17-أكتوبر-2018

ليس ما حدث مع جمال خاشقجي استثناءً في السياسات السعودية (Getty)

قد تبدو قضية الصحفي والكاتب السعودي، جمال خاشقجي، وكأنها استثناء، أو حالة متطرفة من القمع، مع ردة فعل غير مسبوقة من المجتمع الدولي والمؤسسات والصحف، غير أن تاريخ المملكة السعودية، وإداراتها، لا يقول ذلك. وكما يوضح رودني ديكسون، في هذا المقال المترجم عن صحيفة الغارديان البريطانية، فإن قضية خاشقجي، تأتي في سياق طويل ومتصل من القمع الممنهج.


بعد اختفاء جمال خاشقجي، حان الوقت للكف عن التظاهر بأن حبس المعارضين أمرٌ طبيعيٌ. بالنسبة إلى عشرات النساء والناشطين الآخرين الذين تم اعتقالهم في المملكة العربية السعودية العام الماضي فقط، لم يكن اختفاء جمال خاشقجي الأسبوع الماضي داخل قنصلية السعودية في إسطنبول أمرًا مفاجئًا. أما بالنسبة للذين تمكنوا من مغادرة المملكة بعد التعبير عن نقدهم علنًا، فقد أصبح من الواضح الآن إلى حدٍ كبيرٍ، أنه يتعين عليهم توخي أقصى قدر من الحذر والحيطة رغم وجودهم خارج البلاد.

بالنسبة إلى عشرات النساء والناشطين الآخرين الذين تم اعتقالهم في المملكة العربية السعودية العام الماضي فقط، لم يكن اختفاء جمال خاشقجي الأسبوع الماضي داخل قنصلية السعودية في إسطنبول أمرًا مفاجئًا

يمتلك النظام السعودي مهارة استخدام التهديدات ضد أفراد الأسرة، كوسيلة من وسائل الضغط لفرض الصمت على منتقديه، لكن هذه التهديدات، قد اتخذت بعدًا جديدًا ينذر بالخطر المهول.

لقد ازدادت صرامة النظام السعودي في إسكات المعارضين بشكل كبير منذ تولي ولي العهد محمد بن سلمان السلطة في عام 2017. أجريتُ تحقيقًا حول هذه الزيادة في عمليات الاعتقالات في تقريرٍ شاركتُ في تأليفه في كانون الثاني/ يناير من هذا العام.

اقرأ/ي أيضًا: "محكوم عليهن بالصمت".. الانتهاكات ضد نساء السعودية تفضح تناقضات ابن سلمان

طلبت منا بعض عائلات المعتقلين نشر النتائج التي توصلنا إليها، في محاولة لدفع الحكومات والأمم المتحدة إلى العمل بجد من أجل إطلاق سراحهم. وكشف التقرير أن أكثر من 60 من المعارضين للحكومة السعودية قد تم القبض عليهم،  بما في ذلك عدد من المدافعين البارزين عن حقوق الإنسان، أثناء حملة قمعٍ واسعةٍ شنتها السلطات السعودية، لكن لم يتم حتى الآن، اتخاذ خطوات ملموسة للإفراج عنهم، وما زال المعتقلون محتجزين، دون معرفة مكان وجود العديد منهم.

وقد أعقب ذلك في أيار/ مايو، استهداف ناشطات معروفات، ناضلن منذ فترةٍ طويلةٍ للدفاع عن حقوق المرأة في المملكة العربية السعودية، بما في ذلك الحق في قيادة السيارة. في حزيران/ يونيو، قبل فترةٍ وجيزةٍ من ترحيب العالم برفع الحظر المفروض على قيادة النساء كعلامة رئيسية تدل على "إصلاحات" ابن سلمان في المملكة، تم سجن أكثر من 12 ناشطة من هذه المجموعة، وأعقب ذلك المزيد من الاعتقالات، بما في ذلك اعتقال سمر بدوي، الحاصلة على جائزة الشجاعة الدولية للنساء من قبل الخارجية الأمريكية، في أوائل آب/ أغسطس.

وقد تم تلطيخ صورة جميع الموقوفين ووصفهم بالـ"خونة"، في انتظار محاكمتهم وإصدار عقوبات قد تصل إلى فترات سجن طويلة بتهم "أمنية" ملفقة، لا تقوم على أي أسس حقيقية. إن موقفهم بالغ الخطر وميؤوس منه. إنه لأمرٌ مخزي، أن يستمر الوضع على حاله، في ظل وقوف المجتمع الدولي مكتوف الأيدي واتخاذ النزر القليل من الإجراءات لإنهاء احتجازهم غير القانوني البين بما يتعارض مع جميع المعايير الدولية الراسخة.

