22-مارس-2016

احتجاجات ضد زواج القاصرات في المغرب (مصطفى حبيس/الأناضول)

لا نحتاج إلى الانتقال للقرى النائية للبحث عن نساء تزوجن وهن قاصرات، فهن موجودات في كل مكان، ترعرعن في أزقة المدن وتعلمن في مدارسها، إلا أنهن لم يستطعن متابعة دراستهن بسبب سلطة التقاليد التي لا تزال راسخة في عقول العديد من العائلات، معتقدين أن مكان المرأة الطبيعي هو منزل زوجها، هذه السلطة الخفية بقيت رواسبها مؤثرة على نفسية هؤلاء النسوة إلى اليوم.

أغلب الفتيات الصغار لا يستوعبن مفهوم مؤسسة الزواج، إلا أن سلطة الآباء والعائلة بصفة عامة تفرض عليهن التجربة

رشيدة، واحدة من هؤلاء النسوة، سيدة في عقدها الثالث، تتمتع بقوام طويل وبنية متناسقة، حكت لـ"الترا صوت" معاناتها التي بدأت عندما عقد قرانها وهي لم تتجاوز الرابعة عشرة من عمرها، عندها كانت طفلة ذكية وجميلة وكانت تحلم أن تصبح طبيبة أو مدرّسة.

اقرأ/ي أيضًا: المرأة السورية.. عبء التقاليد وأعباء الثورة

تقول إنها كانت تحلم بأمور كثيرة، تطمح بأن تصبح سيدة قوية ومستقلة، لكن لم تحقق هذه الأحلام والطموحات، تتذكر تلك الأيام وهي تحاول تهدئة حفيدها الصغير المحمل على ظهرها: "أتذكر جيدًا ذلك اليوم الذي عرفت فيه أنني سأتزوج من صديق والدي الذي كان يكبرني بسنوات عدة، حاولت بكل الطرق أن أمنع هذا الزواج، لكن شقيقي هددني بذبحي إن لم أقبل بذلك، فقد كان يفرض سيطرته داخل البيت، فالكل كان يرضخ له وكأنه بتصرفاته القاسية يحاول إثبات رجولته".

لم تكن رشيدة تستوعب في تلك السن المعنى الحقيقي للزواج، كان الزواج يختزل في ذهنها في حفل زفاف وزينة ومأكولات، بالإضافة إلى كونها أحبت الاهتمام المفاجئ بها من طرف أفراد عائلتها. تقول بسخرية: "أثار انتباهي ذلك الاهتمام المفاجئ، لكن كنت خائفة مما سيحدث، لهذا حاولت أن أعيق هذا الزواج بطلبي بعض المسائل التعجيزية من أسرة العريس، لكن مع الأسف لم أنجح بذلك".

أغلب الفتيات الصغار لا يستوعبن مفهوم مؤسسة الزواج، إلا أن سلطة الآباء والعائلة بصفة عامة تفرض عليهن التجربة، فلا يستطعن فعل أي شيء سوى الاستسلام للواقع، لكن نبيلة جلال، عن مركز الإنصات لنساء ضحايا العنف، ترى أن السبب وراء زواج القاصرات ليس سلطة الآباء بالأساس، فهي تقول في انفعال: "نحن نحتاج إلى قوانين تحمي فتيات في سن مبكرة من الزواج، لأنها تجربة فاشلة بكل المقاييس، لكن مع الأسف لا حياة لمن تنادي، فرغم جهود المجتمع المدني في هذا الإطار إلا أننا مازلنا لم نحقق شيئًا ملموسًا، فهناك أطفال يتزوجن بإذن من القاضي أو من العدول دون تحقق من السن الحقيقي للفتاة".

اقرأ/ي أيضًا: العنف على رقاب 47% من التونسيات

جاء اليوم الموعود، وتم عقد قران الطفلة "رشيدة"، تخبرنا اليوم أنها لم تر "العدول" حتى أنهم لم يسألوها إن كانت موافقة أم العكس فأبوها تكفل بالموضوع. تواصل حديثها لـ"الترا صوت": "عندما انتهى حفل الزفاف اكتشفت أن الزواج ليس تلك اللعبة التي كنا نلعبها ونحن صغار، بل هناك معاشرة جنسية وهي التي لم أشعر بها طيلة فترة زواجي، فقد كان يقوم بتعنيفي وضربي بشتى الطرق، وعندما حاولت أن أستغيث بوالدتي أو بإحدى نساء العائلة أجبن أن الأمر عادي".

لا تفهم الفتاة الصغيرة جيدًا المعاشرة الجنسية وقد لا تتقبلها وهو ما ينتج عنه تعنيفها من الزوج واغتصابها

مضت سنوات عديدة ولم تستطع رشيدة الهروب من واقع كونها أصبحت أمًا لثلاثة أطفال، والآن أصبحت جدة لطفلة هي الأخرى ضحية والديها. في كل مرة يطلب منها زوجها ممارسة الجنس تتهرب منه وترفض طلبه، مبررة الأمر بكونها مريضة. عن ذلك تحدثت في مرارة: "عند معاشرته أحس أنني أقتل في كل مرة، فأنا لا أستطيع أن أقبل به كزوج بالرغم من مرور سنوات طويلة، وفي المقابل هو يتفنن في ضربي وإذلالي، وهو لا يكتفي بتعنيفي بل يمارس سلطته وجبروته على أبنائه خاصة ابنتنا الوحيدة التي فضلت الهروب مع رجل غريب لينقذها من براثن أبيها الظالم".

أصيبت رشيدة باكتئاب حاد، على إثره تعرضت إلى نزيف دموي حاد، فهي الآن مدمنة على أقراص منومة تستعملها لتخلد إلى النوم، وهي تؤكد أنها لا تنام إلا بعد تناول الأقراص. تقول خلود السباعي، مختصة في علم النفس الاجتماعي، "المرأة التي تزوجت في سن مبكرة معرضة إلى أن تصاب باكتئاب أو إلى خلل في الهرمونات كما حدث مع رشيدة وذلك لأسباب نفسية، الفتاة في السن الذي تزوجت فيه رشيدة لا تزال طفلة وهي تفتقد إلى النضج لكن عندما تجد نفسها في مشكل، تحس بالفشل وعادة ما تصاب باكتئاب أو بخلل هرموني، قد تفكر في الانتحار وهي بذلك تحتاج إلى مرافقة نفسية لكن مع الأسف في غالب الأحيان تكون هذه المتابعة مفقودة".

استغربنا عندما أخبرتنا رشيدة أن الرضيع الذي تحمله هو حفيدها من ابنتها التي تبلغ 20 سنة، إذ كيف يعقل أن تسمح لطفلتها أن تتزوج وهي قاصر وتكرر نفس خطأها، لكنها دافعت عن نفسها قائلة: "الفرق بيني وبين طفلتي، أنني رفضت الزواج بأبيها لكنها قبلت الزواج بحبيبها، معللة أنها لا تستطيع العيش مع والدها الذي لا يتوانى عن ضربها وشتمها". وتضيف: "نصحتها كثيرًا، أخبرتها أنني سأعتني بها، حاولت أن أفهمها أن التعليم هو سلاحها الوحيد، لكن مع الأسف كانت مصممة على الزواج والهروب من بيت والدها بالرغم من صغر سنها".


حركات احتجاجية ضد زواج القاصرات في المغرب(فاضل سنا/أ.ف.ب)

 

اقرأ/ي أيضًا:

المرأة السودانية.. العنف متواصل

هل المرأة إنسان؟