29-سبتمبر-2017

يكشف السماح للمرأة السعودية بالقيادة عن الصراع بين القصر والمؤسسة الدينية (فايز نورالدين/ أ.ف.ب)

بعد عقود من الرفض، سمحت السعودية أخيرًا للمرأة بقيادة السيارة. وفيما يبدو ذلك نبأً سعيدًا لنضال المرأة السعودية المغبونة، إلا أنّه على جانب آخر يكشف عن صراع طويل بين طرفي الحكم التقليديين في السعودية: القصر الملكي والمؤسسة الدينية. موقع وكالة بلومبيرج نشر مقالًا تحليليًا لأبعاد هذا القرار، وما يكشفه مما يحدث في الكواليس، نعرضه لكم بدورنا مترجمًا بتصرف.


رغم فرح العديدين بأمر الملك سلمان الأخير بخصوص السماح للنساء السعوديات بقيادة السيارات لكنه لا يمكن بحال أن يُعد خطوة في طريق المساواة بين الجنسين، فلا يزال ذلك هدفًا بعيد المنال في السعودية، لكنه بمثابة مؤشر هام على اعتقاد النظام الملكي بأنه لا يجب عليه الإذعان للمؤسسة الدينية للدولة في الوقت الراهن.

السماح للمرأة السعودية بقيادة السيارة، لا يمكن اعتبارها خطوة نحو التحرر، وإنما في حقيقتها هي خطوة لتركيز السلطات في يد الملك

وصحيح أنها قد تبدو خطوة هامة في طريق التحديث المنشود في السعودية، إلا أنها في الحقيقة خطوة للوراء في طريق فصل السلطات، وخطوة للأمام في سبيل تركيز السلطة المطلقة في أيدي الملك.

اقرأ/ي أيضًا: قيادة المرأة للسيارة..ابن سلمان في فرصة مع "التنوير" بعد الفشل في كل شيء

نشأت الدولة السعودية من الاندماج بين السلطتين الملكية والدينية، فعلى الجانب الدنيوي/الملكي كان هناك بيت آل سعود ومؤسسه محمد بن سعود في القرن الثامن عشر، وعلى الجانب الديني كان هناك آل الشيخ محمد بن عبد الوهاب، مؤسس الوهابية في القرن الثامن عشر.

أما المظهر الحديث لهذا المزيج، فقد تأسس خلال عهد عبد العزيز بن سعود، مؤسس الدولة السعودية الحالية، الذي توفي عام 1953. وتمثلت الفكرة الرئيسية في أن يوفر رجال الدين، المنتمون إلى آل الشيخ، الشرعية الرسمية القانوني للحكم الملكي.

من الناحية النظرية، سيكون على العلماء تحديد ما هي القواعد التي تتفق مع الشريعة الإسلامية ثم يطبق الملك تلك الأحكام. وفي نهاية المطاف، يفترض أن سلطته على الحكم الشرعي تتمثل في امتثاله لأحكام الشريعة كما يفسرها العلماء.

أما على أرض الواقع، يكون هناك الكثير من المفاوضات والتسويات عند الفصل بين السلطتين، كأي سلطات متداخلة. وقد أعطت الثروة النفطية للملك نفوذًا أكبر، وبالتالي مجالًا أكبر للمناورة أكثر مما كان عليه في أي وقت من قبل، فبإمكان الملك اختيار العلماء، أو على الأقل التأثير عليهم من خلال إسناد الوظائف الحكومية المربحة إليهم.

لكن علماء الدين لم ينسوا أبدًا أن سلطتهم المؤسسية لا يمكن الحفاظ عليها إلا باستمرار رفض الإصلاحات التي تسعى إليها السلطة الحاكمة، وبذلك يُحاول العلماء الحفاظ عليها بالتهديد بسحب دعمهم للملك. ورغم عدم استطاعتهم إسقاط الملك بمفردهم، فإن بمقدورهم تقديم الدعم المعنوي للانقلاب عليه، وكان ذلك هو كل ما يحتاجون إليه من النفوذ.

لقد كان الحظر على قيادة المرأة، لسنوات طوال، مثالًا رمزيًا واضحًا لممارسة علماء الدين حق النقض على النظام الملكي. وعلى مدى 25 عامًا على الأقل، وربما أكثر، حاول الملوك السعوديون إيجاد طريقة للسماح للمرأة بالقيادة، ولكن العلماء طالما رفضوا، وعلى ما يبدو لم تكن رغبة ملوك السعودية نابعة من حرصهم على فتح المجال أمام "الحقوق والحريات"، بقدر ما كان الأمر مرتبطًا بالاقتصاد من جهة، وبالسياسة والانفتاح على الغرب من أخرى.

