19-يوليو-2018

مثلت حدائق الحيوانات البشرية جزءًا من التاريخ المظلم للغرب (Getty)

تتكرر كثيرًا على ألسنة صقور اليمين والشعبوية في الولايات المتحدة وأوروبا، تلك الأوصاف للاجئين والمهاجرين، التي تشبههم بالحيوانات، وتنعتهم بصفات تجردهم من إنسانيتهم. ولعل الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، نفسه مثال مباشر على هذا الاستخدام، إذ يحمل سجلًا ضخمًا من هذه النعوت والتصريحات. لكن هذه الاستخدامات ليست شيئًا غريبًا عن التاريخ الاستعماري الأوروبي والأمريكي، حسب ما يوضحه آرييل دوفرمان، في هذا التقرير المترجم عن صحيفة "لاموند ديبلوماتيك"، مشيرًا بالحقائق إلى وجود عدد هائل من حدائق الحيوانات التي كان الأوروبيون البيض، يحتجزون فيها عائلات "بدائية" من السود والسكان الأصليين، للتفرج عليها.


عمّ استنكار واسع عندما اتهم الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، مؤخرًا "المهاجرين غير الشرعيين" بالرغبة في "التدفق إلى بلادنا والتطفل عليها". إذ إن هذا الفعل "يتطفل/يجتاح" (infest) استخدمه النازيون في المقام الأول كطريقة لتجريد اليهود والشيوعيين من الصفات الإنسانية، وإضفاء سمات الجرذان أو الهوام أو الحشرات عليهم؛ والتي يلزم القضاء عليها.

يملك الرئيس الأمريكي ترامب تاريخًا طويلًا من انتقاد الشعوب الملونة وتشبيههم بالحيوانات

ومع ذلك، لا ينبغي لأحدٍ أن يُفاجَأ. لدى الرئيس تاريخ طويل من انتقاد الشعوب الملونة وتشبيههم بالحيوانات. في عام 1989 -على سبيل المثال- كانت ردة فعله إزاء اغتصاب امرأة بيضاء في سنترال بارك في نيويورك، هو تخصيص صفحة إعلانية كاملة في أربع من الصحف الرئيسية بالمدينة، (تكلفتها الإجمالية حوالي 85 ألف دولار) يدعو فيها إلى إعادة تفعيل عقوبة الإعدام، ومنددًا "بعصابات المجرمين البرية المتجولة التي تجوب شوارعنا". كان بالطبع يشير إلى خمسة من الشباب ذوي البشرة الداكنة واللاتينيين الذين اتُهِموا بتلك الجريمة وأدينوا بها. ومتأخرةً عشر سنوات، ظهرت براءتهم من التهمة المنسوبة إليهم بعدما اعترف قاتل ومغتصب متسلسل بارتكابها أخيرًا.

لم يعتذر ترامب عن تسرعه في الحكم أو عن آرائه المليئة بالكراهية، التي أصبحت في نهاية المطاف تُستَخدَم بصورة نموذجية لشن هجماته على المهاجرين خلال حملة الانتخابات عام 2016 وخلال فترة رئاسته. هذا وقد أعلن عدة مرات أن بعض الناس ليسوا حقيقةً كائنات بشرية على الإطلاق، بل حيوانات، مشيرًا بشكل خاص إلى أعضاء عصابة "أم أس-13" الإجرامية. وفي تجمع حاشد شهدته ولاية تينيسي في نهاية أيار/مايو، ضاعف من هذا النوع من الشتائم، دافعًا ومحركًا حشدًا محمومًا للهتاف وراءه مرددين ذات الكلمة -"حيوانات!"- بحماسة بالغة.

اقرأ/ي أيضًا: جحيم ترامب ضد المهاجرين.. 1995 طفلًا سُرقوا من ذويهم على الحدود

بهذه الطريقة، جعل ترامب أولئك الحاضرين متواطئين معه في تعصبه الأعمى. كما أن إهاناته وخطبه العرقية لم تكن مجرد تَهَاوِيل بلاغية. إذ كانت لها عواقب حقيقية ملموسة. يكفي النظر إلى الأقفاص حيث فُصِل الأطفال غير المسجلين عن عوائلهم عند الحدود الأمريكية المكسيكية أو بالقرب منها، كما لو كانوا حيوانات بالفعل. هذا وقد وصف المراسلون وآخرون بانتظام إحدى مناطق الاعتقال بأنها "حديقة حيوانات" أو "مأوى للكلاب"، ناهيك عن آبائهم المحاصرين خلف حواجز من الأسلاك الشائكة، حتى لو أثار ذلك اهتمامًا واحتجاجًا أقل.

