26-أبريل-2020

الشمال السوري أمام كارثة محتملة بسبب كورونا (Getty)

الكارثة مؤجّلة، ولكنّها حتمًا ليست ببعيدة. هذا بالضبط ما حذّرت منه منظّمة الدفاع المدنيّ السوريّ التي دقّت قبل أيام قليلة ناقوس الخطر إزاء وباء "كورونا" الجديد الذي أكّدت عدم قدرة الشمال السوريّ على مواجهته، مُعلنةً وبصريح العبارة، أنّ هناك أكثر من 4 ملايين مواطن سوريّ، يقفون وجهًا لوجه، أمام كارثة لا يملكون أمامها ما يُعزِّز من قدرتهم على الصمود والثبات، الأمر الذي يجعلهم أمام خيارين لا ثالث لهما: إمّا الموت جوعًا، أو الموت بالفيروس الذي لم يظهر حتّى هذه اللحظة في المنطقة، دون أن يعني ذلك أنّه غير موجود.

الكارثة مؤجّلة، ولكنّها حتمًا ليست ببعيدة. هذا بالضبط ما حذّرت منه منظّمة الدفاع المدنيّ السوريّ التي دقّت قبل أيام قليلة ناقوس الخطر إزاء وباء "كورونا" الجديد

وفي شريطٍ مصوّر نشره الدفاع المدنيّ على حسابه في "تويتر"، قال منير المصطفى نائب مدير المنظّمة، إنّ تسجيل حالة إصابة واحدة في الشمال، سيؤدّي إلى انفجار الفيروس وتفشّيه بسرعةٍ قياسية، لا سيما في المخيمات، حيث يعيش أكثر من مليون ونصف المليون نازح، ضمن تجمّعات سكّانية مكتظّة تفتقر إلى أدنى مقوّمات الحياة، بما في ذلك شبكات المياه والصرف الصحّي.

اقرأ/ي أيضًا: ترقب في إدلب.. هل تصل المساعدات قبل كورونا؟

وأكّد المصطفى في الشريط غياب القدرة على التعامل مع الحالات المُصابة في حال انتشار الفيروس، لا سيما في الوقت الذي تبدو فيه نصف الإجراءات المتّبعة للوقاية منه، كالبقاء في المنازل من خلال فرض حجرٍ منزليّ، شبه مستحيلة بسبب حرص الناس على تأمين قوت يومهم، ممّا يُصعّب من تطبيق التباعد الاجتماعي، ويٌسهّل من انتشار الفيروس الذي لن تكون القطاعات الطبية في الشمال قادرة على السيطرة عليه، في ظلّ قدراتها المحدودة نتيجة الاستهداف المتكرّر لها من قبل النظام وحلفائه الروس، الأمر الذي يضع المجتمع الدوليّ والأمم المتّحدة ومنظّمة الصحّة العالمية أمام مسؤولية إنسانية وأخلاقية كبيرة لإنقاذ أرواح المدنيين في الشمال.

وعلى الرغم من الجهود المبذولة لمكافحة الفيروس من قبل وزارة الصحّة في الحكومة السورية المؤقّتة بالشراكة مع كلٍّ من وزارة الصحّة التركية، وعددٍ من المنظّمات الصحّية غير الحكومية؛ إلّا أنّ الاستجابة الحقيقية والفعّالة لا تزال غير كافية في منطقة ضيّقة ومكتظّة بأكثر من أربعة ملايين إنسان، وفِّرَ لهم ثلاث مراكز للحجر الصحيّ فقط، موزّعة على مدن وبلدات سلقين ودارة عزّة والباب، وبسعة 20 سريرٍ لكلّ مركز. بالإضافة إلى مخبرٍ وحيد لفحص واكتشاف الحالات المُشتبهة.

