29-ديسمبر-2016

انتقد كيري بشدة سياسة الاستيطان واعتبرها تقوض عملية السلام (زاك غيبسون/Getty)

شكّل خطاب وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، أمس الأربعاء، قبل ثلاثة أسابيع من انتهاء مهامه، صدمةً لمسؤولي حكومة الاحتلال الإسرائيلي، بعد مهاجمتها وانتقادها في الاستمرار ببناء المستوطنات، في الأراضي التي احتلتها منذ العام 1967. وحاول كيري في خطابه، الذي أثار غضبًا واسعًا داخل الأوساط الإسرائيلية، التخفيف من حدة الانتقادات الموجهة لإدارة الرئيس أوباما، فيما يخص سياسته إزاء الشرق الأوسط، وأهمها فشله في الوصول إلى حل سياسي بشأن سوريا، أو نجاح التحالف الدولي الذي تقوده بلاده ضد داعش، وعدم تمكنه من استعادة السيطرة على مدينة "الموصل" العراقية، مضافًا لسلسة من "التكتيكات" الأمريكية المتضاربة وعديمة الفعالية خاصة في ملف التدخل الإيراني في العراق. 

يتعارض خطاب كيري مع امتناع أمريكا عن التصويت في مجلس الأمن لإدانة التوسع في خطط المستوطنات

ونقلت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية على لسان مسؤول رفيع المستوى في الخارجية الأمريكية، قوله إن كيري أرجأ خطابه الذي كان مقررًا، الخميس الفائت، لما بعد جلسة مجلس الأمن، المرتبطة بقرار إدانة الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية، معللًا ذلك بهدف "التصدي (في الخطاب) لبعض الانتقادات المضللة".

وهاجم كيري خلال خطابه حكومة الاحتلال الإسرائيلي الحالية، واصفًا إياها بأنها "الأكثر تطرفًا في تاريخ إسرائيل"، مشيرًا إلى أن إسرائيل تملك مشروعًا "لضم أراضٍ في الضفة الغربية وعرقلة أي تنمية فلسطينية فيها"، مؤكدًا أن "كل من يؤمن جديًا بالسلام لا يمكنه أن يتجاهل حقيقة التهديد الذي تشكله المستوطنات للسلام".

اقرأ/ي أيضًا: تأييد إسرائيلي لترامب وأسئلة حول دعمه الاستيطان

خطاب كيري، الذي يعتبر الأخير في منصبه كوزير للخارجية الأمريكية، جاء على خلفية امتناع بلاده عن التصويت، أو استخدام حق النقض (الفيتو)، خلال جلسة مجلس الأمن التي عقدت قبل ستة أيام تقريبًا، وصوتت فيها 14 دولة على قرار تبنته فنزويلا، نيوزيلندا، السنغال، وماليزيا، لإدانة التوسع الاستيطاني لحكومة الاحتلال الإسرائيلي داخل الأراضي الفلسطينية، بعد أن كانت مصر سحبت تبنيها لمشروع القرار الذي يحمل رقم 2334.

وعلى الرغم من التأييد الدولي للقرار المصوت عليه بأغلبية ساحقة داخل مجلس الأمن، فإن إدارة أوباما تعرضت لانتقادات حادة، من بينها التصريحات الصادرة عن الرئيس الجديد، دونالد ترامب، والذي أكد في أكثر من مناسبة أنه سيقوم بنقل سفارة بلاده من "تل أبيب" إلى "القدس"، وأن قرارات مجلس الأمن المرتبطة بالحكومة الإسرائيلية، ستكون مختلفة بعد 20 كانون الثاني/يناير المقبل.

وتسعى إدارة أوباما جاهدة لإظهار نوع من السيطرة الأمريكية على منطقة الشرق الأوسط، بعد أن استطاع التقارب الروسي-التركي أن يبعدها عن الملف السوري، رغم إصرارها على الحل السياسي بدلًا عن العسكري، وفشلها في إنجاح اتفاقية وقف إطلاق النار الأخيرة، أو الضغط على النظام السوري لإدخال المساعدات الإنسانية إلى المناطق المحاصرة، وامتناع الأسطول الأمريكي عن توجيه ضربة عسكرية لنظام الأسد بعد ثبوت استخدامه السلاح الكيميائي في آب/أغسطس 2013.

كما أن تأكيداتها السابقة حول انتهاء عملية استعادة مدينة "الموصل" قبل نهاية العام الجاري باءت بالفشل، وهو ما أوضحه قائد قوات التحالف الدولي، ستيف نتاونسند، عندما قال لصحيفة "ديلي بيست" البريطانية، إن هزيمة تنظيم الدولة في سوريا والعراق تحتاج لعامين، ناهيك عن توجه مصر للحلف الروسي-الإيراني في المنطقة العربية.

ليس متوقعًا أن يشكل خطاب كيري أي ضغط على الحكومة الإسرائيلية المترقبة بشغف وصول ترامب للبيت الأبيض

إلا أن أبرز الانتقادات التي وجهت لإدارة أوباما، كانت من خلال إبرامها "اتفاق لوزان النووي" مع إيران، التي تحاول توسيع نفوذها الإقليمي في المنطقة العربية، إضافة لدعم التحالف الدولي، ميليشيا "الحشد الشعبي" العراقية المدعومة من قبل طهران، والمتهمة بارتكاب جرائم حرب في عديد المدن المستعادة من قبضة داعش، وهو ما أكده تاونسند في تقرير الـ"ديلي بيست" عينه، عندما وصف ميليشيا الحشد بأنها "منضبطة" في المعارك، ما يدل على ارتياح الإدارة الأمريكية الحالية في التعامل معها.

وليس متوقعًا أن يشكل خطاب كيري أي ضغط على الحكومة الإسرائيلية المترقبة بشغف وصول ترامب للبيت الأبيض، إذ إن السجال السياسي الحالي لا يمكن فهمه إلا في إطار محاولة استعادة إدارة أوباما بعضًا من بريقها في الشرق الأوسط، ولو كان على حساب إسرائيل، لأنها تعلم جيدًا أن التوترات الحالية مسألة وقت سيتم تجاوزها لاحقًا، وهو ما جعلها تلجأ للامتناع عن التصويت على قرار إدانة التوسع الاستيطاني للاحتلال الإسرائيلي، بما أن ذلك لن يمنعها من الاستمرار في بناء المستوطنات داخل أراضي السلطة الفلسطينية.

اقرأ/ي أيضًا:

السلطة الفلسطينية.. تجارة الوهم

كيري يحاول إنقاذ الحوثيين في اليمن