تاريخ من البشر المحبوسين داخل أقفاص

لقد أعادت جميع أحاديث الرئيس المعاصرة وحشوده الغاضبة، إلى جانب تلك الأقفاص ومراكز الاحتجاز، النازية إلى أذهان البعض، ولكن قد يكون أكثر تنويرًا أن نحسبها بمثابة تكرار للحظات سابقة في التاريخ، عندما لم تتسب مقارنة ذوي البشرة الداكنة بالحيوانات في إحداث أي ضجة. وقد يُنظر إليها كجزء من الحديث المعتاد، في كل من أوروبا والولايات المتحدة.

في الواقع، في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، اعتبر الملايين من الأوروبيين والأمريكيين أنه من الطبيعي، بدون مبالغة، معاملة بعض أفراد جنسنا البشري كما لو أنهم وحوش. كما أشار السجل التاريخي إلى أنهم لم ينزعجوا من رؤية مثل تلك "الحيوانات"، أو "الكائنات الشاذة"،  معروضين في أقفاص، حرفيًا مثل أقفاص الحيوانات، في المناسبات العامة الصاخبة. قد يصعب في اللحظة الراهنة تصديق الأمر، لكن أسلافنا توافدوا ذات مرة بأعداد مذهلة إلى "حدائق الحيوان البشرية"، حيث يعرض آلاف المواطنين المختطفين من آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية للتفحص والازدراء والتَطَفّل، بل وأحيانًا للخضوع لتجارب علمية.

اليوم، اختفت هذه الانتهاكات لحقوق الإنسان، المحيرة للعقل، بشكل كامل تقريبًا من ذاكرة العامة. أنا عن نفسي لم أسمع إلا بصورة واهية عن حدائق الحيوان البشرية، هذا قبل أن أصبح مهووسًا بها خلال البحث الذي أجريته من أجل كتابة أحدث رواياتي، "أشباح داروين"، والذي قادني إلى عالم حدائق الحيوان البشرية. واكتشفت أن هذه الظاهرة قد بدأ تنفيذها بأبسط الطرق تواضعًا.

قبل مئة وسبعين سنة، تحديدًا في 1848، وهو عام الثورات في جميع أنحاء العالم، قرر كلاوس هاغنبيك، تاجر سمك في هامبورغ، فرض رسوم على الزبائن لإلقاء نظرة خاطفة على بعض فقمات القطب الشمالي السابحة في حوض كبير في الفناء الخلفي لمنزله. بعدها بوقت قريب، تطورت هذه الخطوة التجارية إلى شركة عائلية مدرة للربح تعرض الحيوانات البرية، بحيث تلبي الطلب المتزايد على الوحوش العجيبة لملء السيرك والمجموعات الخاصة بالملوك والأثرياء الآخرين.

بالتنسيق مع حديقة التأقلم (Jardin d'Acclimatation) في باريس ومتعهدي الحفلات الأمريكيين أمثال بي تي بارنوم، بدأت عائلة هاغنبيك في ممارسة هوايتها بعرض "المتوحشين البدائيين" من أقاصي الكوكب

في النهاية، لم تكن الحيوانات كافية. بحلول أوائل عام 1870، وبالتنسيق مع حديقة (Jardin d'Acclimatation) في باريس ومتعهدي الحفلات الأمريكيين أمثال بي تي بارنوم، بدأت عائلة هاغنبيك في ممارسة هوايتها بعرض "المتوحشين البدائيين" من أقاصي الكوكب. أول ضحايا هذه الرغبة المتمثلة في جلب نماذج من بقية البشر إلى المشاهدين في الغرب؛ كانوا من سكان لابلاند، الذين عُرِضوا في بيئة قُصد أن تكون كواحدة من قراهم. (ولدت رغبة مماثلة أدت إلى ظهور الديوراما التي سرعان ما بدأت في الازدهار في متاحف التاريخ الطبيعي).

