18-يوليو-2018

انتقد ترامب المخابرات الأمريكية وأشاد ببوتين (Getty)

لم تكن قمة هلسنكي، بين الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، حاسمة بالقدر الذي لقيته من اهتمام في وسائل الإعلام. إذ انتظر المراقبون أكثر بكثير مما جرت به مقادير اللقاء بين الرئيسين المثيرين للجدل، لكنها كشفت صورة لتوازنات القوى، التي تُتهم الإدارة الأمريكية الحالية بتغييرها. وقد حظي ترامب، رئيس تفكيك العالم الحديث كما وصفته الدويتش فيله الألمانية، بانتقادات لاذعة في الصحف الأمريكية، إذ رأت أنه ظهر في أضعف صوره أمام بوتين، الذي بدا واثقًا وهادئًا على عادته.

كان هناك تكهنات بعقد صفقة تشمل اعتراف أمريكا بضم شبه جزيرة القرم إلى روسيا، في مقابل أن تقوم روسيا بإقصاء إيران من الملف السوري

قمة هلسنكي.. التوقعات الخائبة

كانت هناك العديد من الملفات الساخنة في انتظار الزعيمين، من بينها الملف السوري، والصفقات التي يمكن إبرامها بشأن أمن إسرائيل، وهو اهتمام الولايات المتحدة الأمريكية الأول في القضية السورية، المتشابكة مع ملفات أخرى، حيث كانت هناك تكهنات فيما يتعلق بإمكانية عقد صفقة تشمل اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بضم شبه جزيرة القرم إلى روسيا، في مقابل أن تقوم روسيا بإقصاء إيران من الملف السوري، أو عن المبادرة الإسرائيلية التي تحدثت عنها صحيفة واشنطن بوست  منذ أسبوعين، والتي توافق بموجبها الولايات المتحدة بعد موافقة إسرائيل، على بقاء بشار الأسد، مقابل أن تسعى روسيا لإخراج إيران من سوريا.

ورأى مراقبون أنه لا يوجد حتى الآن أي معلومات حول حقيقة ما إذا كان هناك اتفاقيات جرت بين الزعيمين، حيث استغرقت القمة 4 ساعات جلس بوتين وترامب نصفهما منفردين بوجود المترجمين فقط، ثم سُمح بدخول وفود البلدين بعد اللقاء بساعتين، وهو ما أثار عاصفة من الانتقادات والشكوك خاصة تجاه الرئيس ترامب، خوفًا من أن يكون الرئيس الأمريكي، يخطط للإقدام على خطوة منفردة مع نظيره الروسي، وهو الذي اعتاد أن يفاجئ الجميع كما فعل بتصريحاته.

أما الملفات الأخرى، فكانت متعلقة بالأسلحة النووية لكلا البلدين التي أصبحت حديثًا مهمًا في الصحافة العالمية، بالإضافة إلى قضية شبه جزيرة القرم، أما القضية الأهم على الإطلاق بين البلدين، أو الملف المفتوح حتى الآن هو ملف التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية التي جرت عام 2016، التي أدت إلى وصول ترامب إلى سدة الحكم.

ترامب ينتقد المخابرات الأمريكية ويشيد ببوتين

اعتبرها الجمهورين والديمقراطيون على حد سواء إساءة رسمية للولايات المتحدة، وهدد بعض المشرعين الأمريكيين باتخاذ إجراء في الكونغرس لمعاقبة موسكو وإظهار الدعم لوكالات الاستخبارات الأمريكية. كان ذلك على خلفية التصريحات التي أدلى بها ترامب في المؤتمر في هلنسكي، حيث قال: "كنا جميعًا مغفلين، كان يجب أن يكون هناك حوار مع موسكو"، وأضاف "أن ما فعلناه من قبل، كان من باب الحمق و الغباء، وأننا جميعًا ارتكبنا أخطاء". و ابتعد ترامب تمامًا عن إدانة بوتين أو السلطات الروسية فيما يخص التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية عام 2016، مما يقوض الاستخبارات الأمريكية، التي تؤكد على وجود 12 ضابطًا روسيًا متهمًين بالتلاعب بنتائج الانتخابات.

اقرأ/ي أيضًا: مادلين أولبرايت.. أن تغرس رأسك في رمل "الخلاص الليبرالي" الدافئ

أحد هؤلاء الذين أثار ترامب حفيظتهم هو النائب الجمهوري مايك ترنر الذي قال نقلًا عن رويترز: "يجب على الرئيس أن يفهم أنه أضر بالسياسة الخارجية للولايات المتحدة". وأثار السناتور الجمهوري جيف فليك، وهو منتقد شرس لترامب منذ فترة طويلة، فكرة إصدار قرار يعبر عن دعم المشرعين لمجتمع المخابرات الأمريكية وحلفاء الولايات المتحدة، الذين يشعر الكثيرون منهم بأنهم يواجهون انتقادات قوية من ترامب في الأسابيع الأخيرة.

