12-أكتوبر-2022
تغيرات سريعة في خرائط السيطرة العسكرية في أوكرانيا (Getty)

تغيرات سريعة في خرائط السيطرة العسكرية في أوكرانيا (Getty)

أدى الهجوم الأوكراني الناجح في منطقة خاركيف الشهر الماضي إلى تغير خارطة السيطرة داخل الأراضي الأوكرانية عما كانت عليه بعد الغزو الروسي في شباط/فبراير الماضي. وتشهد المقاطعات الأربع التي ضمتها روسيا لسيادتها هجومًا أوكرانيًا مضادًا وناجحًا لقطع خطوط الإمداد عن القوات الروسية، بالإضافة لاستعادة الأراضي التي احتلتها روسيا.

أدى الهجوم الأوكراني الناجح في منطقة خاركيف الشهر الماضي إلى تغير خارطة السيطرة داخل الأراضي الأوكرانية عما كانت عليه بعد الغزو الروسي في شباط/فبراير الماضي

 نستعرض هنا آخر التطورات على صعيد خرائط السيطرة في المناطق التي تدور فيها المعارك، بالإضافة للمناطق التي يستهدفها الهجوم الأوكراني المضاد.

مقاطعة  لوغانسك

سيطرت القوات الروسية على نحو 99% من أراضي المقاطعة منذ هجومها الشامل في الربيع ومطلع الصيف، لكن التطورات الأخيرة التي رافقت الهجوم الأوكراني المضاد أسفرت عن اختراقات حققتها كييف خاصة في بلدة ليمان، والتي تمثل نقطة دفاع مهمة عن مدينة سلوفينياسك التي تسيطر عليها أوكرانيا. وتعتبر المدينة مركزًا مهمًا لخطوط السكة الحديدية شرقي البلاد. حيث تقع ليمان على خط الإمداد الذي تستخدمه روسيا لإمداد قواتها في الجنوب والغرب بالجنود والعتاد، وبعد سقوطها ستواجه معضلة كبيرة في التقدم.

 ونهاية الأسبوع الماضي، أعلن الجيش الأوكراني عبور الحدود الإدارية للمقاطعة من محور ليسيتشانسك ضمن معركة ما أسماها تحرير لوغانسك، حيث بدأ الجيش هجماته من محوريين هما محور مدينة ليمان وكريمينا وسفاتوفو من الناحية الغربية، ومحور بلدة بيلاهوريفكا من الناحية الجنوبية. ويسيطر الأوكرانيون حاليًا على الطريق "R66" الذي يربط بين بلدتي سفاتوفو وكريمينا، وهذا ما يعني أن الروس والانفصاليين في هذه المنطقة باتوا معزولين عن أي إمدادات. فقد كثفت القوات الأوكرانية من ضغطها على محور كريمينا – سفاتوفو عبر مهاجمة تشيرنوبوفكا لربط اتصال جغرافي مع المناطق المحررة في مقاطعة خاركيف، ودخلت بلدة ستلمماخوفك التي تبعد حوالي 20 كلم عن سفاتوفو التي عززت بداخلها القوات الروسية  من تواجدها عبر حفر الخنادق ونشر فرق الهندسة استعدادًا لمعركة قاسية حولها. 

أما التقدم نحو كريمينا التي تعد أبرز مواقع تمركز القوات الروسية في المنطقة، ومدينة استراتيجية، وممر إلى كراماتورسك غير البعيدة عنها، والسيطرة عليها تمنح القوات الأوكرانية عمقًا نحو لوغانسك، وبذلك تفقد روسيا السيطرة الكاملة على حدود المقاطعة. لكن الهدف الأوكراني الأهم هو استعادة السيطرة على ما يعرف بمدن المثلث، وهي سيفيرودونيتسك، وليسيتشانسك وروبيجني، أبرز مدن مقاطعة لوغانسك.

تطورات فارقة في حرب أوكرانيا (Getty)

مدينة ليسيتشانسك شكلت المعقل الأخير للقوات الأوكرانية في مقاطعة لوغانسك وانسحبت منها بعد الهجوم الروسي عليها من خمس محاور في تموز/يوليو الماضي، أما مدينة سيفيرودونيتسك فتعتبر مدينة استراتيجية، وتقع في الجزء الغربي من مقاطعة لوغانسك قريبًا من حدود مقاطعة خاركيف في الشمال الغربي، ومقاطعة دونتيسك في الجنوب الغربي، وأيضًا على الضفة الشرقية لنهر "سيفيرسكي دونتس" الذي يفصله عن مدينة ليسيتشانسك. وتتصل المدينة عبر طريقٍ بري مع مدينة باخموت في مقاطعة دونيتسك، والتي تحاول القوات الروسية السيطرة عليها، وبالتالي على خط إمداد أساسي للقوات الأوكرانية في دونيتسك ولوغانسك على حد سواء.