مثلت حدائق الحيوانات البشرية جزءًا من التاريخ المظلم للغرب (Getty)

أثبت هذا المعرض الأول في هامبورغ المسمى "الرجال والنساء الصغار في لابلاند بصورة مدهشة"، أن الرغبة في رؤية المزيد من البشر "البدائيين" سرعان ما صارت نهمة ولا يمكن إشباعها. ونُظمت جولات إلى برلين، ولايبزيغ، وغيرها من المدن الألمانية. أُرشد صائدو الكنوز الغريبة ممن كانوا متخصصين في تحديد أماكن الحياة البرية الإفريقية والآسيوية وإحضار كنوزها إلى أوروبا والولايات المتحدة، وكلفوا بالبحث عن حياة برية بشرية غريبة على نحو مماثل. سرعان ما نُص على أنهم لا ينبغي أن يكونوا وحشيين إلى درجة تشمئز منها الجماهير، وأيضًا لا ينبغي أن يكونوا رائعين لدرجة تمنعهم من الظهور بمظهرٍ شاذٍ أو غير مألوف.

اقرأ/ي أيضًا: بعد 60 عامًا على آخر "حديقة حيوان بشرية".. بلجيكا تتطهر من ماضيها المظلم

تلا سكان لابلاند عدد كبير من السكان الأصليين على الأرض، والذين أُبعدوا قسرًا عن عوائلهم مثل: الإسكيمو، والكونغوليين، وشعب الكالميك، والصوماليين، والإثيوبيين، والبدو، والنوبيين من أعالي النيل، وسكان أستراليا الأصليين، ومحاربي الزولو، وشعب مابوتشي من الهنود، وسكان جزر أندامان من جنوب المحيط الهادئ، بالإضافة إلى الصيادين من بورنيو. والقائمة تطول، حيث انتشرت حدائق الحيوان البشرية من ألمانيا إلى فرنسا وإنجلترا وبلجيكا وإسبانيا وإيطاليا والولايات المتحدة، وهم جميعًا -ويا لها من مصادفة!- صاروا القوى الإمبريالية للعالم في تلك الحقبة.

 

مثلت حدائق الحيوانات البشرية جزءًا من التاريخ المظلم للغرب (Getty)
طفلة أفريقية في حديقة حيوانات بشرية في القرن التاسع عشر (pinterest)

سرعان ما أصبح ممثلو المجموعات الإثنية من جميع أنحاء الكوكب ذوي ميزة يمكن توقعها في أجنحة المعارض العالمية المعروفة آنذاك. وعلاوة على توفير وسائل الترفيه لجميع أفراد العائلة -التي قد يُنظر إليها على أنها تلفزيون الواقع لتلك الفترة- فقد أعلنت المؤسسات التي مولت هذه المعارض عن "التجارب التعليمية". كما قدمت مثل هذه اللوحات من الشعوب المنتمية إلى "عصور ما قبل التاريخ"، وسيلة للزوار الأثرياء ليتذوقوا ويعجبوا بالعادات الغريبة للسكان الغريبين، القادمين من الأراضي البعيدة التي سعت بلدانهم لدمجها بعنف هائل في "الحضارة" من خلال السيادة الاستعمارية.

في الواقع، وصل العنف إلى درجة أن بعض السكان الأصليين ممن يجري عرضهم على الملأ، مثل جماعات باتاغونيا المتنوعة ممن تعود أصولهم إلى تييرا دل فويغو في الطرف الجنوبي لأمريكا اللاتينية، كانوا بالفعل على وشك الانقراض. وتمثلت إحدى المزايا المتعلقة برؤية العينات الحية لهؤلاء الرجال والنساء والأطفال الغرباء في القيام بذلك قبل أن تختفي آخر بقاياهم، بالإضافة إلى لغاتهم وثقافاتهم، من على وجه الأرض.

