء، كما يقول لنا الساسة والرؤساء على مدار سنوات طويل. حسنًا قد تقول إن الأمريكيين متطرفين من جانب إيلاء الاهتمام لحياة العسكريين الأمريكيين، لكن الولايات المتحدة وقادة الولايات المتحدة ليسوا متطرفين تطرفًا كتطرف القاعدة وداعش أو نظام الأسد. هذا حقيقي بلا سخرية، ولعل هذا السبب في أن أحدًا لم يفكر في وصف الولايات المتحدة بالتطرف. لدى التطرف شكل مُعين، والولايات المتحدة ليست في هذا الشكل!

الأعراس في عالم متطرف

خطر في ذهني مؤخرًا، لو تخيلنا النسخة الأمريكية الخاصة والاستثنائية من التطرف، أي تخيل الولايات المتحدة دولة متطرفة بشكل خاص، مثلما كان داعش مشروع دولة، وأكيد متطرفة. فكرت في ذلك بسبب قصة عن مجزرة متطرفة في زفاف. لكن هذه المرة لم يكن المنفذون الدواعش، وإنما ضربتان جويتان على حفل الزفاف باليمن، ليلقى العريس والعروس حتفهما، و31 آخرين من ضيوف الزفاف، بينهم أطفال. المنفذ هي السعودية، وهذه ليست المرة الأولى التي يُستهدف فيها مدنيون من قبل غارات سعودية، منذ بدء حرب اليمن 2015.

استهداف حفل زفاف، وإن كان في وقت حرب، يعد أمرًا شديد التطرف، وأعتقد أن ثمة اتفاق عام على ذلك. ويزيد تطرفًا لو أن الهدف، حفل الزفاف، لم يكن قريبًا من خطوط المعركة. إذن، ولطبيعة النظام السعودي عمومًا، فيمكن اعتباره بسهولة نظامًا متطرفًا آخر من بين الموجود في عالمنا.

لكن علينا ألا ننسى أن ثمة أمر ما يتعلق بهذه المجزرة، وهو أن هناك دولة أخرى دعمت السعودية إلى أقصى حد في حربها على اليمن. نعم، صحيح، إنها الولايات المتحدة.

لقد دعمت واشنطن جهود الحرب السعوديّة بكلّ طريقة يُمكنك أن تتخيّلها، بدءًا من إمداد طائراتها بالوقود في الجو، وتوفير معلومات استخباراتيّة عن الأهداف، وصولًا إلى بيعهم بمليارات الدولارات أسلحة وذخائر من جميع الأنواع، تشمل قنابل عنقوديّة، استخدمت في الحرب.

كان هذا صحيحًا في سنوات حكم أوباما، وقد تضاعف بالرغم من كلّ شيء في الوقت الذي وضع فيه ترامب الكثير من الجهد والاهتمام لإغراء السعوديّين بالسلاح. أخبرني إذن، ألا يُعد، بالنّظر إلى أنَّ المعاناة الصادمة للمدنيّين في اليمن والمعروفة للجميع، أي دعمُنا للسعوديّة في حربها الجويّة، تطرفًا؟!

ينبغي أن نضع في اعتبارنا كذلك أنَّه في الفترة الممتدة بين كانون الأوّل/ديسمبر عام 2001، حين قصفت قاذفات  "B-52" و"B-1B" الأمريكيّة، وقتلت أكثر من 100 شخص في حفل زفاف في قرية شرقي أفغانستان، إلى كانون الأوّل/ديسمبر عام 2013، عندما قصفت طائرة بدون طيّار تابعة لوكالة المخابرات المركزيّة الأمريكيّة "سي آي إيه - CIA" عرسًا يمنيًا. لقد مسحت القوّة الجويّة للولايات المتّحدة ثمانية أعراس عن بكرة أبيها من على وجه الأرض، بما فيها العرائس والعرسان، بل وحتّى الموسيقيّين، ما أوقع مئات القتلى والجرحى في صفوف المشاركين في الحفل في ثلاثة دول، ولم تعتذر إلا في حالة عرس واحد فقط! 

