12-فبراير-2020

يزداد الوضع تعقيدًا على النازحين في إدلب (Getty)

تتّجه قوّات النظام السوريّ والميليشيات المساندة لها بإسنادٍ جوّي روسيّ مكثّف نحو إكمال سيطرتها على ما تبقّى من الطريق الدوليّ دمشق – حلب (M5) بعد سيطرتها، الخميس 6 شباط/فبراير الجاري، على مدينة سراقب عقدة الطريقين الدوليين (M5) وحلب – اللاذقية المعروف بـ (M4).

لا تزال حركة النزوح مستمرّة من مناطق جسر الشغور وأريحا الواقعة في محيط طريق حلب – اللاذقية (M4) باتّجاه المناطق الحدودية، وذلك وسط أوضاع إنسانية تزداد سوءًا

وتُحاول ميليشيات الأسد الطائفية منذ دخولها مدينة سراقب ومعرة النعمان التقدّم في أرياف مدينة حلب الجنوبية والغربية، حيث تمكّنت يوم السبت، 8 من الشهر الجاري، من السيطرة على بلدة العيس وتلّتها الإستراتيجية، والتقدّم بموجب ذلك نحو عددٍ من القرى والبلدات وصولًا إلى سراقب، بعد معارك عنيفة مع فصائل المعارضة المسلّحة، الأمر الذي سهّل عليها عملية السيطرة على الجزء المتبقّي تحت سيطرة الفصائل من الـ (M5)، لا سيما بعد تقدّمها الواسع يوم الثلاثاء على حساب الفصائل في ريفي إدلب وحلب.

اقرأ/ي أيضًا: إدلب في سياق التوتر التركي الروسي.. ماذا يحدث؟

ضمن هذا السياق، واصلت أنقرة تعزيز تواجدها العسكري داخل محافظة إدلب، حيث بلغ عدد الأرتال العسكرية التي دخلت المنطقة منذ مطلع شباط/فبراير وحتّى هذه اللحظة نحو 20 رتلًا، بينما بلغ عدد الآليات والمركبات العسكرية المتواجدة ضمن نقاط المراقبة الجديدة نحو 1000، منها أكثر من 430 آلية دخلت خلال الأيام الثلاثة الماضية فقط.

وكانت القوّات التركية قد أنشأت 8 نقاط عسكرية جديدة في المنطقة: نقطة في صوامع الحبوب جنوب مدينة سراقب، ونقطة في مفرق قرية كفر عميم بالقرب من سراقب، ونقطة في قرية الترنية المحاذية لطريق الدولي حلب – اللاذقية (M4)، بينما أنشأت نقطة داخل مطار تفتناز العسكري، وأخرى في مبنى الإسكان العسكري الواقع بين بلدة سرمين وإدلب المدينة، بالإضافة إلى نقطة أخرى في معسكر المسطومة الواقع على الطريق الواصل بين إدلب وأريحا، ونقطة في الفوج 46 في بلدة الأتارب في ريف حلب الغربيّ، ونقطة أخرى في محيط بلدة معرة النعسان في ريف إدلب الشرقيّ.

الحشود العسكرية التركية غير المسبوقة تأتي بعد تصريحاتٍ حادّة للرئيس التركيّ رجب طيب أردوغان أمهل فيها النظام السوري حتّى نهاية شباط/فبراير الجاري للانسحاب من محيط نقاط المراقبة التركية في منطقة خفض التصعيد، وبعد مواجهاتٍ مباشرة وغير مسبوقة أيضًا بين القوّات التركية وميليشيات النظام، أسفرت حتّى هذه الساعة عن مقتل عدة جنود أتراك، وأكثر من 150 قتيل من الميليشيات بحسب وزارة الدفاع التركية.

يطرح التواجد العسكريّ التركيّ المتصاعد في محافظة إدلب العديد من الأسئلة حول مهمّته ودوره، حيث يراه البعض مقتصرًا على رسم خطوط حمراء جديدة أمام ميليشيات النظام لمنعها من التوغّل باتّجاه مدينة إدلب ومحيطها، لا سيما وأنّ المنطقة تضمّ نحو 1.2 مليون مدنيّ، بينهم نازحون من أرياف المحافظة الجنوبية والشرقية. بينما يرى البعض الآخر أنّ مهمّته قد تكون فرض واقع جديد في الأيام القادمة بشكلٍ يتّسق مع مهلة أردوغان ووعده بطرد الميليشيات خلف حدود منطقة خفض التصعيد في حال رفضت الانسحاب.

وكان من المتوقّع أن يتّضح المشهد أكثر بعد اللقاء الذي جمع الأتراك بوفدٍ روسيّ كان قد وصل إلى أنقرة السبت 8 شباط/فبراير بعد ساعاتٍ فقط من تلقّي وفدٍ آخر رسالة تهديد مفادها أنّ تركيا مستعدّة للتصعيد العسكريّ في حال فشل المفاوضات بين المسؤولين الأتراك والروس، غير أنّ المباحثات بين الطرفين لم تقدّم ما يمكن الاستدلال به على ملامح الفترة المقبلة، إذ اكتفى الجانبان بالاتّفاق على ضرورة التوصّل إلى تهدئة بأسرع وقتٍ ممكن، وضرب موعدٍ جديد لمباحثات جديدة خلال الأسابيع القادمة.

