06-أكتوبر-2016

(تظاهرة تضامنية مع الشعب السوري ضد جرائم النظام وحلفائه الروس في أحد شوارع برلين (آربيل باساي/ الأناضول

لم تتوقع موسكو أن تجري الأمور على ذلك النحو.

في الشهر الماضي، كان الكرملين يؤجل مناقشة عدم التزام أوكرانيا باتفاق مينسك، وكانت هناك مناقشات أولية جارية بين وزراء الاتحاد الأوروبي لتقرير ما إذا كانت العقوبات المفروضة على روسيا قابلة للتعديل أو التعليق. وفي سوريا، كان وزير الخارجية الأمريكي جون كيري ونظيره الروسي سيرجي لافروف يروجان لفكرة تعاونٍ أمريكي-روسي للتوصل إلى حلٍ سياسي للحرب الأهلية السورية ولزيادة مشاركة المعلومات الاستخبارية لاستهداف تنظيمي القاعدة والدولية الإسلامية. بدا أن فلاديمير بوتين ينجح في جهوده لإلقاء الضوء على وضع روسيا كفاعلٍ مسؤول في النظام العالمي، ووضع مرارة الأعوام الأخيرة وراء ظهره، حسب تقريرٍ لمجلة ناشونال انترست الأمريكية.

 القرار الروسي-السوري باتباع تكتيكات غروزني لسحق المعارضةفي حلب، زاد وضع روسيا تعقيدًا، وبدأ القادة الأوروبيين في التمتمة بمصطلح "جرائم حرب"

كان هناك توقعٌ متنام بأن نوعًا من تخفيف العقوبات الروسية المفروضة على روسيا، وخاصةً القيود المالية، بالإضافة إلى الحظر على نقل التكنولوجيا فيما يتعلق بمشاريع الطاقة الجديدة، سيحدث قريبًا، سامحًا باستئناف العمل في بعض المشروعات الكبرى الجديدة التي تم تأجليها في عام 2017. بالفعل، حذر نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن في منتصف أيلول/سبتمبر من أن الوحدة الأوروية في الحفاظ على نظام العقوبات قد تكون في خطر.

اقرأ/ي أيضًا: هل ستضرب أمريكا الأسد هذه المرة جديًا؟

لكن تطورين لم يوقفا فقط ذلك الاتجاه، وإنما يرجح أن يعكسا أي مكاسب دبلوماسية كان الكرملين يأمل في أنه قد حققها، يتابع التقرير. كان الأول هو صدور التقرير الهولندي الذي حمل مسؤولية الصاروخ الذي أسقط رحلة الخطوط الجوية الماليزية رقم 17 فوق شرق أوكرانيا إلى روسيا مباشرةً، حيث وجد أن نظام الصواريخ قد جاء من روسيا وتم إعادته إليها بعد ذلك. بينما يستمر الكرملين في التشكيك في تلك النتائج، إلا أن التقرير قد أعاد وضع دور موسكو في الصراع الأوكراني مجددًا في بؤرة الضوء. تمامًا كما كان إسقاط الطائرة منذ عامين العامل الرئيسي في دفع الاتحاد الأوروبي إلى فرض عقوباتٍ أكثر قسوة وتقييدًا على روسيا، متغلبًا على المعارضة السابقة من قِبل جماعات ضغط تجارية أوروبية وحكوماتٍ تميل إلى الحفاظ على علاقاتٍ جيدة مع موسكو، فإن توقيت إصدار تلك النتائج، ورد الفعل في هولندا، يجعل الآن قرار أي حكومة أوروبية باتخاذ الخطوة الأولى لرفع نظام العقوبات أمرًا أكثر صعوبة بكثير.

ويضيف تقرير ناشونال انترست أنه حتى قبل إصدار نتائج التقرير، كانت التقديرات خلف الكواليس تشير إلى أنه رغم عدم رضاء عددٍ من الدول الأوروبية عن استمرار العقوبات ضد روسيا، إلا أنه لا توجد حكومة واحدة راغبة في تحمل نتائج التهديد باستخدام حق الفيتو لرفض تجديد حزمة العقوبات، حيث ازداد الآن تضاؤل تلك الاحتمالية. من شبه المؤكد الآن أن الاتحاد الأوروبي سوف يمدد العقوبات لمدة ستة أشهر أخرى تنتهي في منتصف عام 2017.

