02-مارس-2017

الأولى أن نكسر القوالب التي وضعها أجدادنا على المرأة لا أن نزيدها (Getty)

تقف المرأة اليوم وسط عدد هائل من الأوامر والمتطلبات التي تهطل عليها يوميًا من المجتمع وعبر وسائل لا تعد ولا تحصى، تخطت منذ زمن حدود مكان وجودها والبيئة المحيطة بها. ففي عصر التكنولوجيا الحديثة لم تغب الأوامر والمتطلبات التقليدية التي فرضها ومازال يفرضها المجتمع، بل أضف عليها شروط ومتطلبات المرأة العصرية التي يتضمنها خطاب حقوق المرأة الذي يُضخ عبر المؤسسات غير الحكومية الدولية والمحلية؛ بالإضافة الى مواقع التواصل الاجتماعي على اختلاف أشكالها التي أصبحت تضيق الخناق بشكل أكبر على المرأة.

ينتشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي عدد كبير من المدوَنات المختلفة والمقالات والرسائل التي تتدفق يوميًا بشكل هائل والموجه للمرأة على وجه الخصوص، كما ونخضع جميعنا للمراقبة الحثيثة لبعضنا البعض عبر مواقع التواصل الاجتماعي على كل عمل نقوم به سواء بنشرنا لآراءنا الخاصة، تعليقاتنا، أو حتى تفاعلنا مع ما ينشر عبر هذه المواقع، سأحاول من خلال مدونتي هذه الوقوف عند كل منهم لتوضيح تأثيرهم الخانق يوميًا علينا.

نجاح أي امرأة في مجالها، هو الأهم وليست  المحاضرات التنموية التي اعتبرها أسلوب قديم بائس لتغيير المجتمع ودور  المرأة فيه

دعوني ابدأ ببعض المدونات والمقالات التي تتمحور خطاباتها على ما يجب للمرأة أن تفعله، لتكون هذه المرأة الايجابية المعاصرة التي تشع أمل وجمال وحيوية، الإشكالية التي يطرحها الخطاب الموجه عبر هذه المدونات والمقالات.

أولًا، أنها أصبحت ولكثرة ما نقرأها ونراها يوميًا مثيرة للشفقة وليس للأمل والتفاؤل، وأرى أن هذا الخطاب أصبح زائدًا عن حده مفرغًا من محتواه وكأنه وسيلة لجمع الإعجابات فقط. ثانيًا هذه المقالات غالبًا ما تكون عمومية لا تعي الفروقات الموجودة بين المرأة والأخرى، وكأن النساء جميعها تعيش ذات الظروف الاجتماعية والاقتصادية، ولها ذات القدرات والأحلام والطاقات.

اقرأ/ي أيضًا: الشبابيك .. بوابات الأحلام العابرة

أختِ العزيزة أكثر ما يعطيني الطاقة والقوة والأمل هو عملك على أرض الواقع وليست إملائاتك، نجاح أي امرأة في مجالها ونشرها لنجاحاتها وإنجازاتها، هو الأهم وليست المحاضرات التنموية التي اعتبرها أسلوب قديم بائس لتغيير المجتمع ودور المرأة فيه، ويزيد العبء على المرأة لا العكس.

يصعب علي الثقة في نجاح أي امرأة وكأنها تسير وحدها في طريق مليء بالحجارة والحواجز، دون أن يكون هناك ظروف وأشخاص حولها كانوا بمثابة المفتاح الذي أعانها في تخطي الصعاب، حتى الرجل الناجح يحتاج لعون وظروف وقدرات جعلته في المكان الذي هو فيه.

لكن ماذا لو دعت هذه المرأة الأخريات عبر رسائل الإيجابية والتنموية بضرورة الخروج والانطلاق وتحدي الواقع والمعوقات المحيطة بها؟ وكانت ظروف وإمكانيات أو قدرات هذه المرأة أصعب من ما يمكن تصوره، فأنتِ هنا تضعينها في حالة ألم واكتئاب وسخط لحالها وظروفها وليست السعادة التي كنتِ تأمليها.