وحتى لو كنت من بين ملايين الأمريكيين الذين لم يتمكنوا شخصيًا من زيارة مثل هذه العروض الشعبية، والقرى العرقية وحدائق الحيوان البشرية، فما زال بإمكانك التعرف على هؤلاء الآخرين الغرباء بتكلفة منخفضة وبشكل غير مباشر. لقد جرى تسويق صور الأسرى – الذين جرى تصويرهم قطعًا دون موافقتهم – على نطاق صناعي. وسُرعان ما أصبحت البطاقات البريدية التي تظهر عليها وجوههم وأجسامهم من السمات اليومية للحياة الأسرية، وإحدى الطرق الأخرى التي أُعيدت من خلالها حدائق الحيوان البشرية، وجرى تبييضها وإرسالها إلى المنزل دون أدنى فكرة عن الأهوال والمعاناة التي تعرّض لها هؤلاء الأسرى أو كيف تعامل أطفالهم وأزواجهم وزوجاتهم وأمهاتهم وآباؤهم وأقاربهم وأصدقاهؤم، الذين تركوهم وراءهم، مع الصدمة التي حلّت بهم جراء أخذ أحبائهم من بينهم.

جرى تمويل حدائق الحيوانات من قبل المؤسسات العلمية التي تتوق إلى اكتشاف كيف أن هذه العينات تتناسب مع نظرية التطور

كما لم يجرِ إنكار مثل هذه الأفعال من قبل الأعضاء الأبرز في هذه المجتمعات "المتقدمة". بل على العكس تمامًا، جرى تمويل العديد من عمليات الاختطاف من قبل المؤسسات العلمية التي تتوق إلى اكتشاف كيف أن هذه العينات تتناسب مع نظرية التطور التي قال بها داروين. وبدوره، حظي بحثهم بالدعم من المسؤولين الحكوميين ممن كانوا على استعداد أكثر لإظهار احترامهم ودعمهم للعلماء الذين يبحثون عن الأصول البشرية. فهل كان هؤلاء الأفارقة والأمريكيون الجنوبيون بشرًا بالكامل أم أنهم كانوا يشكلون الحلقات المفقودة في السلسلة الكبيرة للكائنات الحية التي أصبحت جنسنا؟ وناقش علماء الطبيعة والأطباء البارزين مثل هذه الأمور، وألقوا محاضرات حولها، وكتبوا مقالات عنها وطعنوا (فيما جرى تمريره بعد ذلك إلى التجارب العلمية) في جثث هؤلاء الذين ارتكبوا خطأ ولادتهم بعيدًا عما يُطلق عليه العالم المتحضر.

من حدائق الحيوان البشرية في بلجيكا (RMCA)
من حدائق الحيوان البشرية في بلجيكا (RMCA)

"أوتا بينغا" معاصرون

في وقتنا الحالي، بالتأكيد، لا يمكن تخيل حدائق الحيوان البشرية والتجارب الطبية التي أُجريت على بشر أحياء. لقد جعل الوعي الإنساني، المنصوص عليه في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والذي اعتمدته الأمم المتحدة منذ 70 عامًا، هذه الممارسات مشينة ولا يمكن تحملها. فمن بإمكانه اليوم أن يتحمل مصير أوتا بينغا، وهو قزم من الكونغو عاش مع الرئيسيات في حديقة حيوان برونكس بمدينة نيويورك عام 1906 وانتحر بعد ذلك بعقد، عندما أدرك أنه لن يتمكن من العودة إلى موطنه الأصلي؟ ومَنْ منّا سيجلب أطفاله لمشاهدة "حلقات مفقودة" مثل أقزام تايلاند أو هنود الأمازون أو القرويين السودانيين كما لو كانوا مسوخًا وليسوا من البشر؟

اقرأ/ي أيضًا: "اليمين البديل في أمريكا.. "هايل ترامب!

للأسف، لم يأن أوان تقديم التهنئة، بالنظر إلى عدد المرات التي ظهرت فيها نفس الدوافع العنصرية في وقتنا الحالي، وليس فقط في التصريحات المتهورة للرئيس والتي تساوي بين البشر والحيوانات (ولم تُثِر أي منها استياء معظم أتباعه حتى الآن). ويبدو أن تجريد الأشخاص الغرباء ذوي الوجوه والبشرة السوداء على نحو مماثل من إنسانيتهم يعمل على إحياء الشعارات الحالية المعادية للمهاجرين في شتى أنحاء المعمورة، والرغبة في الهروب من "التطفل" الخارجي والحفاظ على النسخ الأسطورية من النقاء العرقي والهوية الوطنية. فهل لا نزال حقًا من المشاهدين الذين شاهدوا إخوانهم من البشر ممن أُسيئت معاملتهم في ظروف أشبه بحديقة الحيوان منذ قرن أو أكثر دون أن يحركوا ساكنًا أو أن يشعروا بالانزعاج؟