أما مدينة روبيجني، فتقع على الضفة اليسرى لنهر "سيفيرسكي دونتس" بالقرب من مدينتي سيفيرودونيتسك، وليسيتشانسك، وهي تحت سيطرة القوات الروسية والانفصاليين منذ أيار/مايو الماضي بعد معارك ضاربة في المدينة.

من جهتها، فإن مدينة سيفيرودونيتسك تمتلك رمزية كبيرة، فهي أول مدينة في الإقليم شهدت تمردًا انفصاليًا مواليًا لموسكو عام 2014 قبل أن تتخذها القوات الأوكرانية مركزًا رئيسيا لمواجهة الانفصاليين، كما أن لها أهمية استراتيجية كبرى حيث تطل على نهر "سيفيرسكي دونيتس"، وبعد الاستيلاء عليها نهاية شهر حزيران/يونيو الماضي، وعلى مدينة ليسيتشانسك القريبة منها، تمكنت روسيا من السيطرة على محافظة لوغانسك بأكملها.

مدينة ليسيتشانسك شكلت المعقل الأخير للقوات الأوكرانية في مقاطعة لوغانسك وانسحبت منها بعد الهجوم الروسي عليها من خمس محاور في تموز/يوليو الماضي

استعادة السيطرة على مدن المثلث تعني تأمين كل من كراماتورسك وسوفيانسك وباخموت، وبالتالي تغير معادلة السيطرة في إقليم دونباس، وهو ما يعد بمرحلة جديدة من الحرب، لكن العملية  تحتاج وقتًا أطول بسبب وجود خط دفاعي روسي قوي، مستفيد من أن المنطقة تقع على مرتفع، لذلك تحتاج القوات الأوكرانية تأمين الاستيلاء على خطوط إمداد القوات الروسية لتفادي الالتفاف عليها.

مقاطعة دونيتسك

قبل الغزو الروسي لأوكرانيا، كان نحو نصف أراضي المقاطعة تحت سيطرة الانفصاليين، أما اليوم فتخضع 58% من الأراضي لسيطرة القوات الروسية وحلفائها، حيث جرت أشرس المعارك في مدينة ماريوبول الساحلية نهاية الربيع وأدت إلى تدمير 90% من المدينة وبنيتها التحتية. وسيطرت القوات الروسية عليها نهاية شهر نيسان/أبريل الماضي، واستسلم ما تبقى من قوات أوكرانية بعد حصار استمر لشهر في مجمع آزوفستال للحديد والصلب.

استخدمت روسيا الاغتصاب كتكتيك عسكري في أوكرانيا (الأوروبية)

وعلى الجانب الآخر، تعد باخموت المدينة الرئيسية في مقاطعة دونيتسك، وتستهدفها القوات الروسية بشكل متواصل منذ ثلاثة أشهر، حيث تعتبر  نقطة دخول إلى المناطق التي لا تزال تحت سيطرة القوات الأوكرانية في المقاطعة، وشهدت في اليومين الماضيين تقدمًا للقوات الروسية في محيطها بعد سيطرتها على بلدات أوترادوفكا، وفيسيلايا دولينا، وزايتسيفو، مما يضيق الخناق حولها، والاستيلاء على باخموت سيمنح القوات الروسية دفعًا معنويًا كبيرًا بعد الهزائم المتكررة في المدة الأخيرة.

وفي العموم، فإن التقدم في المقاطعة محدود، وبالرغم من احتدام المعارك لكن خريطة السيطرة لم تتغير كثيرًا، ويجد الجانبان صعوبات على جميع جبهات المقاطعة.

زاباروجيا

تضم مقاطعة زاباروجيا التي يحدّها البحر الأسود أكبر محطة للطاقة النووية في البلاد، وتطل على "نهر دنيبرو"، وتسيطر القوات الروسية والموالية لها على 72% من مساحتها بما فيها المحطة النووية التي يتبادل طرفا الصراع الاتهامات بقصف محيطها، مما أثار خشية من التسبب في كارثة نووية، ما حتم تحركًا دوليًا، وتكثيفًا للدعوات لجعل المنطقة منزوعة السلاح، لكن لم يسجل تقدم يذكر في هذا الإطار.