كثرة المحاضرات لن تجعل المرأة المضطهدة حرة ولا الفقيرة غنية، هذه الخطابات الموجه للمرأة أصبحت تضع المزيد والمزيد من القوالب

أما المقالات والمدونات التي تطرح أسئلة من نوع، لماذا اتحجب؟ ولماذا اخلع الحجاب؟ وأنا المحجبة الناجحة؟ فإن تناول هذه الموضوعات أصبح موضة رائجة عبر مواقع التواصل الاجتماعي واعتبره وسيلة لتسويق أسماء ومقالات وجمع للإعجابات لا أكثر، فهي تصور المرأة المحجبة على أنها كائن فضائي يندرج أي فعل تقوم به، بأفعال المرأة السوبر غير العادية، الحجاب ليس إعاقة تجاوزتها المرأة عندما قامت بدورها الطبيعي في حياتها، لذلك أرجوكن كفوا عن الحديث عن المرأة المحجبة مثل الغرب وتصنيفاته العنصرية، وعليكن على العكس من ذلك الاعتراض على هذه التسميات والتصنيفات مثل "أول طبيبة محجبة وأول مخرجة محجبة وأول وأول..." والتوقف عن الفرح بها كأنها سابقة في تاريخ المرأة المسلمة، لأن المرأة المسلمة مثلها مثل أي امراة في العالم تسعى للنجاح والتميز في أي عمل تقوم به سواء كانت بحجاب أو من دونه.

أما عن المراقبة التي نقوم بها يوميًا لبعضنا البعض، عبر مواقع التواصل الاجتماعي فهي تضييق الخناق بشكل أكبر على المرأة، أنا شخصيًا تصلني عدد من الرسائل الخاصة التي تضمن انتقادات لما أنشره على صفحتي الشخصية.

اقرأ/ي أيضًا: العنف الزوجي وزواج القاصرات.. أرق المغربيات

أرى أن مواقع التواصل تتيح إمكانية حذف أي صديق لا تتفق معه، رغم أني ضد الحذف واسأل لماذا لا نتقبل بعضنا الآخر على اختلافاتنا ونحترم بعضنا الآخر؟ إلا أنني أتمنى فعلًا أن نصل لمرحلة السكوت والمرور عن كل ما لا نتفق معه من أفعال وأقوال يبديها غيرنا، والإيمان بأننا لسنا شخص واحد وأن الاختلاف طبيعي جدًا بيننا كالبشر.

في عصر التقدم الذي يعيشه العالم كان الأولى أن نكسر القوالب التي وضعها أجدادنا على المرأة لا أن نزيدها

لست متشائمة لكن يجب أن نكون واقعيين أكثر عند الحديث عن المرأة وللمرأة، كثرة المحاضرات لن تجعل المرأة المضطهدة حرة ولا الفقيرة غنية، أعي تمامًا أن الكلمة الطيبة لها تأثير طيب، لكن المبالغة في هذه الخطابات الموجه للمرأة أصبحت تضع المزيد والمزيد من القوالب التي يجب على المرأة أن تكون ضمنها وإلا فهي امرأة تعاني من الفشل ما لا يعانيه غيرها.

في عصر التقدم الذي يعيشه العالم كان الأولى أن نكسر القوالب التي وضعها أجدادنا على المرأة لا أن نزيدها؛ المرأة حرة في اختيار أن تكون عاملة أو أن تكون في المنزل، أن تهتهم بشكلها الخارجي أو العكس، لكل امرأة ظروف وأولويات واهتمامات تختلف عن غيرها من النساء، فلما لا ندعها تختار بحرية مستقبلها وحياتها دون تدخل؟

وأخيرًا، عذرًا عزيزي كاظم الساهر فحتى أنت لم تدع المرأة تكون كما تريد أن تكون، وغنيت لها شعر صديقك الراحل نزار قباني، تملي عليها كيف ترغب أنت للمرأة أن تكون، وأقول لك أنني لا أريد أن أكون الخطرة ولا النمرة ولن ألف حولك لأتحسس دفء الجلد وعطر البشرة، وسأغني وأرقص وأجن وأبكي وقتما أشاء، وكما أفعل منذ طفولتي دون الحاجة لنصائحك! ورسالتي هي أن ندع المرأة وشأنها!

اقرأ/ي أيضًا:
مغربيات بعد الطلاق.. فخورات بقرارهن
الطلاق السوري في بلاد اللجوء.. حوادث أم ظاهرة؟