26-يناير-2020

تصعيد جديد شمال سوريا (Getty)

يبدو أن "المعركة الكبرى" التي تحدث عنها الرئيس التركي رجب طب أردوغان شمال سوريا قد بدأت، مع تصعيد قوات النظام وروسيا عملياتهم العسكرية على عدة محاور، فيما يبدو سباقًا بين الفصائل العسكرية المعارضة وقوات النظام على بدء المعركة وتحقيق تقدم على الأرض، وهذا ما أكدته الحشود العسكرية للنظام على جبهة حلب في اليومين الماضيين.

تريد روسيا من فرض اتفاقيات وقف إطلاق النار وخرقها، أن تستثمر بعض الأيام في تحصين الخط الجديد الذي وصلت إليه ونقل قوات النظام إلى محاور قتال أخرى لإكمال الهجوم

الاستعداد للمعركة الكبرى

جاء التصعيد العسكري للنظام وحلفائه عقب إعلان روسيا مقتل 40 عنصرًا من قوات النظام وإصابة 80 آخرين في ريف إدلب إثر هجوم شنته الفصائل العسكرية، لتعتمد بعدها قوات النظام سياسة الأرض المحروقة بغطاء جوي روسي وبدعم من الميليشيات الإيرانية، وتسيطر على قريتين جديدتين في ريف إدلب الجنوبي، حسب وكالة الأناضول.

اقرأ/ي أيضًا: الانهيار المتوقّع لهدنة إدلب

وأوضحت الوكالة أن قوات الأسد مدعومة بغطاء جوي روسي، ليلة السبت، واصلت التقدم باتجاه معرة النعمان، إذ سيطرت على قريتي معر شمارين، والدير الشرقي. وبهذا أصبحت قوات الأسد على بعد 3 كم من مركز معرة النعمان، الواقعة جنوبي إدلب. كما تتقدم قوات النظام السوري في جبهة تل كريسيان، الواقعة في منطقة سراقب، شمال شرق معرة النعمان.

وفي أنقرة شارك الرئيس التركي في جانب من الاجتماع بين قادة الجيش الوطتي السوري ووزير الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة من جهة، وحقان فيدان رئيس الاستخبارات التركية من جهة ثانية عبر اتصال مرئي، وقال أردوغان للفصائل تجهزوا للمعركة الكبرى.

أبلغ الجانب التركي قيادات فصائل الجيش الوطني أن المباحثات مع روسيا لم تحقق نتيجة، وأن الأخيرة ماضية في الحل العسكري، وبالتالي يجب على فصائل المعارضة السورية أن تدافع عن نفسها في وجه الحملة التي تتعرض لها. وأشار الجانب التركي إلى أنه سيزيد من الدعم المقدم للجيش الوطني لمواجهة قوات النظام وروسيا.

معركة من ثلاث محاور

أكدت مصادر عسكرية لموقع "تلفزيون سوريا" أن قوات الأسد بدعم روسيا تستعد لشن هجوم جديد شمال غرب سوريا من ثلاثة محاور في وقت متزامن. وأضافت المصادر أن الهدف الأول يتمثل في الوصول إلى مدينة معرة النعمان، والثاني هو مدينة سراقب، أما المحور الثالث وهو الأوسع فيشمل مساحة واسعة من الضواحي الغربية لمدينة حلب بهدف تأمينها.

وعلى مدار الأسبوعين الماضيين نقلت قوات الأسد قواتها من محور تلة "كبانة" بريف اللاذقية إلى ريف حلب الغربي، ونشرتهم في ضواحي "منيان" و"الأسد" و"1070".

وقالت وكالة الإعلام الروسية نقلًا عن وزارة الدفاع الجمعة، إن ثلاثة عناصر من قوات الأسد  قتلوا وأصيب ثمانية آخرون خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية بنيران من وصفتهم  بالـ"متشددين" في حلب. وأضافت أن قوات النظام أحبطت هجومًا نفذه ما يصل إلى 70 عنصرًا من الفصائل العسكرية غرب المدينة.

وقال الباحث في الشأن السوري عبدالله الموسى لـ "ألترا صوت"، إن روسيا خرقت وقف إطلاق النار الأخير في إدلب على الرغم من التصريحات التركية الرسمية التي أعربت عن أملها بهدنة طويلة هذه المرة، إذ سبق وأن خرقت روسيا أربع اتفاقيات لوقف إطلاق للنار منذ هجومها على ريف حماة الشمالي منتصف العام الماضي.

وأضاف أن روسيا تريد من فرض اتفاقيات وقف إطلاق النار وخرقها، أن تستثمر بعض الأيام في تحصين الخط الجديد الذي وصلت إليه ونقل قوات النظام إلى محاور قتال أخرى لإكمال الهجوم وجلب تشكيلات عسكرية جديدة من الميليشيات المختلفة في سوريا، بعد أن تكون قد خسرت رأس الحربة نتيجة الاشتباك مع الفصائل العسكرية وضربات الأخيرة بالسلاح النوعي.

