03-أكتوبر-2017

راح ضحية مجزرة لاس فيغاس ما لا يقل عن 59 شخصًا (ديفيد بيكر/ Getty)

في حادث إطلاق نار هو الأعنف من نوعه في السنوات الأخيرة بالولايات المتحدة الأمريكية، فتح رجل ستيني رصاص رشاشه الآلي على حشود من الناس، كانوا يحضرون حفلًا في مدينة لاس فيغاس بولاية نيفادا، في الهواء الطلق، ليسفر ذلك عن مقتل العشرات وإصابة المئات، فيما لا تزال تداعيات الحادث ودوافعه تشغل الرأي العام الأمريكي.

59 قتيلًا على الأقل وأكثر من 500 جريح، هم ضحايا حادث إطلاق النار في لاس فيغاس، الذي يعتبر الأبشع في تاريخ أمريكا 

تفاصيل مجزرة لاس فيغاس

حدث ذلك مساء أمس الإثنين، الثاني من تشرين الأول/أكتوبر 2017، عندما فتح رجل يُدعى ستيفن كريغ بادوك، النيران على حشود من المحتفلين بمهرجان موسيقي في لاس فيغاس، وذلك من شرفة غرفته في الطابق 32 بفندق "ماندلاي باي" المطل على ساحة الاحتفال، ليخلف ما لا يقل عن 59 قتيلًا وأكثر من 500 جريح، قبل أن تهرع الشرطة إلى غرفته لتجده قد انتحر بإطلاق الرصاص على نفسه.

اقرأ/ي أيضًا: في أمريكا أيضا.. السلاح زينة الرجال!

وتعد مجزرة لاس فيغاس غير مسبوقة في تاريخ حوادث إطلاق النار في أمريكا، إذ أتاحت الوضعية المرتفعة المطلة على الجموع الغفيرة المحتفلة، والمقدر عددها بـ22 ألف شخص، إيقاع أكبر الخسائر في الأرواح، خاصة وأن الحشود لم تكن تعرف مكان إطلاق النار في البداية، فاكتفت بالقعود على الأرض، ظنًا منها أن الرصاص قادم من الخلف، ما سنح للقاتل برش الرصاص من فوق مباشرة على المتجمهرين لمدة 15 دقيقة.

وستيفن كريغ بادوك، المتسبب في المجزرة، هو رجل أمريكي أبيض مطلق بدون أطفال، يبلغ من العمر 64 سنة، ويقيم في مدينة ميسكوت بولاية نيفادا، حيث يقع منزله على بعد 80 ميلًا شمال شرق مدينة لاس فيغاس. قال أخوه إريك بادوك، بحسب شبكة "CNN"، إن شقيقه "ليس له تاريخ من العنف، وليس له اهتمام كبير بالسياسة أو الدين، كما أنه يعيش حياة مريحة لا ينقصه المال"، واصفًا شعوره أمام ما حدث بالذهول فحسب.

هذا وقد تبنى تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) العملية عبر وكالة أعماق الخاصة به، إلا أن السلطات الأمريكية الفيدرالية، تقول إنه "لا يوجد أي أدلة تشير إلى ارتباط السيد بادوك بمنظمات إرهابية". لذا فالمرجح حتى الآن، أن تبني داعش للعملية ليس إلا مجرد ادعاء بغرض دعائي.

ادعت داعش علاقتها بمجزرة لاس فيغاس، لكن الاتهامات تُشير إلى أن منفذ الحادث، وهو رجل أمريكي، لا يرتبط بأي منظمات إرهابية

وكانت شرطة لاس فيغاس قد وجدت 23 سلاحًا ناريًا في غرفة الفندق التي أطلق منها النار، إضافة إلى 19 قطعة سلاح في منزله، وفق ما نقلت صحيفة نيويورك تايمز.

نوافذ مكسورة في الطابق 32 من فندق "ماندلاي باي" الذي أطلق منه الجاني النيران (ديفيد بيكر/ Getty)
نوافذ مكسورة في الطابق 32 من فندق "ماندلاي باي" الذي أطلق منه الجاني النيران (ديفيد بيكر/ Getty)

جدل حول قوانين حمل السلاح الأمريكية

أثارت عملية إطلاق النار في لاس فيغاس نوعًا من الصدمة لدى الرأي العام الأمريكي، باعتبارها الأكثر بشاعة من نوعها في تاريخ الولايات المتحدة. واستغرقت، ولا تزال، وسائل الإعلام الأمريكية في تغطيات مستمرة للحادث وتداعياته، فيما لا تزال التحقيقات جارية حول دوافع بادوك في ارتكابه تلك المجزرة، الشيء الذي لا يزال مجهولًا حتى الآن.