 وتقع مدن المقاطعة الكبرى ومنها العاصمة التي تحمل اسمها تحت سيطرة القوات الأوكرانية، إلا أن أكبر موانئها بيرديانسك هو بأيدي الروس. كما تمتلك المقاطعة الواقعة على الضفة الشرقية لـ "نهر دنيبرو" أهمية استراتيجية لروسيا، حيث تعد المصدر الأساسي من المياه العذبة لشبه جزيرة القرم، بالإضافة إلى السيطرة على ممرات الملاحة البحرية في "نهر دنيبرو" ومصبه.

وعلى الرغم من إعلان روسيا ضم المقاطعة إلا أن القوات الأوكرانية تسيطر على نحو 60% من أراضيها، في حين أن المناطق التي تحتلها روسيا تقع في الأطراف، وتشكل نحو 20% من إجمالي مساحة المقاطعة.

تضم مقاطعة زاباروجيا التي يحدّها البحر الأسود أكبر محطة للطاقة النووية في البلاد، وتطل على "نهر دنيبرو"، وتسيطر القوات الروسية والموالية لها على 72% من مساحتها

خيرسون

مع بداية الغزو الروسي لأوكرانيا سقط نحو 88% من أراضي المقاطعة الواقعة جنوب البلاد بما فيها عاصمتها بيد القوات الروسية. وللمقاطعة أهمية كبرى بالنسبة للقطاع الزراعي الأوكراني، كما تعتبر منطقة استراتيجية مهمة لروسيا لأنها تقع على حدود شبه جزيرة القرم التي ضمتها عام 2014، كما يمر 85% من احتياجات القرم من مياه الشرب والزراعة من خيرسون.

وتشن القوات الأوكرانية هجومًا مضادًا في المقاطعة منذ بداية الشهر الماضي وحققت عدة اختراقات. فقد أعلنت القوات الأوكرانية تحرير أكثر من 400 كلم مربع، كما استعادت 29 بلدة في مقاطعة خيرسون منذ مطلع الشهر الحالي. وتعمل القوات الأوكرانية حاليًا على ثلاثة محاور، حيث تسجل القوات تقدمًا وإن بشكل متفاوت، وتهدف حاليًا إلى الوصول لمدينة نوفا كاخوفكا، بعد سيطرتها  على بلدات دودتشاني وأرخانغيلسكي وكل البلدات الواقعة على طول نهر دنيبرو مباشرة، ما يشير إلى تقدم سريع للقوات الأوكرانية في الجنوب حيث تهدف إلى قطع إمدادات القوات الروسية الموجودة على الضفة اليمنى لـ"نهر دنيبر".

استمرار الدعم الغربي العسكري لأوكرانيا (Getty)

وتقع بلدة دودتشاني على بعد نحو 30 كلم جنوبي من خط المواجهة الرئيسي، إذ تتحصن القوات الروسية في مواقع جرى تعزيزها بشكل كبير على طول الخط منذ الأيام الأولى للغزو. كما تستهدف القوات الأوكرانية في خيرسون خطوط الإمداد لما يصل إلى 25 ألف جندي روسي على الضفة الغربية لـ"نهر دنيبرو".

منطقة خاركيف

بعد الهجوم الأوكراني المباغت، انسحبت القوات الروسية بشكل كامل من المناطق الشمالية والشمالية الشرقية من مقاطعة خاركيف، وسيطر الجيش الأوكراني على هذه المناطق. وتراجعت القوات الروسية في شمال خاركيف إلى الحدود الدولية مع أوكرانيا. وفي شرق خاركيف تراجعت القوات الروسية إلى المناطق الشرقية، وهي المناطق الوحيدة فعليًا بمقاطعة خاركيف الباقية تحت سيطرتها. وبعد الانسحابات الروسية، عاد حوالي 8800 كلم مربع من مقاطعة خاركيف إلى سيطرة الحكومة الأوكرانية.

استعادة السيطرة على مدن المثلث تعني تأمين كل من كراماتورسك وسوفيانسك وباخموت، وبالتالي تغير معادلة السيطرة في إقليم دونباس

وأعلنت القوات الأوكرانية أنها تتقدم في المناطق الشرقية لتحريرها، لتصبح مقاطعة خاركيف محررة بالكامل على غرار كييف وتشيرنيهيف وسومي وأوديسا.