 وفي خرق الاتفاقيات تعول روسيا على خلق شرخ في الثقة بين الفصائل والأهالي من جهة وتركيا التي زادت في الفترة الأخيرة حالة التنديد والسخط من سكوتها وعدم فعل اللازم، كما "تعلن روسيا عبر خرق الاتفاقيات أن يدها أعلى من يد تركيا ولا يمكن لأحد أي يملي عليها اتفاقًا ما"، حسب وصف المتحدث.

ويضيف الموسى أنه وبعد سيطرة النظام وروسيا على 35 قرية في شرق معرة النعمان، فشلت قواتهما في إحراز مزيد من التقدم بعد بلدة جرجناز أبرز معاقل الفصائل العسكرية في المنطقة، حيث بات واضحًا زيادة كميات الذخيرة بيد الفصائل خاصة صواريخ (غراد) وصواريخ الـ (م/د)، وانتقلت الفصائل للهجوم عبر استعادة السيطرة على قريتين تقدمت عليهما قوات النظام شرق إدلب في محور قتال جديد بالمنطقة، ونجحت الفصائل في جر النظام لمعركة في تل مصطيف الاستراتيجي الذي قُتل فيه أكثر من 30 عنصرًا للنظام وتدمرت عدة دبابات وآليات.

وعاد طيران النظام المروحي في تصعيده لتهجير جنوب وغرب حلب، مما يُخشى أنه مقدمة لهجوم بري في المنطقة، ما دفع الفصائل والجيش الوطني شمال حلب للزج بتعزيزات كبيرة في جبهات المنطقة التي كانت مسرح معارك لعشرات الأيام، عندما حاولت الفصائل فك الحصار عن مدينة حلب منتصف وأواخر 2016، بحسب الموسى.

هل ستقدم تركيا أسلحة نوعية للفصائل؟

كثّفت أنقرة من اجتماعاتها مع قادة الفصائل العسكرية وجمعتهم مرة مع مسؤولين أمريكيين، وفي آخر اجتماع يوم الخميس طلب حقان فيدان من وزير الدفاع في الحكومة المؤقتة رفع الجاهزية ووعد بكميات أكبر من السلاح والذخيرة. يعلّق الموسى على ذلك قائلًا: "يؤكد هذا التصعيد غير المسبوق لتركيا في ملف إدلب أن أنقرة وصلت إلى نهاية الطريق مع موسكو، حيث كانت تأمل بتحصيل مكاسب بطرق تفاوضية وهي توقن حقًا الفرق الكبير في مستوى القوى".

ويتابع أنه "ربما في حال حققت تركيا تفاهمًا ما مع واشنطن والأوروبيين حول إدلب ومصير سوريا القريب عبر مسارات الحل السياسي، قد نشهد في الميدان قريبًا معركة واسعة النطاق تشنها الفصائل العسكرية والجيش الوطني في شمال غرب سوريا"، وهو ما قد يجبر روسيا على التهدئة.

وتبقى لدى تركيا مهمة حل ملف التنظيمات المصنفة على لائحة الإرهاب، والتي قد تكون ورقة رابحة في وقت لاحق يمكن لأنقرة أن تحصل من خلالها على ضمانات حقيقية وجدية. ويبدو أن روسيا تتوقع تصعيدًا ميدانيًا كبيرًا من قبل أنقرة، ولذلك أوقفت عملياتها البرية جنوب وشرق إدلب وسارعت إلى استقدام أعداد كبيرة جدًا من الميليشيات وعقد جلسة صلح بين الميليشيات التابعة لها والأخرى التابعة لإيران في حلب، للقيام بضربة استباقية والهجوم بشكل واسع خلال أيام قليلة.

بيدرسون: المدنيون يدفعون ثمن محاربة الإرهاب

تزامنًا مع التصعيد العسكري للنظام وروسيا في ريفي إدلب وحلب، كشف غير بيدرسون المبعوث الأممي إلى سوريا أنه سيزور العاصمة السورية دمشق الأربعاء القادم لإجراء محادثات مع النظام السوري.

ووصف بيدرسون الوضع الإنساني في منطقة إدلب بأنه "كارثي"، قائلًا إن المدنيين يدفعون "ثمنًا باهظًا" للحرب على الإرهاب على حد قوله.

اقرأ/ي أيضًا: إدلب بعد الهدنة الروسية - التركية

جاء ذلك خلال اجتماع مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بالعاصمة موسكو الجمعة. ولفت بيدرسون إلى أن تسوية الوضع في إدلب هو شرط أساسي لعودة اللاجئين إلى سوريا. وقال: "المشكلة هي أن أكثر من 50% من سكان سوريا غادروا منازلهم، ولهذا ما نريد تحقيقه الآن هو إيجاد وضع ليشرعوا في العودة، ومن ثم سنحتاج العملية السياسية في البلاد واستقرار الوضع في إدلب". متابعًا: "نحن نتفهم التحديات عندما يتعلق الأمر بمكافحة الإرهاب، لكننا حذرنا أيضًا مما نراه الآن وهو ثمن مرتفع للغاية يدفعه المدنيون".

أبلغ الجانب التركي قيادات فصائل الجيش الوطني أن المباحثات مع روسيا لم تحقق نتيجة، وأن الأخيرة ماضية في الحل العسكري

ومضى المتحدث الأممي بالقول إن هناك حوالي 700 ألف نزحوا منذ نيسان/أبريل الماضي وقتل أكثر من 1500 مدني.