وقد كانت قوّات وزير الدّفاع الحالي جيمس ماتيس، مسؤولة عن واحدة من هذه المجازر، وذلك عندما كان يرأس الوحدة البحريّة الأولى في العراق عام 2004. وقع ذلك غربيّ العراق، في حادثة قتل فيها الموسيقيون، و14 طفلًا. وعندما سئل ماتيس عنها آنذاك، أجاب: "كم عدد الأشخاص الذين يذهبون إلى وسط الصحراء لكي يقيموا عرسًا على بعد 80 ميلًا/ 128 كيلومتر من أقرب منطقة متمدّنة؟"! ولم يكن هذا الجواب نابعًا من قلب أقسى ولا أكثر تطرّفًا من العنوان الرئيسي على الصفحة الأولى من صحيفة نيويورك ديلي نيوز، بعد سنوات من ذلك القصف، فقط عنونت مقالًا عن الضربة الأمريكيّة الجويّة التي نُفّذت بواسطة طائرة بدون طيّار في اليمن بالعنوان الساخر: "عروس وتفجير - Bride and Boom"، سخرية من الحادثة المفجعة بإيحاء جنسي!

تخيّل للحظة واحدة أن يُستهدف حفل زفاف في منطقة ريفيّة بالولايات المتّحدة، بفعل قصف جويّ أجنبيّ، ثمّ يجيب قائد عسكري من هذه الدولة، بمثل ما أجاب به ماتيس، أو تستخدم صحيفة بهذه الدولة عنوانًا ساخرًا إيحائيًا مثلما فعلت الصحيفة الأمريكية!

أبادت القوات العسكرية الأمريكية 8 حفلات زفاف حول العالم، عن بكره أبيها، ومع هذا لا يشار للولايات المتحدة كدولة متطرفة!

أمر آخر، يتمثل في أن موقعًا وحيدًا فقط الذي يرصد ويوثق مجازر الزفاف بيد القوات الأمريكية. لقد نسيت الولايات المتحدة ما صنعت يداها، ألا يبدو ذلك تطرفًا وقسوة؟ وبالطبع، لو كانت هذه المجازر بفعل القاعدة أو داعش، لشغلت البال والخاطر! 

نوع جديد من عبادة الموت؟

والآن، لنلقي نظرة على التطرف الممكن الذي قد تمارسه الولايات المتحدة بشكل منظم، ولنستعرض ملخصًا تفصيليًا لست فئات تمثل التطرف الأمريكي على نطاق عالمي:

اقرأ/ي أيضًا: 9 حقائق ينبغي ألا ننساها عن الغزو الأمريكي للعراق

1. حاميات عسكرية حول العالم:

تمتلك الولايات المتحدة ما يقدر بنحو 800 قاعدة أو حامية عسكرية، تتفاوت أحجامها من حجم البلدات الأمريكية الصغيرة إلى المواقع الاستيطانية الصغيرة جدًا حول العالم. وهي موجودة في كل مكان تقريبًا؛ في أوروبا وكوريا الجنوبية واليابان وأستراليا وأفغانستان والشرق الأوسط وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، باستثناء الدول التي تُعتبر أعداء للولايات المتحدة، فيما تعد كوبا استثناءً لذلك نظرًا لتواجد معتقل غوانتانامو سيء السمعة.

في الوقت الراهن، تمتلك بريطانيا العظمى وفرنسا عدد قليل من القواعد العسكرية، التي بقيت إلى حد كبير من ماضيها الاستعماري، كما تمتلك الصين التي تُعد قوة عظمى صاعدة منافسة، رسميًا، حامية عالمية واحدة، بالإضافة إلى قاعدة بحرية في جيبوتي في القرن الإفريقي، إلا أن الأمر الذي يثير قلق الكثيرين من مخططي الحرب الأمريكيين، تلك القاعدة البحرية التي ما زالت تحت الإنشاء في مدينة كوادر، والتي تقع على الساحل الجنوبي الغربي من باكستان.

ومن الجدير بالذكر أن هناك منافسة أخرى كبيرة في هذا الشأن من قبل روسيا، التي لا يزال لديها عدة قواعد في دول كانت في يوم ما جزءًا من الاتحاد السوفييتي، وقاعدة بحرية واحدة في سوريا. 

