18-نوفمبر-2016

وزير الخارجية الأمريكي جون كيري (Getty)

في وقتٍ تتصاعد فيه وتيرة المعارك ضد مليشيات الحوثي والمخلوع علي عبدالله صالح في تعز وحجة وصعدة، ويتقدّم الجيش اليمني في هذه الجبهات، بالتزامن مع تزايد حدّة السخط الشعبي الذي ضاق ذرعًا بانتهاكات سلطة الانقلاب، وجديدها توّقف مرتبات الموظفين، يطلّ وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، بمبادرة جديدة لإنقاذ حلفائه في الداخل اليمني ومحاولة تخفيف الضغط عليهم، ليستمروا في مصادرة الدولة وقبلها إرادة الشعب.

وزير الخارجية اليمني، عبد الملك المخلافي، صرح أنّ كيري يبحث عن تحقيق مكاسب لإدارة أوباما التي شارفت علی النهاية

ليست مبادرة كيري جديدة، إذ سبق وأن نشرت "بي بي سي" أبرز نقاطها التي تهدف إلى شرعنة الإنقلاب، والقفز علی إرادة الشعب وتضحياته المستمرة منذ أكثر من عامين، لكن اللافت، هذه المرة، اجتماع كيري وجهًا لوجه بوفد ميليشيا تتخذ من "الموت لأميركا شعارًا لها".

اقرأ/ي أيضًا: كيف سقط اليمن من خارطة التعاطف العالمي؟

سيقول الحوثيون إنّ لقاءهم كيري يأتي في إطار وقف الحرب التي يقوم بها "العدوان السعودي الأميركي الصهيوني"، حسب تعبيراتهم، وسيحاولون إظهار أنفسهم دعاة سلام، لكن ممارساتهم، منذ دخولهم صنعاء، يكشف أنّهم دعاة حرب، لم يلتزموا بسطر واحد من كلّ اتفاق وقعوه مع الشرعية، كما أفشلوا جميع مشاورات السلام، سواء التي عقدت في سويسرا أو في الكويت.

يتحدّث كيري من مسقط، عقب اجتماعه بوفد الإنقلاب عن اتفاق بين الشرعية والإنقلاب، لتشكيل حكومة وحدة وطنية نهاية العام الجاري، بينما ينفي وزير الخارجية اليمني، عبد الملك المخلافي، أيّ إتفاق من هذا النوع، مؤكدًا أنّ كيري يبحث عن تحقيق مكاسب لإدارة أوباما التي شارفت ولايتها الثانية والأخيرة علی النهاية، وهذه تصريحات قوية لم يسبق وأن تحدّث مسؤول يمني عن الولايات المتحدة بهذه الجرأة، وربما يعكس ذلك أنّ الشرعية قرّرت عدم الانصياع للضغوط الأميركية، وأدركت أن دور الولايات المتحدة لا يعدو عن سحب للبساط الشرعي من تحتها، ومن ثم تحميلها تبعات حربٍ لم ترغب فيها.

يحاول كيري ردّ الجميل للحوثيين، بعد إفراجهم قبل أيام عن مواطن أميركي من سجونهم المكتظة بآلاف اليمنيين، من دون ذنب، كما يسعی كيري إلى لعب دور في ترتيب البيت الداخلي للإنقلاب، بعد بروز خلافاتٍ طفت علی السطح بين أنصار صالح والحوثيين، سببها التشكيلة الحكومية المقرّر إعلانها في صنعاء، ليس هذا فحسب ما يسعی إليه كيري، فاشتداد المعارك وتضييق الخناق علی مليشيات الحوثي وصالح في صعدة وحجة وتعز، وتقهقر عناصرها أمام الجيش اليمني لا يساعد علی توازن القوی الذي تريده أميركا.

يتصاعد الغضب الشعبي في صنعاء ضد انقطاع رواتب الموظفين، وهو غضب يعتلج حتی في نفوس مناصر الانقلاب الذين بدأ شبح الجوع يتربّع علی مخيلتهم نتيجة توقف مصادر دخولهم المعيشية. ومن هذا المنطلق، يسعی كيري أيضًا إلى إنقاذ ما يمكن إنقاذه، وإيجاد حل يحفظ لهم جزءًا من السلطة، لن يستطيعوا الاحتفاظ به، فيما لو استمرت الحرب.

تعكس تحرّكات كيري رغبة الولايات المتحدة في الاحتفاظ بنفوذها داخل اليمن، والإبقاء على طرفي الانقلاب في المشهد السياسي، كونهم الأقدر علی رعاية مصالحها، وتحقيق مخططاتها.

يلعب كيري آخر أوراقه في اليمن، ليحقق انتصارًا دبلوماسيًا علی حساب دماء آلاف الشهداء والجرحی، لكنه سيفشل حتمًا مهما حاول ذلك، نظرًا لأنّ الزمن يتقدّمه بكثير، ومبادراته المهترئة ليست سوی جزء من الماضي الذي يرفضه اليمنيون جميعًا.

اقرأ/ي أيضًا:

ثم مات المعزون جميعًا

الحوثيون وصالح..الرياض بعيدة..تعز أقرب