بالتوازي مع انتهاء المباحثات بين الطرفين، دفعت أنقرة بتعزيزات عسكرية جديدة وصلت ليلًا إلى محافظة إدلب، ممّا يعزّز من فرضية أنّ المواجهة العسكرية بين الأتراك وميليشيات النظام لا تزال مطروحة عند الجانب التركيّ الذي أبدى إصرارًا على انسحاب تلك الميليشيات إلى حدود منطقة خفض التصعيد. وكانت وكالة الأناضول قد نقلت عن مصادر أمنية أنّ القوات التركية بانتظار الأوامر لتنفّذ عمليات ضدّ قوات النظام في إدلب وريفها، وهو ما يفسّر الحشد العسكري التركيّ المتواصل في المنطقة، وبمختلف الأسلحة، لا سيما بعد إطلاق فصائل المعارضة يوم الثلاثاء، لعمل عسكري بدعم صاروخيّ ومدفعيّ تركيّ سيطرت خلاله على بلدة النيرب، وتمكّنت أيضًا من إسقاط طائرة مروحية لميليشيات النظام بصاروخ مضاد للطيران، يُقال إنّه جزء من الدعم النوعيّ الذي قدّمته تركيا للفصائل.

أمّا على الصعيد الإنسانيّ، لا تزال حركة النزوح مستمرّة من مناطق جسر الشغور وأريحا الواقعة في محيط طريق حلب – اللاذقية (M4) باتّجاه المناطق الحدودية، وذلك وسط أوضاع إنسانية تزداد سوءًا مع ازدياد عدد النازحين، خصوصًا وأنّ المنطقة استقبلت خلال الشهر الفائت، كانون الثاني/يناير، وحتّى الآن نحو نصف مليون نازح، وقد يرتفع العدد إن واصلت ميليشيات النظام حملتها باتّجاه مدينة إدلب التي يقطنها 723.499 إنسان بالإضافة إلى محيطها الذي يضمّ 476.501 مدنيّ أيضًا، ممّا يعني أن هناك 1.2 مليون شخص مهدّد بالتهجير باتّجاه الحدود السورية – التركية.

وكانت الأمم المتّحدة قد أعلنت خلال الأيام الماضية أنّ المخيمات الموجودة شمال إدلب قد بلغت طاقتها الاستيعابية، بينما استوعبت المنازل المتوفّرة جميع من يمكن إيواؤهم، في الوقت الذي لا تزال فيه أعداد كبيرة من النازحين الجدد، غالبيتهم أطفال ونساء، يبيتون على جوانب الطرقات وتحت الأشجار في الأراضي الموحلة، وقد وصل بهم الأمر إلى حرق ملابسهم للتدفئة بعد الانخفاض الحاد في درجات الحرارة.

تهجير المهجّر... من ريف حماة الشماليّ إلى مدينة اعزاز

مع بدء ميليشيات النظام حملتها العسكرية على قرى وبلدات ريف حماة الشمالي مطلع شباط/فبراير من العام الفائت 2019، وجد محمد أبو إياد نفسه مضطّرًا للنزوح من بلدته، كفرنبودة، باتّجاه ريف معرة النعمان الشرقيّ. "كنا نظنّ أنّ نزوحنا مؤقّت، وأن التفاهمات الروسية – التركية ستفرض نفسها مجدّدًا بناءً على تفاهمات سوتشي، ولذلك فضّلنا التوجّه نحو ريف المعرّة، حيث يقيم بعض أقاربنا، ولكن بعد سيطرة قوّات النظام على كفرنبودة، أدركنا أنّ نزوحنا سيطول".

ويضيف أبو إياد في حديثه لـ "ألترا صوت": "لم نكن قد استقرّينا بشكلٍ كامل حينما تقدّمت ميليشيات النظام نحو مدينة خان شيخون، وبدأت تصعيدها أيضًا على ريف معرّة النعمان، والمعرّة نفسها، حيث طال القصف مكان تواجدنا، واضطررنا للنزوح مجدّدًا باتّجاه بلدة كفر نوران في ريف حلب الغربيّ، ولكنّنا سرعان ما خرجنا منها بعد بدء النظام حملته على الريف الغربيّ والجنوبيّ لمدينة حلب. قصدنا في نزوحنا الثالث مدينة إدلب، ثمّ عدنا وخرجنا منها بعد تقدّم النظام نحو سراقب، وقصفه المكثّف للمدينة، لتكون وجهتنا التالية مدينة اعزاز في منطقة درع الفرات، والتي لا نعلم إن كانت وجهتنا الأخيرة أم لا".