وقد أوضحت لي ناشطات أخريات من المملكة العربية السعودية، ممن تمكنَّ من الإفلات من الاعتقال أنهن لا يستطعن التعبير عن رأيهن جهرًا أو أن تُذكر أسماؤهن في مقالات كهذه خوفًا من العقاب. وقد طلبن مني بصفتي محاميًا يمثل الضحايا السعوديين، العمل لإيصال أصواتهن، التي يتم إسكاتها بشكلٍ دائمٍ من قبل دولتهن، ودعم جهودِهن من أجل المزيد من الحقوق في مُجتمعهن.

وأعربت إحداهن عن إحباطها العميق إزاء المعايير المزدوجة من قبل الكثير من الحكومات؛ "يتحدثون عن أهمية الارتقاء بوضع النساء وضرورة مساواتهن مع الرجال، واحترامهن في مكان العمل، لكن عندما يتم إلقاء النساء في السجن، والتمييز ضِدهن بأكثر الطرق فجاجة، من قبل النظام الذي يعتبرونه حليفًا ويجنون منه أرباحًا ضخمة، يصمتون فجأة ويفقدون شجاعتهم".

كما قالت ناشطة أخرى: "أنا حائرةٌ تمامًا ولا أفهم سبب عدم دعم ووقوف قادة العالم إلى جانب النساء اللواتي ضحين بكل شيءٍ من أجل الحرية. لا شك أن شجاعة هذه الناشطات تحرج جبن السياسيين ورجال الأعمال الذين يواصلون التعامل مع السلطات السعودية كما لو أن كل شيءٍ طبيعي".

اقرأ/ي أيضًا: دفاعًا عن حقوق المرأة أم تطلعات ابن سلمان؟!

أثناء إحدى الفعاليات المنظمة في واشنطن العاصمة الأسبوع الماضي، التي كان الهدف منها التساؤل حول مدى حقيقة الإصلاح الجاري في المملكة العربية السعودية، أثار الخبراء ومحامو حقوق الإنسان هذه النقاط الدقيقة بالتحديد أمام الحكومة الأمريكية وصناع السياسات. كان التوقيت هامًا للغاية، إذ  جرى هذا الحدث في نفس الوقت الذي ظهرت فيه الأخبار حول اختفاء خاشقجي، الذي كان من المفترض أيضًا في تلك الفعالية أن يلقي كلمته.

نتيجة لاختفاء خاشقجي، يوجد الآن بعض الأمل في أن يضطر المجتمع الدولي إلى اتخاذ إجراء حاسم لوقف حملات القمع السعودية الواضحة للقضاء على أي معارضة

أسهم الوضع الدولي لحادثته المروعة في تسليط الضوء على محنة النساء اللواتي يقبعن في السجن في المملكة العربية السعودية. وتشعر أسرهن وأصدقائهن، لأسباب مفهومة للغاية، برعب يشّل أوصالهم، من احتمال مواجهتهن نفس المصير، ويعتقدون أن هذا النظام قادرٌ على تنفيذ أكثر الجرائم بؤسًا.

ونتيجة لاختفاء خاشقجي، يوجد الآن بعض الأمل في أن يضطر المجتمع الدولي إلى اتخاذ إجراء حاسم لوقف حملات القمع السعودية الواضحة للقضاء على أي معارضة. من غير المعقول أن يترك قادة العالم هؤلاء النساء بدون أمل، وأن يجري التخلي عنهن بين أيدي حكام لا يعرفون أي رحمة أو وازع، ولا ينبغي أن تعمى أبصار قادة الدول ببريق وجاذبية عقود الصفقات المربحة التي يعرضها عليهم هؤلاء الذين يقمعون شعوبهم.

ربما سيكون الآن، لدى القادة السياسيين وقطاع الأعمال، الإرادة والشجاعة للوقوف معًا من أجل دعم ذلك العدد الهائل من النساء اللواتي يتم سجنهن تعسفًا بغير وجه حق. إنه الوقت الأنسب لإطلاق سراحهن وتأمين سلامتهن.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الأوامر الملكية في السعودية.. خطوات نحو الشمولية تحت دعوى التحديث!

ثورة السعوديات: "لا للولاية"!