كما ذكرت آنفًا تمتلك الولايات المتحدة 800 قاعدة أو حامية عسكرية على الأقل، وهو رقم من شأنه أن يهمش القواعد الحاميات العسكرية لأي قوة عظمى أخرى في التاريخ، ويرافق ذلك وجود أكثر من 450 ألفًا من الجنود العسكريين المتمركزين خارج حدودها. لذا لا يعد مفاجئًا أو غريبًا، أن الولايات المتحدة قد قطّعت العالم، وكأنها تقطع كعكة، إلى ست قيادات عسكرية تمثل القطاعات التي تفرض عليها سيطرتها، تقريبًا تشمل الكرة الأرضية كلها، إضافة إلى قيادتين متخصصتين في الفضاء الخارجي والفضاء السيبراني! في رأيك، ألا يعد ذلك تطرفًا بعض الشيء؟

2. تمويل الجيش:

تضع الولايات المتحدة ما يقرب من تريليون دولار سنويًا من أموال دافعي الضرائب في الجيش والتجهيزات العسكرية، ووكالاتها الاستخباراتية التي يصل عددهم إلى 17 وكالة، بالإضافة إلى ما يسمى الآن بجهاز "الأمن الداخلي"، لتصل ميزانية أمنها القومي إلى أكثر من ميزانية البلدان الثمانية التالية مجتمعة، وما زالت ترتفع سنويًا، رغم أن معظم السياسيين يتفقون على أن الجيش الأمريكي يعاني حالة من التردي، ويحتاج لإعادة بناء. الآن، وبكل صراحة،  ألا تعتقد أن ذلك يعد بكل ما تحمله الكلمة من معنى، أمرًا غير عادي، بل متطرفًا أيضًا بعض الشيء؟

3. خوض الحروب:

تخوض الولايات المتحدة حروبًا بلا توقف منذ غزو جيشها لأفغانستان في تشرين الأول/أكتوبر من عام 2001. وهذا يُمثل ما يقرب من 17 عامًا من الغزوات والاحتلال والحملات الجوية وهجمات الطائرات بدون طيار وغارات العمليات الخاصة والهجمات البحرية وهجمات الصواريخ وغيرها الكثير، من الفلبين إلى باكستان، ومن أفغانستان إلى سوريا، ومن ليبيا إلى النيجر. ولم تنتهي تلك الحروب في أي من هذه الأماكن بالفعل.

وغني عن القول إنه لا يوجد بلد آخر على هذا الكوكب يصنع الحرب بهذه الطريقة، أو يخوض حربًا في سبيل تحقيق أي أهداف مثلما فعلت الولايات المتحدة في تلك الفترة الزمنية.

ومن المفارقات على سبيل المثال: الانزعاج الشديد الذي انتاب الأمريكيين لدرجة الإدانة لروسيا، بسبب إرسالها قواتها إلى أوكرانيا المجاورة، واحتلال شبه جزيرة القرم. فقد أُعتبر ذلك عملًا متطرفًا يستحق التنديد بأعنف اللهجات. ومع كل ذلك، في الولايات المتحدة، لا تعتبر الحرب على الطريقة الأمريكية تطرفًا، على الرغم من غزو الدول التي تبعد آلاف الأميال، واستهداف الأفراد في جميع أنحاء العالم بموافقة الرئاسة، وتوجيه هجمات الطائرات بدون طيار لاغتيالهم، دون أي اعتبار للسيادة الوطنية! 

بل الأدهى من ذلك أنه نادرًا ما يتم التفكير في هذه الحروب والعمليات العسكرية، ومناقشتها بشكل جدي. أفلا تعد الحروب المتواصلة والعمليات العسكرية غير المنطقة حول العالم، منذ 17 عامًا، أمرًا متطرفًا ولو بعض الشيء؟

4. تدمير المدن:

بالنسبة للأمريكيين، فليس شيء أكثر تطرفًا من تدمير برجي التجارة العالمية في منهاتن بنيويورك. بل أصبح هذه التفجير بمثابة تعريف للتطرف، ومنفذوه نماذج للمتطرفين. أفلا يتعين على الأمريكيين النظر إلا ما دمرته قوات بلادهم من مدن بأكملها حول العالم، تحديدًا في منطقة الشرق الأوسط، وهذه بعض المدن: الفلوجة والرمادي والموصل في العراق، والرقة في سوريا، وسرت في ليبيا. هذه المدن تحولت أجزاء منها إلى أنقاض بمعنى الكلمة، على يد الأمريكان.

وقد أفادت التقارير بأن الولايات المتحدة والقوات المتحالفة، أسقطت 20 ألف قطعة متفجرة على الرقة، التي كانت بمثابة عاصمة لداعش. أسفر ذلك عن مقتل عناصر لداعش بالفعل، لكنه أيضًا أسفر عن مقتل 1400 مدني. وبالكاد يوجد مبنى واحد لم تصبه الغارات أو حتى لا يزال ثابتًا في مكانه، مع عزم إدارة ترامب على عدم تقديم الأموال لأي شكل من أشكال إعادة الإعمار. ألا يُعد ذلك تطرفًا؟!