 استغرقت القمة 4 ساعات جلس بوتين وترامب نصفهما منفردين بوجود المترجمين فقط

وفي رد فعل مشابه، أيد العديد من أعضاء مجلس الشيوخ فرض المزيد من العقوبات على روسيا، ولكن لم يكن من الواضح ما إذا كان زعماء مجلس الشيوخ أو مجلس النواب سيؤيدون مثل هذه الخطوة، أو كيف سيقومون بصياغة عقوبات جديدة ضد موسكو.

وقال رئيس مجلس النواب بول ريان، بأنه مستعد للنظر في فرض عقوبات إضافية على روسيا، وأكد دعمه للنتائج التي توصلت إليها المخابرات الأمريكية بأن روسيا تدخلت في انتخابات عام 2016.

وكان الكونغرس قد وافق بالإجماع تقريبًا على قانون للعقوبات في العام الماضي، يستهدف موسكو للتدخل في الانتخابات ولأعمالها في أوكرانيا وسوريا. وفي نيسان/ إبريل، قاد هذا القانون وزارة الخزانة الأمريكية لفرض عقوبات كبيرة على المسؤولين الروس والأوليغارشية، في واحدة من أكثر التحركات عدوانية في واشنطن لمعاقبة موسكو.

روسيا: سعيدون بالاجتماع

أما الروس فبدوا سعيدين بالاجتماع نفسه، وهو ما يحدث لأول مرة منذ فترة طويلة بين رئيس أمريكي ونظيره الروسي، الذي  بدا أن لديه ابتسامة خجولة خلال اجتماعه مع ترامب. فكل ما كان عليه فعله هو الجلوس، والاستماع إلى تصريحات الرئيس الأمريكي التي تقوض جهازه القضائي والانتخابي، وتصف جهود المحقق المستقل مولر بأنها "كمطاردة الساحرات"، أي بلا جدوى!

اقرأ/ي أيضًا: المخابرات الأمريكية: بوتين أطلق حملة لدعم ترامب

واحتفت الصحف الروسية باللقاء، ووصفته بالتاريخي، ومدحت الرئيس الأمريكي. أما بوتين، فقد مضى إلى رفض التدخل الروسي في الحملة الانتخابية الأمريكية. مثله مثل ترامب، ولكنه كان يخلق شعورًا بالواقعية، وأعلن على عكس ترامب، عن نواياه بوضوح منذ البداية.

احتفت الصحف الروسية باللقاء، ووصفته بالتاريخي، ومدحت الرئيس الأمريكي

ولإضفاء مزيد من العبثية على المشهد، قال بوتين عن قضية الأدلة الجديدة بخصوص تدخل روسيا في الانتخابات الأمريكية: "لقد عملت في المخابرات، وأنا أعرف كيف يتم تجميع هذه الملفات"، ثم بدا أن بوتين قد قدم اعترافًا استثنائيًا، حيث قال إنه كان يريد من ترامب أن يفوز في انتخابات عام 2016. فهل قال شيئًا نفاه منذ فترة طويلة؟ كان يفعل ما فعله في الماضي، وعلى الأخص عندما اعترف بوجود القوات الروسية في أوكرانيا، بعد أكثر من عام من الإنكار. كان بوتين يثبت أن لا شيء حقيقيًا باستثناء قدرته على قول ما يريد، وقتما يريد، على الرغم من تأكيدات المخابرات الأمريكية على حقيقة التدخل الروسي.

أما ترامب، فقد بدا في الأسابيع الأخيرة وكأنه يحدث جعجعة عالمية دون طحن، فهو يثير حلفاءه في حلف الناتو، ويطلق تصريحات مثيرة للجدل عن واحدة من أهم حلفائه في بريطانيا، بخلاف الاستقبال الساخر الحاشد له في شوارعها، وفي النهاية يبدو وكأنه خلفية لسيناريو تبنت فيه الصحف الروسية قمة هلسنكي على أنها "فوز لبوتين، حيث صورت المؤسسة السياسية والإعلامية في روسيا القمة على أنها انتصار في تحطيم العزيمة الغربية للتعامل مع روسيا باعتبارها منبوذة. وجاء في عنوان التقرير الذي صدر يوم الاثنين في صحيفة روسيسكايا جازيتا التي تديرها الدولة، أن "محاولات الغرب لعزل روسيا باءت بالفشل".

 

اقرأ/ي أيضًا:

ما الذي يريده بوتين حقًا من اتفاقه مع ترامب حول سوريا؟

كيف تحولت مكاسب روسيا في سوريا وأوكرانيا لخسائر