09-يوليو-2017

الرئيسان الأمريكي ترامب والروسي بوتين، على هامش قمة العشرين بهامبورغ (ساول لوب/ أ.ف.ب)

نشرت وكالة أنباء بلومبيرغ الدولية تقريرًا حول اتفاق وقف إطلاق النار في سوريا، الذي توصل إليه الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والأمريكي دونالد ترامب، في محاولة لاستشراف مآلاته، وتوقع أهداف بوتين من ورائه. وننقل لكم في السطور التالية، التقرير مترجمًا.


تأمل روسيا أن يتوافق اتفاق وقف إطلاق النار السوري، الذي توسطت فيه هذا الأسبوع الولايات المتحدة؛ مع خطط الرئيس فلاديمير بوتين، للبلد الذي مزقته الحرب.

وما زالت التفاوضات قائمة حول الاتفاق الذي توصل إليه بوتين والرئيس الأمريكي دونالد ترامب، يوم الجمعة الماضية، لإنشاء ما يسمى بمنطقة خفض التصعيد في جنوب غرب سوريا. لكن الشكوك تحوم حول ما إذا كانت هذه الخطة التي من المفترض أن تنهي حربًا أودت بحياة 470 ألف شخص؛ ستنجح فيما فشل فيه آخرون.

هذا وقال وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون، معلقًا على الاتفاق الذي بدأ أمس الأحد، بوقف إطلاق نارٍ مبدئي في المناطق الواقعة على طول الحدود الأردنية؛  إن "شيئًا ما قد تغير".

ستقود اتفاقية وقف إطلاق النار السوري، إلى شيء شبيه بتقسيم ألمانيا إلى أربع مناطق إدارية بعد الحرب العالمية الثانية

أمّا بوتين الذي وصف الاتفاق بأنه تقدم مثير مع الولايات المتحدة، قال في مؤتمر صحفي عقد في هامبورغ الألمانية، يوم السبت الماضي، أن الاتفاقية "من المنتظر أن تُصبح نموذجًا أوليًا لإدارة سلسلة من المناطق في جميع أنحاء سوريا بالتنسيق مع النظام في دمشق"، مُضيفًا: "إذا نجحنا في ذلك فإننا نضع بذلك الأسس والمتطلبات اللازمة لإيجاد حل سياسي في سوريا بشكل عام".

اقرأ/ي أيضًا: من يلتزم بوقف إطلاق النار أولًا؟

ورغم أن بوتين وجميع الأطراف، يصرحون بالالتزام رسميًا بالوحدة الإقليمية لسوريا، إلا أنّ هذه الخطة ستقود بشكل مؤقت إلى شيء شبيه بألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية، عندما قسمت القوى الأربع المتحالفة، البلاد إلى أربع مناطق إدارية، وذلك فقًا لما ذكره فيودور لوكيانوف، الذي يرأس المجلس الروسي الخاص السياسة الخارجية والدفاع، والذي علّق أيضًا عليها بقوله: "هذه هي بداية التقسيم الناعم لسوريا"، مُضيفًا أن "خفض التصعيد هو تعبير ملطف لمناطق المسؤولية، حيث ستتفق الأطراف المختلفة على السلطة المسؤولة عن كل جزء من البلاد".

وأوضح لوكيانوف، أنّ "الخطوط العريضة للاقتراح الروسي الذي تمت الموافقة عليه في اجتماع بين ترامب وبوتين، اقتبست من المحادثات الجارية لخلق مناطق لخفض التصعيد في أجزاء أخرى من البلاد بين إيران وروسيا وتركيا".

وقال إنّ مجموعتي الخطط، تمثلان معًا استراتيجية الجيش الروسي للانسحاب من الصراع، لافتًا إلى إظهارها التي شهدها الوضع على الأرض خلال العام الماضي، حين سقطت حلب، المدينة الثانية في سوريا، تحت سيطرة النظام مرة أخرى، وتقدمت الحملة التي تقودها الولايات المتحدة لإخراج تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) من أرض خلافته المزعومة بشكل كبير.

من جانبه علّق جوشوا لانديس مدير مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة أوكلاهوما، على الاتفاقية بقوله إنّ "هذا الأمر سيفسح المجال أمام الولايات المتحدة، لاتخاذ قرار بشأن ما يجب أن يحدث بمجرد هزيمة الدولة الإسلامية"، مُوضحًا أنه "يمكنها أن تتصارع مع إيران وروسيا ورئيس النظام السوري بشار الأسد للسيطرة على المناطق المحررة في سوريا، أو أن تعلن عن إتمام المهمة، وتوافق على الإشراف على أمن المناطق القريبة من الحدود مع حلفائها الرئيسيين، إسرائيل والأردن، وترك معظم سوريا للأسد"، كما قال.

استعادة سوريا

ويعتقد كل من المحللين الروس والأمريكيين في سوريا، أن قرار يوم الجمعة الماضية، يشير إلى الاحتمال الأخير، إذ قال لانديس، إن "الأسد سوف يستعيد معظم سوريا، ولا يوجد شيء يمكن أن تفعله الولايات المتحدة حيال ذلك"، مُضيفًا: "هناك بنية أمنية جديدة تُفرض في الشرق الأوسط وإيران هي المستفيد".