كان الحظر على قيادة المرأة، لسنوات طوال، مثالًا رمزيًا واضحًا لممارسة علماء الدين حق النقض على النظام الملكي

وكان السبب الحقيقي في الرفض طوال تلك المدة، هو حاجة المؤسسات الدينية إثبات سلطتهم، والحفاظ على نفوذهم، لا تعارض قيادة المرأة مع مبادئ الشريعة الإسلامية. وكان التشدد الديني هو سمة الفقهاء الغالبة ومصدر نفوذهم، وهنا تكمن أهمية السماح للمرأة بالقيادة في مسألة فصل السلطات في المملكة.

اقرأ/ي أيضًا: "أمراء مخطوفون".. تواصل اضطهاد المعارضين من آل سعود

أقدم الملك سلمان على تجربة تُعد تاريخية، فيما يبدو بإيعاز من صاحب القرار الحقيقي في السعودية، أي نجله محمد بن سلمان. وتعد هذه التجربة واحدة من أهم محاولات توطيد سلطة الملك في الـ75 سنة الماضية من تاريخ السعودية. وينطوي ذلك أيضًا على تهميش نفوذ بقية العائلة المالكة وتركيز السلطة في يد ولي العهد محمد بن سلمان، والأهم من ذلك أنه يبطن إضعاف سلطة المؤسسة الدينية.

وبالسماح للمرأة بالقيادة، يقول القصر الملكي للسعوديين، وأيضًا للعالم، وتحديدًا الحلفاء الغربيين وفي الولايات المتحدة، إن لدى رجال الدين الآن سلطة ونفوذ أقل مما كان لديهم من قبل. كما أنه يرسل رسالة إلى رجال الدين أنفسهم أن يكونوا أكثر مرونةً وإلا فسيتم تجاهلهم وتجاوزهم. 

يمكننا القول إنها لعبة خطرة، وإن الخطوات التي اتخذها الملك سلمان وولي عهده محمد، لتثبيت سلطتهم هي عرضة للضغوط من بقية أعضاء العائلة المالكة، الذين قد يحلمون بمحاولة استبدال ولي العهد أو حتى والده. وعزل الفقهاء يمنحهم الدافع كي يدعموا مرشحًا منافسًا. 

بمعنى آخر، فإن هذا يعد اختبارًا لقدرة المؤسسة الدينية التقليدية على التأثير، إذ يراهن الملك وولي عهده على أن النظام القديم قد أُضعف بما فيه الكفاية ليفشل في أي محاولة للتصدي لنفوذ الملك الآن، وإذا حدث ذلك، فإن العواقب ستكون كبيرة ووخيمة جدًا.

ومن وجهة نظر العديد من المراقبين الغربيين، فإن انهيار أو تراجع نفوذ رجال الدين المحافظين سيكون نهاية سعيدة، ذلك كون الفقهاء قد وقفوا في وجه محاولات المساواة بين الجنسين لردح من الزمن.

وبرغم ذلك، فمن المهم أن نشير إلى أن الفقهاء عملوا على تقييد سلطة الملك، رغم تحفظهم، فالسلطة المطلقة تميل للتحول إلى سلطة شمولية لا استبدادية فحسب. كما أن السلطة المطلقة للملك -على المدى الطويل- ستلحق أضرارًا بالمواطنين السعوديين وحقوقهم من كلا الجنسين. 

تميل السلطة المطلقة للتحول إلى الشمولية والاستبدادية، لذا فإن سلطة الملك المطلقة ستُلحق أضرارًا كبيرة بالمواطنين السعوديين

ومن الطبيعي أن نحتفل بالسماح للنساء بالقيادة. ولكن المساواة الحقيقية بين الجنسين في المملكة العربية السعودية لا تزال على بعد أجيال عديدة، أما حقيقة التغيير الحاصل اليوم فهو ازدياد النفوذ الملكي، فيما لا تزال الأمور قيد التجربة، ونتائجها ليست مؤكدة بعد.

 

اقرأ/ي أيضًا:

كيف روجت أبوظبي وواشنطن لمشروع محمد بن سلمان؟

ثورة السعوديات: "لا للولاية"!