تصريح بوريس جونسون، بأن روسيا تخاطر بأن تصبح "دولة منبوذة" بسبب حملتها في سوريا، يبرز مدى عمق المشكلة التي يواجهها الكرملين

إن لم يكن توقيت التقرير الهولندي سيئًا بما يكفي، فإن القرار الروسي-السوري باتباع تكتيكات غروزني (عاصمة الشيشان) لسحق المعارضة السورية في حلب، وإرسال إشارة إلى بقية المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في سوريا بأن الآن قد يكون الوقت المناسب للتفاوض مع تظام الأسد بدلًا من الاستمرار في انتظار مساعدةٍ غربية، قد زاد الوضع تعقيدًا. مع بدء القادة الأوروبيين في التمتمة بمصطلح "جرائم حرب" بالتزامن مع كيفية القيام بالحملة الجوية الروسية في سوريا، كان هناك مقترحاتٌ أولية بأن عقوبات الاتحاد الأوروبية المفروضة على روسيا لا ينبغي فقط الاستمرار فيها وإنما توسيع نطاقها، لتغطي ليس فقط ما يحدث في أوكرانيا وإنما في سوريا على حدٍ سواء.

ويقول التقرير إنه مع قدوم بعض أكثر الانتقادات حدة من المملكة المتحدة، يبرز احتمال عدم استفادة موسكو من البريكزيت في نهاية الأمر. إذا كان، كما كان يؤمل في البداية، خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي سوف يحرر المملكة المتحدة من الاضطرار إلى الالتزام بعقوبات الاتحاد الأوروبي المفروضة على روسيا، فإن مدينة لندن قد تصبح من جديد وسيطًا ماليًا رئيسيًا للشركات الروسية الساعية إلى النفاذ إلى أسواق المال العالمية بينما تستطيع الشركات البريطانية الالتفاف على القيود الأمريكية والأوروبية على عمليات نقل التكنولوجيا. عندما يحذر وزير الخارجية بوريس جونسون، والذي كان يتم تصنيفه على أنه من محبي روسيا وكان قبل عدة أشهر فقط يصرح بالحاجة إلى نهجٍ أكثر تصالحية مع موسكو، يحذر من أن روسيا تخاطر بأن تصبح "دولة منبوذة" بسبب حملتها في سوريا، فإن ذلك يبرز مدى عمق المكلة التي يواجهها الكرملين الآن في إصلاح علاقاته مع أوروبا.

ليس الغرق في مستنقعات مقاومات البلدان التي تجتاحها طائرات ودبابات الكرملين بالأمر الجديد على موسكو

ما الذي يعنيه ذلك مستقبلًا؟ بدايةً، يرى التقرير، قد يسرع ذلك من جهود روسيا لإصلاح علاقاتها مع تركيا والمضي قدمًا فيما يطلق عليه مشروع خط أنابيب "تركيش ستريم"، إذا كان خيارها المفضل وهو مضاعفة سعة خط أنابيب نورد ستريم الذي يربط روسيا بألمانيا سوف يقبع الآن في طي النسيان بسبب عقباتٍ تنظيمية أوروبية. الثاني هو أنه قد يجعل بوتين أكثر استعدادًا لبحث خيارات تسوية النزاع الحدودي مع اليابان على جزر الكوريل، على أمل أن يقوم رئيس الوزراء الياباني في المقابل بكسر نظام العقوبات وفتح آفاقٍ جديدة لتنمية روسيا، خاصةً في الشرق الأقصى. أخيرًا، قد تقرر موسكو أنها تحتاج إلى تبني نهجٍ أكثر تصالحية بكثير تجاه أوروبا. أعلنت إدارة بوتين بالفعل، على سبيل المثال، عن استعدادها لاستئناف المحادثات بشأن أوكرانيا في إطار ما يدعى بـ"مجموعة نورماندي" (المكونة من روسيا وأوكرانيا وفرنسا وألمانيا)، والتي قامت بتعليقها في وقتٍ سابق من هذا العالم بعد اتهام كييف بدعم "أنشطةٍ إرهابية" في القرم.

كان من الواضح أن روسيا تعتمد على قدرتها على جني بعض التنازلات من أوروبا قبل قدم إدارةٍ أمريكية جديدة في كانون الثاني/ يناير القادم. لكن يبدو أن مناشدات إدارة أوباما التي لم يتبق الكثير على انتهاء ولايتها بالحفاظ على الوضع القائم فيما يتعلق بروسيا سوف يتم الاستجابة لها. على روسيا الآن الانتظار لمعرفة ما إذا كان رهانًا آسيويًا جديدًا سوف يمنحها مساحة المناورة التي تبحث عنها.

اقرأ/ي أيضًا:

هل تعزل موسكو نفسها دوليًا؟