11-ديسمبر-2020

سنة جديدة تمر دون أي أفق للحل في سوريا (Getty)

في الحادي والثلاثين من كانون الأول/ديسمبر، مع بداية العام الجديد، تكون سوريا قد طوت صفحة عامٍ آخر لا يختلف عما سبقه، ربما باستثناء بعض التفاصيل والجزئيات البسيطة التي لا تغير من واقع الحال، أو تُحدث تحولات جذرية في المشهدين السياسي والاقتصادي مقارنةً بالسنوات السابقة، عدا عن أنها لا تشير إلى أي انفراجاتٍ قريبة في الأزمة التي تكمل في آذار/مارس المقبل عامها العاشر.

في الحادي والثلاثين من كانون الأول/ديسمبر، مع بداية العام الجديد، تكون سوريا قد طوت صفحة عامٍ آخر لا يختلف عما سبقه، ربما باستثناء بعض التفاصيل والجزئيات البسيطة التي لا تغير من واقع الحال

الشمال السوري.. أوضاع إنسانية صعبة يغذيها تفشي وباء كورونا

استقبل السوريون عامهم الجديد كلٌ بطريقته، فبينما تصدرت الأزمة الاقتصادية المشهد في مناطق سيطرة النظام، كانت خرائط السيطرة والنفوذ تتغير في منطقة خفض التصعيد الأخيرة (محافظة إدلب وأجزاء من أرياف اللاذقية وحماة وحلب)، حيث خسرت فصائل المعارضة المسلحة أجزاءً واسعة من المنطقة، بعد معارك عنيفة مع ميليشيات النظام وحلفائه خلال الفترة الممتدة من كانون الثاني/يناير 2020، وحتى آذار/مارس من العام نفسه.

اقرأ/ي أيضًا: الشمال السوري وكورونا.. أربعة ملايين إنسان وجهًا لوجه أمام الكارثة

وبحسب إحصائيات فريق "منسقو استجابة سورية"، تسببت المعارك التي أفضت إلى سيطرة ميليشيات النظام على ريفي إدلب الجنوبي والشرقي، وأجزاء من ريفي حلب الجنوبي والغربي، بالإضافة إلى إحكام قبضتها على طريق دمشق – حلب الدولي (M5)، وسيطرتها على مدينتي معرة النعمان وسراقب؛ بنزوح نحو 1,041,233 مدنيًا، ومقتل ما لا يقل عن 701، بينهم 212 طفلًا، ونحو 91 امرأة خلال أربعة أشهر من المعارك التي توقفت بعد توصل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ونظيره التركي رجب طيب أردوغان، في الـ 5 من آذار/مارس الفائت إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في المنطقة.

Idlib Faces a Fearsome Future: Islamist Rule or Mass Murder – Foreign Policy
تستمر الأزمة المعيشية في الشمال السوري (أ.ف.ب)

وعلى الرغم من دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، وتوقف العمليات العسكرية في المنطقة، في الوقت الذي بلغ فيه عدد النازحين العائدين إلى بلداتهم وقراهم البعيدة نسبيًا عن خطوط التماس نحو نصف مليون نازح، خلال الفترة الممتدة بين 5 آذار/مارس وحتى 7 كانون الأول/ديسمبر الجاري؛ إلا أن ميليشيات النظام والطائرات الحربية الروسية واصلت قصفها للمنطقة، حيث وثق منسقوا الاستجابة أكثر من 4,128 خرقًا لاتفاق وقف إطلاق النار منذ تاريخ توقيعه، وهو ما تسبب بمقتل 79 مدني، بينهم 41 طفلًا، و5 نساء.

تشير الأرقام السابقة إلى عدم التزام ميليشيات نظام الأسد بالاتفاق، ومحاولتها المستمرة للالتفاف عليه ومواصلة حملتها العسكرية على المنطقة، في الوقت الذي تشهد فيه الأخيرة أوضاعًا إنسانية صعبة في ظل تفشي فيروس كورونا، حيث تجاوزت نسبة الإصابات داخل المخيمات أكثر من 10% بعد تسجيل نحو 17 ألف إصابة، وسط عجز المؤسسات الصحية المحلية عن تأمين المساعدات الطبية اللازمة لمواجهة تداعيات الجائحة، وعدم التزام السكان بالتباعد الاجتماعي، بالإضافة إلى غياب المياه والمنظفات والمعمقات، واكتظاظ المخيمات البالغ عددها 1,277 مخيم، منها نحو 366 مخيم عشوائي.