الطرقات الدولية... لعنة تطارد النازحين

تلاحق لعنة الطرقات الدولية فيصل أبو حسام. أواخر شهر أيلول/سبتمبر 2019، خرج من مدينة معرة النعمان بعد حملة القصف المكثّف الذي تعرّضت له المدينة، باعتبار أنّ الطريق الدوليّ دمشق – حلب (M5) يمرّ بها. يقول لـ "ألترا صوت": "نزحنا باتّجاه محمبل البعيدة عن ساحات المعارك، والقريبة من مدينة أريحا، واعتقدنا حينها أنّنا نجونا من الموت حين ابتعدنا عن المعرّة وطريقها الدوليّ، ولكنّنا اكتشفنا فيما بعد أنّ محمبل ليست آمنة بشكلٍ كامل، لأنّ الطريق الدوليّ حلب – اللاذقية (M4) يمرّ بالقرب منها، وهو الطريق الذي يسعى النظام وروسيا للسيطرة عليه بعد طريق دمشق – حلب".

لم تسلم القرية بحسب أبو حسام من القصف، ولكنّه لم يكن بمقدار القصف العنيف الذي تعرّضت له المعرّة وقراها، ولهذا السبب لم يفكّر بالنزوح. ولكن بعد سقوط سراقب أدرك المدنيون أن الوجهة القادمة قد تكون أريحا وجسر الشغور، وهو ما دفعه للنزوح باتّجاه بلدة معرة مصرين، ومنها نحو بلدة كللي، غير أنّه لا يتوقع أن تطول إقامته هناك لعدّة أسباب، منها سوء الأوضاع الإنسانية. "نبحث عن مكانٍ آمن وبعيد، وقد تكون وجهتنا القادمة درع الفرات أو غصن الزيتون، لأنّ المنطقة الحدودية باتت تكتظّ بالنازحين، والناس فوق بعضهم هنا، ضمن مساحة ضيّقة وقابلة للانكماش".

من داريا إلى إدلب... ماذا بعد الشمال؟

ضاقت السبل على أم أحمد وأولادها. الأرملة المهجّرة من مدينة داريا وصلت إلى ريف حماة الشمالي سنة 2016، ثمّ انتقلت إلى مدينة معرّة النعمان، وبعد اتّفاق إخلاء سكّان قريتي الفوعة وكفريا بين النظام والمعارضة سنة 2018، انتقلت إلى الفوعة، حيث أمّنت لها فصائل المعارضة، أسوةً بغيرها من الأرامل، منزلًا هناك، وخصّصوا لها مساعدات شهرية تقول إنّها كانت تكفيها قبل الحملة العسكرية على المنطقة.

"كانت الأمور في البداية جيّدة، فقدنا الأمل بالعودة إلى داريا، وتعايشنا مع حالتنا الراهنة، وحاولنا قدر المستطاع بدء حياة جديدة هنا، ولكن بعد الحملة وتقدّم ميليشيات النظام، بدأنا نشعر بالخوف. أنا امرأة، ولا أستطيع تدبّر أمور النزوح وحدي، وليس لدي معيل بعد استشهاد زوجي في معارك داريا. إن خرج الناس من القرية سوف أخرج برفقتهم، وإن كانت الوجهة مجهولة. فكّرنا في البداية في النزوح إلى اعزاز، لدينا معارف هناك، ولكنّني لا أستطيع تأمين تكاليف النقل".

اقرأ/ي أيضًا: مدن وبلدات فارغة.. إدلب وحيدة في وجه المقتلة

من نار النظام وروسيا إلى نار الميليشيات الكردية... لا أمان في عفرين

اختبر فؤاد أبو عمر أكثر من نزوح، ويرى أنّه قد يضطّر لاختبار الأمر مجدّدًا، وكأنّ النزوح من مكانٍ إلى آخر بات قدره. في حديثه لـ "الترا صوت"، يقول أبو عمر إنّه نزح من ريف معرّة النعمان باتّجاه بلدة خان العسل في ريف حلب الغربيّ، ولكنّه اضطّر للنزوح من جديد بعد حملة النظام على المنطقة، حيث اتّجه إلى مدينة إدلب، ثمّ مخيمات بنش التي غادرها بعد قصف الميليشيات لها، قاصدًا في نزوحه الرابع مدينة عفرين.

يطرح التواجد العسكريّ التركيّ المتصاعد في محافظة إدلب العديد من الأسئلة حول مهمّته ودوره، حيث يراه البعض مقتصرًا على رسم خطوط حمراء جديدة أمام ميليشيات النظام لمنعها من التوغّل باتّجاه مدينة إدلب

"صحيح أنّنا نجونا من قصف ميليشيات النظام، ولكنّنا قد لا ننجو من قصف الميليشيات الكردية. قبل أيام قليلة سقطت عدّة صواريخ على المدينة، وسوّت مبنىً قريبًا من مكان سكننا بالأرض تمامًا. وقبل يومين انفجرت مفخّخة قتلت 6 أشخاص. المدينة ليست آمنة، ولكنّها أفضل من غيرها في الوقت الراهن".

 

اقرأ/ي أيضًا: 

نازحو الشمال السوري.. في قلب الكارثة