ويرى مسؤول في وزارة الخارجية الأمريكية، أن الولايات المتحدة ترى مقترحات خفض التصعيد بنظرة أقل تضخيمًا، إذ ترى أن هدفها هو تجميد القتال وإتاحة المجال لتسوية سياسية. وقال إن "هناك شعورًا بأن كلا الطرفين يظنان بأنه يجب إشراك الطرف الآخر".

خريطة تمزّق سوريا (بلومبيرغ)
خريطة تمزّق سوريا (بلومبيرغ)

وكان وزير الخارجية الأمريكي، قد قال بوضوح في تصريحات أعقبت اجتماع ترامب وبوتين، إن الصفقة السورية "كانت نقطة انطلاق لتعاون أوسع مع روسيا بعد هزيمة داعش"، مُوضحًا أن "المشكلة ستقتصر بعدها على فرض الاستقرار في مناطق أخرى من البلاد"، ومُضيفًا أنه "من المنظور الأوسع فإن أهدافنا متشابهة لكن كيفية الوصول إلى هذه الأهداف هي مثار الاختلاف" وقال أخيراً "ربما يتبعون هم نهجًا صحيحًا بينما نتبع نحن الخاطئ" ولم يُوضح أكثر من ذلك.

انهيار الاتفاق

من الممكن أن ينهار الاتفاق سريعًا، فنفس القوات التي تواجدت العام الماضي حيث أُعلن وقف إطلاق النار من قبل الروس والأمريكان، والذي انهار في غضون أسبوعين؛ تتواجد الآن على الأرض في جنوب سوريا، وكذلك في الشمال، وهي  ليست طرفًا في الصفقة، بما فيها قوات الأسد والمليشيات الأجنبية، والجماعات المرتبطة بتنظيم القاعدة.

وبالإضافة إلى ذلك، فإن المراقبين الوحيدين الذين يقدمون خدمات لمراقبة منطقة خفض التصعيد، هم الروس، وما زالت إمكانية وقدرة آخرين على المشاركة مسألة قيد التفاوض، بحسب مسؤول في وزارة الخارجية الأمريكية، فضلًا عن أنّ وجهة النظر الروسية حول كيفية عمل هذه المناطق، محدودة ومحابية لنظام الأسد.

من الممكن أن ينهار الاتفاق الأمريكي الروسي على وقف إطلاق النار، كما حدث العام الماضي، حيث انهار الاتفاق خلال أسبوعين

وذكرت إيلينا سوبونينا، الخبيرة في الشرق الأوسط بالمعهد الروسي للدراسات الاستراتيجية، والتي تعمل مستشارة للكرملين، أن روسيا ستقدم ألف جندي عسكري كحد أقصى لمراقبة وقف إطلاق النار، كما قالت إن مناطق خفض التصعيد "ظلت قيد المناقشة منذ أشهر وخطط للإعلان عنها من قبل ترامب وبوتين في قمة مجموعة العشرين لهذا الأسبوع". وهذه المناطق ليست معادلًا للمناطق الآمنة التي كثيرًا ما تُناقش في الغرب، حيث يُجبَر أحد الأطراف المتحاربة على الرحيل.

اقرأ/ أيضًا: سوريا.. هدنة "الحوادث الفردية"

وأشارت إيلينا سوبونينا إلى أنّ قوات الأسد لن تستثنى من مناطق خفض التصعيد، وأنها سيسمح لها بالقيام بعمليات ضد "إرهابيين"، وهذا هو الوصف الذي يستخدمه نظام الأسد لوصم المعارضة المسلحة بكاملها.

الطموحات الروسية

وعلاوة على ذلك، قالت سوبونينا، إن هذه المناطق ستقام فقط في الأماكن التي تكون فيها المعارضة المسلحة "أضعف من أن تشن هجومًا وأقوى من أن يتم القضاء عليها".

وهذه التطلعات الروسية المنخفضة إلى إثارة الشكوك بأنها لا تقدم سوى خطة سلام شكلية لإرضاء الرئيس الأمريكي الجديد، وكسب الوقت لإعادة السيطرة على سوريا، وهو ما أشار إليه فريد هوف، الذي عمل مستشارًا خاصًا لعملية الانتقال في سوريا خلال إدارة أوباما، وذلك بقوله: "ليس لدي أي شك في ما يريد الروس القيام به بكل هذه المناطق؛ إنها محاولة لتدعيم موقف الأسد"، متسائلًا: "السؤال الرئيسي هنا هو ما  نوع النفوذ الذي ترغب روسيا في ممارسته على النظام وعلى الإيرانيين للحفاظ على الهدوء؟".

تثار الشكوك حول أن روسيا، تهدف بالاتفاق كسب الوقت لإعادة السيطرة على سوريا وتدعيم الأسد

ومن المهم بنفس القدر، مدى استعداد الإدارة الأمريكية الجديدة لقبول الوضع الراهن الناشئ في سوريا، الذي تحاول روسيا توطيده، وقد قال لوكيانوف، إنه "بالنسبة لترامب، من الممكن الآن على الأقل أن نقول إن الروس يحترموننا هناك، ونحن نحمي أصدقاءنا ومصالحنا، ونهزم داعش".

 

اقرأ/ي أيضًا:

كيف تحولت مكاسب روسيا في سوريا وأوكرانيا إلى خسائر؟

روسيا تقتل القتيل وتمشي في جنازته