وكان فريق منسقو الاستجابة قد وثق تسجيل مخيمات النازحين معدلات إصابة عالية مقارنةً ببقية المناطق، وهو ما أثار مخاوف المنظمات الإنسانية من تحول المخيمات إلى بؤرة كبيرة للوباء، وذلك في ظل الكثافة السكانية المرتفعة، وازدحام النازحين ضمن المخيمات، وسط غياب الظروف الصحية الملائمة، والخوف من استئناف ميليشيات النظام حملتها العسكرية على المنطقة، الأمر الذي يؤدي إلى زيادة أعداد النازحين في المخيمات، خصوصًا مع دخول فصل الشتاء، وضعف الإمكانيات الصحية والإغاثية، الأمر الذي يشكل خطرًا كبيرًا على صحة وسلامة أكثر من مليوني شخص.

تطوي منطقة خفض التصعيد الأخيرة صفحة هذا العام على وقع أزماتٍ مختلفة، في مقدمتها انحسار مساحتها بمعدل 47% لصالح النظام، والأوضاع الإنسانية والمعيشية الصعبة، وارتفاع معدلات الفقر، وتزايد أعداد الإصابات بفيروس كورونا، والخوف من استئناف النظام لحملته العسكرية في ظل خروقاته المستمرة لاتفاق وقف إطلاق النار، واستمراه في استقدام التعزيزات العسكرية إلى خطوط التماس، بالإضافة إلى أزمات أخرى متعلقة بالفلتان الأمني، والاغتيالات، وتنامي نشاط الخلايا النائمة لتنظيم داعش، والتوتر بين فصائل الجيش الوطني من جهة، والفصائل والجماعات الجهادية من جهةٍ أخرى.

على الطرف المقابل، تعيش مناطق "درع الفرات"، و"غصن الزيتون"، و"نبع السلام"، الخاضعة للنفوذ التركي المباشر، نوعًا من الاستقرار المعيشي، ولكن في ظل تصاعد حالات الصدام والاقتتال بين فصائل الجيش الوطني، بالإضافة إلى تزايد أعداد المفخخات التي استهدفت خلال الشهور الأخيرة مدن عفرين والباب واعزاز ورأس العين، موقعةً عشرات القتلى والجرحى في صفوف المدنيين والعسكريين.

منطقة شرق الفرات.. الولايات المتحدة تعزز سلطة "قسد"

شهدت منطقة شرق الفرات خلال هذا العام تطورات لافتة، تمثلت في الحوار الكردي – الكردي الذي انطلق برعاية الولايات المتحدة الأمريكية بين أكبر كيانين سياسيين كرديين في سوريا، هما "المجلس الوطني الكردي"، وأحزاب "الإدارة الذاتية" المسماة مؤخرًا أحزاب الوحدة الوطنية الكردية"، بقيادة حزب "الاتحاد الديمقراطي" الذي تشكل قوات سوريا الديمقراطية "قسد" ذراعه العسكرية، وذلك بهدف توحيد الصف الكردي من خلال تشكيل مرجعية سياسية موحدة، تمثل الأكراد في مفاوضات جنيف التي ترعاها الأمم المتحدة من جهة، والعمل انطلاقًا من هذه الخطوة على تحقيق تقارب بين المعارضات السورية المتعددة، تمهيدًا لدفعها إلى التوحد ضمن جسم سياسي وعسكري موحد من جهةٍ أخرى.

وبالإضافة إلى هذه التطورات، كانت الولايات المتحدة قد عززت من سلطة حلفائها الأكراد في المنطقة من خلال اتفاق لتحديث حقول وآبار النفط والغاز الواقعة تحت سيطرة الإدارة الذاتية، الأمر الذي اعتُبر خطوة سياسية أكثر منها اقتصادية، الهدف منها تعزيز سلطة قسد وتقديم نوع من الاعتراف الأمريكي بالإدارة الذاتية بصفتها طرفًا رئيسيًا في المشهد السوري بشكلٍ عام، ومنطقة شرق الفرات بشكلٍ خاص.

وفي هذا السياق، توصلت "قسد" إلى اتفاق مع روسيا ينص على إنشاء نقاط عسكرية مشتركة بين الطرفين في محيط منطقة "عين عيسى"، شمالي الرقة، بعد تهديدات تركية مكثفة بشن عملية عسكرية بهدف السيطرة على البلدة الواقعة على الطريق الدولي (M4) الذي يربط شرق سوريا بغربها.