5. تشريد الناس:

في سياق الحروب التي خاضتها الولايات المتحدة، فقد ساعدت على تشريد رقم قياسي غير مسبوق من البشر منذ الأيام الأخيرة من الحرب العالمية الثانية. ففي العراق وحده، بسبب سنوات الصراع التي بدأتها واشنطن بغزوها واحتلالها للعراق عام 2003، شُردت أعداد كبيرة من الناس، بما في ذلك الفترة التي خضعت فيها لسيطرة داعش، من بينهم على الأقل 1.3 مليون طفل.

في المقابل، بدأ ترامب ومسؤولي حكومته، على تحويل اللاجئين الذين صنعت الولايات المتحدة أزمتهم، إلى مصدر رعب مخيف. بل تم تصويرهم على أنهم أخطر الناس وأكثرهم تطرفًا على وجه الأرض. أفلا يبدو ذلك كله تطرفًا؟

6. تسليح الكوكب والمواطنين الأمريكيين:

في هذه السنوات، كما هو الحال مع الإنفاق الدفاعي، بيعت الأسلحة من كل نوع يمكن تصوره تقريبًا إلى الدول الأخرى. لقد تفوق صانعي الأسلحة الأمريكيين، بمساعدة ودعم من الحكومة، على جميع المنافسين المحتملين في مبيعات الأسلحة العالمية.

يمكن القول إن ترامب ليس إلا نسخة القوى العظمى من أبوبكر البغدادي، والولايات المتحدة الآن تقود التطرف النظامي حول العالم

وفي عام 2016، على سبيل المثال، استحوذت الولايات المتحدة على 58% من هذه المبيعات، في حين بين عامي 2002 و2016، نقلت واشنطن أسلحة إلى 167 دولة، أو أكثر من 85% من الدول على هذا الكوكب. وقد نُقلت العديد من تلك الأسلحة، بما في ذلك القنابل العنقودية، والصواريخ، والطائرات النفاثة المتقدمة، والدبابات، والذخائر من كل نوع تقريبًا، إلى المناطق التي يحتدم فيها الصراع في العالم، وخاصةً في الشرق الأوسط.

في نفس الوقت، يمتلك مواطني الولايات المتحدة أنفسهم أعدادًا كبيرة من الأسلحة للفرد الواحد، أكثر من مواطني أي دولة أخرى على وجه الأرض. وقد ترتب على ذلك أنه في ظل هذه الظروف، فإنهم يرتكبون المزيد من عمليات القتل الجماعي. إذن عندما يتعلق الأمر بالأسلحة، أليس من الممكن أن تصف ذلك بأنه تطرف سواء على المستوى العالمي أو المحلي؟

ولا يُمثل كل ما ذُكر سوى غيض من فيض فيما يتعلق بموضوع التطرف الأمريكي. فعلى أية حال، أصبح لدينا الآن رئيس تعتبر إدارته التفريق بين الآباء والأطفال الصغار الذين يعبرون حدودنا الجنوبية، أو قطع المساعدات الغذائية ورفع الإيجار على الأمريكيين الفقراء؛ أمرًا طبيعيًا تمامًا، بل هو في الواقع شكل من أشكال "سياسة الردع". نحن نتحدث عن رئيس له أتباع ذو طابع طائفي، تلتزم حكومته إيديولوجيًا بالقضاء على حماية البيئة من كل نوع، ودفع المزيد من الوقود الأحفوري للدولة والكرة الأرضية، حتى لو كان ذلك يعني على المدى الطويل تدمير البيئة ذاتها التي غذت البشرية خلال آلاف السنين الماضية.

يُمكنك التفكير في ذلك باعتباره ربما نوعًا جديدًا من "عبادة الموت"، ما يعني أن دونالد ترامب يمكن اعتباره نسخة القوى العظمى لأبو بكر البغدادي. وكما هو الحال مع كل هذه الأشياء، لم تأت هذه العقيدة الخاصة من العدم، بل من أرض ذات طبيعة متطرفة متنامية، تلك الدولة التي تبدو الآن أنها مستعدة لترأس ليس فقط المدن المُدمرة ولكن أيضًا كوكبًا يعمه الخراب. ألا يبدو ذلك لك متطرفًا بعض الشيء؟

 

اقرأ/ي أيضًا:

أين اختفت حركات مناهضة الحرب في الولايات المتحدة؟

بعد مجزرة لاس فيغاس.. ما مصير "حق" حمل السلاح في أمريكا؟