مثلت حدائق الحيوانات البشرية جزءًا من التاريخ المظلم للغرب (Getty)
إعلان لحديقة حيوان بشرية (pinterest)

بالنظر إلى الوراء، فإن أكثر الأمور إزعاجًا فيما يتعلق بحدائق الحيوان البشرية التي كانت موجودة في الماضي يتمثل في مدى غفلة هؤلاء الذين شاركوا في هذه المشاهد المهينة، عن الجرائم التي ارتُكِبت أمام أعينهم. كان الكثيرون منهم يحكمون على أنفسهم بأنهم مواطنون محترمون ومستنيرون، وأنهم من كبار دعاة التقدم والعلم والحرية. ومع ذلك، في برلين عام 1882، استلزم الأمر استدعاء الشرطة لإخماد أعمال شغب أحدثها زوار معرض يضم 11 شخصًا من سكان الكاويسكار الأصليين ممن جرى اختطافهم من تييرا دل فويغو. وبعد أن بالغ آلاف الزبائن في شرب كميات كبيرة من البيرة، بدأوا في قذف الرهائن بالحجارة مطالبين بمعاشرتهم على الملأ، أو التفكير في مصير اثنتين من نساء الكاويسكار اللتين نُزِعت أعضاؤهما التناسلية من جثثهما، بعد وفاتهما في الأسر، وأُرسِلت للفحص من قبل باحث ألماني بارز مهتم بالتعرف على مدى اختلاف هذه المخلوقات عن النساء الأوروبيات.

وبعد عدة عقود، من السهل إدانة هذه الأعمال الإجرامية، ومن الصعب والمؤلم أن نتساءل عن ألوان الظلم التي تحدُث حاليًا والتي نعتبرها طبيعية مثلما جرى مع حدائق الحيوان البشرية (أو عدم تمكين المرأة واستعباد الأطفال) قبل بضعة أجيال. فهل يعد ذلك إبادة متهورة لأجناس لا حدود لها، أم استنزافًا للطبيعة أم فقدانًا للحكمة التي جرى حفظها لآلاف السنين من قبل جماعات عرقية سريعة الاختفاء؟ أم هل يعد ذلك احتجازًا للملايين، وإهدارًا للعديد من الأرواح؟ أم هل هي "حربنا ضد المخدرات" التي تؤدي إلى نتائج عكسية بشكل لا يصدق والتي تدمر بالضرورة المدن والأمم والأرواح؟ أم عدم قدرتنا على تخليص أنفسنا من وباء انتشار الأسلحة النووية، والوحشية التي ينتشر بها الجوع على نطاق واسع، أم حروب أمريكا التي لا نهاية لها، أم مراكز الاحتجاز الخاصة بالمهاجرين وأطفالهم في هذا البلد أم مشهد احتجاز القاصرين الذين لا يحملون وثائق داخل أقفاص وصراخهم من أجل والديهم، أم مخيمات اللاجئين المكتظة في مناطق أخرى من العالم؟ وماذا عن الكثير من الأطفال المشردين داخل أراضيهم التي مزقتها الحرب أو وقعوا أسرى للفقر؟ أين هو الشعور بالانزعاج حيالهم؟ ومن يسعى من أجل تحريرهم من أسرهم الهيكلي؟ ومَنْ لاحظ الـ 10,000 طفل الذين قُتِلوا أو شُوهوا خلال الصراعات المسلحة التي جرت في عام 2017 فقط، فلا تكون الوفيات مرئية لنا إذا لم نصادف نشرة إخبارية قصيرة سُرعان ما يطويها النسيان؟

في الواقع، تطرح حدائق الحيوان البشرية التي لا تعود إلى ماض بعيد سؤالًا مروعًا: ما هي الأهوال اليومية لعالمنا والتي سينظر إليها أحفادنا باشمئزاز في المستقبل؟ وسيتساءلون، كيف تغاضى أجدادهم عن هذه التجاوزات التي ارتُكِبت ضد البشرية والإنسانية؟

 

اقرأ/ي أيضًا:

أين ينتصر الشعبويون في العالم؟..ولماذا؟

هل تحكم الشعبوية المجتمع الغربي؟