مناطق سيطرة النظام.. فلتان أمني والفقر يتصدر المشهد

بلغت الأزمة الاقتصادية في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام السوري ذروتها هذا العام، بعد دخول "قانون قصير" حيز التنفيذ في الـ 17 من حزيران/يونيو الفائت، حيث أعلنت الولايات المتحدة عن حزمة من العقوبات الاقتصادية ضد نظام الأسد وحلفائه، بالإضافة إلى الشركات والأفراد المرتبطين به، بهدف شل مفاصل اقتصاده.

الأزمة التي أخذت منحىً تصاعديًا بعد إقرار القانون، انعكست في الواقع المعيشي اليومي لحياة السوريين في تلك المناطق، حيث ارتفعت معدلات الفقر والبطالة، وازدادت الأوضاع المعيشية صعوبة في ظل ارتفاع أسعار المواد الغذائية، ودخول الخبز على خط الأزمة، إذ تكررت خلال الفترة الأخيرة مشاهد لطوابير طويلة على المخابز بهدف تأمين رغيف الخبز الذي تحول إلى هاجس يومي بالنسبة إلى غالبية السوريين.

U.N. Sounds Alarm Over Killings in Idlib as Syria Cease-Fire Collapses -  The New York Times
سوريا أسوأ دول العالم في كمية الألغام المزروعة (Getty)

وكان نظام الأسد قد ألحق مادة الخبز مؤخرًا بنظام التقنين، حيث حدد ثلاثة أرغفة ونصف يوميًا للفرد فقط، يتم توزيعها عبر ما سمى "البطاقة الذكية"، الأمر الذي زاد من صعوبة حياة السوريين الذين يتخذون من الخبز مادة رئيسية في وجباتهم، وسط الارتفاع الكبير والصادم في أسعار المواد الغذائية، وعجز حكومة النظام على توفير حلول ومخارج لهذه الأزمة التي عنونت حياة السوريين في مناطقه هذا العام، ومن المتوقع أن تأخذ منحىً تصاعديًا أشد سوءًا خلال العام المقبل.

الشبكة السورية لحقوق الإنسان.. الألغام تحصد أرواح السوريين

في هذا السياق، ذكرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان في تقرير لها أن سوريا من أسوأ دول العالم في كمية الألغام المزروعة، وذلك على الرغم من حظر القانون الدولي استخدامها، حيث أشارت الشبكة إلى أن الألغام قتلت، منذ عام 2011، ما لا يقل عن 2601 مدنيًا في سوريا، بينهم 598 طفلًا، ونحو 267 امرأة، أغلبهم في محافظتي حلب والرقة، إذ بلغت نسبة الضحايا في المحافظتين قرابة 51% من مجمل ضحايا الألغام.

وذكر التقرير أن العامل وراء تفاوت هذه النسب هو تغير القوى المسيطرة على الأرض، وتعدد الجهات التي سيطرت على المحافظة الواحدة، مشيرًا إلى أن محافظة حلب تعتبر من أكثر المحافظات التي تغيرت فيها خريطة السيطرة والنفوذ بين أطراف النزاع، في الوقت الذي يبدو فيه من الصعب إسناد مسؤولية حوادث القتل بشكل محدد إلى جهة بعينها بالنسبة إلى الألغام الأرضية المضادة للأفراد والمركبات، يضاف إليها التفجيرات عن بعد، والهجمات الانتحارية أو الإجبارية.

ذكرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان في تقرير لها أن سوريا من أسوأ دول العالم في كمية الألغام المزروعة، وذلك على الرغم من حظر القانون الدولي استخدامها

وأشار التقرير إلى تكتم جميع القوى الفاعلة في النزاع السوري على خرائط الألغام التي زرعتها، وعدم مساهمتها بشكل جدي في العمل على إزالتها، لا سيما بالنسبة إلى ميليشيات النظام التي استعادت خلال السنوات الأخيرة السيطرة على مناطق واسعة كانت تحت سيطرة تنظيم داعش وفصائل المعارضة المسلحة، دون القيام بأي جهد حقيقي لتنظيف المساحات التي استعادتها من الألغام.

 

اقرأ/ي أيضًا:

 النظام السوري مستمر في الإنكار وتفشي كورونا في المخيمات ينذر بكارثة

 فيروس كورونا يهدد الشمال السوري.. احتمالات مفتوحة على الكارثة