اقرأ/ي أيضًا: الذئاب المنفردة.. استراتيجية أمريكا الجديدة

ووصف الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، الحادث بأنه "فعل شرير خالص قام به رجل مختل ومدمر"، معلنًا زيارته إلى لاس فيغاس في ذلك اليوم. وردًا على سؤال وجه له خلال مؤتمر صحفي، حول قضية حمل السلاح، أجاب: "سوف نتحدث عن قوانين السلاح مع مرور الوقت".

وفي هذا السياق، أعرب الديمقراطيون عن أملهم في أن تحفز هذه المأساة إجراءات الكونغرس للسيطرة على الأسلحة، إذ قال العضو الديموقراطي في مجلس الشيوخ، تشاك شومر، إن "ما يمكن أن يفعله الكونغرس، وما يجب أن يفعله الكونغرس، هو تمرير قوانين تحمي سلامة مواطنينا"، بينما لم يعط الجمهوريون أي إشارة إلى أنهم سيسلكون درب تشريعات سلامة السلاح.

وأعادت مجزرة لاس فيغاس الجدل القديم المتجدد، حول قوانين حمل الأسلحة، إذ تعتبر الولايات المتحدة الأمريكية أكثر الدول في العالم تساهلًا في حمل المواطنين للسلاح، بل إن القانون يسمح بتشكيل مجموعات مسلحة، ذلك أن التسلح هو في القانون الأمريكي "حق من الحقوق الطبيعية"، بنص التعديل الثاني في وثيقة الدستور الأمريكي: "إن وجود ميليشيات منظمة جيدًا، أمر ضروري لأمن الدولة الحرة، وإن حق الناس في امتلاك وحمل الأسلحة يجب ألا يمس".

ومن المفترض أن للسماح بحمل السلاح أصل في خلق التوازن بين أفراد المجتمع وبين سلطات الدولة. لكن على ما يبدو فهو أصل عفا عليه الزمن، من جهة أن هذا التعديل الثاني للدستور أجري عام 1791، أي قبل أكثر من 200 عام، ومن جهة أخرى فواقع الأمر أن انتشار السلاح في أمريكا بشكل واسع، بمعدل 89 قطعة لكل 100 مواطن، أدى إلى تفشي العنف والجرائم، إذ شهدت الولايات المتحدة الأمريكية العديد من حوادث إطلاق النار العشوائية في الشارع العام والمدارس والجامعات والحفلات، أسقطت العشرات من الضحايا.

وهو ما يدفع مجموعة من القوى السياسية والمدنية في أمريكا إلى المطالبة بتشديد قوانين السلاح، على أساس أن سهولة حصول كل الأفراد على السلاح يجعل الأمر خطيرًا على سلامة الناس، حيث "يمكن لأي أناس فقدوا عقولهم أو لديهم مشكلة نفسية ما أن يفتحوا النار على المواطنين، الذين لا ذنب لهم، سوى سوء حظهم بتواجدهم في المكان الخاطئ" كما يقول وولف باتشنر في مقاله بمجلة "إنكويستير".

حتى الآن باءت كل محاولات فرض مزيد من القيود على السلاح في أمريكا بالفشل، بسبب قوة ضغط لوبيهات السلاح سياسيًا وإعلاميًا

لكن محاولات التشديد على تداول الأسلحة في أمريكا عادة ما كانت تبوء بالفشل، وهو ما حصل أيضا مع إدارة أوباما السابقة التي كانت ترغب في فرض مزيد من الرقابة والتقييد على السلاح، وذلك للنفوذ القوي الذي يملكه لوبي الأسلحة ليس فقط في البيت الأبيض والكونغرس، وإنما أيضًا في الإعلام والمجتمع المدني، إذ من شأن حظر حمل السلاح أن يشكل ضربة اقتصادية قاضية لشركات بيع الأسلحة، ومن ثمة تدافع من خلال أذرعها السياسية والإعلامية بشراسة عن "الحق في التسلح"، تحت بند الحقوق الفردية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

داعشية جديدة يقودها ترامب

إنفوغراف: أبرز صفقات السلاح في المنطقة العربية خلال عام 2017