في السياق ذاته، كانت منظّمة الصحّة العالمية قد أعلنت عزمها العمل على منع تفشي الوباء في الشمال، واتّخاذ الإجراءات اللازمة لتجنيب المنطقة سيناريوهات قد تكون كارثية، وذلك من خلال وضعها خطّة استجابة اشتملت على إقامة تدريبات للكوادر الطبّية حول كيفية التعامل مع الجائحة، وتجهيز مختبرات في إدلب وأنقرة للتشخيص وإجراء الفحوصات، بالإضافة إلى تشكيل فريقٍ عمل يتّبع للمنظّمة مباشرةً للتعامل مع أي طارئ، وتخصيص 30 مليون دولار أمريكيّ لغرض مكافحة الفيروس، والعمل على إنشاء مراكز عزلٍ صحّيَ بقدرات استيعابية معقولة، ضمن خطّة الاستجابة التي وضعتها، والتي لا تزال محدودة للغاية.

الأخبار القادمة من الشمال السوريّ، تؤكّد عدم قدرة المنطقة على اتّخاذ التدابير الوقائية المُتّبعة في مختلف دول العالم، خاصّةً التباعد الاجتماعي الذي لا يبدو ممكنًا في المخيمات المكتظّة بالنازحين، حيث تأوي خيمة واحدة أكثر من 10 أشخاص في وقتٍ واحد، بالإضافة إلى الأوضاع المعيشية الصعبة التي ستُجبر الناس على عدم الالتزام بأي حجرٍ يُفرض عليهم بحثًا عن لقمة العيش.  

اقرأ/ي أيضًا: النظام السوري مستمر في الإنكار وتفشي كورونا في المخيمات ينذر بكارثة

وإلى جانب التباعد الاجتماعي، ثمّة تدابير وقائية أخرى بدت مثيرة للسخرية في الشمال، منها غسل اليدين والنظافة الجسدية غير المُمكنة إطلاقًا في منطقة تفتقر إلى أبسط مقوّمات الحياة، كالماء وشبكات الصرف الصحيّ وغيرها، لا سيما في المخيمات التي يتشارك فيها أكثر من أربعين شخص دورة مياه واحدة فقط. ناهيك عن النازحين الذين لا يزالون دون مأوى منذ شهور طويلة، حيث ينتشرون في الشوارع أو الأراضي الزراعية بالقرب من الحدود التركية، داخل خيم بدائية لا تقيهم حرّ الصيف وبرد الشتاء، ولن تكون عائقًا حقيقيًا أمام الفيروس إن تفشّى في المنطقة.

الأخبار القادمة من الشمال السوريّ، تؤكّد عدم قدرة المنطقة على اتّخاذ التدابير الوقائية المُتّبعة في مختلف دول العالم، خاصّةً التباعد الاجتماعي الذي لا يبدو ممكنًا في المخيمات المكتظّة بالنازحين

القطاع الطبيّ بدوره بدا متخوّفًا من احتمالية انتشار الفيروس في مدن وبلدات الشمال، نتيجة افتقاره إلى أبسط المعدّات التي قد تمكّنه لا من السيطرة على المأساة لو حصلت، وإنّما التخفيف من وطأتها وأضرارها، حيث يقدّر أطباء المنطقة أنّ عدد الذين سيلتقطون الوباء سيتجاوز المليون شخص، بينما ستتخطّى أعداد الوفيات 100 ألف مُقابل 10 آلاف شخص سيكونون بحاجةٍ إلى أجهزة تنفس صناعية، يوجد منها في محافظة إدلب 153 فقط. أضف إلى ذلك النقص الحاصل في أعداد القفازات والأقنعة الواقية والمعقّمات، ممّا يعني أنّ المنطقة بمختلف قطاعاتها، دون أي مساعدة دولية فعّالة وملموسة، ستكون عاجزةً عن السيطرة على الفيروس.

 

اقرأ/ي أيضًا:

 فيروس كورونا يهدد الشمال السوري.. احتمالات مفتوحة على الكارثة